( هَمَساتٌ فِيْ قُلُوْبِ الفَتَيَاتِ...)

ـ إن كنتِ تنتظرين ذاكَ الفارسَ الوسيمَ ذا الحصان الأبيضِ الذي طالما كنا نسمع عنه في القصص الخيالية فأنت واهمةٌ , وواهمةٌ جداً ... فخذي هذه الحقيقةَ , واطرحي ظلامَ الشكّ بأنوارِ اليقين , وكوني على علم تامٍّ بأن تلك الخيالاتِ ما هي إلا من الثقافةِ الغربية التي زُرعت في قلوبنا , وتغلغلتْ إلى عقولنا , وجثمتْ مع مرور الزمن وكثرة المغريات والفتن متربعةً على عرش قلوبنا ...فإن كنتِ حالمةً بذاك الفارس ولا بُد , فلتحلمي بشابٍّ حافظٍ لكتاب الله , ومقتفٍ أثر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , ذي دين قويمٍ , ونهجٍ مستقيم , وأمانةٍ وفضيلةٍ , وورعٍ مشبوب بطهرٍ وعفاف...يركبُ التّقْوى حصاناً أبيضَ , وبيده سيفُ العزة الإسلامية والكرامة الإيمانية مُصلتا...
ـ لا تظني أن كلّ فتاةٍ تزوجت فهي ترفُل في أثواب السعادة , وتنغمس في أنهارٍ من تسنيم النّعيم , و ترتوي حتى التّضلُّع ِمن فرات الهناء .... فكم من متزوجةٍ تتجرّع المرارة والألم , وتشرَقُ بكدَرِ الشقاء صباحَ مساءَ , وكم من متزوجةٍ تُعاني ما تعاني , ولكنها تُخفي جراحها في قلبها , وتحبس عبراتِها في جفنها...وقد لا تبيح لأحدٍ ما بذلك الألم الدفين , والسرِّ المرير...
...فاعلمي أن السعادةَ ما نالتها كلُّ متزوجةٍ , وأن الكآبة لا تتجرعها كلُّ عَزَبةٍ , فالسعادة من المقدّرات ...وباختصار شديد : لو اطلعتم على الغيب لرضيتم بالواقع !!

ـ كم من فتاة تعرّفت على شاب باسم الصداقة , وباسم التعارف , وتحت شعار تبادل الخبرة والمشاورة والمناصحة ....وكانت تلك الفتاةُ ـ وربما بطيبِ قلبٍ منها , أو لغفلةٍ بسبب ابتعادها عن نهج ربها ـ تظن أن هذه الصداقةَ هي بدايةٌ مثاليةٌ لطريق السعادة المنشودة..فأخذت تنسج في مخيلتها خيوطاً لآمالٍ حلوةٍ , و أحلام عذبةٍ , وأمنياتٍ تُداعب خاطرَها , ولاحتْ أمام ناظرَيْها أطيافٌ لمستقبل مليءٍ بالحبور ...وإذ بها وبلا شعور منها , أخذت ترسم بسمةً على شفاهها , وتسكب يقيناً ورضاً في خافقها...
ولكن... وبعد فترة يسيرةٍ , ترى أن تلك الخيوطَ قد تصرَّمت , وتلك الأحلامَ قد تبددت , وتلك الأمنياتِ قد تلاشت.. وأما الأطيافُ المليئة بالحبور فقد تبعثرت فذهبت كل آمالها سدى ..وتحولت البسمة إلى غُصة , واليقينُ إلى شك وخوف , وعرفت ـ ولكن بعد فوات الأوان ـ أن الصداقةَ المزعومةَ , وتلكَ السعادةَ المنشودة , والشعاراتِ اللامعةَ البراقةَ ما هي إلا زَيف وخداع , وسرابٌ في صحراء الوهم ... ثم عادت إلى واقعها , واستيقظت من إغفاءتها وهي كسيرةُ القلب , مهيضةُ الجناح .. تَسكُب على وجنتيها العبراتِ , وترتشف الأسى من كؤوس الحسراتِ.....
ـ أجمل ما في الفتاة تربيتُها , وأجمل ما في تربيتِها حياؤُها , وأفضل بساطٍ تمشي عليه الفتاة هو بساط الحياء لذلك قال تعالى : (فجاءته إحداهُما تَمشي على استحياءٍ)...
ـ كثيرةٌ هي مغرياتُ الحياة فلا تغترّي , وقريبةٌ منك غياهبُ جُبِّ الضلال , ومهاوي حضيضِ الفتن فإياك أن تقعيِ , ولا تعجبي لقلّة السالكاتِ سُبُلَ الهدى , وتذكري دائماً : أن الكرامَ قليلُ....
ـ حذارِ من أتعيشي حياة الضياع , وأن تكوني لقمةً سائغة في براثن السباع , فالحذر مطلوب من الرجل , ولكنْ على الفتاةِ أن تكون أشدَّ حذراً , وأكثرَ حيطةً..فالزجاجُ عندما يتصدع ويتبعثر لا يمكن جبرُهُ وجمعه من جديدِ !, والماء عندما يُكسب ويُراق لا يمكن أن يعود إلى الكأس! ...
ـ تخطئ من تظن أن العلم يعني انحدارَ الأخلاق أو الجرأةَ التي قد تصل إلى حد الوقاحة , وتخطئ من تظن أن حرية المرأة تعني طرح الحشمة وخلع ملاءة العفاف ...
ـ مسكينةٌ تلك الفتاةُ التي لا ترى في أبيها إلا جلاداً مكفهِرَّ الوجه , مُقطّب الحاجبين , يتساقط الشررُ من عينيه , لا ينظر إليها إلا شزْراً , ولا يستمع إليها إلا قهْراً...لم تسمع منه طوال حياتها كلمةً لطيفةً , ولم تشعر يوماً ما أنه يَحوطها بشيء من الحنان , حنانِ الأبوةِ الذي سمعت به من أترابها , وتفاخرت به كثيراً صديقاتها , إلا أن تلك المسكينةَ كانت تظن أن حنانَ الأبوةِ ما هو إلا ضربٌ من الخيال , أو هو إحدى المستحيلاتِ الثلاثةِ...
مسكينةٌ لأنها كانت إن غلبها الكرَى تحلم بيدٍ أبوية حانية تُربّت على كتفيها , وإن سرَحت بفكرها في اليقظة فما أكثرَ ما تتخيل أن أباها يقبلها بوجهٍ باسم , ويعانقها بلهفة وحرارةٍ ....
ـ فرق كبيرٌ بين الفتاة الواثقة بنفسها , وبين الفتاة المتكبرة والمتعالية باسم الثقة بالنفس !, وفرق كبير بين الفتاة المتعلّمة والفتاة الجاهلة..لكني سأهمس في أذنك بالتالي :
ـ اعلمي أنّ ما كلُّ فتاةٍ حصلت على أعلى الشهادات فهي متعلمة , فالعلم في الحقيقة إنما هو أخلاقٌ سامية وأدبٌ رفيع , وطهرٌ وفضيلة ...فأنْ تكونَ المرأةُ أميةً لا تعرف القراءة ولا الكتابة ـ وهي في غاية الأدب والحشمة والفضائل ـ خيرٌ لها من أن تكون متعلمةً وهي غارقة في مستنقع الرزايا , ومتلطخة بأوحال اللامبالاة وانعدام المسؤولية !

كاتب المقال : مصطفى قاسم عباس
منقول