السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تابع...
قال بقية السلف الشيخ العلامة صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان -عفى الله عنه- في كتابه "البيان لأخطاء بعض الكتاب " ردا على من أباح الأناشيد:
تعقيب حول ما نشر في "مجلة الدعوة السعودية" حول الأناشيد
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.
وبعد: كنت قد عقبت على ما كتبته الأخت تغريد العبد العزيز في (مجلة الدعوة) من الثناء على ما سمته الأناشيد الإسلامية، ومطالبتها المراكز الصيفية بالإكثار من إنتاجها، فبينت لها أن هذا الثناء في غير محله، وأن هذا الطلب غير وجيه وأن الأولى بها أن تطالب بالعناية بالكتاب والسنة، وتعليم العقيدة الصحيحة والأحكام الشرعية، فانبرى بعض الإخوان – وهو الأخ أحمد بن عبد العزيز الحلبي سامحه الله – ينتصر لهذه الأناشيد، ويدعي أنها شيء طيب، وعمل جميل، ويستدل لإثبات دعواه بأمور هي:
أولًا: إن هذه الأناشيد تلحق بالحُداء الذي رخص فيه الشارع، وكذلك تلحق بالارتجاز الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند مزاولة الأعمال الشاقة.
ثانيًا: أن العلماء، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن الجوزي، وابن حجر الهيتمي؛ نصوا على جواز الحُداء، والارتجاز، وسماع الشعر الذي فيه ثناء على الله ورسوله ودينه وكتابه والرد على أعداء الله وهجائهم. والنشيد الإسلامي –كما يسميه - لا يخرج عن هذه المعاني، فهو شعر ملتزم بالأدب الإسلامي، يرفع بصوت حسن.
ثالثًا: تسمية الأناشيد الإسلامية لا تعني المشروعية والابتداع في الدين، وإنما هي وصف وتوضيح وتمييز عن غيرها من الأناشيد والأهازيج المحرمة، وهو من المصطلحات الحديثة؛ مثل: الحضارة الإسلامية، والعمارة الإسلامية.
رابعًا: فرق الكاتب بين هذه الأناشيد التي سماها إسلامية وبين الصوفية التي تعد من البدع في الدين من وجهتين:
الأول: أنهم أضفوا على أناشيدهم صفة القربة والطاعة.
ثانيًا: أن سماعهم لا يخلوا من الآله التي تقرن بتلحين الغناء.
هذا حاصل ما كتبه أخونا أحمد في تسيغه ما سماه بالأناشيد الإسلامية.
وجوابنا عنه من وجوه:
الوجه الأول: أن هناك فروقًا واضحة بين ما يسمونه الأناشيد الإسلامية وبين ما رخص فيه الشارع من الحُداء في السفر، والارتجاز عند مزاولة الأعمال الشاقة، وإنشاد الأشعار التي فيها مدح الإسلام، وذم الكفر، وهجاء المشركين، ومع وجود هذه الفروق لا يصح لكم إلحاق هذه الأناشيد بتلك الأشياء.
والفروق كما يلي:
1 – أن الحُداء في السفر، والارتجاز عن الضجر، وإنشاد الشعر المشتمل على مدح الإسلام وذم الكفر وهجاء الكفار لا يسمى نشيدًا إسلاميًا - كما تسمون نشيدكم بذلك -، وإنما يسمى نشيدًا عربيًا.
إذًا؛ فبينهما فرق من جهة التسمية الحقيقة.
2 – أن الحُداء إنما يباح في السفر لأجل الحاجة إليه في السير في الليل؛ لطرد النعاس، واهتداء الإبل إلى الطريق بصوت الحادي، وكذا الارتجاز عند مزاولة الأعمال الشاقة كالبناء ونحوه، وأبيح للحاجة إليه بصفة مؤقتة، وبأصوات فردية لا أصوات جماعية.
وما تسمونه بالأناشيد الإسلامية يختلف عن ذلك تمامًا، فهو يفعل في غير الأحوال التي يفعل فيها النوع الأول، وبنظام خاص وأصوات جماعية منغمة، وربما تكون أصواتًا فاتنة، كأصوات المردان وحدثاء الأسنان من البنين والبنات، والأصل في الغناء التحريم؛ إلا ما وردت الرخصة فيه.
3 – أن الحُداء والارتجاز وإنشاد الشعر الذي جاء الدليل عليه بالترخيص فيه بقدر معين وحالة معينة لا يأخذ كثيرًا من وقت المسلم، ولا يشغله عن ذكر الله، ولا يزاحم ما هو أهم.
أما ما تسمونه بالأناشيد الإسلامية؛ فقد أعطى أكثر مما يستحق من الوقت والجهد والتنظيم، حتى أصبح فنًا من الفنون يحتل مكانًا من المناهج الدراسية والنشاط المدرسي، ويقوم أصحاب التسجيل بتسجيل كميات هائلة منه للبيع والتوزيع، حتى ملأ غالب البيوت، وأقبل على استماعه كثير من الشباب والشابات، حتى شغل كثيرًا من وقتهم، وأصبح استمتاعه يزاحم استماع تسجيلات القرآن الكريم والسنة النبوية والمحاضرات والدروس العلمية المفيدة.
فأين هذا من ذاك؟
ومعلوم أن ما شغل عن الخير فهو محرم وشر.
الوجه الثاني: أن محاولة تسويغ تسمية هذه الأناشيد بالأناشيد الإسلامية محاولة فاشلة، لأن تسميتها بذلك يعطيها صبغة الشرعية وحينئذ نضيف إلى الإسلام ما ليس منه.
وقول أخينا أحمد: " إن هذه التسمية لأجل التميز بينها وبين الأناشيد والأهازيج المحرمة قول غير صحيح، لأنه يمكن التمييز بينهما بأن يقال: الأناشيد المباحة بدلًا من الأناشيد الإسلامية، كغيرها من الأشياء التي يقال فيها: هذا مباح وهذا محرم، ولا يقال هذا إسلامي، وهذا غير إسلامي، ولأن تسميتها بالأناشيد الإسلامية تسمية تلتبس على الجهال، حتى يظنوها من الدين، وأن في استماعها أجر وقربه.
وقول الأخ أحمد: " أن هذه التسمية من المصطلحات الحديثة؛ مثل الحضارة الإسلامية والعمارة الإسلامية ".
نقول له: النسبة إلى الإسلام ليست من الأمور الاصطلاحية، وإنما هي من الأمور التوقيفية، التي تعتمد على النص من الشارع، ولم يأت نص من الشارع بتسمية شيء من هذه الأمور إسلامي، فيجب إبقاء الشعر على اسمه الأصلي، فيقال " الشعر العربي والأناشيد العربية، أما تسمية العمارة والحضارة بالإسلامية فهي تسمية الجهال، فلا عبرة بها ولا دليل فيها.
الوجه الثالث: أن تفريق الأخ أحمد بين ما يسمية بالأناشيد الإسلامية وبين أناشيد الصوفية تفريق لا وجه له؛ لأن بإمكان الصوفية أن يدعوا في أناشيدهم ما تدعونه في أناشيدكم من الفائدة والترغيب في الخير والتنشيط على العبادة والذكر فكما أنكم تدعون أن في أناشيدكم الحث على الجهاد، وأنها كلام طيب بصوت حسن، وفيها مدح الإسلام وذم الكفر... إلى غير ذلك؛ فيمكنهم أن يقولوا مثل ذلك في أناشيدهم.
وقولكم: " أن أناشيد الصوفية لا تخلو من الآلة التي تقرن بتلحين الغناء ".
هذا فارق مؤقت، فربما يأتي تطوير جديد لأناشيدكم يدخل فيه استعمال الآلة فيها وتسمى موسيقى إسلامية، أو دف إسلامي، ويزول الفارق عند ذلك؛ كما ورد أنه في آخر الزمان تغير أسماء بعد المحرمات، وتستباح، كاسم الخمر، واسم الربا... وغير ذلك (1).
فالواجب على المسلمين سد هذه الأبواب، والتنبية للمفاسد الراجحة والوسائل التي تفضي إلى الحرام، والتنبية كذلك لدسائس الأعداء في الأناشيد وغيرها.
ونحن لا نحتكر إباحة إنشاد الشعر النزيه وحفظه، ولكن الذي ننكره ما يلي:
1 – ننكر تسمية نشيدًا إسلاميًا.
2 – ننكر التوسع فيه حتى يصل إلى مزاحمة ما هو أنفع منه.
3 – ننكر أن يجعل ضمن البرامج الدينية، أو يكون بأصوات جماعية، أو أصوات فاتنة.
4 – ننكر القيام بتسجيله وعرضه للبيع؛ لأن هذا وسيله لشغل الناس به، ووسيلة لدخول بدع الصوفية على المسلمين من طريقه، أو وسيلة لترويج الشعارات القومية والوطنية والحزبية عن طريقه أيضًا.
وأخيرًا نسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين لما هو أصلح وانفع لدينهم ودنياهم، ونقول ما قاله الإمام مالك بن أنس رحمه الله:
" لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح أولها ".
وذلك باتباع الكتاب والسنة، والاعتصام بهما، لا بالأناشيد والأهازيج والترانيم.
والله ولي التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
-------------------------------------
(1) ولقد حصل ما خشينا منه من التطور فيما يسمى بالنشيد الإسلامي، فقد أخبرني بعض الإخوة من طلاب العلم عن انتشار أشرطة كثيرة جدا في بلاد الشام اليوم، يصاحب المنشد فيها الآلة، حتى أصبحت أقرب إلى الغناء، من أمثال أشرطة (السرميني، والترمذي، وأبي راتب، والبراعم المؤمنة...) وغيرها من الأسماء التي لا يحصرها عدد، والتي تعمل مراكز الأشرطة والفيديو عندهم ليل نهار عليها، وبأرباح تفوق أرباحها من الغناء الماجن، حتى أن بعض دور النشر في عمّان قد فرغت نفسها لنشر هذه الشرطة على أنه عمل إسلامي دعوي !! والذين يتتبعون هذه الأشرطة من شباب المسلمين من الأحزاب المختلفة لا يقبلون أي غمز أو إتهام في شأنها، فهي عندهم حلّ إسلامي ضروري ومُـلح، ويكاد يكون جزء من الدين، وكل من يتناول هذه الأشرطة بالنقد فهو متحجِّر ومتشدِّد وأصولي ولا يعيش واقع عصره !!.
وأشد من ذلك أنه قد حدثني أحد المشايخ أنه سمع شريطا قد لحِّنت فيه بعض سور القرآن مع الموسيقى على شكل أناشيد، نعوذ بالله من هذا العمل وأهله.
(ص 306-310 من الكتاب أعلاه - الطبعة 3 لدار ابن الجوزي )
.../... يتبع إن شاء الله
*****
والحمد لله رب العالمين