تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تأملات في أسماء الأفعال وحقيقة التنوين فيها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    المشاركات
    31

    افتراضي تأملات في أسماء الأفعال وحقيقة التنوين فيها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تأملات في أسماء الأفعال وحقيقة التنوين فيها
    بقلم: ياسر

    مقدمة:

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
    إنّ اللغة العربية اتسمت بتعدد فنونها وعلومها مما ينبئ عن سعة هذه اللغة، وأخذت هذه العلوم تتطور كسائر العلوم الأخرى؛ فبدأت النظريات تطرح وتناقش حتى وضعت الأسس الصحيحة لها، ومن أبرز هذه العلوم تطوراً وبحثاً هو علم النحو؛ لأنّه كان في بادئ الأمر علماً فيه بعض الضوابط العامة وكان كثير منها متسماً بعدم الدقة، وفي زمنِ الخليل وسيبويه أخذت معالم هذا الفن تتضح شيئاً فشيئاً.
    ثم في القرون السادس والسابع والثامن[1] - وقد بلغ النحو ذروته فيه - الهجرية التي شهدت عمليات البحث الدقيق للأسس والقواعد التي سار عليها من سبقهم، ولكن مع هذا لا تزال بعض الاستفسارات تطرح وبعض المشاكل لم تحل بشكل جيد؛ لأنّ بعضها إنما نشأ عن مقدمات لم تكن صحيحةً ومن هذه الأمور باب (أسماء الأفعال) فالغموض ظل مسيطراً على بعض الجوانب التي لم تدرس بالشكل الصحيح - فيما بين أيدينا على الأقل[2]- مما يجعل الباحث في هذا الموضوع يتخبط؛ للتعارض الموجود بين الأدلة من جهة، ولعدم عرض الموضوع بطريقة موسّعة[3] مما يؤدي إلى تكوين صورة مشوشة عند الطلبة الدارسين لها من جهة أخرى. وهذا البحث الذي بين أيديكم ما هو إلا محاولة لحل بعض التناقضات التي يواجهها كثير ممن يريد البحث في هذا الأمر راجياً من الله تعالى التوفيق والهداية وحسن العاقبة.
    المبحث الأول: أقوال النحاة

    افترق النحاة إلى ثلاثة فرق في بيان نوع هذه الكلمات - أسماء الأفعال - أأسماء هي، أم أفعال، أم شيء آخر؟
    اختار جمهور علماء البصرة الرأي الأول، أي: هي أسماء حقيقة، واختار جمهور علماء الكوفة الرأي الثاني فعدّوها من الأفعال، وهناك رأي ثالث لأبي جعفر ابن صابر فسمى هذه الكلمات بالخالفة[4].
    وهذا الخلاف الذي نشأ بين نحاة الكوفة والبصرة لعلّه نتيجة الخلاف في كونها دالةً على معنى الفعل - الحدث والزمان - بنفسها، أم لا على أنها نائبة عن الفعل[5]؟ ويدل على ذلك قول ابن مالك - القائل بالاسمية - في ألفيته عند وصوله لأسماء الأفعال: (ما ناب عن فعل كشتان وصه * هو اسم فعل وكذا أوه ومه) فقوله (ما ناب عن فعل) فيه إشارة لكونها ليست دالةً بنفسها على معنى الفعل، أي: الحدث والزمن، وللكشف عن واقع الحال علينا الرجوع إلى علماء اللغة وأصحاب المعاجم.
    المبحث الثاني: آراء اللغويين في هذه الألفاظ

    للكشف عن حقيقة وضعها علينا مراجعة علماء اللغة؛ لأنهم هم ذوو الاختصاص في هذا المجال - أصل وضع الكلمات -، وسأقتصر على مثالين في الأمر (صه، ومه)، ومثال في المضارع (بخ)، وآخر في الماضي (شتان)، وسنجد في القاموس المحيط:
    صه: هي كلمة زجر للمتكلم، أي: اسكت[6].

    مه: أي: اكفف[7].

    بخ: عَظُم الأمر[8].

    شتان: بَعُد[9].

    وإليك ما ورد الصحاح:
    مه: كلمة بنيت على السكون، وهو اسم سمي به الفعل، ومعناه: اكفف[10].

    صه: كلمة بنيت على السكون، وهو اسم سمي به الفعل، ومعناه: اسكت[11].

    بخ: كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، وتكرر للمبالغة فيقال: بخ بخ. فإن وصلت خفضت ونوّنت فقلت : بخٍ بخٍ. وربما شدّدت كالاسم[12].

    شتان: مصروفة عن شتت، فالفتحة التي في النون هي الفتحة التي كانت في التاء؛ لتدل على أنه مصروف عن الفعل الماضي[13].

    نلاحظ أنّ الفيروزآبادي لم يشر إلى أنّ هذه الألفاظ إنما وضعت للدلالة على ألفاظ أفعالها واكتفى بذكر معانيها، مما يدل على أنّ هذه هي معانيها وهي ما وضعت له، وليست كلمات موضوعة للفظ الفعل كما زُعم[14]. بينما ذهب الجوهري - في بعضها على الأقل - إلى أنها موضوعة لنفس اللفظ لا للمعنى. فأيهما الصحيح ؟
    أجاب المحقق الرضي: ((وليس ما قال بعضهم: إنّ (صه) - مثلاً - اسم للفظ (اسكت) الذي هو دال على معنى الفعل، فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه بشيء، إذ العربي القح ربما يقول: صه، مع أنه لا يخطر بباله لفظ: اسكت، وربما لم يسمعه أصلا، ولو قلت: إنه اسم لـ(اصمت) أو (امتنع) أو (كف عن الكلام) أو غير ذلك مما يؤدي هذا المعنى، لصح. فعلمنا أنّ المقصود منه المعنى لا اللفظ))[15].
    أقول: إنّ الرأي الصائب هو ما رجحه الرضي؛ لأنّ أصل الوضع هو أن يقرن لفظ بمعنى؛ كي يدل عليه بلا واسطة، وأما الخروج عنه فيحتاج - على فرض إمكانه - لدليل ناصع وبرهان قاطع، لا مجرد طرح الموضوع بعبارات خلابة وألفاظ جميلة عارية عن التحقيق، فضلاً عن عدم وجود نظائر[16] واضحة ومقطوع بها، وحيث لم يُعثر - فيما بين يدي على الأقل - على ما يصلح الاستدلال به على هذه الدعوى، لزم التمسك بالأصل، لا سيما إذا كانت هذه الدعوى غير مفهومة العلة.
    المبحث الثالث: حجّة البصريين والكوفيين

    أولاً: حجّة نحاة البصرة:
    قبول هذه الكلمات التنوين الذي يعد من علامات الأسماء.

    مخالفتها سنن الأفعال؛ فلا تسند إلى الضمائر المتصلة، ولا ينصب المضارع المتصل بالفاء في جوابها إن كان اسم الفعل طلبياً، ولا تؤكَّد بالفعل بينما يؤكد الفعل بها.

    ثانياً: حجّة نحاة الكوفة:
    لما كانت هذه الألفاظ داخلةً تحت تعريف الفعل عندنا وعندكم، وخارجةً عن تعريف الاسم عند كلَينا، فلا محيص عن التسليم بفعليتها، وعرّف ابن الحاجب في الكافية الاسمَ والفعلَ، فالاسم: ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة[17]. والفعل: ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة [18].
    المبحث الرابع: مناقشة البصريين

