الدرس الثلاثون

التمييز

التمييز هو: اسمٌ فَضْلَةٌ نكِرَةٌ جامِدٌ مفَسِّرٌ للمُبْهَم ِمِنَ الذَّواتِ أو النِّسَبِ.
مثل: اشتريتُ صاعًا قمحًا، فصاعًا: تمييز منصوب؛ لأنه اسم فضلة فيمكن الاستغناء عنه، نكرة وليس معرفة، جامد أي غير مشتق، قد فسر الإبهام في الصاع؛ لأنه يحتمل أن يكون قمحا أو شعيرا أو تمرا أو غيرها، فإذا قلتَ: اشتريتُ صاعًا قمحًا، زالَ ذلك الاحتمال.
ومثل: امتلأَ الإناءُ ماءً، فماءً: تمييز منصوب؛ لأنه اسم فضلة نكرة جامد، قد فسر الإبهام في نسبة الامتلاء إلى الماء لأنه يحتمل أن الإناء قد امتلأ ماءً أو عسلًا أو زيتًا أو غيرها، فإذا قلتَ: امتلأ الإناءُ ماءً، زالَ ذلكَ الاحتمالُ.
فاتضح أن التمييز تارة يفسر كلمة مفردة قبله فيها إبهام، ويسمى بتمييز الذات وتمييز المفرد، وتارة يميز نسبة كما في المثال السابق لأن الإناء لا غموض ولا إبهام فيه وإنما الغموض في نسبة الامتلاء إليه، ويسمى تمييز النسبة وتمييز الجملة.
والتمييز يخالف الحال في أمور هي: التمييز جامد ومفسرٌ للإبهام في ذات أو نسبة، والحال مشتق ومفسر للإبهام في الهيئات.

تمييز المفرد

أما ما كان تمييزًا لمفرد فيقع بعد ما يأتي:
الأول: المقادير وهي عبارة عن ثلاثة أشياء: المِسَاحة نحو اشتريتُ ذراعًا حريرًا، والكيل نحو تصدقت بصاعٍ تمرًا، والوزن نحو بعتُهُ رطلًا سُكَّرًا.
الثاني: العدد والتمييز المنصوب بعد العدد هو ما يقع بعد أحد عشرَ إلى تسعة وتسعين، كما في قوله تعالى: ( إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا ) وقوله ( إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ).
الثالث: ما يدلُ على مماثلة كقوله تعالى: ( وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا )، فمددًا: تمييز منصوب بالفتحة.
الرابع: ما يدل على مغايرة مثل: إنَّ لنا غيرَها إبِلًا، فلنا: خبر إن المقدم، وغيرها: اسم إنَّ، وإبلًا: تمييز منصوب.
الخامس: كل اسم يدل على ذات صالحة لأن تصنع منه أشياء بمواد مختلفة، فيأتي التمييز لتعيين المادة التي صنعت منه. مثل: عندي خاتمٌ فضةً، وثوبٌ حريرًا.

تمييز العدد
أولا: ما يقع بعد ثلاثة إلى عشرة يكون جمعًا مجرورًا، نحو: عندي خمسةُ أقلامٍ، وتسعة دفاترٍ.
ثانيا: ما يقع بعد أحد عشر إلى تسعة وتسعين يكون مفردًا منصوبًا، نحو عندي خمسونَ قلمًا، وتسعونَ دفترًا.
ثالثا: ما يقع بعد المائة والألف يكون مفردًا مجرورًا، نحو: عندي مائةُ قلمٍ، وألفُ دفترٍ.
تمييز كم

كم لها استعمالان: استفهامية، وخبرية.
فالاستفهامية هي: التي يسأل بها عن معدود ما، وتمييزها يكون مفردًا منصوبا، نحو: كمْ كتابًا اشتريتَ ؟
فكم: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم، وكتابًا: تمييز منصوب، واشتريتُ: فعل وفاعل.
فإذا دخل حرف جر على كم جاز جر تمييزها وجاز نصبه نحو: بكمْ درهمٍ اشتريتَ كتابَكَ ؟ فبكمْ: الباء حرف جر، وكم اسم استفهام مبني على السكون في محل جر، ودرهمٍ: تمييز مجرور بمِن محذوفة والأصل بكم من درهمٍ.
ويجوز بكم درهمًا اشتريتَ كتابكَ؟
والخبرية هي: التي يراد بها الإخبار عن معدود كثير غير محدد، وتمييزها يكون مجرورًا، نحو: كَمْ مرةٍ تخطئ وأعفو عنكَ، أي مرات كثيرة حصل فيها الخطأ فهي هنا للإخبار لا للاستفهام.
ويجوز أن تقول: كمْ مراتٍ تخطئ.. أي تارة يفرد تمييزها وتارة يجمع، وهو في الحالين يعرب مضافا إليه مجرورًا.

