بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فهذه رسالة ابعثها من قلب مشفق محب قد ملئ حزناً وكمداً أرسلها في موكب الأخوة الإيمانية المهيب تتقدمه عساكر النصيحة وحراس الفضيلة موشحين بأردية الإخلاص وأزر الصدق .
ابعثهم إلى قلبي المكلوم ، ليصلحوا ما فسد ويرمموا ما تصدع حتى يستقيم البنيان ويعلو صرح الإيمان .
ومن هنا تبدأ انطلاقة جيوش الإصلاح ودعاة الفلاح موفقة سديدة ، ومهتدية رشيدة يذعن لها الأحباب ، ويقر بحكمها أولوا الألباب .
لقد ساءني وآلم قلبي ما أراه من مصارع بعض الأصحاب وجراحات قلوبهم التي لا تزال تنزف لا أقول دماً . بل العلم والإيمان .
والذي كدر علي صفو فكري وأحزن قلبي أن أكثر هؤلاء الصرعى لا يعلمون بهذه الجراحات ، ولا يشعرون بتلك الكدمات .
فإن القلوب ضعيفة والفتن كبيرة وخطيرة والشياطين تعبث في الحصون المهدمة متنكرة في ثياب العلم والدين مع غفلة الحراس وطيش النفس .
وفي خضم هذه المشاهد المحزنة ، والمناظر المؤلمة ابعث كلماتي إليك أيها السلم ، وأيتها المسلمة مع نسائم الوحي الكريم : {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}[الأحزاب:22]. أي : " لئلا يطمع أهل الخنى فيهن " قاله الشنقيطي .

فإن الكلمة ذات الرنين في نبرات قائلها ، أو رصف حروفها ، أو موطن سياقها تفتك في القلوب الممزقة وتنفذ إلى الحصون الخاوية بسبب الآفة التي نزلت بها فحرمتها الإيمان ومنعتها الهداية .

فكيف تقيك من برد خيام *** إذا كانت ممزقة الرواق
ومن هذه الآفات : ( غزل القلوب ) .
ليس كلامي مع فساق الجوارح الذين ماتت قلوبهم أو كادت ، ولكن حروفي المنتظمة في الطوابير المحتشدة تَهُبُّ أسرع من الريح إلى من عم الفسق الشهواني باطنهم لتدك عساكر الغزل وتفضح خبيئة العشاق تحت ستائر التدين .
فليس من المروءة أن يتخاطب الصنفان من الإناث والذكران بالكلمات رخوة الباطن لينة المغزى ، وإن كانت في ألفاظ محتشمة في ظاهرها لبقة في أسلوبها .
فإن تحت هذه الحشمة المصطنعة ( ثعبان غزل ) يدب مع رقة المعنى ، ولين الخطاب مهيجاً أمراض القلوب من الجانبين ويدرك هذا كل ذي عينين .
وهذا اللون من ( العشق الصامت ) لا يخفى على العبد إذا ضرب بمطرقة الزجر لتكبح النفس عن غيها ويزول معها تلبيس الشياطين .
وهذه الرغبة في الخلطة بين الصنفين ولو عبر قنوات التواصل وخلف شاشات الحاسوب مع قلة الداعي ووجود البديل ليشعر بوجود لون من غزل القلوب .
تأمل عبد الله - وتبعاً له أنت أمة الله – أنك تلمس في كثير من التعليقات والمشاركات والحوارات أنها تتخللها جمل أو كلمات لم تكتب بأصابع اليد بل بنبضات القلب .
هذا وأنت ( عابر سبيل ) فكيف بمن قلبه أو قلبها ( بيت القصيد ) .
و لا تستنكر هذا المعنى فقد قال بعضهم :
ولا ملقٍ لذي الودعات سوطى ... ألاعبه وريبته أريد
أي : " يصف عفته فيقول : لا ألقي سوطي بين يدي الصبي الذي في عنقه عوذٌ وتمائم لصغره ، ألاعبه في الظاهر ، وأضمر التودد إلى أمه " (شرح ديوان الحماسة : 1/122) .
فالقلب إذا مرض يصبح ثعلبان لا يهرول عبثاً بل يحصل على شهادة الثانوية والجامعية والعالمية . بل والأستاذية من مدرسة ( خطوات الشيطان ) .
ولا يخفى على الفطن اللبيب والعارف الأريب ما ثبت عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : " مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء " ( مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ) .
فأُخَيّ الكريم انفذ بجلدك واسلم على قلبك ، وأختك المسلمة لن يضيعها الله سيرصد لها من يرشدها ويبين لها ويعلمها .
واحذر يوماً قال الله عنه : {يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ}[الطارق : 9] .
قال القرطبي : " قيل : . . . أي تخرج مخبآتها وتظهر "(20/8) .
وقال السعدي – رحمه الله - : " ففي الدنيا، تنكتم كثير من الأمور، ولا تظهر عيانًا للناس، وأما في القيامة، فيظهر بر الأبرار، وفجور الفجار، وتصير الأمور علانية " .
كررها أكثر من مرة تجويداً – حدراً وتدويراً وترتيلاً – أخرج حروفها من شغاف القلب وتأملها حتى تنال بركتها موعظة وذكرى لأولي الألباب .
و : { سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى }[الأعلى : 10]

بقلم الشيخ
ابو زيد العتيبي