    بعد التسليم بأنّ أسماء الأفعال دالة على الزمان دلالة وضعية مباشرة (بلا واسطة)[19]، لأول وهلة نرى أنّ تعريف الفعل ينطبق على أسماء الأفعال تمام الانطباق، وأنّ تعريف الاسم لا ينطبق بالمرة على هذه الكلمات، فلماذا هذا العدول المفاجئ من النحاة؟!
    ولو تنزلنا وقلنا: ما من عام إلا وقد خُصّ، فما المانع من أن تكون هذه الألفاظ مما شذ عن التعريف، وألحقت بالأسماء إلحاقاً؟
    نقول: إنّ من خصائص الاسم التي تفرد بها عن أخويه أنه متى وجد كان له محل من الإعراب، وبذلك استدل النحاة على اسمية بعض الألفاظ وعدمها كما في (مهما) في قول الشاعر:
    (ومهما تكن عند امرئ من خليقةٍ وإن خالها تخفى على الناس تعلم)
    فكما هو معروف أنّ هناك خلافاً في (مهما) أاسم هي أم حرف؟ والخلاف يكمن في هذا البيت فالقائل بالحرفية جعل (مهما) لا محل لها من الإعراب، والقائل بالاسمية رفعها على أنها مبتدأ[20]. ونص ابن هشام على حرفية (لما الرابطة) قائلاً: ((وإذا بطل أن يكون لها عامل تعين أن لا موضع لها من الإعراب، وذلك يقتضي الحرفية[21])).
    وكذا ما نقله أبو حيان عن المازني في مبحث (أل) الموصولة، فقد استشكل في الحكم باسميتها؛ لأنها لا موضع لها من الإعراب، ((ولا يكون اسم في الكلام إلا وله موضع من الإعراب))[22].
    وكذا الخلاف الموجود في ما يسمى بـ(ضمير الفصل) ، فمن النحاة من قال بأنه اسم لا محل له من الإعراب، واستشكل عليه النحويون كما هو مذكور في مظانه[23].
    وبعد ضم هذه المقدمة لنتيجة المبحث الثاني[24]، نسأل أحد القائلين باسمية هذه الكلمات عن إعراب (هيهات زيد)؟ سيجيب بأحد ثلاثة آراء ذكرت في كتب النحو، وهي:
    ((الأول: وهو رأي الأخفش وهو الذي رجحه جمهور علماء النحو، أنّ هيهات: اسم فعل ماضٍ مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وزيد: فاعل مرفوع بالضمة.
    والثاني: وهو رأي سيبويه والمازني، أنّ هيهات: مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه، وزيد: فاعل، وكأنك قلت: بَعُدَ بعداً زيد، فهو متأثر بعامل لفظي محذوف من الكلام وهو الفعل (بَعُد).
    والثالث: لم أقف على صاحبه، أنّ هيهات: مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع، فهو متأثر بعامل معنوي وهو الابتداء، وزيد: فاعل سد مسد الخبر.[25])).
    ولتقويم هذه الآراء بناء على ما يلتزم به أصحاب هذه الآراء أقول:
    الرأي الأول غير صحيح؛ لأن إن لم يكن لـ(هيهات) محل إعرابي فلا يمكن أن تكون اسماً؛ لما تقدم من كلام المازني وابن هشام عن التلازم بين الاسمية وبين كون الكلمة ذات محل إعرابي.
    وأما الرأي الثاني، فمستنده أنّ أسماء الأفعال تنوب عن مصدر الفعل الذي يقابلها وهو رأي واضح البطلان؛ لأمور:
    الأول: لأنّ المصدر - أصلاً - لا يتضمن زمان الحدث بل هو عبارة عن أحد مدلولي الفعل، إذ إنّ الفعل دال على معنيين هما الحدث والزمان، والمصدر يدل على الحدث المجرد عن الزمان، وعليه فلا يمكن أن يكون (هيهات) نائباً عن (بعداً) لعدم تساويهما في الزمن والدلالة، إلا أن يقال: إنه من قبيل (ضرباً يازيد)، وفيه نظر؛ لأنّ النحاة قالوا - كما تقدم -: إنّ الفعل يؤكد باسم الفعل، وعليه فيمكننا قول: (بَعُدَ هيهات الرجل)، فيعرب: (بَعُد): فعل ماضٍ. و(هيهات): توكيد لـ(بعُد). و(الرجل): فاعل. ويبدو أنّ هذا الإعراب متفق عليه إلا عند أصحاب هذا الرأي[26]، فتأَوَّلوا وقالوا في (بَعُد هيهات الرجل): إنّ (هيهات) منصوب بـ(بعد) محذوف وجوباً، وهذا مما لا نظير له فضلا عن التكلف الذي فيه، بل لا معنى حينئذٍ لتقدير (بَعُد)، والتقدير الكثير مع إمكان عدمه أفضل، بل هو الواجب[27].
    والثاني: لو كان في محل نصب على أنه مفعول مطلق فذلك يقتضي أن يكون له ناصب (عامل أثر فيه النصب) مما يؤدي إلى ارتفاع علة البناء المتقدم ذكرها.
    والثالث: إذ لو كانت كذلك لكانت الأفعال قبلها مقدرة، فلم تكن قائمة مقام الفعل، بل كانت قائمة مقام المصدر - والمصدر معرب وكذا ما يقوم مقامه[28] -، فلم تكن مبنية؛ لأن صاحب هذا الرأي اعتبر علة البناء هي مشابهة الحرف[29].
    وأما الرأي الثالث - وهو أنها مبتدأ -، فحجته ضعيفة أيضاً؛ وذلك لأمرين:
    الأول: لأنّ المبتدأ يكون متأثراً بعامل، سواء اعتبرناه معنوياً - كما ذهب إليه سيبويه وكثير من البصريين[30] - وهو الابتداء، أم اعتبرناه لفظياً وهو الخبر أو ما سد مسده - كما ذهب إليه أغلب الكوفيين[31]، ورجحه المحقق الرضي وأبو حيان -، وعلى كلا التقديرين تنتفي علة بنائها وهي (النيابة عن الفعل بشرط عدم التأثر بالعوامل)[32] التي أشار إليها ابن مالك في قوله: (وكنيابة عن الفعل بلا تأثر).
    الثاني: لأنّ هذا القول مبني على قياس (هيهات زيد) على (أقائم الولدان؟)، وهذا لا يصح؛ لأن معنى قائم ، معنى الاسم وإن شابه الفعل، أي : ذو قيام، فيصح أن يكون مبتدأ، بخلاف اسم الفعل، إذ إن معناه معنى الفعل وإن شابه الاسم بلفظه، ولا اعتبار باللفظ؛ بدليل أننا في قولنا: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه)، تسمع مبتدأ، وإن كان لفظه فعلا؛ لأن معناه معنى الاسم، بينما معنى (هيهات) ليس معنى اسمياً، بل هو فعلي، فلا يصح هكذا قياس لمجرد أن لفظه يشبه لفظ الاسم؛ لأن الأصل في الإعراب هو المعنى[33].
    ويؤيد هذا القول بالفعلية إطلاق النحاة في تقسيمهم الاسم إلى نكرة ومعرفة، ولما ذكروا أسماء الأفعال وتنوينها افترقوا، فقالت طائفة: ما كان ينون تارةً ولا ينون تارةً أخرى، يكون المنون منه نكرة وغير المنون معرفة مثل (صهٍ، وصه)، ومنها ما هو ملازم للتنكير مثل (واهاً)، ومنها ماهو ملازم للتعريف مثل (نزالِ، ودراكِ، وبله). وقال بعضهم: كلُّها معارف[34].
    لكنَّ العجب كل العجب من أنهم لم يبينوا بشكل واضح لا لبس فيه، من أي الأقسام هي، أمن الضمير، أم من العلم، أم..؟
    نعم، قال بعضهم: إنها من علم الجنس[35]. ويُرَدُّ بعدم دخولها تحت تعريف العلم - شخصاً كان أم جنساً -؛ فتعريف العلم هو: المخصوص مطلقاً - غلبةً أو تعليقاً - بمسمى غير مقدر الشياع، أو الشائعُ الجاري مجراه[36].
    وما فوق الخط هو علم الجنس، ولا نجد أنّ (صهْ) شائع جار مجرى المخصوص باللفظ؛ لأن علم الجنس معرفة لفظاً لا حقيقةً، وهذا خلاف ما ادّعيَ في معنى (صه)؛ إذ قالو في معناها: اسكت السكوت المعهود، وليس فيه تعريف أو تنكير، بل يستفاد من كلماتهم - النحاة - أن كل علم جنس مندرج في تعريف النكرة[37]، وهو: ما شاع في جنس موجود أو مقدر، ونلاحظ أن (صه، وصهٍ) لا يندرجان تحت هذا التعريف.
    وكذا عدم قبول أسماء الأفعال شيئا من علامات المعرفة أو النكرة.
    وهذان الأمران كاشفان عن عدم تنكير أسماء الأفعال أو تعريفهما؛ لأنهما فعلان لا اسمان، فخرجا عن المقسم الذي هو الاسم (فكانت أسماءُ الأفعال خارجةً تخصُّصاً).
    والأعجب من ذلك كله هو عدم تأليفهم لعلل - (زائفة) كما يعبر عباس حسن[38] - في تفسير تنكير بعضها وتعريف الأخريات!!
    مشكلة مستعصية:

    وأما تنوين بعضها كـ(صه ومه)، فيجب البحث عن سبب التنوين فيهما، وسنجد أنّ التنوين إنما يجيء - على المختار - إذا أردنا أن نعمم الأمر فإذا قلنا: (صهٍ) يكون بقوة قولنا: (اسكت عن كل كلام)، وإذا قلنا: (صهْ) بلا تنوين نعني: اسكت عن هذا الكلام، إذاً فالتنوين هنا تنوين تنكير - حسب تعبيرهم -, وعليه فقس (مه) وغيرها.
    وهذه الشبهة هي ما جعلت المدافعين عن رأي الكوفيين حيارى لا يملكون جواباً.
    ولتتضح الصورة علينا أن نطرح سؤالين: ما هي حقيقة التنوين؟ وما هي نسبته للاسم؟
    وأما إشكال مخالفتها سنن الأفعال فسيأتي محل الكلام فيه بعد مبحث التنوين.
    المبحث الخامس: التنوين وحقيقته

    يقول علماء المنطق: إنّ هناك كلياتٍ خمساً وهي: النوع والجنس والفصل والخاصة والعرض العام، ويصطلحون على الثلاثة الأُول بـ(الذاتي) والآخرين بـ(العرضي)[39]، ويمثلونها (الإنسان حيوان ناطق ضاحك ماشٍ) فيعتبرون الإنسان (نوعاً)، والحيوان (جنساً)، والناطق (فصلاً)، والضاحك (خاصةً)، والماشي (عرضاً عاماً).
    واستفاد علماء النحو من هذا المبحث عند وضعهم لعلامات الاسم وقسيميه؛ فبحثوا عن الخاصة التي تُميز كل نوع من الأنواع الثلاثة فوجدوا - مثلاً - (الجرَّ) خاصةً للاسم، و(قبول تاء الفاعل) خاصةً للفعل، وهذا حال باقي العلامات.
    وذكر النحاة أن من علامات (خواص) الاسم أنه يقبل التنوين، وأقسام التنوين التي ينفرد بها عن قسيميه هي: تنوين التمكين، وتنوين التنكير، وتنوين التعويض، وتنوين المقابلة، وهذا مذكور في جل كتب النحو المعتبرة، واختلف في تنوين (صهٍ ومهٍ)، فذهب الجمهور إلى أنه تنوين تنكير، وذهب ابن السكيت والجوهري إلى أنه علامة على كونه موصولاً بما بعده وأن تركه دليل على الوقوف عنده[40]، وذهب المحقق الرضي إلى أنه تنوين مقابلة وإلحاق[41]، وذهب الدكتور سليم النعيمي إلى أن التنوين يأتي للمبالغة[42].
    وأما قول الجمهور: إنه تنوين التنكير، فإذا قلنا بفعلية (صه وأخواتها) يصبح عرضاً عاماً شأنه شأن قبول (هاء الغائب)، فهي تتصل بالأنواع الثلاثة كما في: (زيد جاء ابنه فضربته فوقع عليه)، ولا مانع من أن يكون تنوين التنكير عرضاً عاماً يشترك فيه الفعل على قلة ورود التنوين معه ، والاسم على كثرة ورود التنوين معه، كما اشتركا في قبول اتصال الهاء بهما، لكنّ الفرق هو أنّ دخول التنوين سماعي في الفعل وقياسي في الاسم، بينما اتصالهما بالهاء فقياسي في الفعل والاسم.
    وإذا كان تنوينناً للوصل، فيكون هذا النوع مشتركاً بين الأسماء والأفعال.
    وأما قول المحقق الرضي، فهو قول غامض؛ لأنه لم يبين بم أُلحق اسم الفعل المنون، وكذا لم يبين بم قُوبل، ويبدو لي أن المحقق الرضي أراد بالإلحاق هنا إلحاق اسم الصوت وبعض أسماء الأفعال بالأسماء الموضوعة لمعنى، وأراد بالمقابلة هنا مقابلة الأسماء المتكنة، لكن هل هناك فرق دلالي بين (صه) و(صهٍ) على رأيه؟
    يحتمل وجود الفرق ويحتمل عدمه، وعبارته - في نظري - قاصرة عن الجواب على هذا التساؤل، والله أعلم.
    أما قول الدكتور سليم النعيمي، فهو قريب من قول الجمهور إن لم يكن نفسه؛ لأن المبالغة في الأمر بالسكوت - مثلا - تستدعي طلب السكوت عن كل حديث، وعليه يكون الكلام هنا كالكلام في تنوين التنكير.
    وأما أقرب هذه الآراء، فلعله قول الجمهور، والله أعلم.
    المبحث السادس: كيف خالفت هذه الألفاظ سنن الأفعال؟

