ذكر أبو المعالي محمد بن عمر المظفر بن شاهنشاه الأيوبي (تـ 617) في كتابه "مضمار الحقائق وسر الخلائق" (ص 186 - 188):
[سنة ثمانين وخمس مائة]
وفيها أنعم الخليفة(1) على محمد بن يحيى بجميع الأرض والبستان المجاور لمحلة قطفتا والأرحاء على نهر عيسى فعمر جميع البستان وعمر فيه دارا حسنة وعمر ملاصق البستان خانات وعمر أيضا دارا حسنة لبيع الغزل وصار هناك سوق حسن لم يعرف من قبل وسأل الخليفة أن يعمل هناك نهرا ويجري فيه الماء إلى البستان المذكور إلى الخانات من محوله يزدجرد فأذن له في ذلك
فلما وصل الماء إلى المواضع رغب الناس في ذلك الموضع وصارت محلة من محال بغداد فيها البيع والشراء ومحط القوافل
وجعل محمد بن يحيى الفراش يحمل إلى البستان من سائر الأشجار ويغرس فيه فأينع وأثمر
ووصف للخليفة فمضى إليه وأقام فيه يوما وليلة فرآه موضعا حسنا نزها
وكانت أكثر فرجة أهل بغداد على نهر عيسى وكان الخيفة كثير الترداد إلى ذلك الموضع وكان في تلك الدار التي في البستان روشن حسن البناء فكان الخليفة يجلس فيه.............
ولما حسن الموضع وراق للخليفة تقدم إلى محمد بن يحيى بزرع الجزيرة المجاورة له مبقلة وخضرا فصار ذلك الموضع من أنزه المواضع وصار ذلك الخليفه الموضع محروسا بعد أن كان طريقا
وكان أهل بغداد يخرجون في كل يوم للفرجة ممن جرت له عادة من الرجال والنساء وكان يخرج جماعة من المحدثين المتمسخرين إلى ذلك الموضع والخليفة قاعد في شباك يتفرج على العوام
وكان لأهل بغداد عادة إلى اليوم فرجة بعد أسبوع من العيد يخرجون إلى الفرجة والتنزه ويقولون ندفن العيد ويخرج رؤساء المحال والمقدمون منهم ويحضرون شخصا يتمسخرون عليه ويكفنونه كالميت ويبكون عليه فإذا طابوا ولعبوا ساعة من يومهم ذلك قام ذلك الشخص الذي كفن كهيئة الميت ويجعلونه مضحكة فأمر الخليفة أن يدفن العيد عند بستان ابن يحيى وأشار إليه بذلك
فلما كان بعد العيد تقدم ابن يحيى إلى رؤساء العوام ومتقدمي المجال أن يخرجوا لدفن العيد في ذلك الموضع المذكور فخرج خلق لا يحصى عددهم إلا الله سبحانه وتعالى من الرجال والنساء والأطفال والخليفة ينظر إلى العوام وفعالهم فقد أتوا بشخص منهم كهيئة الميت قد كفن وحمل فيما بينهم فقوم منهم يبكون ويصرخون وقوم يعزون وقوم يندبون ويعملون عزية للعيد فإذا ضجروا نزل الناس قدام بين يدي الستر فيلقون الميت في الماء فيبقى فيه ساعة والخليفة يضحك عليهم
فينزل متقدم الفراشين ومعه مائة دينار إمامية فيقول لمقدم العوام هذه المائة دينار لأجل الميت فحينئذ يقوم الميت المكفن من الماء فيتصارخ الناس لذلك ويضحكون ويدعون للخليفة
وكان في ذلك اليوم على سطح تلك الدار جماعة من المماليك الخواص مثل سنجر وإياس الرومي وبرنبا العلائي وياقوت وقيطرس وجماعة من المماليك
فلما انقضى دفن العيد وخرجوا بأسرهم وتحت كل واحد منهم حصان عليه سرج بذهب وتخت وطوق وسر فسار وعليهم ملابس الزركش والثياب الطلس فكانوا يركبون يوم يكون من الحلية والثياب فكان أهل بغداد يرجعون من فرجتهم يتفرجون على المماليك ويقولون
نحن كنا نتفرج على الميت فلم لا نتفرج على هؤلاء الملائكة الذين قد خرجوا
______________________________ _______
(1) الخليفة في ذلك الوقت: الناصر لدين الله أحمد أبو العباس بن المستضيء بأمر الله
وكان يتشيع، ويميل إلى مذهب الإمامية، ولم يل الخلافة أحد أطول مدة منه، انظر: "تاريخ الخلفاء" (ص 317 وما بعدها)

طبعا هذه العادة من البدع المحدثة