الجميع شركاء في حمايتها..
اللغة العربية في خطر..

عبدالله أيت الأعشير
باحث دراسات لغوية - المغرب
يعد سؤال المسألة اللغوية في الوطن العربي من أكثر الأسئلة المحرجة التي تصرخ في وجوهنا صباحا ومساءً؛ عسى أن تتفتق عقولنا عن خطة بزلاء تضع الهناء موضع النقب، كي تعيد للعربية الفصحى وهجها وجاذبيتها في ظل هذا التيار العولمي الذي ركب السَّخْبر لتفتيت صخر اللغات،

التي لم يستطع أهلها حيازة محتوى رقمي يضمن لها الذود عن حياضها لمواجهة مخططات التنميط، التي تزين- في السر وفي العلن- ركوب موجات اللغات المتفوقة تقنيا لامتلاك المعرفة. فماذا نحن فاعلون لمواجهة هذا الطوفان الذي ملأ السماوات العربية واكتسح أراضيها؛ والذي عجزت كل الوسائل التي بملكنا عن تدبير مناعتنا القيمية والهوياتية العربية والإسلامية؟ وهل أدركت ألبابنا أعماق التغييرات الثقافية التي أحدثتها العولمة لدى الشباب العربي، من خلال وسائلها التكنولوجية التي تجذب، وتغوي، وتغري، وتقتحم، وتراقب، وترصد، لتطارد الإنسان العربي المسلم حيثما كان؟ وكيف السبيل إلى بناء مشروع لغوي عربي يجعل الفصحى والفصيحة لغة الحياة الماتعة الشائقة المتكيفة، التي لا يذهب عنها إلى غيرها من اللغات كيفما كانت الأعذار والمسوغات؟


أسئلة كثيرة تجد جوابها البليغ في كثير من الصيحات التي بدأت تسمع في كثير من الأقطار العربية، رغبة في معرفة من نحن، وما هي مقومات الإنسية العربية التي تصلح أن تكون خميرة للعجين العربي الذي يطمح- بدافع ثورات الربيع العربي- أن يوجد إنسانًا عربيا مترهيا فعالًا معتزا بعروبته، مؤمنًا بمؤهلاته الذاتية والجماعية للاندماج في مجتمع المعرفة بأقل الخسائر الممكنة، التي لا تمس جوهر الإنسية العربية؟

وقبل أن يتسع الخرق على الراقع لابد من إبصار الناس بالطرائق الناهجة التي تمكن العربية الفصحى، من تجديد الولاء الخالص لها، لأجل استعادة سحرها الحلال، وعشقها الصافي الذي سعت العولمة أن تضرب بسورٍ بيننا، وبين حب لغتنا وما تدل عليه كلماتها. في إطار هذه الخطط والصيحات الإنذارية الإنقاذية التي تقيلنا من كبوتنا؛ ارتفعت دعوات بعض الغيورين مثل: الشيخة (موزا بنت ناصر) في قطر، والشيخ (محمد بن راشد آل مكتوم) في دبي، ومركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية، ومؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة خلال نهاية مارس (آذار) وبداية أبريل (نيسان) 2013م، وغيرها من المبادرات التي يمثل المؤتمر الدولي الثاني للغة العربية واسطة عقدها، والذي نظم في إمارة (دبي) برعاية من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بتاريخ 7 ـ 10 مايو 2013م/ 27 - 30 جمادى الآخرة 1434هـ. والحق أن المؤتمر الذي جعل شعار: «اللغة العربية في خطر. الجميع شركاء في حمايتها» غُرته الشادِخة، قد سعى إلى بلوغ النكيثة في عرض القضايا الجوهرية التي تعانيها العربية الفصحى في أثناء كتاباتنا، وفي أثناء تواصلنا الشفهي في منتدياتنا، وفي معتملاتنا، وفي شوارعنا، وفي معاهدنا ومؤسساتنا، وفي وسائلنا الإعلامية المسموعة والمكتوبة والمرئية، وهلم على ذلك جرا وسحبا.

كما اشتمل المؤتمر على خمس جلسات رئيسية، و63 ندوة، ومشروعين، بالإضافة إلى (372) اثنين وسبعين وثلاثمئة بحثٍ ودراسة؛ وبحضور زهاء (1000) ألف شخصية من (70) سبعين دولة؛ كانت (نيجيريا) هي ضيفة شرف المؤتمر.

وإذا كانت اللغة العربية بحاجة إلى حمايتها من الرطانات التي تسمع هنا وهناك، فإنها بحاجة أيضًا إلى حمايتها من بعض المؤتمرين العرب، الذين نغش ما يتفوهون به من كلام بالأخطاء النحوية والصرفية؛ الأمر الذي يثبت بلا ريب أن الشوط مازال بطينًا بعيدًا لرؤية وسماع العربية تجري رسْلاتٍ على الأسْلات، كما يجري الماء العذب على الرَّضراض.

وقد قدم كاتب هذه السطور ورقة بحث تروم النهوض باللغة العربية وتصفيتها من الأحراش والشوائب التي تزهد المتعلمين في الإقبال عليها، هذه بعض إلماحاتها:

تعد اللغة العربية الفصحى من الدين؛ فهي العلم المقدم والدرس المقدس، والبغية التي يجب على العرب أن يجعلوه سأوهم وسدَمهم من خلال اتباع السبيل الناهجة الآتية:
أولًا: على مستوى طرق التدريس
< تدريس الفصحى بالفصحى، لأن الحديث بالعامية في أثناء الفصول الدراسية يهون من قدر الفصحى، ويغري المتعلمين بخلط الفصحى بالعامية؛ وفوق كل ذلك فإن تعلم الفصحى يعد من الدين كما تشير السنة النبوية إلى ذلك.
< إطالة الاستماع للنصوص العربية المبينة (القرآن الكريم، والشعر العربي المبين، والنثر الفني الجيد...) لأن السماع يعد أب الملكات اللغوية الذي يفضي بالمستمعين إلى نحو الفطرة، أو النحو الضمني.
< دعوة الشداة إلى محاكاة تلك الأساليب المسموعة حتى تنطبع في أذهانهم، فتجري بها ألسنتهم طوعًا.
< حسن استغلال الوسائل التكنولوجية لتنمية مهارة القراءة.
< إحياء متوارد العبارات الشائقة، وتصيدها من كتب الأدب الرفيع، لتكون مادة ينشأ عليها الشداة؛ حتى إذا تكلم أو كتب فاض لسانه بما انطبع في مخيلته من الأساليب الشائقة الماتعة.
< الحرص في أثناء تدريس القواعد النحوية والصرفية والعروضية والبلاغية على استغلال النصوص البليغة.
ثانيًا على مستوى المدرس
< يجب أن يكون مدرس اللغة العربية قهرمانًا عارفًا ضليعًا من العربية الفصحى. لذا يجب إحكام خطة بزلاء في أثناء تكوين وإعادة تكوين المدرسين.
< اصطفاء مدرس العربية اعتمادًا على معيار إعلان الولاء والحب للعربية وما تدل عليها كلماتها، رجاء أن ينقل ذلك الحب إلى المتعلمين، من خلال الحرص على الأداء السليم لأصوات الكلمة العربية وإيقاع ألفاظها وتناغم جملها.
ثالثًا: على مستوى وسائل الإعلام
< البعد التواصلي للعربية الفصحى الذي يوفر بيئة سماعية لا تسودها إلا الفصحى، سواء في البرامج الحوارية أو في المسلسلات أو في الأخبار أو في الإشهار...
< البعد الثقافي الهُوياتي الذي يشعر الناس بأن الفصحى موحَّدة وموحِّدة، وأنها هي الأساس الذي تقوم عليه الأمة.
< البعد المعرفي العلمي والتقني، الذي يمد للعربية أسباب اقتحام خدر اللغات المتفوقة لتزاحمها في اصطناع المعارف التي تزيد من جاذبية الفصحى وتغري الشداة للإقبال على تعلمها.
هذه ملامح من موضوع النهوض بالعربية الفصحى، نبهت فيها إلى مقدمات فرص التحصين اللغوي المنشودة. ولقد توضح أن قضية اللغة العربية الفصحى في الوطن العربي، تمثل معركة المصير التي يجب أخذها بعزيمة المُجرِّسين النحارير، لتبديد كثير من الأوهام التي تُزوَّر للعربية من دون احتراس، قبل أن تنكسر الإرادات، وتفتر العزائم في حب العربية وفي الدفاع عنها.
الكاتب ( يمين الصورة) بجوار أحد المحاضرين

التوصيات الصادرة عن البيان الختامي للمؤتمر

> يدعو المؤتمر المؤسسات الحكومية والأهلية والمنظمات والهيئات المعنية باللغة العربية للتعاون والتضامن لأجل التمكين للغة العربية في جميع المواقع الحيوية.
> الموافقة على عقد المؤتمر الدولي الثالث للغة العربية تحت شعار: «الاستثمار في اللغة العربية ومستقبلها الوطني والعربي والدولي».
> الموافقة على مشروع المؤسسة العربية للتعريب والترجمة.
> الموافقة على مشروع قانون اللغة العربية الذي ينظم وضع اللغة الوطنية والمحكية والأجنبية، ووضع سياسة لغوية وطنية تعمل على تعزيز اللغة العربية السليمة وحمايتها من الإقصاء، وتمكينها من إثبات وجودها في مواقعها الطبيعية بقوة القانون، لأجل المحافظة على الهوية العربية.