    بقي إشكال مخالفتها سنن الأفعال، وللرد عليه نقول: إنّ الأسماء تقسم ثلاثة أقسام: متمكنة أمكنة وهي ما سلمت من شبه الفعل والحرف (المعربة المنصرفة)، ومتمكنة غير أمكنة وهي ما أشبهت الفعل (الممنوع من الصرف)، وغير متمكنة وهي ما أشبهت الحرف (المبني)، وهو محل اتفاق في الجملة.
    وكذا الحال في الأفعال فهي: إمّا تامة التصرف كـ(ضرب)، أو ناقصة التصرف كبعض الأفعال الناقصة، أو غير متصرفة كـ(ليس) و(صه وأخواتها)؛ فكانت أقل وضوحاً في كونها أفعالاً.
    وليس عدم الوضوح مختصاً بباب (صه وأخواتها)، بل في (ليس) أيضاً التي اشتَبه أمرها بين الفعلية والحرفية كما ذهب إليه بعض النحاة[43]؛ لأنها مخالفة للأفعال في بعض الأمور كعدم التصرف، وكذا في (عسى، ونِعمَ، وبِئسَ)[44]، فلا عجب في أنّ هذه الألفاظ - إذ بعضها قريب من الأسماء من حيث الهيئة - أن يشتبه أمرها بين الاسمية والفعلية، بل لعل هذا الشبه هو ما جعلها تخالف الأفعال المتصرفة - سواء أكان تصرفها تاماً، أم ناقصاً - وهذا ليس بغريب في النحو؛ لأنّ الاسم يُبنى إذا شابه الحرف شبهاً لا معارض له، ويُمنع من الصرف إذا شابه الفعل شبهاً قوياً، وهذا كثير في النحو ولا مجال لإحصائه في هذا البحث.
    المبحث السابع: نتائج البحث

    بناءً على ما تقدم نحصل على النتائج التالية:
    إنّ للأفعال - بأنواعها الثلاثة - صيغاً غير قياسية (سماعية) كما في: صه، ومه، وهيهات، وبخ.

    يلحق تنوين التنكير بعض هذه الأفعال، وهو سماعي؛ لأنه أمر نادر في باب الأفعال، ولعل علة وجوده في بعضها هي مشابهة هذه الأفعالِ الأسماءَ من حيث هيئاتها.

    إنّ لفعل الأمر صيغةً أخرى قياسية خلافاً للمبرد الذي قصر هذا الباب على السماع، وهي من الفعل الثلاثي على وزن فَعالِ،كما في: نَزالِ ودَراكِ[45]، واستقرب ابن الحاجب أن هذه الصيغة فعل أمر[46]. وأما صوغه من الرباعي على وزن: فَعلالِ كما في: قَرقارِ وعَرعارِ، ففيه خلاف، فعند الأخفش مقيس، وعند سيبويه مقصور على السماع[47].

    (رويدَ)[48] تعرب مفعولاً مطلقاً لفعل محذوف لا اسمَ فعلٍ، كما في قولنا: (رويدَ زيداً)، على تقدير مضاف إليه محذوف منويٌّ ثبوت لفظه، ودل عليه عدم وجود التنوين؛ لأنّ التنوين والإضافة لا يجتمعان، فيكون التقدير (رويدَك زيداً)، كما هو حال (قبل، وبعد، وأسماء الجهات الست).

    أشباه الجمل - الظرف والجار والمجرور - قد تأتي بصورة تبدو كأنها دالة على الأمر[49]، لكنها متعلقة بفعل محذوف كما في قولك: أمامك. يكون المقدر الفعل (تقدم). وكذا (عليك) في قولك: عليك نفسك. يكون الجار والمجرور متعلقاً بفعل محذوف[50].

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين وآله الطاهرين.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2013
    المشاركات
    31

    افتراضي رد: تأملات في أسماء الأفعال وحقيقة التنوين فيها

    المصادر:
    [1] ففي القرن السادس: برز ابن الأنباري، وابن الحاجب، وأبو علي الشلوبين. وفي القرن السابع: برز الرضي، وابن عصفور، وابن مالك. وفي القرن الثامن: برز أبو حيان، وتلميذه ابن عقيل، وابن هشام الأنصاري، والشاطبي، وغيرهم الكثير.

    [2] ككتب أبي حيان المطبوعة، والألفية وشروحها المتداولة، كشرح ابن الناظم، وشرح ابن عقيل، وأوضح المسالك، وشرح الأشموني، وشرح السيوطي، وكذا في الحواشي على هذه الأسفار كحاشية الخضري على شرح ابن عقيل، وعدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك لمحمد محيي الدين، وحاشية الصبان على شرح الأشموني، وتميزت في هذه الحواشي بذكر كثير من الآراء مع الدليل - غالبا - إلا في باب أسماء الأفعال.

    [3] أشار أبو حيان في (التذييل والتكميل في شرح التسهيل) إلى أنه بحث هذا الموضوع مفصلاً في باب اسم الفعل في شرحه، لكن - مع الأسف - لم أعثر على الجزء الذي ذكر فيه اسم الفعل، وقيل: إنه قيد التحقيق، ولا أعلم متى سيطبع وينشر.

    [4] السيوطي، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، ناب مصطفوي، الطبعة الأولى، ج:3، ص: 82. محمد محيي الدين، منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل، الفقاهة، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 31.

    [5] السيوطي، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، ناب مصطفوي، الطبعة الأولى، ج:3، ص: 83. وأشار الصبان والخضري - الذي تبنى هذا الرأي، ووصفه بأنه مذهب المحققين - إلى هذا الأمر في حاشيتيهما على شرح الأشموني وشرح ابن عقيل، إذا جرهما الكلام للحديث عن أسماء الأفعال، وقد فصلا في هذا الأمر وذكرا آراءً كثيرةً بشكل متقطع خالية غالباً من الاستدلال.

    [6] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، ج: 4، ص: 411.

    [7] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، ج: 4، ص: 420.

    [8] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 508.

    [9] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 328.

    [10] الجوهري، الصحاح، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، ج: 6، ص: 2250.

    [11] الجوهري، الصحاح، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، ج: 6، ص: 2239.

    [12] الجوهري، الصحاح، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 418.

    [13] الجوهري، الصحاح، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 255.

    [14] الخضري، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، دار الفكر، الطبعة الثانية، ج: 1، ص: 25. وأشار الصبان إلى هذا المعنى في موارد متفرقة.

    [15] الرضي، شرح الرضي على الكافية، دار المجتبى، الطبعة الأولى، ج: ٣، ص: ٨٧.

    [16] إلا ما ادُّعِيَ في اسم المصدر من قبل أكثر النحاة، وفيه نظر وتأمل يأتي في محله. وبحثت هذه المسألة مفصلاً في النحو الوافي لعباس حسن، ج: 3، م: 99، باب: إعمال المصدر واسمه.
    وكذا مسألة علم الجنس؛ فيستفاد من بعض الكلمات أنه موضوع لاسم الجنس المعرف بالأداة، وفيه نظر أيضاً.

    [17] ركن الدين الأستراباذي، البسيط في شرح الكافية، المكتبة الأدبية المختصة، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 136. ابن هشام الأنصاري، شرح شذور الذهب، دار الكوخ للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، ص: 35.

    [18] ركن الدين الأستراباذي، البسيط في شرح الكافية، المكتبة الأدبية المختصة، الطبعة الأولى، ج: 2، ص: 324. ابن هشام الأنصاري، شرح شذور الذهب، دار الكوخ للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، ص: 35.

    [19] نتيجة المبحث الثاني.

    [20] ابن هشام الأنصاري، شرح قطر الندى، منشورارت الفيروزآبادي، الطبعة الثامنة، ص: 41.

    [21]ابن هشام الأنصاري، شرح قطر الندى، منشورارت الفيروزآبادي، الطبعة الثامنة، ص: 43.

    [22] أبو حيان، التذييل والتكميل في شرح التسهيل، دار القلم بدمشق، ج: 3، ص: 60.

    [23] عقد ابن هشام في المغني فصلا كاملا لضمير الفصل بسط الكلام فيه، فليراجع.

    [24] أن دلالة أسماء الأفعال على الحدث والزمان دلالة وضعية.

    [25] الخضري، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، دار الفكر، الطبعة الثانية، ج: 1، ص: 46. أبو حيان، ارتشاف الضرب، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، ص: 2311.

    [26] لا مصدر لهذه الدعوى، وما هي إلا مقتضى كلام أبي حيان والخضري، والله أعلم بواقع الحال.