تمييز النسبة

وأما ما كان تمييزا لنسبة فهو نوعان: محوَّلٌ، وغير محوَّل.
فالمحوّل مثل قوله تعالى: ( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ) والأصل: اشتعلَ شيبُ الرأسِ، فيكون التمييز محولا عن الفاعل.
ومثل قوله تعالى: ( وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا ) والأصل: فجرنا عيونَ الأرضِ، فيكون التمييز محولا عن المفعول به.
ومثل قوله تعالى: ( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا ) والأصل: مالي أكثر من مالِكَ، فيكون التمييز محولا عن المبتدأ.
وغير المحول مثل: امتلأَ الإناءُ ماءً، فماءً تمييز وهو غير محول فليس له أصل أخذ منه.
ولا يقال: إن الأصل هنا: امتلأَ ماءُ الإناءِ؛ لأن الماء لا يوصف بالامتلاء بل الذي يمتلئ هو الإناء نفسه.

التمييز المؤكد

قد يأتي التمييز غير مبين لهيئة أو نسبة بل يكون مؤكِّدًا نحو: عندي من الأقلامِ عشرونَ قلمًا، فقلمًا: تمييز منصوبٍ، وهو مؤكد لأنه لم يفد معنى جديدا إذْ قد علم من قولكَ من الأقلام أن العشرين من الأقلام لا من غيرها.
ومنه قوله تعالى: ( إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا ).



( شرح النص )

والتمييزُ وهوَ اسمٌ فضْلَةٌ نكرةٌ جامدٌ مُفَسِّرٌ لما انبهمَ من الذَّواتِ.
وأكثرُ وقوعهِ بعدَ المقاديرِ كجَرِيبٍ نخلًا، وصاعٍ تمرًا، ومَنَوَيْنِ عسلًا، والعددِ نحوُ: ( أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا ) إلى تسعٍ وتسعينَ، ومنهُ تمييزُ كمِ الاستفهاميةِ نحوُ كمْ عبدًا ملكتَ.
فأمَّا تمييزُ الخبريَّةِ فمجرورٌ، مفردٌ كتمييزِ المائةِ وما فوقَها، أو مجموعٌ كتمييزِ العشَرَةِ وما دونَها.
ولكَ في تمييزِ الاستفهامِيَّةِ المجرورةِ بالحرفِ جرٌّ ونصبٌ.
ويكونُ التمييزُ مُفَسِّرًا للنِّسبةِ مُحَوَّلًا كـ ( اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ) ( وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا ) ( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا ).
أو غيرَ محوَّلٍ نحو امتلأ الإناءُ ماءً.
وقدْ يؤكِّدانِ نحوُ ( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) وقولِهِ: منْ خيرِ أديانِ البريَّةِ دينا، ومنهُ: بئسَ الفحلُ فَحْلُهُم فحلًا خلافًا لسيبويهِ.
.............................. .............................. .............................. .............................
ثم بدأ بمنصوب آخر وهو التمييز وهو منصوب في أغلب أحواله لأنه قد يجر فقال: ( والتمييزُ ) معطوف على المفعول في قوله: بابٌ المفعولُ منصوبٌ، أي والتمييز منصوبٌ ( وهوَ اسمٌ ) أي صريح فلا تقع الجملة ولا شبهها تمييزا ( فضْلَةٌ ) لا عمدة من الكلام ( نكرةٌ ) لا معرفة ( جامدٌ ) لا مشتق ( مُفَسِّرٌ لما انبهمَ من الذَّواتِ ) أي ومن النسب ولا بد من إضافة هذا القيد ليكون التعريف جامعا لنوعي التمييز ( وأكثرُ وقوعهِ ) أي تمييز الذات ( بعدَ المقاديرِ ) وهي تشمل المساحة (كجَرِيبٍ نخلًا ) والجريب= 60 ذراعا × 60 ذراعا، على ما قيل ( و ) يشمل الكيل نحو ( صاعٍ تمرًا ) والصاع= 2040 غم ( و ) يشمل الوزن نحو ( مَنَوَيْنِ عسلًا ) المن= 765 غم ( و ) بعد ( العددِ نحوُ ) قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: إنّي رأيتُ ( أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا ) فكوكبا: تمييز لأحد عشر ( إلى تسعٍ وتسعينَ ) وما بينها فالعدد من 11 إلى 99 يكون مفردا منصوبا ( ومنهُ ) أي ومن تمييز العدد ( تمييزُ كمِ الاستفهاميةِ ) لأن كم الاستفهامية بمعنى: أي عدد ( نحوُ كمْ عبدًا ملكتَ ) فكم هنا بمعنى: أي عدد من العبيد ملكتَ، فلذا عد النحاة تمييزها من تمييز العدد، ويكون مفردا منصوبا.
( فأمَّا تمييزُ ) كم ( الخبريَّةِ فمجرورٌ ) دائما وتمييزها إما ( مفردٌ ) وهو أكثر وأبلغ نحو كمْ عبدٍ اعتقنا، تريد الإخبار بكثرة ما اعتقتم، وهو حينئذ ( كتمييزِ المائةِ وما فوقَها ) فيكون مفردا مجرورا كقولك: عندي مائةُ قلمٍ ومائتا كتابٍ وألفُ ورقةٍ، وإما ( مجموعٌ ) نحو كم عبيدٍ اعتقنا، وهو حينئذ ( كتمييزِ العشَرَةِ وما دونَها ) فيكون جمعا مجرورا كقولك: عندي عشرة أقلامٍ، وأربعةُ دفاترٍ.
( ولكَ في تمييزِ الاستفهامِيَّةِ المجرورةِ بالحرفِ جرٌّ ونصبٌ ) أي يجوز أن تقول بكم دينارٍ اشتريتَ الكتابَ، أو بكمْ دينارًا اشتريت الكتابَ.

( ويكونُ التمييزُ مُفَسِّرًا للنِّسبةِ ) أيضا وهو إما أن يكونَ ( مُحَوَّلًا ) عن أصل سواء أكان أصله فاعلا ( كـ ) قوله تعالى (اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ) والأصل اشتعلَ شيبُ الرأسِ، أو كان أصله مفعولا به كقوله تعالى ( وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا ) والأصل فجرنا عيونَ الأرضِ، أو كان أصله مبتدأ كقوله تعالى ( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا ) والأصل مالي أكثر من مالك ( أو غيرَ محوَّلٍ نحو امتلأ الإناءُ ماءً ) إذْ لا يصح أن يقال امتلأ ماءُ الإناءَ؛ لأن الماء لا يمتلئ.
( وقدْ يؤكِّدانِ ) أي قد يكون الحال والتمييز غير مفسرين لمبهم بل يكونا مؤكِّدَينِ لما قد علم قبل ذكرهما، مثال الحال المؤكدة ( نحوُ ) قوله تعالى: ( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) لأن معنى العثو هو الفساد، ( و ) مثال التمييز المؤكد ( قولِهِ) هو أبو طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم ووالد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وَلَقَدْ عَلِمْتُ بأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... ( منْ خيرِ أديانِ البريَّةِ دينا ) فدينا: تمييز مؤكد ( ومنهُ ) أي من التمييز المؤكد ( بئسَ الفحلُ فَحْلُهُم فحلًا ) هو جزء من بيت شعر لجرير بن عطية يهجو به الأخطل التغلبي النصراني هو: والتَّغْلَبِيُّ ونَ بِئسَ الفحلُ فحلُهمُ... فحلًا وأُمُّهُمُ زَلَّاءُ مِنْطِيقُ، التغلبيونَ: قوم من العرب كانوا على دين النصارى، الفحل: أراد به هنا أباهم، زلَّاء: هي المرأة إذا كانت قليلة لحم الأليتين، مِنْطيق: المراد به هنا التي تكبر مؤخرتها بالخرق تفعل ذلك سترا لسوء حالها وإنما كانت كذلك لشدة العمل والفقر، والشاهد فيه هو قوله: بئس الفحلُ فحلُهم فحلا، فبئسَ: فعل ماض لإنشاء الذم، والفحل: فاعل بئس، فحلهم: مبتدأ مرفوع مؤخر والجملة قبله في محل رفع خبر مقدم والأصل فحلُهم بئس الفحلُ، وفحلًا: تمييز منصوب وهو هنا مؤكد، وهذا هو إعراب الإمام المُبَرِّد ومن تبعه ( خلافًا لسيبويهِ ) فإنه لا يجيز الجمع بين فاعل نعم وبئس إذا كان اسما ظاهرا وبين تمييزهما كما في هذا البيت فلا يقال عنده: بئسَ الرجلُ رجلًا زيدٌ، ولذا فقد جعل فحلًا في بيت جرير حالا مؤكدة لا تمييزا، والإمام ابن هشام اختار قول الإمام المبرد وخالف قول الإمام سيبويه عليهم رحمة الله.

( تدريب )

أعرب ما يلي:
1- مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
2- قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ.
3- رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا.