الدرس السابع والعشرون

الاستغاثة
من أقسام المنادى المستغاث به وهو: كل اسم نودي ليخلص من شدة أو يعين على دفع مشقة.
مثل قول الغريق: يا لَلنَّاسِ لِلغريقِ، والمعنى أدعو الناسَ لأجل الغريقِ أي لإنقاذه.
فلكي يتحقق أسلوب الاستغاثة لا بد من أداة النداء يا ولا يستعمل لها غيرها وتكون مذكورة دائما، والمستغاث به ويكون مجرورا بلام الجر المفتوحة، والمستغاث له ويكون مجرورا بلام الجر المكسورة.
نقول في إعراب المثال السابق: يا: حرف نداء واستغاثة مبني على السكون، واللام المفتوحة: حرف جر مبني على الفتح، والناسِ: اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره، واللام المكسورة: حرف جر مبني على الكسر، والمسلمينَ: اسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم، والجار والمجرور في الموضعين متعلقان بـ يا لتضمنها معنى الفعل.
والمستغاث به له ثلاث استعمالات:
الأول: استعماله مجرورا بلام الجر المفتوحة، والمستغاث له مجرورا بلام الجر المكسورة، وهذا هو الغالب كالمثال السابق، ومثل: يا للهِ لِلمسلمينَ، أي أدعوكَ لأجلهم.
الثاني: أن لا تدخل عليه اللام ولكن تَلحقُ آخرَه ألفٌ، تكون عوضا عنها، مثل: يا زيدا لعمرٍو، زيدا: منادى مبني على الضم المقدر منع من ظهوره الفتحة التي جاءت لمناسبة الألف في محل نصب.
الثالث: أن لا تدخل عليه اللام ولا تلحقه الألف، وحكمه حينئذ كالمنادى المستقل، وهذا أقل الاستعمالات، مثل: يا زيدُ للفقراءِ، ويا عبدَ اللهِ للمساكينَ.

مسألة
إذا عطفنا على المستغاث به مستغاثا به آخرَ فهنا حالتان:
الأولى: أن نعيد حرف النداء يا مع المعطوف فحينئذ نفتح لام المعطوف أيضا، تقول: يا لَزيدٍ ويا لَعمرٍو للضعفاءِ.
الثانية: أن لا نعيد حرف النداء مع المعطوف فحينئذ نكسر لام المعطوف، تقول: يا لَزيدٍ ولِعمرٍو للضعفاءِ.

النُّدْبَة
هي من أقسام المنادى، والمندوب هو: المنادى المتفجَّعُ عليه لفقده، أو المتوجَّع منه لكونه محل ألم.
فالأول كقولك في رثاء شخص ميت اسمه زيد: وا زيدُ، أو وا زيدا، أو وا زيداه.
والثاني كقولك متوجعا من ألم في رأسك: وا رأسُ، أو وا رأسا، أو رأساه.
ويستعمل للندبة حرف النداء وا، وهذا هو الغالب، وقد يستعمل له يا إذا قامت قرينة تدل على أن المراد هو الندبة لا النداء، مثل: قولك في مقامَ الرثاء: يا عمرُ، فإن المقام هنا لا يحتمل النداء.
وحكم المندوب هو حكم المنادى من حيث الإعراب، تقول: وا زيدُ، بالضم لأنه مفرد علم، و وا عبدَ اللهِ، بالنصب لأنه مضاف.
ويجوز أن تلحق آخرَ المندوب ألفٌ، تقول: وا عمرا، وا رأسا، فوا: حرف نداء وندبة مبني على السكون، عمرا: منادى مندوب مبني على الضم المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بالفتحة المناسِبة لألف الندبة.
ويجوز أن تلحقه هاء عند الوقف، تقول: وا عمراه، وا رأساه، فإذا وصلت الكلام حذفت الهاء.


المفعول المطلق
النوع الثاني من المفاعيل هو المفعول المطلق وهو: المصدرُ الفضْلَةُ المُسَلَّطُ عليه عاملٌ من لفظهِ أو من معناه.
مثل: جلسْتُ جلوسًا، فجلوسًا: مفعول مطلق منصوب بالفتحة؛ لأنه مصدر للفعل جلسَ، وفضلة أي ليس عمدة في الكلام إذْ هو ليس مسندا ولا مسندا إليه، وهذا المصدر منصوب بفعل من لفظه وهو جلسَ.
ومثل: قعدْتُ جلوسًا: فجلوسًا مفعول مطلق منصوب بالفتحة؛ لأنه مصدر للفعل جلسَ، وفضلة، وهو منصوب بفعل من معناه وهو قعدَ، لأن القعود والجلوس بمعنى واحد.
وبقيد الفضلة خرج من المفعول المطلق مثل: جلوسُكَ مريحٌ، وأعجبني كلامُكَ، فإنهما وإن كانا مصدرين إلا أنهما عمدتان لا فضلتان لأن الأول مبتدأ، والثاني فاعل.
والمفعول المطلق ثلاثة أقسام هي:
1- مُؤَكِّدٌ لعامله، أي يذكر في الكلام لتأكيد الفعل، مثل: أكلتُ أكلًا، ونِمْتُ نومًا.
2- مبينٌ لنوع عامله، بأن يدل على هيئةِ صدورِ الفعلِ، مثل: جلستُ جلوسَ الخائفِ، ووقفتُ وقفةَ المتحَيِّرِ.
3- مبينٌ لعدد عاملهِ، بأن يدل على مرات صدور الفعل، مثل: قرأتُ الكتابَ قراءتينِ، وضربتُ المهملَ ضربتينِ.

النيابة عن المصدر
سبق أن المفعول المطلق يكون مصدرا، وهذا هو الغالب، وقد تنصب بعض الألفاظ على أنها مفعول مطلق وهي ليست مصدرا، وذلك لنيابتها عن المصدر، والأشياء التي تنوب عن المصدر كثيرة منها:
1- آلة المصدر، أي الآلة التي تستخدم لإيجاده، مثل: ضربْتُه سوْطًا، فسوطًا: مفعول مطلق نائب عن المصدر منصوب بالفتحة، والأصل: ضربْتُه ضربَ سوطٍ، فحذف المصدر وأقيمت آلته مقامه.
2- العدد، مثل: ضربْتُه ثلاثًا وعشرينَ ضربةً، ومنه قوله : ( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً )، والأصل: جلدًا ثمانينَ، فحذف المصدر وأقيم العدد مقامه.
3- كلّ وبعض مضافين إلى المصدر، مثل: اجتهدتُ كلَّ الاجتهادِ، وترددتُ بعضَ الترددِ، والأصل: اجتهدتُ اجتهادًا كلَّ الاجتهادِ، وترددتُ ترددًا بعضَ الترددِ، فحذف المصدر منهما وأقيم كل وبعض مقامهما.

( شرح النص )
فصلٌ: ويقولُ المستغيثُ: يا للهِ لِلمُسلمينَ، بفتحِ لامِ المستغاثِ بهِ، إلَّا في لامِ المعطوفِ الذي لمْ يتكررُ معه يا، ويا زيدا لعمرٍو، ويا قومِ لِلعَجَبِ العَجِيبِ.
والنادبُ وا زيدا، وا أميرَ المؤمنينَا، وا رأسا، ولكَ إلحاقُ الهاءِ وقفًا.
والمفعولُ المطلقُ وهوَ: المصدرُ الفضلةُ المُسَلَّطُ عليهِ عاملٌ منْ لفظه كـ ضربْتُ ضربًا، أو مِن معناه كـ قعدتُ جلوسًا.
وقدْ ينوبُ عنه غيرُهُ كـ ضربتُهُ سوْطًا، ( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ) ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ).
وليسَ منه ( وَكُلا مِنْها رَغَدًا ).
.............................. .................... .............................. .................... ...................
لازلنا في الحديث عن أحكام المنادى وقد بين المصنف في هذا الفصل الاستغاثة والندب فقال: ( فصلٌ ) في الاستغاثة والندبة، فالاستغاثة هي: نداء من يخلص من شدة، أو يعين على دفع مشقة، ولا يستعمل معها من أحرف النداء إلا يا خاصة، ويجب ذكرها في اللفظ ( ويقولُ المستغيثُ ) إذا استغاث بالله ( يا للهِ لِلمُسلمينَ ) أي استغيث بك يا الله وأدعوك لأجلهم ( بفتحِ لامِ المستغاثِ بهِ ) وهو لفظ الجلالة في المثال ( إلَّا في لامِ المعطوفِ الذي لمْ يتكررُ معه يا ) فإن لام المستغاث به تكسر في المستغاث به الثاني دون الأول نحو: يا لَزيدٍ ولِعمرٍو لِلفقراءِ، فإن تكررت معه يا فتحت اللام في المعطوف نحو يا لَزيدٍ ويا لَعمرٍو للفقراءِ ( و ) يقول المستغيث أيضا ( يا زيدا لعمرٍو ) وهذا هو الاستعمال الثاني وهو حذف اللام من المستغاث به وتعويضه بألف في آخره ( و ) يقول المستغيث أيضا ( يا قومِ لِلعَجَبِ العَجِيبِ ) وهذا هو الاستعمال الثالث وهو حذف اللام من المستغاث به من غير تعويض بشيء فيكون كالمنادى المستقل، كما في قول الشاعر: أَلا يا قَومِ لِلْعَجَبِ العَجِيبِ ... ولِلْغَفَلاتِ تَعْرِضُ لِلْأَرِيبِ، الغَفَلات: جمع غفلة وهي ترك اليقظة وعدم التنبه، الأريب: العاقل المجرب، والمعنى هو أن الشاعر يدعو قومه للأمر العجب العجيب وللغفلات تعرض للعاقل المجرب فيقع في المزالق رغم كونه ممن خبر الأمور وجربها ويعرف عواقبها، فقوله: وللغَفَلاتِ: تفسير للعجب العجيب، والشاهد فيه هو يا قومِ لِلعجبِ العجيب، حيث استعمل المستغاث وهو القوم من غير لام أو ألف.
ثم لما فرغ من الاستغاثة شرع في الندبة فقال: ( والنادبُ ) أي ويقول النادب وهو من يرثي ميتا أو يتوجع من ألم أصابه (وا زيدا ) بألف في آخره وهو الأكثر استعمالا أو وا زيدُ بدون ألف، وهو منادى مبني على الضم في محل نصب، وينصب لفظا إذا كان مضافا نحو ( وا أميرَ المؤمنينَا ) أو وا أميرَ المؤمنينَ بدون ألف في آخر المؤمنين، ونحو ( وا رأسا ) وهذا مثال المندوب المتوجع منه أو وا رأسُ ( ولكَ إلحاقُ الهاءِ وقفًا ) نحو: وا زيداه وا رأساه، والهاء هنا حرف دال على السكت مبني على السكون.
ولما فرغ من بيان المفعول به ومنه المنادى شرع يتحدث عن بقية المفاعيل الخمسة وبدأ بالمفعول المطلق فقال: ( والمفعولُ المطلقُ وهوَ: المصدرُ ) هذا هو الغالب وقد لا يكون مصدرا كضربته سوطا ونحوه مما ينوب عن المصدر ( الفضلةُ ) أي غير العمدة من المسند والمسند إليه ( المُسَلَّطُ عليهِ عاملٌ منْ لفظه كـ ضربْتُ ضربًا ) وجلست جلوسا ( أو ) عامل ( مِن معناه كـ قعدتُ جلوسًا ) فإن القعود والجلوس يشتركان في المعنى ويختلفان في اللفظ ( وقدْ ينوبُ عنه ) أي عن المصدر (غيرُهُ كـ ضربتُهُ سوْطًا ) فسوطا: مفعول مطلق منصوب، ومثله ضربته عصًا مما كان آلة المصدر، ونحو قوله (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) مما كان اسم عدد فثمانينَ: مفعول مطلق منصوب، ونحو قوله ( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ) مما كان لفظ كل مضافا إلى مصدر، فكلَّ: مفعول مطلق منصوب، ونحو قوله : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) مما كان لفظ بعض مضافا إلى مصدر، فبعضَ: مفعول مطلق منصوب.
( وليسَ منه )أي من النائب عن المصدر صفته كرغد في قوله ( وَكُلا مِنْها رَغَدًا ) وإنما هو حال أي كلا منها حال كون الأكل رغدا، وقال غيره من العلماء هو من المفعول المطلق والأصل: وكلا منها أكلا رغدا، فحذف المصدر الموصوف وأقيمت صفته مقامه، ومثله: ضربته قويا، فبعضهم يعربه حالا أي ضربته حال كون الضرب قويا وبعضهم يعربه مفعولا مطلقا والأصل: ضربته ضربا قويا.

( تدريب )
أعرب ما يلي:
1- إِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا.
2- إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَاللهُ لَهُمْ.
3- إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا.