قال شيخ الاسلام في الصارم المسلول ج 1ص227
قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} .
وعن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم إذ جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله قال: "ويلك من يعدل إذا لم اعدل؟ " قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه قال: "دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية "
وذكر الحديث وفيه نزلت {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَات} .
هكذا رواه البخاري وغيره من حديث معمر عن الزهري وأخرجاه في الصحيحين من وجوه أخرى عن الزهري عن أبي سلمة والضحاك الهمداني عن أبي سعيد قال: "بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بن تميم فقال: يا رسول الله اعدل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك من يعدل إذا لم اعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل " فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم "
وذكر حديث الخوارج المشهور ولم يذكر نزول الآية.
وتسمينة ذي الخويصرة هو المشهور في عامة الحديث كما رواه عامة أصحاب الزهري عنه والأشبه أن ما انفرد به معمر وهم منه فإن له مثل ذلك وقد ذكروا أن اسمه حرقوص بن زهير.
وفي الصحيحين أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد قال: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها فقسمها بين أربعة نفر وفيه: فغضب قريش والأنصار وقالوا: يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا فقال: إنما أتألفهم فأقبل رجل غائر العينين ناتيء الجبين كث اللحية مشرف الوجنتين محلوق الرأس فقال: يا محمد اتق الله قال: " فمن يطع الله إذا عصيته؟ أفيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني " فسأل رجل من القوم قتله أراه خالد بن الوليد فمنعه لما ولى قال: إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم" وذكر الحديث في صفة الخوارج وفي آخره " يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ".
وفي رواية لمسلم: " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء " وفيها فقال: يا رسول الله اتق الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ " قال: ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه فقال: "لا لعله أن يكون يصلي " قال خالد بن الوليد: "وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم ".
وفي رواية في الصحيح: فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا" فقام إليه خالد سيف الله فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا".
يقاتل الناس حتى يفعلوها وإنما كان نفاقه بما يخص النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى وكان له أن يعفو عنه وكان يعفو عنهم تأليفا للقلوب لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وقد جاء ذلك مفسرا في هذه القصة أو في مثلها.
ثم قال
:
"فالكلام الذي يؤذيهم يكفر به الرجل فيصير به محاربا إن كان ذا عهد ومرتدا أو منافقا إن كان ممن يظهر الإسلام ولهم فيه أيضا حق الآدمي فجعل الله لهم أن يعفوا عن مثل هذا النوع ووسع عليهم ذلك لما فيه من حق الآدمي تغليبا لحق الآدمي على حق الله...."
وقال في شرح عمدة الفقه ج1ص64
: ".. وعن أبي سعيد في حديث الخوارج فقال ذو الخويصرة التميمي للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله اتق الله فقال: "ويلك الست أحق أهل الأرض أن يتقي الله" قال ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد يا رسول الله إلا اضرب عنقه فقال: "لا لعله أن يكون يصلي" قال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم" رواه مسلم
فلما نهى عن قتله وعلل ذلك باحتمال صلاته علم أن ذلك هو الذي حقن دمه لا مجرد الإقرار بالشهادتين فإنه قد قال يا رسول الله ومع هذا لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وحده موجبا لحقن الدم .. "