بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول و على آله و صحابته ، و بعد .
تعارف طلاب العلم على أن صيغة الجمع ( أوامر ) كائنة لـ( الأمر ) الأصولي ، و أن ( الأمر ) بمعنى الشأن يجمع على أمور .
تعارف طلبة العلم على معرفة ذلك ؛ لما شاع هذا التفصيل بينهم ، و لشيخ الإسلام ابن القيم – رحمه الله تعالى – رأيٌ مختلفٌ عن هذا !
قال المحقق ابن القيم في ( مختصر الصواعق المرسلة ) :
( الوجه الثاني و العشرون : تفريقكم بين الحقيقة و المجاز بجمع مفرديهما ، فإذا جمع لفظ الحقيقة على صيغة ثم جمع ذلك اللفظ على صيغة أخرى كان مجازاً ، مثاله لفظ " الأمر" فإنه يجمع إذا استعمل في القول المخصوص على " أوامر "
، و يجمع إذا استعمل في الفعل على " أمور " ، و هذا التفريق من أفسد شيء و أبطله ، فإن اللفظ يكون له عدة جموع باعتبار مفهوم واحد كشيخ مثلاً ....
( ثم قال ابن القيم) :و أيضاً فإن رأس مالكم في هذا التعريف هو لفظ " أوامر " و " أمور " ، فادعيتم أن " أوامر " جمع أمر القول ، و " أمور " جمع أمر الفعل ، و غركم في ذلك قول الجوهري في الصحاح : " تقول أمرته أمراً و جمعه أوامر " و هذه من إحدى غلطاته فإن هذا لا يعرف عند أهل العربية و اللغة ، و فَعْلٌ له جموعٌ عديدة ليس منها فواعل البتة.
و قد اختلفت طرق المتكلمين لتصحيح ذلك ، فقالت طائفة منهم : جمعوا أمراً أَأْمُر كأَفْلُس ، ثم جمعوا هذا الجمع على أفاعل لا فواعل ، فكان أصلها أآمر فقلبوا الهمزة الثانية واواً كراهية النطق بالهمزتين فصار في هذا أوامر .
و في هذا من التكلف و دعوى ما لم تنطق به العرب عليهم ما فيه ، فإن العرب لم يسمع منهم جمع أمر على أفعل البتة ، و لا أوامر أيضاً ، فلم ينطقوا بهذا و لا هذا .
و لما علم هؤلاء أن هذا لا يتم في النواهي تكلفوا لها تكلفاً آخر فقالوا : حملوها على نقيضها ، كما قالوا : الغدايا و العشايا ، و قالوا : قدُم و حدُث ، فضموا الدال من حدُث حملاً على قدُم .
و قالت طائفة أخرى : بل أوامر و نواهي جمع آمرٍ و ناهٍ ، فسمي القول آمراً و ناهياً توسعاً ثم جمعوها على فواعل ، كما قالوا فارس و فوارس ، و هالك و هوالك .
و هذا أيضاً متكلف فإن فاعلاً نوعان : صفة و اسم ، فإن كان صفة لم يجمع على فواعل ، فلا يقال : قائم و قوائم ، و آكل و أواكل ، و ضارب و ضوارب ، و عابد و عوابد ، و إن كان اسماً فإنه يجمع فواعل نحو : خاتم و خواتم ، و قد شذّ فارس و فوارس و هالك و هوالك فجمعا على فواعل مع كونهما صفتين ، أما فارس فلعدم اللبس لأنه لا يتصف به المؤنث ، و أما هالك فقصدوا النفس و هي مؤنثة ، فهو في الحقيقة جمع هالكة ، فإن فاعلة يجمع على فواعل في الأسماء و الصفات كفاطمة و فواطم و عابدة و عوابد .
فسمعَتْ هذا طائفة أخرى فقالت : أوامر و نواه جمع آمرة و ناهية ! أي : كلمة أو وصية آمرة و ناهية .
و التحقيق : أن العرب سكتت عن جمع الأمر و النهي فلم ينطقوا لهما بجمع لأنهما في الأصل مصدران ، و المصادر لا حظّ لها في التثنية و الجمع إلا إذا تعددت أنواعها ، و الأمر و النهي و إن تعددت متعلقاتهما و و محالهما فحقيقتهما غير متعددة ، فإن تعدد المحال لا يوجب تعدد الصفة ، فقد منع سيبويه جمع " العلم " و لم يعتبر تعدد المعلومات ، فتبين بطلان هذا الفرق الذي اعتمدتم عليه من جميع الوجوه .) انتهى (2/730-735)
من مختصر الصواعق تحقيق الدكتور الحسن العلوي ، ط أضواء السلف.