عن ابن عباس قال: إذا عسر على المرأة ولدها، فيكتب هاتين الآيتين والكلمات في صحفة ثم تغسل فتسقى منها: بسم الله لا إله إلا هو الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم{كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} [النازعات: 46] {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} [الأحقاف: 35].
فيه وجهان عن ابن عباس
الأول: قوله.
يرويه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه خلاف وقفا ورفعا:
فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (23974)، والثعلبي في "تفسيره" (9/27) - وتصحف عنده - عن علي بن مسهر، والبيهقي في "الدعوات" (497) من طريق حفص بن عبد الرحمن، كلاهما (علي، وحفص) عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا عسر على المرأة ولدها ...
رواه سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى وجاء على ثلاثة أوجه:
الأول: أخرجه عبد الله بن أحمد في "مسائله" (1623)، والدينوري في "المجالسة" (1996) من طريق يعلى بن عبيد عن الثوري عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به موقوفا.
نقله شيخ الإسلام عن الإمام، وزاد "مجموع الفتاوى" (19/64 ـ 65): ثنا أسود بن عامر بإسناده بمعناه ...- ثم قال - وقال أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيري: أنا الحسن بن سفيان النسوي؛ حدثني عبد الله بن أحمد بن شبوية؛ ثنا علي بن الحسن بن شقيق؛ ثنا عبد الله بن المبارك؛ عن سفيان؛ عن ابن أبي ليلى؛ عن الحكم؛ عن سعيد بن جبير؛ عن ابن عباس قال: إذا عسر على المرأة ولادها فليكتب: ... فذكره. وزاد: قال علي: يكتب في كاغدة فيعلق على عضد المرأة قال علي: وقد جربناه فلم نر شيئا أعجب منه فإذا وضعت تحله سريعا ثم تجعله في خرقة أو تحرقه.
الثاني: أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان" (ص 229): قرأت في كتاب الطب لأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم البحري أعطاني أبو عمران إبراهيم بن هانئ كتاب الله عن شجاع بن صبيح عن مصعب بن ماهان عن الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في المرأة إذا عسر عليها الولاد... الحديث موقوفا.
الثالث: أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (620) من طريق عبد الله بن محمد بن المغيرة، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به مرفوعا.
وعبد الله بن محمد بن المغيرة متروك الحديث. والموقوف هو الأولى بالصواب ويبقى الحديث ضعيفا فمدار الوقف والرفع على ابن أبي ليلى وهو صدوق سيء الحفظ جدا.
الثاني روي عنه حكاية عن عيسى بن مريم عليه السلام:
رواه عكرمة، عن ابن عباس، قال: مر عيسى بن مريم على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها فقالت يا كلمة الله أدع الله أن يخلصني مما أنا فيه فقال يا خالق النفس من النفس ويا مخلص النفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلصها فرمت بولدها فإذا هي قائمة تشمه قال إذا عسر علي المرأة ولدها فاكتبه على مكيال ثم تخطاه.
أخرجه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (1995) عن ابن قتيبة عن إبراهيم بن سليمان من ولد حذيفة بن اليمان عن أبي بشر بن مسلم عن فطر بن خليفة، عن عكرمة، به.
وإبراهيم بن سليمان كذا بالمطبوعة ولعله إبراهيم بن مسلم الحذيفي من ولد حذيفة بن اليمان أيضا وهذه طبقته وقد ترجم له الخطيب في "تاريخه" وقال: محله الصدق.
وأبو بشر بن مسلم لم أتبينه، وأخشى أن يكون محرفا أو هناك سقط بالسند، فقد رواه بشر بن سلم عن فطر، أخرجه أبو عمرو النيسابوري في "آيات الرقية والحرز" (ق33/ب) من طريق الحسن بن بشر بن سلم قال حدثني أبي بشر بن سلم عن فطر ، به.
وبشر بن سلم البجلي قال أبو حاتم: منكر الحديث. وذكره ابن حبان في "ثقاته".
وعزاه الشريشي في "شرح مقامات الحريري" (4/310) لابن قتيبة بسند متصل، كذا قال، والأثر ساقه الدينوري عن ابن قتيبة، وهو في "عيون الأخبار" (4/ 120)، وكذا عند ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 328) معلقا عن عكرمة.
ونقل ابن القيم في "الطب النبوي" (ص 277): قال الخلال: أنبأنا أبو بكر المروزى أن أبا عبدالله جاءه رجل فقال يا أبا عبد الله تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين فقال قال له يجىء بجام واسع وزعفران ورأيته يكتب لغير واحد ويذكر عن عكرمة عن ابن عباس قال مر عيسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم على بقرة وقد اعترض ولدها في بطنها فقالت يا كلمة الله ادع الله لى أن يخلصنى مما أنا فيه فقال يا خالق النفس من النفس ويا مخلص النفس من النفس ويا مخرج النفس من النفس خلصها قال فرمت بولدها فاذا هى قائمة تشمه قال فإذا عسر على المرأة ولدها فاكتبه لها وكل ما تقدم في الرقى فان كتابته نافعة.
والذي عندي أن تلك الحكاية هي الوجه الأصح عن ابن عباس، لمجيئها من طريق بشر بن سلم مع احتمال وجود متابع لبشر – كما عند ابن قتيبة - إن لم يكن فيه تصحيف أو تحريف كما بينت، وكذلك لما حكاه الخلال عن الإمام أحمد، ولأنها رويت من وجه أخر عن أبي هريرة – رضوان الله على الصحب أجمعين -:
فقد أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (1075) - وهو في "المنتقى من مكارم الأخلاق" للسلفي (602) -، والحاكم في "المستدرك" (2/ 592)، والسلفي في "الطيوريات" (303) من طريق المغيرة بن حبيب عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة، قال: بينا عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام في البرية إذ رأيا وحشية ماخضا، فقال عيسى ليحيى: قل تلك الكلمات: حنة ولدت مريم، مريم ولدت عيسى، الأرض تدعوك يا ولد، اخرج! يا ولد، اخرج يا ولد، اخرج قال حماد بن زيد: فما تكون في الحي امرأة ماخض فيقال هذا عندها إلا ولدت حتى الشاة تكون ماخضا فتتعسر فيقال هذا، فلا تبرح حتى تضع.
واقتصر الحاكم على قوله: حنة ولدت مريم، مريم ولدت عيسى.
قلت: والمغيرة بن حبيب، ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يغرب، وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال الأزدي: منكر الحديث، وقال البخاري: كان صدوقا عدلا. وقال أبو داود: لا بأس به. وقال الذهبي: صالح الحديث. وانظر: "التاريخ الكبير" (7/ 325)، "السؤلات" للآجري (1366)، "الجرح والتعديل" (8/ 220 ـ 221)، "الثقات" (7/ 466)، "تاريخ الإسلام" (3/ 737)، "لسان الميزان" (8/ 128).
أما شهر بن حوشب، فهو: صدوق كثير الإرسال و الأوهام.