    [27] وهذا من أهم أسباب نفرة الطلاب من النحو ودراسته، بل هو أحد الأسباب التي دفعت ابن مضاء القرطبي لكتابة (الرد على النحاة)، وتابعه عباس حسن في (النحو الوافي). وهذا نتيجة الإفراط والتفريط في دراسة العلل والتأويل بلا داعٍ واضح.

    [28] مما يقوم مقام المصدر: اسم المصدر، وكل وبعض إذا أضيفا للمصدر، أسماء العدد نحو (ضربته مرتين)، وغيرها.

    [29] انظر: شرح الكافية للمحقق الرضي، ج: 3، باب أسماء الأفعال.

    [30] ابن عقيل، شرح ابن عقيل، الفقاهة، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 188.

    [31] الأنباري، الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، المكتبة التجارية الكبرى، الطبعة الرابعة، ج:1، ص:44، م:5.

    [32] وهناك من ذهب إلى أنّ علة بنائها هي مشابهتها لمبني، وينتقض باسم الفعل المضارع، ولا يندفع بقول بعضهم: إنه دال على المضارع المقرون بنون التوكيد؛ لأنّ أسماء الأفعال تأتي بلفظ واحد للمفرد والجمع، وإذا أتت للجمع، لزم كونها دالة على المضارع بصيغة (يَفْعَلُنَّ)، وهو حينئذٍ غير مبني عند الجمهور؛ للفصل بين النون والفعل.

    [33] انظر: شرح الكافية للمحقق الرضي، ج: 3، باب أسماء الأفعال.

    [34] أبو حيان، ارتشاف الضرب، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، ص: 2311.

    [35] أبو حيان، ارتشاف الضرب، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، ص: 2311.

    [36] ابن عقيل، المساعد على تسهيل الفوائد، جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 125- 126.

    [37] انظر شرح ابن عقيل في باب علم الجنس.

    [38] نحوي مصري معاصر، من أساتذة النحو في الجامعات المصرية، ألف كتاب (النحو الوافي) الذي يعد مرجعاً مهماً لطلبة الجامعات وأساتذتها في هذه الأيام، بل عند أغلب طلبة النحو، وانتقد مؤلفه العلل النحوية نقداً شديداً في مقدمة الكتاب وفي طيات بحوثه لا سيما في مباحثه التي يسميها (زيادة وتفصيل)، وانتقد التقدير الكثير لاسيما في كتاب الله تعالى؛ ليتماشى الكلام مع قواعد النحاة التي عدها بعض أصحابها قرآناً منزلاً وكتاباً محكماً لا يمكن معارضتها ولا يأتيها الباطل، فألف ابن خروف كتاباً سماه (تنزيه أئمة النحو، عما نسب إليهم من الخطأ والسهو)، فرد عليه ابن مضاء القرطبي كما ذكر السيوطي في بغية الوعاة، والله أعلم بحال الكتابين.

    [39] الشيخ المظفر، المنطق، إسماعيليان، الطبعة الثامنة عشرة، ص: 67.

    [40] الرضي، شرح الرضي على الكافية، دار المجتبى، الطبعة الأولى، ج: 3، ص: 91.

    [41] الرضي، شرح الرضي على الكافية، دار المجتبى، الطبعة الأولى، ج: 3، ص: 120.

    [42] الدكتور فاضل السامرائي، معاني النحو، دار الفكر، الطبعة الأولى، ج: 4، ص: 36.

    [43] ابن عقيل، شرح ابن عقيل، الفقاهة، الطبعة الأولى، ص: 244.

    [44] ابن هشام الأنصاري، شرح قطر الندى، منشورارت الفيروزآبادي، الطبعة الثامنة ص: 27.

    [45]وهي صورة من صور أسماء الأفعال وتسمى بـ(المعدولة) .

    [46] ركن الدين الأستراباذي، البسيط في شرح الكافية، المكتبة الأدبية المختصة، الطبعة الأولى، ج: 2، ص: 141.

    [47] ابن عقيل، المساعد على تسهيل الفوائد، جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، ج: 2، ص: 656.

    [48] وهي من الأسماء التي تأتي مصدراً تارة واسم فعل تارة أخرى.

    [49] وهو ما يصطلح عليه باسم الفعل (المنقول).

    [50] وأجاد الدكتور السامرائي في هذا المبحث في كتابه معاني النحو، باب أسماء الأفعال، فليراجع.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •