الدرس الثامن والثلاثون


البدل- عطف البيان

البدل هو: التابع المقصود بالحكم بلا واسطة بينه وبين متبوعه.
تقول: جاءَ أخوكَ زيدٌ، فزيد بدل، وأخوك مبدل منه، والمقصود من الحكم عليه بالمجيء هو زيد، وأما أخوك فذكر تمهيدا وتوطئة لزيد، ولذا لو حذفنا المبدل منه وقلنا: جاءَ زيدٌ، لما اختل معنى الجملة.
فالبدل يختلف عن النعت والتوكيد في كونه هو المقصود بالحكم بخلافه فيهما فإن المقصود بالحكم هو المنعوت والمؤكَّد.
تقول: جاءَ أخوكَ الشاعرُ، فالمقصود بنسبة المجيء إليه هو أخوك وأما الشاعر فكلمة ذكرت لتكميله وتوضيحه.
وتقول: جاءَ أخوكَ أخوك أو نفسُه، فالمقصود بالنسبة هو أخوك الأول واللفظ الثاني جيء به لتقوية وتوكيد هذا المعنى.
وأما في العطف نحو جاءَ ابنكَ وأخوكَ، فأخوك وإن كان مقصودا بنسبة المجيء إليه إلا أنه قد توسط بينه وبين متبوعه ابنكَ حرف العطف فتميز البدل عن المعطوف لأنه لا يذكر بين البدل والمبدل منه واسطة.
والبدل ستة أقسام هي:
1- بدل كلٍّ مِن كلٍّ وهو: ما كان التابع فيه عينَ المتبوع، بأن يكون الثاني وهو البدل مساويا للأول وهو المبدل منه في المعنى مثل: عاملتُ التاجرَ خليلًا.
2- بدل بعض من كلٍّ وهو: ما كان التابع فيه بعضا من المتبوع، ولا بد من اتصاله بضمير يعود على المتبوع إما محقق موجود مثل: أكلتُ الرغيفَ ثلثَهُ، أو مقدر كما في قوله تعالى: ( وَللهِ على النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) فمَن: بدل من الناس بدل بعض من كل، والمعنى: ولله على من استطاع إلى البيت سبيلا حج البيت، والضمير الذي يربط البدل بالمبدل منه محذوف تقديره: مَن استطاع منهم.
3- بدل اشتمال وهو: ما كان بين التابع فيه والمتبوع عَلاقة بغير الكلية والجزئية، مثل: أعجبني زيدٌ عِلمُهُ، وسمي كذلك لأن زيدا يشتمل على العلم، وليس العلم جزءً ماديا من زيد، ولا بد في هذا النوع أيضا من ضمير يربطه بالمتبوع.
4- بدل الإضراب وهو: أن يقصد المتكلمُ المبدلَ منه أولا، ثم يبدو له أن يعدل عنه ويقصد البدل.
مثل: ذهبتُ إلى المدرسةِ المسجدِ، فالمتكلم أراد أن يخبر بذهابه إلى المدرسة ثم عدل ذلك وأخبر أنه ذهب إلى المسجد.
وأما ذهابه إلى المدرسة فهو مسكوت عنه لم يتعرض له بنفي ولا إثبات.
5- بدل الغلط وهو: أن يقصد المتكلم البدل ولكن يسبق لسانه إلى المبدل منه.مثل: تصدقتُ بدرهمٍ دينارٍ، فالمتكلم أراد أن يقول إنه تصدق بدينار ولكن غلط فذكر الدرهم ثم صحح غلطه.
6- بدل النسيان وهو: أن يقصد المتكلم المبدل منه، ثم يتبين له أنه كان واهما فيصحح بذكر البدل.
مثل: تصدقتُ بدرهمٍ دينارٍ، إذا كان المتكلم قصد أن يذكر أنه تصدق بدرهم ثم تبين أن الذاكرة قد خانته وأنه تصدق بدينار فصحح بذكر الصواب وهو البدل.
وأما عطف البيان فهو: تابعٌ موضِّحٌ أو مخصِّصٌ جامِدٌ غيرُ مؤولٍ.
مثل: جاءَ أبو عبدِ اللهِ صالحٌ، فصالحٌ: عطف بيان وقد وضح متبوعه أبو عبد الله، إذْ هناك أكثر من يسمى بأبي عبد الله فلا يدرى مَن المقصود فإذا قلت: صالح، تبين المقصود.
ومثل: هذا خاتمٌ حديدٌ، فحديدٌ: عطف بيان وقد خصص متبوعه وهو خاتم لأنه كان يحتمل أنه صنع من ذهب أو فضة.
فإذا كان المتبوع معرفة فعطف البيان لتوضيحه، وإذا كان نكرة فعطف البيان لتخصيصه، فهو يشبه النعت في هذا الغرض ولكن النعت يكون مشتقا أو جامدا مؤولا بمشتق، بخلاف عطف البيان فهو جامد غير مؤول بمشتق كصالح وحديد.
وعطف البيان يوافق متبوعه في الإعراب والتعريف والتنكير والتذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع كالنعت الحقيقي.
ثم إنَّ بين عطف البيان وبدل كُلٍّ مِنْ كُلٍّ تشابها ولهذا قال النحاة: ( كل ما جاز اعتباره عطف بيان جاز اعتباره بدلا ) فيجوز أن نعرب صالحا وحديدا في المثالين السابقين بدلا.
ولكنهم استثنوا بعض الأشياء أعربوها عطف بيان ولم يجوزوا أن تعرب بدلا لأنه يمتنع فيها إحلال الثاني محل الأول.

فمن ذلك:

1- أن يكون التابع مفردا معربا، والمتبوع منادى.
مثل: يا أبا عبدِ اللهِ محمودًا، فمحمودًا: عطف بيان منصوب وليس بدلا، لأن ضابط البدل هو أن يصح طرح المبدل منه ووضع البدل محله، ولو فعلنا هذا لقلنا: يا محمودًا، فيلزم عليه أن يصير المنادى المفرد منصوبا وهذا لا يصح لأن المنادى المفرد مبني على الضم.
2- أن يكون التابع غير مقترن بأل، ويكون المتبوع مضافا إليه مقترنا بأل، ويكون المضاف مشتقا مقترنا بأل.
مثل: نحنُ المكرمو الشاعرِ زيدٍ، فزيدٍ: عطف بيان، ومتبوعه وهو الشاعر مضاف إليه مجرور مقترن بأل، والمضاف مشتق مقترن بأل أيضا وهو المكرمو، فهنا لو أعربنا زيدًا بدلا للزم طرح المبدل منه ووضعه محله بأن نقول: نحنُ المكرمو زيدٍ، وهذا لا يجوز لأنه لا يصح أن يكون المضاف مقترنا بأل والمضاف إليه غير مقترن بها كما قد سبق في مبحث الإضافة.

عطف النسق

عطف النَّسَق هو: تابعٌ يتوسط بينه وبين متبوعه أحد حروف العطف، مثل: جاءَ زيدٌ وعمرٌو، فعمرو تابع لزيد في الإعراب وقد توسط بينه وبين متبوعه زيد أحد حروف العطف وهو الواو.
وحروف العطف تسعة هي: ( الواو- الفاء- ثُمَّ- حتى- أَوْ- أَمْ- لا - لكنْ - بل ).
أولا: الواو وهي: لمطلق الجمع، فلا تفيد ترتيبا ولا تعقيبا أي وقوعه بعده مباشرة بلا فاصل زمني.فإذا قلت: جاءَ زيدٌ وعمرٌو، أفاد أنهما اشتركا في المجيء، وهذا يحتمل أنهما جاءا معا بنفس الوقت، كما يحتمل أن يكون أحدهما قد جاء قبل الآخر مباشرة أو بعده بمدة.
ثانيا: الفاء وهي للترتيب والتعقيب، فإذا قلت: جاءَ زيدٌ فعمرٌو، فمعنى ذلك أن مجيء عمرو حصل بعد زيد مباشرة.والتعقيب في كل شيء بحسبه فلكَ أن تقول: دخلتُ البصرةَ فبغدادَ، إذا لم يكن بين دخولك البصرة ودخولك بغداد إلا المدة الكافية لقطع السفر فإذا كانت تستغرق عادة ثلاثة أيام ودخلت بعد ذلك صح استعمال الفاء، وإذا دخلت بعد أن أقمت في البصرة لم يصح استعمالها.
ثالثا: ثمَّ وهي: للترتيب والتراخي، فإذا قلتَ: جاءَ زيدٌ ثم عمرٌو، فمعنى ذلك أن مجيء عمرو حصل بعد مضي مدة على مجيء زيد.
رابعا: حتى وهي: للغاية والتدريج، والغاية هي: النهاية التي ينتهي عندها الحكم، والتدريج هي: أن ينقضي ما قبلها شيئا فشيئا حتى يبلغ غايته، لذلك وجب أن يكون المعطوف بها بعضا من المعطوف عليه.
مثل: قرأتُ الكتابَ حتى الصفحةَ الأخيرةَ، فالصفحة الأخيرة هي غاية ونهاية القراءة وقد حصلت القراءة بشكل تدريجي.
وهي لا تفيد الترتيب بل هي كالواو لمطلق الجمع فلك أن تقول: حفظتُ القرآنَ حتى سورةَ البقرةِ، وإن كانت هي أول ما حفظت.
خامسا: أَو وهي: لأحد الشيئين أو الأشياء مفيدةً بعدَ الطلبِ التخيير أو الإباحة، وبعدَ الخبرِ الشكَّ أو التشكيك.
تقول: سافرَ زيدٌ أَو عمرٌو، وتقول: ذلكَ القادمُ زيدٌ أو عمرٌو أو بكرٌ.
فإن كانت بعد الطلب فهي للتخيير مثل: تزوجْ حفصةَ أو أختَها، أو للإباحة مثل: تعلمْ الفقهَ أو النحوَ، والفرق بينهما أن التخيير لا يجوز فيه الجمع بين ما قبلها وما بعدها، بينما يجوز ذلك في الإباحة.
وإن كانت بعد الخبر فهي للشك مثل: سافرَ زيدٌ أو عمرٌو، أو للتشكيك كما في المثال السابق ولكن الفرق بينهما هو إن كان المتكلم لا يعلم من المسافر منهما فهي للشك أي من المتكلم، وإن كان يعلم من المسافر ولكن أراد أن يوقع المخاطب في الشك فهي للتشكيك ويسمى بالإبهام أيضا.
وتأتي لمعنى آخر وهو التقسيم نحو الكلمة: اسم أو فعل أو حرف.
سادسا: أَمْ وهي: لطلب التعيين إذا وقعت بعد همزة داخلة على أحد المتساويين في ظن المتكلم بأن يكون كل واحد منهما محتملا للحكم.
تقول لشخص: أزيدٌ عندكَ أم خالدٌ ؟ تطلب تعيين أحدهما تقول ذلك إذا كنت واثقا من أن أحدهما عنده ولكنك لا تعلمه بعينه، ولهذا يكون الجواب بالتعيين، ولا يصح بلا أو نعم لأنه غير مفيد.
سابعا: لا وهي: لرد السامع عن الخطأ في الحكم وتقع بعد إيجاب أي كلام مثبت لا منفي.تقول: جاءني زيدٌ لا خالدٌ، ردًّا على من اعتقد أن الذي جاءك هو خالدٌ، أو اعتقد أن الاثنين قد جاءا.
ثامنا: لكنْ وهي: لرد السامع عن الخطأ في الحكم أيضا ولكن تقع بعد نفي.
تقول: ما جاءني زيدٌ لكنْ خالدٌ، فيفيد مجيءَ خالد.
تاسعا: بلْ وهي: لرد السامع عن الخطأ في الحكم إذا وقعت بعد نفي، فإن وقعت بعد إثبات كانت للإضراب.تقول: ما جاءني زيدٌ بلْ خالدٌ، فيفيد مجيء خالد وهي هنا للرد.
وتقول: جاءني زيدٌ بلْ خالدٌ، فيفيد مجيء خالد، وهي هنا تفيد الإضراب أي العدول عن الحكم الأول إلى حكم جديد.
فاتضح أن هذه الثلاثة الأخيرة ( لا- لكنْ- بلْ ) يخالف ما بعدها ما قبلها في الحكم وإن اشتركا في الإعراب.
أما الستة الأولى ( الواو- الفاء- ثمّ- حتى- أو- أمْ ) فهي تجمع بين ما قبلها وما بعدها في الحكم والإعراب معا.


( شرح النص )

وَعطفُ البيانِ وهوَ: تابِعٌ مُوَضِّحٌ أَو مُخَصِّصٌ جامدٌ غيرُ مؤولٍ، فيوافِقُ متبُوعَهُ، كـ أقسمَ باللهِ أبو حفصٍ عمرُ، وهذا خاتمٌ حديدٌ، ويُعْرَبُ بدلَ كلٍّ مِنْ كلٍّ إِنْ لمْ يمتنعْ إحلالُهُ مَحَلَّ الأولِ كقولِهِ: أنا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ، وقولِهِ: أَيَا أَخَوَيْنَا عبدَ شمسٍ وَنَوْفَلا.
وعطفُ النَّسَقِ بالواوِ وهيَ لمطلقِ الجمعِ، والفاءِ للترتيبِ والتَّعقيبِ، وثُمَّ للتَّرتيبِ والتَّراخي، وحتى للغايةِ والتَّدريجِ لا للتَّرتيبِ، و أو لأحدِ الشيئينِ أو الأشياءِ مفيدةً بعدَ الطلبِ التخييرِ أوِ الإباحةِ، وبعدَ الخبرِ الشكَّ أوِ التشكيكَ، وأمْ لطلبِ التَّعيينِ بعدَ همزةٍ داخلةٍ على أحدِ المستَوِيينِ، وللرَّدِّ عنِ الخطأِ في الحكمِ لا بعدَ إيجابٍ ولكنْ وبلْ بعدَ نفيٍ، ولصرفِ الحكمِ إلى ما بعدَها بلْ بعدَ إيجابٍ.والبدلُ وهوَ تابعٌ مقصودٌ بالحكمِ بلا واسطةٍ، وهوَ سِتَّةٌ: بدلُ كلٍّ نحوُ: ( مَفَازًا حَدَائِقَ )، وبعضٍ نحوُ: ( مَنِ اسْتَطَاعَ ) واشتمالٍ نحوُ ( قِتَالٍ فِيهِ )، وإضرابٍ، وغلطٍ، ونسيانٍ نحوُ: تَصَدَّقْتُ بدرهمٍ دينارٍ، بِحَسَبِ قصدِ الأولِ والثاني، أوِ الثاني وسبقِ اللسانِ، أوِ الأولِ وتبيُّنِ الخطأِ
.
.............................. .............................. .............................. .............................
( وَ ) الثالث من التوابع ( عطفُ البيانِ وهو: تابِعٌ مُوَضِّحٌ ) في المعارف نحو جاءَ أخوكَ زيدٌ ( أَو مُخَصِّصٌ ) في النكرات نحو هذا خاتمٌ حديدٌ، فيكون كالنعت في هذا المعنى لكنه مخالف للنعت في أنه ( جامدٌ غيرُ مؤولٍ ) بمشتق.( فيوافِقُ متبُوعَهُ ) في الإعراب، والتعريف والتنكير، والتذكير والتأنيث، والإفراد و التثنية والجمع، فهو كالنعت الحقيقي ( كـ أقسمَ باللهِ أبو حفصٍ عمرُ ) فعُمَرُ عطف بيان لأبي حفصٍ، ذكر لإيضاحه،وقد تبعه في الرفع والإفراد والتذكير والتعريف ( وهذا خاتمٌ حديدٌ ) فحديدٌ عطف بيان لخاتم، ذكر لتخصيصه، وقد تبعه في الرفع والإفراد والتذكير والتنكير.( ويُعْرَبُ بدلَ كلٍّ مِنْ كلٍّ إِنْ لمْ يمتنعْ إحلالُهُ مَحَلَّ الأولِ ) فيجوز إعراب عمر وحديد في المثالين السابقين بدل كل من كل، لأنه لا يمتنع إحلال الثاني محل الأول بأن تقول: أقسمَ باللهِ عمرُ، وهذا حديدٌ، فإن امتنع ذلك تعين كونه عطف بيان ( كقولِهِ ) أي الشاعر: ( أنا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ )... عليهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ وقُوعَا، البكريّ: المنسوب إلى بكر بن وائل، بشرٍ: هو بشر بن عمرو البكري، والمعنى هو: أنا ابن رجل قتل البكري وتركه صريعا في العراء تنتظر الطير فوقه خروج روحه لتقع وتنقض عليه لتأكله، فهو شجاع من نسل شجعان، والشاهد فيه قوله: البكريِّ بشرٍ، فإن بشرًا عطف بيان وليس بدلا لأنه يمتنع إحلال بشر محل البكري بأن تقول: أنا ابنُ التاركِ بشرٍ؛ لأنه يلزم عليه إضافة ما فيه الألف واللام وهو التارك إلى المجرد منها وهو بشر وذلك لا يجوز ( وقولِهِ ) أي الشاعر: ( أَيَا أَخَوَيْنَا عبدَ شمسٍ وَنَوْفَلا )... أُعِيذُكُما باللهِ أَنْ تُحْدِثَا حَرْبا، والشاهدُ فيه: قوله: أخوينا عبدَ شمسٍ ونوفلا، فإن قوله عبد شمس عطف بيان على أخوينا، ولا يجوز أن يكون بدلًا منه، لأنه يمتنع إحلال عبد شمس ونوفل محل أخوينا فلا يقال: أيا عبدَ شمسٍ ونوفلًا، بل أيا عبدَ شمسٍ ونوفلُ، بالبناء على الضم لأنه مفرد معرفة، فإنه إذا كان المنادى منصوبا في لفظه، وعطف عليه اسم مجرد من أل والإضافة، فإنه يعطى المعطوف حكم المنادى المستقل: فنقول يا عبدَ اللهِ وزيدُ، ويا عبد اللهِ وعبدَ الرحمنِ.( و ) الرابع من التوابع ( عطفُ النَّسَقِ ) أي العطف بالحرف، ويكون ( بالواوِ وهيَ لمطلقِ الجمعِ ) فلا تفيد ترتيبا ولا تعقيبا ( والفاءِ للترتيبِ والتَّعقيبِ ) فمعنى قولك: جاءَ زيدٌ فخالدٌ، أن مجيء خالد حصل بعد مجيء زيد مباشرة ( وثُمَّ للتَّرتيبِ والتَّراخي ) فمعنى قولك: جاءَ زيدٌ ثم خالدٌ، أن مجيء خالد حصل بعد مضي مدة على مجيء زيد ( وحتى للغايةِ والتَّدريجِ ) والغاية أي النهاية في الكمال أو النقص مثل فرَّ الجنود حتى القائد، أي أن القائد هو الغاية في الكمال ومع ذلك فرّ، ومثل: أَحسنْ للخلقِ حتى الحيواناتِ، أي أن الحيوانات هي الغاية في النقص ومع ذلك عليك أن تحسن إليهم.( لا للتَّرتيبِ ) لأنك تقول: حفظتُ القرآنَ حتى سورةِ البقرةِ، وإنْ كانت هي أول ما حفظت ( و أو لأحدِ الشيئينِ أو الأشياءِ مفيدةً بعدَ الطلبِ التخييرِ أوِ الإباحةِ ) مثال التخيير: تزوجْ هندَ أو أختَها، ومثال الإباحة: تعلمْ فقهًا أو نحوًا، والفرق بينهما جواز الجمع في الإباحة دون التخيير ( وبعدَ الخبرِ الشكَّ أوِ التشكيكَ ) نحو جاءَ زيدٌ أو عمرٌو، فإن لن تكن تعلم مَن جاءَ فهي للشك، وإن كنت تعلم ولكنك أردت الإبهام فهي لتشكيك السامع أي إيقاعه في الشك ( وأمْ لطلبِ التَّعيينِ ) إذا وقعت ( بعدَ همزةٍ داخلةٍ على أحدِ المستَوِيينِ )في الحكم في ظن المتكلم مثل: أزيدٌ عندكَ أم خالدٌ ( وللرَّدِّ عنِ الخطأِ في الحكمِ لا ) إذا وقعت ( بعدَ إيجابٍ ) نحو جاءَ زيدٌ لا خالدٌ ( و ) للرد عن الخطأ في الحكم ( لكنْ وبلْ ) واقعين (بعدَ نفيٍ ) أو نهي نحو ما جاءَ زيدٌ لكنْ خالدٌ أو بلْ خالدٌ، ولا تضربْ زيدًا لكنْ خالدًا أو بل خالدًا.( ولصرفِ الحكمِ إلى ما بعدَها بلْ ) واقعة ( بعدَ إيجابٍ ) أو أمر نحو: جاءَ زيدٌ بل خالدٌ، واضربْ زيدًا بل خالدًا.( و ) الخامس من التوابع ( البدلُ وهوَ تابعٌ مقصودٌ بالحكمِ )قيد يخرج النعت والتوكيد وعطف البيان ( بلا واسطةٍ ) قيد يخرج العطف بالحرف ( وهوَ سِتَّةٌ ) أحدها ( بدلُ كلٍّ ) من كلٍّ وهو ما كان مدلوله مدلولَ الأول ( نحوُ )قوله تعالى: إِنَّ لِلمُتَّقِينَ ( مَفَازًا حَدَائِقَ ) فحدائق: بدل كل من كل من مفاز ( و ) ثانيها بدل ( بعضٍ ) من كل، وهوَ ما كانَ مدلوله بعضَ مدلولِ الأول ( نحوُ )قوله تعالى: وَللهِ على النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتَ ( مَنِ اسْتَطَاعَ ) إِلَيْهِ سَبِيلًا،فمَنْ: دل بعض من كل من الناس؛ لأن المستطيع هو بعض من الناس ( و ) ثالثها بدل ( اشتمالٍ ) وهو ما كان بينه وبين الأول ملابَسَة أي تعلق بغير الكلية والجزئية ( نحوُ )قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ ( قِتَالٍ فِيهِ ) فقتال: بدل اشتمال من الشهر الحرام أي يسألونكَ عن قتالٍ فيه، وهو بدل اشتمال لأن بين الشهر الحرام والقتال تعلقا وارتباطا في كون الشهر ظرفا زمانيا له.( و ) رابعها وخامسها وسادسها بدل ( إضرابٍ، وغلطٍ، ونسيانٍ ) والفرق بينها اعتباري ( نحوُ: تَصَدَّقْتُ بدرهمٍ دينارٍ) هذا يصلح مثالا للثلاثة الأخيرة وذلك ( بِحَسَبِ قصدِ الأولِ والثاني ) أي يكون المتكلم قاصدا للإخبار بالأول ولم يكن غالطًا أو ناسيًا، فهو أراد أن يخبر أنه تصدق بدرهم، ثم أضرب عنه وقصد الإخبار بالتصدق بالدينار، وجعل الأول في حكم المتروك فيكون بدل إضراب ( أو )قصد المتكلم الإخبار بـ ( الثاني ) وهو التصدق بدينار ( و ) لكن ( سبقِ اللسانِ ) إلى الأول وهو التصدق بدرهم فيكون بدل غلط ( أو )قصد المتكلم الإخبار بـ ( الأولِ ) وهو التصدق بدرهم ( وتبيُّنِ الخطأِ ) له بأن كان قاصدا أن يقول إنه تصدق بدرهم ثم علم أنه كان مخطئا فصحّح بذكر الدينارِ فيكون بدل نسيانِ.


( تدريب )


أعرب ما يلي:

1- ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا.
2- مَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ.
3- إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ.