وسئل الامام ابن تيمية رحمه الله
عن معنى قول من يقول: [حب الدنيا راس كل خطيئة] فهل هى من جهة المعاصي؟
و من جهة جمع المال؟ .
فاجاب :
ليس هذا محفوظًا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن هو معروف عن جندب بن عبد الله البجلى من الصحابة، ويذكر عن المسيح ابن مريم عليه السلام، واكثر ما يغلو في هذا اللفظ المتفلسفة، ومن حذا حذوهم من الصوفية على اصلهم، في تعلق النفس الى امور ليس هذا موضع بسطها .
واما حكم الاسلام في ذلك: فالذى يعاقب الرجل عليه الحب الذى يستلزم المعاصي: فانه يستلزم الظلم والكذب والفواحش، ولا ريب ان الحرص على المال والرئاسة يوجب هذا، كما في الصحيحين انه صلى الله عليه وسلمقال: (اياكم والشُّحَّ، فان الشح اهلك من كان قبلكم، امرهم بالبخل فبخلوا، وامرهم بالظلم فظلموا، وامرهم بالقطيعة فقطعوا)،
وعن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (ما ذئبان جائعان ارسلا في غنم بافسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه).
قال الترمذى: حديث حسن.
فحرص الرجل على المال والشرف يوجب فساد الدين، فاما مجرد الحب الذى في القلب اذا كان الانسان يفعل ما امره الله به، ويترك ما نهى الله عنه، ويخاف مقام ربه، وينهى النفس عن الهوى، فان الله لا يعاقبه على مثل هذا اذا لم يكن معه عمل، وجمع المال، اذا قام بالواجبات فيه ولم يكتسبه من الحرام، لا يعاقب عليه، لكن اخراج فضول المال، والاقتصار على الكفاية افضل واسلم، وافرغ للقلب، واجمع للهَمّ، وانفع في الدنيا والاخرة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اصبح والدنيا اكبر همه شتت الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم ياته من الدنيا الا ما كتب له، ومن اصبح والاخرة اكبر همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه ضيعته، واتته الدنيا وهى راغمة)