الدرس الواحد والثلاثون

المستثنى
الاستثناء هو: الاسم المذكور بعد إلا أو إحدى أخواتها مخالفًا في الحكم لما قبلها.
مثل: جاءَ المسافرونَ إلا زيدًا، فزيدًا: مستثنى منصوب لكونه مذكورا بعد حرف الاستثناء إلا وهو مخالف في الحكم للمسافرين لأنهم قد جاؤوا وهو لم يجئ، ويسمى المسافرون مستثنى منه.
وأخوات إلا هي: ( غير- سوى- خلا- عدا- حاشا ).

المستثنى بإلا
للمستثنى بإلا ثلاث حالات:
أولا: إذا كان الكلام تاما موجبا فيجب نصب المستثنى منه.
والكلام التام هو: ما كانَ المستثنى منه مذكورا فيه.
والكلام الموجَب هو: ما لم يكن مسبوقا بنفي أو نهي أو استفهام.
مثل: قامَ القومُ إلا زيدًا، فزيدًا يجب نصبه على الاستثناء؛ لأن الكلام تام لوجود المستثنى منه وهو القوم، وموجب لأنه خال من النفي والنهي والاستفهام.
لا فرق في وجوب النصب بين كون الاستثناء متصلا أو منفصلا.
فالاستثناء المتصل: ما كان المستثنى فيه بعضًا من المستثنى منه، مثل: قامَ القومَ إلا زيدًا، فزيد بعض من القوم.
والاستثناء المنفصل: ما لم يكن المستثنى فيه بعضًا من المستثنى منه، مثل: قامَ القومَ إلا بعيرًا، والبعير ليس بعضا من القوم.
ثانيا: إذا كان الكلام تاما غير موجب فلا يخلو من حالتين:
1- أن يكون الاستثناء متصلا فيجوز نصب المستثنى أو إتباعه للمستثنى منه على أنه بدل بعض من كل.
مثل: ما جاءَ القومُ إلا عليًّا، أو عليٌّ، فهنا الكلام تام لوجود المستثنى منه القوم وناقص لأنه مسبوق بنفي.
ومثل: لا يقمْ أحدٌ إلا زيدًا أو زيدٌ، وهنا الكلام ناقص لأنه مسبوق بنهي.
ومثل: هلْ قامَ أحدٌ إلا زيدًا أو زيدٌ، وهنا الكلام ناقص لأنه مسبوق باستفهام.
2- أن يكون الاستثناء منقطعا فيجوز الوجهان أيضا عند بني تميم ويجب النصب عند الحجازيين.
يقول بنو تميم: ما رأيتُ القومَ إلا حمارًا أو حمارٌ، ويقول الحجازيون: ما رأيتُ القومَ إلا حمارًا فقط.
وهذا ما لم يتقدم المستثنى على المستثنى منه فإن تقدم فالنصب واجبٌ سواء أكان الاستثناء متصلا أم منقطعا.
مثل: قامَ إلا زيدًا القومُ، والأصل قام القومُ إلا زيدًا فتقدم المستثنى على المستثنى منه، ومثل: قامَ إلا حمارًا القومُ.
ثالثا: إذا كان الكلام ناقصًا غير موجَب فإعرابه على حسب العوامل التي قبله.
مثل: ما جاءَ إلا زيدٌ، فهنا الكلام ناقص لعدم ذكر المستثنى منه، وغير موجب لسبقه بنفي، فزيدٌ فاعل مرفوع، فكأنكَ قلتَ جاءَ زيدٌ وحدَه، أي أننا نعرب الاسم الواقع بعد إلا كأن إلا غير موجودة ولهذا يسمى هذا الاستثناء مفرغا لأن ما قبل إلا تفرغ للعمل فيما بعدها، وتقول: ما رأيتُ إلا زيدًا، فزيدًا: مفعول به، وتقول: ما أنتَ إلا تاجرٌ، فتاجرٌ: خبر للمبتدأ، ومنه قوله : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ) فرسولٌ: خبر للمبتدأ، وإلا في جميع ذلك تكون أداة حصر ملغاة.

الاستثناء بغير وسوى
غير وسوى اسمان يجران ما بعدهما بالإضافة دائما.
وحكم غير وسوى حكم الاسم الواقع بعد إلا:
فتقول في الاستثناء التام الموجب: قامَ القومُ غيرَ زيدٍ، فغيرَ: مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف وزيد مضاف إليه، ومثل: قامَ القومُ سوى زيدٍ: فسوى: مستثنى منصوب بفتحة مقدرة وهو مضاف وزيد مضاف إليه.
وتقول في الاستثناء التام غير الموجب: ما قامَ القومُ غيرَ زيدٍ أو غيرُ زيدٍ.
وتقول في الاستثناء الناقص غير الموجَب: ما قامَ غيرُ زيدٍ، برفع زيدٍ على أنه فاعل، وهكذا تقول في سوى.

الاستثناء بخلا وعدا وحاشا
أما خلا وعدا فإن سبقتهما ما المصدرية فهما فعلان فاعلهما مستتر وما بعدهما مفعول به.
تقول: قامَ القومُ ما خلا زيدًا أو ما عدا زيدًا، فما: مصدرية، خلا: فعل ماض مبني على الفتح المقدر، والفاعل مستتر تقديره هو عائد على اسم الفاعل المفهوم من القوم والمعنى هو: قام القوم خلا القائمُ زيدًا، زيدًا: مفعول به منصوب بالفتحة.
وإن لم تسبقهما ما المصدرية فيجوز أن نقدرهما أفعالا كما لو سبقتهما ما، ويجوز أن نقدرهما حرفين وما بعدهما مجرور بهما.
تقول: قامَ القومُ خلا زيدًا، أو خلا زيدٍ، فخلا: حرف جر مبني على السكون، وزيدٍ: اسم مجرور.
وأما حاشا فلا تسبقها ما ويجوز أن نقدرها فعلا أو حرف جر نحو جاءَ القومُ حاشا زيدًا أو حاشا زيدٍ.
( شرح النص )
والمستثنى بإلَّا مِنْ كلامٍ تامٍّ مُوجَبٍ نحوُ ( فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ).
فإِنْ فُقِدَ الإيجابُ تَرجَّحَ البدلُ في المُتَّصِلِ نحوُ ( مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ )، والنصبُ في المنقَطِعِ عِندَ بني تميمٍ، ووجبَ عندَ الحِجَازِيِّينَ نحوُ ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ )، ما لمْ يتقدَّمْ فيهِما فالنصبُ نحوُ قولِهِ:
وَمَا لي إِلَّا آلَ أحمَدَ شِيعَةٌ... وَ مَا لِي إِلَّا مذهبَ الحقِّ مَذْهَبُ.
أوْ فُقِدَ التَّمامُ فعلى حسَبِ العواملِ نحوُ ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ ) ويسمَّى مُفَرَّغًا.
ويستثنى بغيرِ وسِوى خافضَينِ مُعربَيْنِ بإعرابِ الاسمِ الذي بعدَ إِلَّا.
وبِخلا وعدا وحاشا نواصِبَ وخوافِضَ، وبما خلا وبما عدا وليسَ ولا يكونُ نواصِبَ.
......................... ......................... ......................... ......................... ...................
ثم شرع في الكلام على منصوب آخر وهو المستثنى وهو منصوب في بعض الأحوال فقال: ( والمستثنى بإلَّا ) معطوف على المفعول في قوله: المفعول منصوبٌ، أي والمستثنى بإلا منصوب، ثم المستثنى بإلا له أحوال لأنه إن كان ( مِنْ كلامٍ تامٍّ ) بأن كان المستثنى منه مذكورا ( مُوجَبٍ )بأن لم يسبق بنفي أو نهي أو استفهامفيجب نصبه سواء كان الاستثناء متصلا ( نحوُ ) قوله : ( فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ) أم منقطعا نحو قامَ القومُ إلا حمارًا، وسواء تأخر المستثنى عن المستثنى منه كما مر من أمثلة أم تقدم نحو قامَ إلا زيدًا القومُ ( فإِنْ ) كان الكلام تاما ولكن ( فُقِدَ ) منه ( الإيجابُ ) بأن اشتمل على نفي أو نهي أو استفهام ( تَرجَّحَ البدلُ ) أي اتباع المستثنى للمستثنى منه في إعرابه على أنه بدل بعض من كل، ويجوز النصب ولكن الاتباع أولى وأرجح ( في ) الاستثناء ( المُتَّصِلِ ) بأن كان المستثنى بعضا من المستثنى منه ( نحوُ ) قوله ( مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ) برفع قليل على أنه بدل من الواو في فعلوه، وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن عامر بنصب قليل على الاستثناء، (و ) ترجّح ( النصبُ في ) الاستثناء ( المنقَطِعِ ) بأن كان المستثنى بعضا من المستثنى منه، نحو ما قامَ القومُ إلا حمارًا على الاستثناء أو إلا حمار على البدلية ولكن هذا الترجيح إنما هو ( عِندَ بني تميمٍ ) دون الحجازيين،( ووجبَ ) النصب على الاستثناء في المنقطع ( عندَ الحِجَازِيِّينَ ) ولا يجوز عندهم البدل وبلغتهم جاء التنزيل وذلك ( نحوُ ) قوله : ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ) فإتباعَ: منصوب على الاستثناء، وهو منقطع لأن اتباع الظن ليس بعضا من العلم، واتفق القراء على النصب، وهذا الحكم ( ما لمْ يتقدَّمْ ) المستثنى على المستثنى منه ( فيهِما ) أي في المتصل والمنقطع الكائنين في كلام تام غير موجب، فإن تقدم ( فالنصبُ ) حينئذ واجب في المتصل والمنقطع على حد سواء ولا يجوز البدل نحو: ما حضرَ إلا عليَّا الضيوفُ، وما قدِمَ إلا فرسًا القومُ ( نحوُ قولِهِ ) أي الكُمَيْت ( وَمَا لي إِلَّا آلَ أحمَدَ شِيعَةٌ... وَ مَا لِي إِلَّا مذهبَ الحقِّ مَذْهَبُ ) شيعة أي أنصار، والشاهد هو نصب آل ومذهب على الاستثناء لتقدم المستثنى على المستثنى منه والأصل ومالي شيعة إلا آل أحمدَ ومالي مذهبٌ إلا مذهبَ الحقِّ.
( أوْ فُقِدَ التَّمامُ ) من الكلام بأن لم يصرح فيه بالمستثنى منه وشرطه أن يكون غير موجب ( فعلى حسَبِ العواملِ ) فارفع أداة النفي والاستثناء وانظر ما يكون إعرابه فاجعله للاسم الواقع بعد إلا نحو ما جاءَ إلا زيدٌ، فزيد فاعل لأننا إذا قلنا: جاءَ زيدٌ كان زيدٌ فاعلا ( نحوُ ) قوله ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ ) فأمرنا: مبتدأ ومضاف إليه، وإلا: أداة استثناء ملغاة، وواحدةٌ: خبر.
(ويسمَّى ) هذا الاستثناء ( مُفَرَّغًا ) لأن ما قبل إلا تفرغ للعمل فيما بعدها.
ثم لما أكمل أحوال إلا شرع في أخواتها فقال( ويستثنى بغيرِ وسِوى ) أيضا حال كونهما ( خافضَينِ ) بالإضافة للاسم الذي بعدهما، وحال كونهما ( مُعربَيْنِ ) ويكون إعراب غير لفظيا وإعراب سوى تقديريا ( بإعرابِ الاسمِ الذي ) يقع ( بعدَ إِلَّا ) على التفصيل السابق في إلا فيجب النصب في الكلام التام الموجب نحو قامَ القومُ غيرَ زيدٍ أو سوى زيدٍ، ويجوز النصب والإتباع في نحو ما قامَ القومُ غيرَ زيدٍ أو غيرُ زيدٍ لأنه كلام تام غير موجب، ويكون على حسب العوامل في نحو ما قامَ غيرُ زيدٍ لأنه مفرّغ.
( و ) يستثنى ( بِخلا وعدا وحاشا ) حال كونها ( نواصِبَ ) للمستثنى على تقدير كونها أفعالا ( و ) حال كونها ( خوافِضَ) للمستثنى على تقدير كونها حروف جر ( وبما خلا وبما عدا ) أي ويستثنى بخلا وعدا إذا سبقتهما ما المصدرية وحينئذ لا يكونا إلا نواصب لأن ما المصدرية لا تدخل على الحروف.
( و ) يستثنى بـ ( ليسَ ولا يكونُ ) وهما فعلان ناقصان نحو جاءَ القومُ ليسَ زيدًا، وقدم القومُ لا يكونُ زيدًا بمعنى إلا زيدا، فاسمهما مستتر تقديره هو وزيدًا خبرهما، قال الشيخ العلامة عبد الكريم الدبان: عَدَّ منها- أي من أدوات الاستثناء- بعضُ النحاةِ ( ليسَ ولا يكونُ ) والمنصوبُ بعدهما خبرٌ لهما لا منصوب على أنه مستثنى وإن كان مستثنى من حيث المعنى. اهـ. توضيح قطر الندى.
وإنما يستثنى بما خلا وما عدا وليس ولا يكون حال كونها ( نواصِبَ ) للاسم الذي بعدهما.
تنبيه: اتضح مما مر أن أدوات الاستثناء ثمان: وهي أربعة أقسام: 1- حرف فقط وهو إلّا، 2- اسم فقط وهو غير وسوى، 3- فعل فقط وهو ليس ولا يكون، 4- مشترك بين الفعلية والحرفية وهو خلا وعدا وحاشا.

( تدريب )
أعرب ما يلي:
1- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ.
2- الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ.
3- قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا.