شعراء صدر الاسلام -22
بقلم- فالح الحجية
عـروة بن حـزام العذري
هوعُروة بن حِزام بن مُهاصِر بن مالك أحدَ بني حزام بن ضبة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد بن عمر بن هذيم .
أحبَّ ابنةَ عَمِّهِ (عَفراءَ بِنتَ عقال مُهاصِر بنِ مالك الضَّبّيّ) وقد اشتهَرَ بَنُوْ عُذْرَةَ بِشدَّةِ الْعِشْقِ والْعِفَّةِ فِيه ويعتبر عروة أحد المتيمين الذين قتلهم الهوى ولا يعرف له شعر إلا في عفراء بنت عمه. وقَدْ قِيْلَ لأَحَدِ العذريين:
- مَا بَالُ الرَّجُلِ مِنْكُم يَمُوْتُ في هَوَى امرَأَةٍ؟
فَأجابَ: لأنَّ فِينا جَمَالاً وَعِفَّةً.
وقيل أن حزام بن مهاصر مات وترك ابنه عروة صغيراً في حجر عمه عقال بن مهاصر. وكانت عفراء تِرباً لعروة يلعبان سوية ويكونان معاً حتى ألف كل واحد منهما إلفاً شديداً. وكان عقال يقول لعروة لما يرى من إلفهما وحبهما :
- أبشر ياولدي فإن عفراء امرأتك إن شاء الله.
وبقيا كذلك حتى بلغا سِنَّ الرُّشد فالحقت عفراء بالنساء وألحق عروة بالرجال وحُجب بينهما فثارت لوعة الحب والشوق في صدريهما جراء الفراق. وشغف قلب عروة بحب ابنة عمه (عفراء ) شغفا عظيما فاحبها حبا شديدا لم يستطع تحمله وفيها يقول :
وحــدثتني يـا سـعد عنهـا فـزدتني
جنونـا فـزدني مـن حـديثك يا سعد
هواهـا هـوى لا يعـرف القلـب غيره
فليس لــه قبــل وليس لــه بعـد.
فذهب إلى عمه طالبا يد ابنته ( عفراء ) فلما اخبر عمه بذلك سر عمه بهذا الخبر وفرح كثيرا فقال لابن أخيه :
- كم سررت لسماع هذا الكلام.
فسر عروة وفرح فرحا غامرا و كثيرا ولما خلى عمه لنفسه بنفس الوقت أسف وحزن شديدا لأنه يعلم أن ابن أخيه ليس لديه مال يكفيه ليمهر ابنته عفراء بعد موافقته وقال له :
- ابشر يا عمي فما مهرك
فقال عمه : ثمانون ناقة .
فوافق عروة رغم صعوبة الامر وطلب من عمه ان يمهله عامين كي يستطيع جمع هذا المال فوافق عمه قائلا له :
- أنت لعفراء وعفراء لك .
فا نطلق عروة يجمع المال من بلاد اليمن وهو يقول :
يكلفنـي عمـي ثمانيـن ناقـة ومالي والرحمن غير ثمان
وقد صَحِبَه في سفره فتيان صديقان له من بني هلال بن عامر
بينما كان عروة ورفيقاه الهلاليان يجدّون المسير التفت إليهما يخاطبهما ويروي لهما قصته وما يعانيه من لواعج العشق والهوى فيقول :
خليلـي مِـن عليـا هـلال بـن عامـر
بصنعاء عوجاء اليـوم وانتظرانـي
ولا تزهدا في الذخر عندي وأجْمِلا
فـإنـكـمـا بــــي الــيــوم مُـبـتـلـيـانِ
ألِـمّـا عـلـى عـفـراء إنكـمـا غـــداً
بوشـك الـنـوى والبـيـن معتـرفـانِ
وبقي عروة وصاحباه يجمعان المال ليدفعه عروة مهرا لابنة عمه كما فرض عمه عليه وخلال هذه الفترة نزلَ في الحيّ رجل ثريٌّ من أثرياء (البلقاء) الشامية فنحر الجزور ووهب وأطعم ورأى عفراء وكان منزله قريباً من منزل أبيها فأعجبته وخطبها إلى أبيها فرفض ابوها طلبه . فعدل الرجلُ الثريّ إلى أمّ عفراء فلاحظ عندها قبولاً فجاءت إلى زوجها عقال ولم تزل تقنعه وتسترضيه حتى وافق وقال لها:
- فإن عاد لي الرجل خاطباً أجبته .
فوجهت إليه أن عُدْ إلينا خاطباً فرجع الرجلُ الغني الى ابيها القول في الخطبة فأجابه أبوها بالقبول والرضا فلما كان الليل دخل بها زوجها وأقام فيهم ثلاث ليال ثم ارتحل بها إلى الشام إلى بلدته (البلقاء)
فقالت عفراء قبل أن يدخل بها :
يا عُرْوَ إنّ الحيَّ قد نقضوا
عهدَ الإله وحاولوا الغـدرا
وأرشدت أمُّ عفراء والدَها إلى حيلة لتضليل عروة وخِداعه عند رجوعه اليهم فعمَد إلى قبرٍ عتيق فجدَّده وسوّاه وسأل سكان الحي كتمان أمر زواج عفراء وطلب منهم أن يقولوا لعروة اذا عاد اليهم :
- إنها ماتت وهذا قبرها.
وعاد عروة بن حزام إلى مضارب قومه فنعاها أبوها إليه وايده الاخرون من بني قومه وأرشدوه الى القبر فمكث يختلف إليه أياماً وهو معنّىً هالك يبكي و يقول فيها : .
على كبدي من حب عفراء قرحة
وعينـاي مــن وجــد بـهـا تكـفـان
فعفراء أرجى الناس عندي مودة
وعفراء عني المعرض المتـوان
فيا ليـت كـل اثنيـن بينهمـا هـوى
مــن الـنـاس والأنـعــام يلتـقـيـان
فيقضـي حبيـب مـن حبيـب لبـانـة
ويرعـاهـمـا ربـــي فـــلا يـريــان
واني لأهوى الحشر إن قيل أنني
وعفـراء يــوم الحـشـر ملتقـيـان
حتى كمد وتوجد واصيب بالهزال وقيل اصيب بالمرض الخبيث ( السل )
وفيها يقول:
فيـا رب أنـت المسـتعان عـلى الذي
تحــملت مـن عفـراء منـذ زمـان
فيـا ليـت كـل اثنيـن بينهمـا هـوى
مــن النــاس والأنعــام يلتقيــان
فيقضـي حـبيب مـن حـبيب لبانـة
ويرعاهمــا ربــي فــلا يريــان
فيــا ليــت محيانـا جميعـا وليتنـا
إذا نحــن متنــا ضمنــا كفنــان
كــأن قطــاة علقــت بجناحهــا
عــلى كبــدي مـن شـدة الخفقـان
جــعلت لعــراف اليمامة حكمـه
وعــراف نجــد إن همـا شـفياني
فمــا تركــا مـن رقيـة يعلمانهـا
ولا ســـلوة إلا وقـــد ســقياني
حتى اهلكه المرض وهو يتداوى ويتنقل بين عرّافي الجزيرة العربية واطبائها -حتى وفد على عرّاف بمدينة حجر باليمامة فقال له عروة:
جعلتُ لعرّافِ اليمامة ِ حكمهُ
وَعَرّافِ حَجْرٍ إنْ هما شَفيانِي
فَقالاَ: نَعَمْ نَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كُلَّهِ
وقاما مع العُوَّادِ يُبتَدَرانِ
ودانَيْتُ فيها المُعْرِضُ المُتَوَانِي
لِيَسْتَخْبِران ِي. قُلْتُ: منذ زمانِ
فما تركا من رُقْيَة ٍ يَعْلمانِها
ولا شُرْبَة ٍ إلاَّ وقد سَقَيَانِي
فما شفيا الدّاءَ الّذي بي كلّهُ
وما ذَخَرَا نُصْحاً، ولا أَلَوانِي
فقالا: شفاكَ اللهُ، واللهِ ما لنا
بِما ضُمِّنَتْ منكَ الضُّلُوعُ يَدَانِ
فرُحْتُ مِنَ العَرّافِ تسقُطُ عِمَّتِي
عَنِ الرَّأْسِ ما أَلْتاثُها بِبَنانِ
معي صاحبا صِدْقٍ إذَا مِلْتُ مَيْلَة ً
وكانَ بدفّي نضوتي عدلاني
ألا أيّها العرّافُ هل أنتَ بائعي
مكانكَ يوماً واحداً بمكاني؟
أَلَسْتَ تراني، لا رأَيْتَ، وأَمْسَكَتْ
بسمعكَ روعاتٌ منَ الحدثانِ
فيا عمٌ يا ذا الغَدْرِ لا زِلْتَ مُبْتَلى
حليفاً لهمٍّ لازمٍ وهوانِ
غدرتَ وكانَ الغدرُ منكَ سجيّة ً
فَأَلْزَمْتَ قلبي دائمَ الخفقانِ
