إن ما تشهده مجتمعاتنا العربية والإسلامية من الانفتاح الثقافي والفكري والإعلامي الرهيب هو نتيجة تضخيم الإنسان للحضارة الغربية فاستطاعت هذه الحضارة أن تغزو العقول وتؤثر فيها فتغير المفاهيم والمبادئ وهو ما يعرف اليوم بالغزو الفكري والاستعمار الثقافي ومما ساعد هذا الغزو على التوغل في مجتمعنا هو جمود العقل الإسلامي فلا إبداع في الأدب ولا اختراع في الصناعة ولا حتى إعلام يستقطب العقول .وفي المقابل تخرج أصوات من أقصى اليمين تطالب الانغلاق الكامل والتقوقع حفاظا على القيم والمبادئ والهوية وبالمقابل نسمع هتافات من أقصى اليسار تنادي بالانفتاح على مصراعيه ومن هنا تأتي الوسطية والاعتدال في كل الأمور.(( الحكمة هي ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق الناس بها ))إن اعتزاز المسلم بثقافته المعبرة عن هويته تجعله يرفض الذوبان في الآخرين كما يذوب الملح في الماء بل يأخذ من الثقافات الأخرى ما ينفعه ويدع ما يضره.وتاريخنا الإسلامي مليء بالشواهد على الانفتاح الفكري والسياسي والثقافي كفكرة الخندق التي لم يعرفها العرب من قبل لأنها فارسية الأصل فاستخدمها الرسول – صلى الله عليه وسلم – في غزوة الأحزاب وكذلك استفاد النبي - صلى الله عيه وسلم – من أسرى بدر لمحو أمية المسلمين وأيضا استفاد من آلة المنجنيق لحصار الطائف وهي صناعة يهودية !(( المؤمن كالنحلة لا تأكل إلا طيبا ولا تضع إلا طيباً ))إن صلة الإنسان بالثقافة كالنحلة التي تنتقل بين الزهور والأشجار فتأكل من ثمار ربها وتمتص من رحيق الورود ثم تهضمه وتحوله إلى شراب مختلف ألوانه يفيد الناس .وهكذا الإنسان يطلع على ما شاء من الثقافات الأخرى فينهل منها ما يوافق دينه ومبادئه ومن الملاحظ اليوم أن هنالك محاولات عظيمة لنقل بعض العلوم الغربية كعلم الإدارة والقيادة والتنظيم إلى مجتمعاتنا لما لها من أثر عظيم في تسيير أمور الحياة .لكن على الإنسان أن يضع مصافي على بوابات عقله فيحميه من أي أفكار قد تؤثر عليه وسموم قد تندس إليه لأن الثقافات بحر كبير فعلى من لا يجيد السباحة أن لا يخوض هذا البحر .وتشير الدراسات إلى أن فرنسا تحذر أبناءها من خطورة الغزو الإعلامي والفكري من خلال المسلسلات الأمريكية رغم أنهم ينتمون لحضارة واحدة وهي الحضارة الغربية !!!فهل تبذل مجتمعاتنا الجهود اللازمة للحفاظ على قيم وأفكار الشباب من الحضارة المغايرة ؟

سلمان الكندري.