بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذا مبحث مختصر من بحث آخر لي حول مسألة التكبير الجماعي أيام أيام العيد ، وأعيد جزءا منه باختصار يتعلق بمسألة استحباب التكبير المقيد بدبر الصلوات أيام التشريق ، وقد كان سبب نشره هو ما أحدث البعض من أقوال كثيرة تبديعية لما كان عليه السلف الطيب وسار عليه المسلمون طيلة أزمان عديدة ودهور مديدة من تكبير مقيد بدبر الصلوات، والعجب أن بعض هؤلاء المذكورين نقلوا عن شيخ الإسلام ابن تيمية اتفاق العلماء على مشروعية هذا التكبير المقيد، ثم تعقبه عمدا فقال: إن دعوى الاتفاق لا دليل عليها"، ثم لم يأت لقوله المحدث بمخالف من السلف لينقض الاتفاق الذي نقله شيخ الإسلام وغيره ، فاغتر به بعض المهلوسين بالتبديع، من المخالفين لسبل المؤمنين، من الصحابة والتابعين، وأئمة السلف والفقه في الدين، وقد جمعوا من كل تبديعٍ غثّه، ومن كل كلام رثه ، فاستعنت الله تعالى على جمع تلكم الإجماعات، مع كلام السلف في هذا الباب نصرة لله ولرسوله ولمنهج السلف وأئمتهم وعلمائهم، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى بمذهب السلف من حيي عن بينة ، وحتى يرجع إلى الحق من أراد الله به خيرا ، وليُعلم أي الفريقين أولى بالسلف فأقول :
.............................. ..........
الفصل الثالث: التكبير بأدبار الصلوات: فقد روى عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال: رأيت الأئمة رضي الله عنهم يكبرون أيام التشريق بعد الصلاة ثلاثا"، وعن الحسن مثله. وفي هذا الباب مطالب :
المطلب الأول: ذكر الأدلة من الإجماع على مشروعية التكبير المقيد: لقد ذكرنا آنفا أن التكبير منه ما هو مطلق كأيام ذي الحجة والعيد ، ومنه المقيد بدبر الصلوات من أيام التشريق ويوم عرفة، وأيام التشريق كلها أيام ذكر وتكبير لله تبارك تعالى، كما قال تعالى في كتابه: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}, وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعثَ عبد الله بن حُذافة يطوف في منى:"لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل"، وفي الباب عن عائشة وعقبة وعلي ونبيشة وغيرهم، وقال ابن المنذر حدثنا يحيى بن منصور ثنا سويد ثنا عبد الله عن الفزاري عن الأوزاعي قال:« بلغني في قوله: واذكروا الله في أيام معدودات الآية هو التكبير في دبر الصلوات في أيام التشريق".
وعلى هذا سار السلف والخلف والمسلمون كافة لم يخالف منهم أحد، والله المستعان على من تعمد مخالفة سبيل المؤمنين، وإليكم أقوالهم :
الصنف الأول :ذكر أقوال المفسرين:
1. قال أبو جعفر الطبري: يعني جَلّ ذكره: أذكروا الله بالتوحيد والتعظيم في أيام مُحصَيات، وهي أيام رَمي الجمار. أمر عباده يومئذ بالتكبير أدبارَ الصلوات، وعند الرمي مع كل حصاة من حَصى الجمار يرمي بها جَمرةً من الجمار, قال: وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل", فيا سبحان الله هذا هو تفسير كل أهل التأويل كما قال الطبري، أفكان يحل لهم مخالفة المسلمين في الفهم والعمل !!!
2. وقال ابن كثير:" ويتعلق به أيضًا الذكر المؤقت خلف الصلوات، والمطلق في سائر الأحوال, وفي وقته أقوال للعلماء، وأشهرها الذي عليه العمل أنَّه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو آخر النَّفْر الآخِر. وقد جاء فيه حديث رواه الدارقطني، ولكن لا يصح مرفوعا والله أعلم. وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يكبر في قبته، فيكبر أهل السوق",
3. وقال البغوي: قوله تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ} يعني التكبيرات أدبار الصلاة وعند الجمرات يكبر مع كل حصاة وغيرها من الأوقات {فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} الأيام المعدودات: هي أيام التشريق، وهي أيام منى ورمي", قال البغوي: والتكبير أدبار الصلاة مشروع في هذه الأيام في حق الحاج وغير الحاج عند عامة العلماء",
4. وقال ابن الجوزي: وهل يختص هذا التكبير عقيب الفرائض بكونها في جماعة أم لا؟ فيه عن أحمد روايتان, إحداهما: يختص بمن صلاها في جماعة، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله. والثانية: يختص بالفريضة وإن صلاها وحده وهو قول الشافعي.
5. وقال البيضاوي:"واذكرو ا الله فِي أَيَّامٍ معدودات" كبروه في أدبار الصلاة وعند ذبح القرابين ورمي الجمار وغيرها",
6. وقال الثعالبي:أَمَرَ اللَّه سبحانه بذكْره في الأيام المعدوداتِ، وهي الثلاثة الَّتي بعد يَوْم النحر، ومن جملة الذكْر التكبيرُ في إِثْر الصَّلواتِ".
7.9 وقال النسفي: هي أيام التشريق وذكر الله فيها التكبير في أدبار الصلوات وعند الجمار", وبه قال النحاس والواحدي.
10. وقال ابن العربي: لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ هَاهُنَا التَّكْبِير, وأَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَالْمَشَاهِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّكْبِيرُ لِكُلِّ أَحَدٍ، * حاجا أو غيره * وَخُصُوصًا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ فَيُكَبِّرُ عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ، كَانَ الْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرًا ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ" .
11. وقال القرطبي: ولا خلاف أن المخاطب بهذا الذكر هو الحاج ، خوطب بالتكبير عند رمي الجمار، وعلى ما رزق من بهيمة الأنعام في الأيام المعلومات وعند أدبار الصلوات دون تلبية، وهل يدخل غير الحاج في هذا أم لا؟ فالذي عليه فقهاء الأمصار والمشاهير من الصحابة والتابعين على أن المراد بالتكبير كل أحد, * حاجا أو غيره * وخصوصا في أوقات الصلوات, فيكبر عند انقضاء كل صلاة, كان المصلى وحده أو في جماعة, تكبيرا ظاهرا في هذه الأيام، اقتداءا بالسلف رضي الله عنهم, وفى المختصر: ولا يكبر النساء دبر الصلوات, والأول أشهر، لأنه يلزمها حكم الإحرام كالرجل، قاله في المدونة ".
12. وقال السعدي: ويدخل في ذكر الله فيها، ذكره عند رمي الجمار، وعند الذبح، والذكر المقيد عقب الفرائض، بل قال بعض العلماء: إنه يستحب فيها التكبير المطلق، كالعشر، وليس ببعيد".
الصنف الثاني: ذكر من نقل الإجماع من الفقهاء والمحدثين:
1. قال ابن قدامة في المغني:" وأما المقيد فهو التكبير في أدبار الصلوات ولا خلاف بين العلماء في مشروعية التكبير في عيد النحر, وإنما اختلفوا في مدتة "،
2. وقال ابن رجب الحنبلي في شرح البخاري : اتفق العلماء على أنه يشرع التكبير عقيب الصلوات في هذه الأيام في الجملة، وليس فيهِ حديث مرفوع صحيح، بل إنما فيهِ آثار عن الصحابة ومن بعدهم، وعمل المسلمين عليهِ",
وإنا نعوذ بالله من مخالفة الصحابة والمسلمين ، ومن اتباع سبل التبديعيين .
3. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (2/370) :"وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فِي النَّحْرِ فَهُوَ أَوْكَدُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُشْرَعُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَنَّ عِيدَ النَّحْرِ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَعِيدَ النَّحْرِ أَفْضَلُ مِنْ عِيدِ الْفِطْرِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْعِبَادَةُ فِيهِ النَّحْرَ مَعَ الصَّلَاةِ"،
4. وقال البيهقي:"باب من قال يكبر في الأضحى خلف صلاة الظهر من يوم النحر إلى أن يكبر خلف صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ثم يقطع استدلالا بأن أهل الأمصار تبع لأهل منى والحاج ذكره التلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثم يكون ذكره التكبير",
المطلب الثاني: ذكر الخلاف في زمن بدإ وانتهاء التكبير المقيد:
المسألة الأولى : ذكر الأقوال :