وأورثتني غمّاً وكرباً وحسرة ً
وأورثتَ عيني دائمَ الهملانِ
فلا زِلْتَ ذا شوقٍ إلَى مَنْ هويتهُ
وقلبكَ مقسومٌ بِكُلِّ مكانِ
وإنّي لأهوى الحشرَ إذ قيلَ إنّني
وعفراءَ يوْمَ الحَشْرِ مُلْتَقِيَانِ
وقدم عروة بعد أيام فنعاها أبوها إليه وأخبره أنها ماتت وذهب به إلى ذلك القبر الذي جدده فمكث عروة يختلف إليه أياما وهو مضنى هالك من الحزن على عفراء حتى جاءته جارية من الحي فأخبرته الخبر فتركهم وركب بعض إبله ورحل إلى الشام فقدمها وسأل عن الرجل فأخبر به ودل عليه فقصده وغير اسمه وانتسب له إلى عدنان فأكرمه وأحسن ضيافته فمكث أياما حتى أنسوا وعفراء لا تشعر به ولا تعلم خبره ثم عمد لجارية لهم قائلا لها :هل لك في يد تولينيها؟
قالت نعم..
قال: تدفعين خاتمي هذا إلى مولاتك
فقالت: سوءة لك أما تستحي لهذا القول.
فتركها أياما ثم أعاد عليها وقال لها:
- ويحك هي والله بنت عمي وما أحد منا إلا وهو أعز على صاحبه من الناس جميعا فضعي هذا الخاتم في إناء صبوحها ( اللبن الذي تشربه في الصباح ) فإذا أنكرت عليك فقولي لها اصطبح ضيفك قبلك ولعله سقط منه هذا الخاتم .
فرقت المراة له وفعلت ما أمرها به .
فلما شربت عفراء اللبن رأت الخاتم فعرفته فشهقت ثم قالت:
- اصدقيني الخبر.
فصدقتها فلما جاء زوجها قالت له:
- أتدري من ضيفك هذا؟
قال: نعم فلان بن فلان.
للنسب الذي انتسب له عروة
فقالت: كلا والله يا هذا بل هو عروة بن حزام ابن عمي وقد كتم نفسه حياءا منك.
فلما علم زوج عفراء حقيقة أمر عروة أكرمه وبالغ في الإحسان إليه ثم إنه أرسل إليه فدعاه وعاتبه على كتمانه نفسه إياه وتغيير اسمه وقال له :
- بالرحب والسعة نشدتك الله أن لا تترك هذا المكان أبدا
وخرج الزوج وترك عروة في البيت مع عفراء يتحدثان وأوصى خادمة له بالاستماع عليهما وإعادة ما تسمعه منهما عليه.
فلما خلوا تشاكيا ما وجدا بعد الفراق فطالت الشكوى وهو يبكي أحر بكاء ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه فقال قولته الشهيرة :
- والله ما دخل جوفي حرام قط ولا ارتكبته منذ كنت ولو استحللت حراما لكنت قد استحللته منك فأنت حظي من الدنيا وقد ذهبت مني وذهبت بعدك فما أعيش.وقد أجمل هذا الرجل الكريم وأحسن إلي وأنا مستح منه ووالله لا أقيم بعد علمه مكاني وإني لراحل وأعلم أني أرحل إلى منيتي وحتفي فالوداع يا عفراء .. الوداع الذي لا لقاء بعده بننا .
فبكت عفراء وبكى وانصرف عروة عازما على الرحيل وهو يحمل في صدره قلبا متهالكا مدنفا يتقطع ألما وشوقا وعلم عروة أن في رحيله عنها حلول أجله وهلاك نفسه ولم يكن له بد من تركها.
فلما جاء زوج عفراء أخبرته الخادمة بما دار بينهما فقال:
- يا عفراء امنعي ابن عمك من الخروج لا تدعيه يرحل وهو على هذه الحال ..
فقالت : إنه لا يمتنع هو والله أكرم وأشد حياء من أن يقيم بعد ما جرى بينكما
فدعاه قائلا :
- أخي اتق الله في نفسك فقد عرفتُ خبرك وإنك إن رحلت تلفت والله لا أمنعك من الاجتماع معها أبدا ولئن شئت لأفارقنها ولأنزلن لك عنها فتتزوجها .
فقال له عروة :- جزاك الله خيرا فقد أكرمتني وأحسنت إلي وأخجلتني بحسن ضيافتك وجميل صنيعك .
وقال : إنما كان طمعي في عفراء آفتي وبليتي أما الآن فقد يئست منها وقد حملت نفسي على اليأس والصبر ولي أمور في بلدي لا بد لي من رجوعي إليها فإن وجدت من نفسي قوة على ذلك وإلا رجعت إليكم وزرتكم حتى يقضي الله ما يشاء .
فزودوه وأكرموه وشيعوه حتى انصرف
فلما رحل مرض وانتكست صحته بعد صلاحها وتماثلها وأصابه الغثيان والهزال فكان كلما أغمي عليه ألقي على وجهه خمار لعفراء زودته به قبل سفره فيفيق ويصحو .
حتى كمد وتوجد واصيب بالهزال وقيل اصيب بالمرض الخبيث ( السل )
وفي ذلك يقول:
فيـا رب أنـت المسـتعان عـلى الذي
تحــملت مـن عفـراء منـذ زمـان
فيـا ليـت كـل اثنيـن بينهمـا هـوى
مــن النــاس والأنعــام يلتقيــان
فيقضـي حـبيب مـن حـبيب لبانـة
ويرعاهمــا ربــي فــلا يريــان
فيــا ليــت محيانـا جميعـا وليتنـا
إذا نحــن متنــا ضمنــا كفنــان
كــأن قطــاة علقــت بجناحهــا
عــلى كبــدي مـن شـدة الخفقـان
جــعلت لعــراف اليمامة حكمـه
وعــراف نجــد إن همـا شـفياني
فمــا تركــا مـن رقيـة يعلمانهـا
ولا ســـلوة إلا وقـــد ســقياني
حتى اهلكه المرض وهو يتداوى ويتنقل بين عرّافي الجزيرة العربية وأطبائها .
وذكر لعروة رجل باليمامة يقال له ( ابن مكحول ) وهو عراف اليمامة وحكيمها وكان يطبب و يداوي المرضى فمر عليه عروة في رحلته وجلس عنده فسأله عما به وهل هو خبل أو جنون فانشد ه
قائلا
:
وما بيَ من خَبْلٍ ولا بِيَ جِنَّةٌ
ولكنَّ عمِّي يا أُخَيّ كذُوبُ
أقولُ لعَرَّافِ اليمامة داوِنِي
فإنَّكَ إنْ داويتِني لَطبيبُ
ثم إن عروة عاد إلى أهله وتمرض أياما طويلة لشدة نحوله وقد حمله أهله في الموسم عشية عرفة وأتوا به الى ابن عباس رضي الله عنه ليدعو له فرق له ودعا له وظل ابن عباس عشية عرفه يسأل الله تعالى له العافية ويستعيذ به من العشق لما رأى ما بعروة ثم رجع عروة إلى حيه وأهله فلم يزل فيهم مريضا حتى توفى . ولما وصل الخبرعفراء جزعت جزعا شديدا وبكت عليه بكاء شديدا ثم قامت إلى زوجها مترجية فقالت :
- قد كان من خبر ابن عمي ما كان بلغك ووالله ما عرفت منه قط إلا الفعل الحسن الجميل فهل تأذن لي أن أخرج إلى قبره فأندبه وابكيه فقد بلغني أنه قضيى .
قال : ذلك إليك
فخرجت فأتت قبره فبكته طويلاً ثم أنشدت :
ألا أيها الركب المحثون ويحكم
بحق نعيتم عروة بن حزام
فإن كان حقاً ما تقولون فاعلموا
بأن قد نعيتم بدر كل ظلام
فلا لقي الفتيان بعدك راحة
ولا رجعوا من غيبة بسلام
ولا وضعت أنثى تماماً بمثله
ولا فرحت من بعده بغلام
ولا بلغتم حيث وجهتم له
وغصتم لذات كل طعام
فما راعهم إلا صوتها فلما بادروها فإذا هي ممتدة على القبر فحركوها فوجدوها قد قد لفظت انفاسها و ماتت فدفنوها إلى جانب قبره وقيل كان قبراهما في طريق الحجيج يراهما كل من مرفي ذلك الطريق .
وقد توفي عروة بن حزام سنة\ 30 هجرية \650 ميلادية في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه .
عروة بن حزام له ديوان شعر مطبوع وشعره يمتاز بالسلاسة والسهولة ويكاد يكون شعره كله غزلا وفي عفراء وحبها وما يلاقيه هذا الشاعر من شوق ووجد والم في نفسه .
من شعره هذه الابيات :
وإنّي لتعروني لذكراكِ رعدة
ٌ لها بين جسمي والعظامِ دبيبُ
وما هوَ إلاّ أن أراها فجاءة ً
فَأُبْهَتُ حتى مَا أَكَادُ أُجِيبُ
وأُصرفُ عن رأيي الّذي كنتُ أرتئي
وأَنْسى الّذي حُدِّثْتُ ثُمَّ تَغِيبُ
وَيُظْهِرُ قَلْبِي عُذْرَهَا وَيُعينها
عَلَيَّ فَمَا لِي فِي الفُؤاد نَصِيبُ
وقدْ علمتْ نفسي مكانَ شفائها
قَرِيباً وهل ما لا يُنَال قَرِيبُ
حَلَفْتُ بِرَكْبِ الرّاكعين لِرَبِّهِمْ
خشوعاً وفوقَ الرّاكعينَ رقيبُ
لئنْ كانَ بردُ الماءِ عطشانَ صادياً
إليَّ حبيباً، إنّها لحبيبُ
وَقُلْتُ لِعَرَّافِ اليَمَامَة ِ داونِي
فَإنَّكَ إنْ أَبْرَأْتَنِي لَطَبِيبُ
فما بي من سقمٍ ولا طيفِ جنّة ٍ
ولكنَّ عَمِّي الحِمْيَريَّ كَذُوبُ
عشيّة َ لا عفراءُ دانٍ ضرارها
فَتُرْجَى ولا عفراءُ مِنْكَ قَريبُ
فلستُ برائي الشّمسِ إلا ذكرتها
وآلَ إليَّ منْ هواكِ نصيبُ
ولا تُذكَرُ الأَهْواءُ إلاّ ذكرتُها
ولا البُخْلُ إلاّ قُلْتُ سوف تُثِيبُ
وآخرُ عهدي منْ عفيراءَ أنّها
تُدِيرِ بَنَاناً كُلَّهُنَّ خَضيبُ
عشيّة َ لا أقضي لنفسي حاجة
ً ولم أدرِ إنْ نوديتُ كيفَ أجيبُ
عشيّة لا خلفي مكرٌّ ولا الهوى
أَمَامي ولا يَهْوى هَوايَ غَرِيبُ
فواللهِ لا أنساكِ ما هبّتِ الصّبا
وما غقبتها في الرّياحِ جنوبُ
فَوَا كَبِدًا أَمْسَتْ رُفَاتاً كَأَنَّمَا
يُلَذِّعُهَا بِالمَوْقِدَاتِ طَبِيبُ
بِنَا من جَوى الأَحْزَانِ فِي الصّدْرِ لَوْعَة
ٌ تكادُ لها نفس الشّفيقِ تذوبُ
ولكنَّما أَبْقَى حُشَاشَة َ مُقْولٍ
على ما بِهِ عُودٌ هناك صليبُ
وما عَجَبِي مَوْتُ المُحِبِّينَ في الهوى
ولكنْ بقاءُ العاشقينَ عجيبُ
عَشيَّةَ لا عَفراءُ مِنْكَ بعِيدةٌ
فَتسْلو ولا عَفْراءُ مِنكَ قريبٌ
وإنِّي لتَغشاني لذِكراكِ هِزّةٌ
لها بينَ جلدِي والعِظِا دَبيبُ
فما هي إلا أن أراها فُجَاءَةً .
فأُبْهَتَ حتى ما أكادُ أُجيبُ
وأصْدِفُ عن رأيي الذي كُنت أرتَئي
وأَنسَى الذي أزْمَعتُِ حين تغيبُ
ويُظهرُ قلبي عُذرَها ويُعِينُها
عليَّ فما لِي في الفؤادِ نَصِيبُ
وقد عَلِمَتْ نفسي مكانَ شِفائها
قريباًِ وهل ما لا يُنالُ قريبُ ؟
حَلفتُ بربِّ السَّاجدينَ لربِّهم
خُشوعاًِ وفوقَ السَّاجدينَ رَقيبُ
لئن كان بَردُ الماءِ حرَّانَ صادياً
إليَّ حَبيباً إنَّها لحبِيبُ
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
****************************** *****