الترحم على الكافرين ..

على الباحث المفترع لقول حادث : أن يجري بحثه طرداً على أقوال المتقدمين من أهل التمكن ؛ ووصولاً إلى الصواب في التأصيل والتعليل ..

ومسألة وصول بلوغ الإسلام إلى الآخرين ، من المسائل المطروقة قديماً ولا جديد في إحداث قول آخر غير المقرر في كلام أهل العلم ..

فمن سمع بأمره صلى الله عليه وسلم في أي مكان في الأرض وجب عليه البحث عن حاله والإيمان به ..

الموجودون في عصرنا صنفان : صنف بلغته دعوة الإسلام وسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به، فهؤلاء كفار في الدنيا، مخلدون في النار في الآخرة إن ماتوا على كفرهم، والدليل على دلائل القرآن المتكاثر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم .

وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل : ( إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن : تتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أو غبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال لهم: من تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً ابن الله فقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فما تعبدون؟ فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون ؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النار.
ثم يدعى النصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم: ما ذا تبغون ؟ فكذلك مثل الأول ) رواه البخاري ومسلم .

والصنف الثاني : صنف لم تبلغهم دعوة الإسلام ولم يسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء على فرض وجودهم في هذا الزمان الذي تقدمت فيه وسائل المعرفة والاتصال، اختلف العلماء في حكمهم في الآخرة، وأرجح الأقوال أنهم يمتحنون في عرصات القيامة، فمنهم الموفق الناجي ومنهم الخاسر الموبق .

أما حكمهم في الدنيا : < فهم كفار باتفاق أهل الإسلام >، تجب دعوتهم وإيصال الهدى إليهم، وتجري عليهم أحكام الكفار من أهل الكتاب ، وهذا أصل مطرد أنه يحكم على الظاهر ولا ينتقل عنه إلا بدليل مرجح .

وإذا علم : أن الأصل عند من انتفى عنه الإيمان ، أنه كافر .. وكذلك أهل الفترة وصف الكفر لازم لهم بدليل امتحانهم ، ولا يعلم الناجي منهم من الهالك ، كان طرد ترك الترحم عليهم هو الأصل ،< فرداً ، أو جماعة > ولا ينتقل عنه لعدم العلم ..

وهذا الحكم غير حكم النار على المعين دون العموم ، فذاك جاءت الشريعة بمنعه إلا لمن شهد الله عليه بالنار ، ثم ورسوله صلى الله عليه وسلم .. وهو من التألي الممنوع للخصوص على آحاد الناس ، أما وصف العموم : بقول : الكفار في النار ، أو أنهم في النار ، أو من مات على الكفر في النار ، فذاك إخبار الله في كتابه ، وهو وصف أجازته الشريعة ..