قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (26/ 20- 26):
ومن أهم فضائل العلم ما يلي:
1- أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- لم يوِّرثوا درهمًا ولا دينارًا وإنمَّا ورَّثوا العلم فمن أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافرٍ من إرث الأنبياء. فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا
كنت من أهل العلم ترث محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من أكبر الفضائل.
2- أنه يبقى والمال يفنى، فهذا أبو هريرة- رضي الله عنه- من فقراء الصحابة حتى إنه يسقط من الجوع كالمغمى عليه وأسألكم بالله، هل يجري لأبى هريرة ذكر بين الناس في عصرنا أم لا؟ نعم
يجري كثيرًا فيكون لأبي هريرة رضي الله عنه أجر من انتفع بأحاديثه.
إذًا العلم يبقى والمال يفنى. فعليك- يا طالب العلم- أن تستمسك بالعلم فقد ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ".
3- أنه لا يتعب صاحبه في الحراسة؛ لأنه إذا رزقك الله علمًا فحمله في القلب لا يحتاج إلى صناديق أو مفاتيح أو غيرها هو في القلب محروس، وفي النفس محروس وفي الوقت نفسه هو حارس لك؛ لأنه يحميك من الخطر بإذن الله- عز وجل-؛ فالعلم يحرسك، ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق وراء الأغلاق ومع ذلك تكون غير مطمئن جمليه.
4- أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق، والدليل قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) فهل قال (أولو المال) ؟ لا بل قال: (وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) فيكفيك فخرًا يا طالب العلم أن تكون ممن شهد لله أنه لا إله إلا هو، مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله- عز وجل-.
5- أن أهل العلم هم أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) . فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام والعلماء وطلبة العلم، فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها، وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها.
6- أن أهل العلم هم القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة، ويستدل لذلك بحديث معاوية- رضي الله عنه- يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ".
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله عن هذه الطائفة: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ". وقال القاضي عياض- رحمه الله-: " أراد أحمد: أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث ".
7- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرغب أحدًا أن يغبط أحدًا على شيءٍ من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما:
1- طلب العلم والعمل به.
2- التاجر الذي جعل ماله خدمةً للإسلام.
فعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها" .
8- ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبى موسى الأشعري- رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقيةٌ قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِمَ وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ".
9- أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبى هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة " .
10- ما جاء في حديث معاوية- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين " أي: يجعله فقيها في دين الله- عز وجل- والفقه في الدين ليس المقصود به فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط، ولكن
المقصود به هو علم التوحيد وأصول الدين، وما يتعلق بشريعة الله عز وجل ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كافياً في الحث على طلب علم الشريعة والفقه فيها.
11- أن العلم نور يستضيء به العبد، فيعرف كيف يعبد ربه وكيف يعامل عباده فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة.
12- أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفى على كثير منَّا قصَّة الرجل الذي من بنى إسرائيل حيث قتل تسعا وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على رجل
عابد، فسأله هل له من توبة؟ فكأنَّ العابد استعظم الأمر فقال: لا، فقتله. فأتم به المئة، ثم ذهب إلى عالم فسأله، فأخبره أن له توبة، وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دلَّه على بلد أهله صالحون ليخرج إليها، فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق. والقصة مشهورة فانظر الفرق بين العالم والجاهل.
13- أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا. أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات. بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله- عز وجل- والعمل بما علموا وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به قال الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).