الدرس الخامس والعشرون

منصوبات الأسماء- المفعول به
المفعول به هو: ما وقع عليه فعل الفاعل. مثل: أكلَ زيدٌ الطعامَ.
والمراد بوقوع فعل الفاعل على المفعول به هو: ارتباطُهُ به بحيث لا يُتعقَّلُ الفعل بدون المفعول به.
فمثلا في قولنا: أكلَ زيدٌ الطعامَ، لا يتعقل الأكل ولا يتصور من غير وجود شيء وقع عليه الأكل وهو الطعامَ.
وفي قولنا: ضربَ زيدٌ عمرًا، لا يتعقل الضرب من غير وجود ذات وقع عليها الضرب.
وإنما فسِّر بذلك دفعا لإشكال هو: إنَّ تعريف المفعول به السابق لا يشمل نحو قولنا: ما ضربْتُ زيدًا، فإن زيدا مفعول به مع أنه لم يقع عليه فعل الفاعل لأنه قد نفي وقوعه فما هو جوابكم ؟
الجواب: ليس مرادنا بالوقوع هو الوقوع الفعلي في العالم الخارجي بل نقصد به هو توقف تعقل حصول الفعل على محل يقع عليه.
ثم إن الفعل المتعدي إلى المفعول به ثلاثة أنواع:
1- نوع ينصب مفعولا به واحدا كما تقدم في الأمثلة.
2- نوع ينصب مفعولين، وتارة يكون أصلهما المبتدأ والخبر وهو ظنَّ وأخواتها، وتارة لا يكون أصلهما المبتدأ والخبر نحو: أعطى زيدٌ الفقيرَ درهمًا.
3- نوع ينصب ثلاثة مفاعيل، نحو: أخبرتُ زيدًا القمرَ طالعًا.

المنادى
إذا قلنا: يا زيدُ، فهذا كلام مفيد وقد تركب في ظاهره من حرف النداء يا والمنادى زيد، ولكن حرف النداء هنا قد ناب مناب أَدْعُو، فحينئذ يكون زيد مفعولا به لفعل محذوف، والتقدير أَدْعُو زيدًا، ولذا بحث المنادى في ضمن المفعول به.
والمنادى هو: المطلوب إقباله بحرف نائب مناب أدعو.
وقولنا: ( المطلوب إقباله ) أي الذي تطلب منه أن يقبل عليك بوجهه، نحو قوله : ( يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ).
والمنادى قسمان: قسم منه معرب يظهر فيه النصب، وقسم منه مبني في محل نصب.
أولا: المنادى المعرب وهو ثلاثة أنواع هي:
1- المضاف، نحو: يا عبدَ اللهِ، فيا: حرف نداء مبني على السكون، عبدَ: منادى منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وهو مضاف، واللهِ: لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.
2- الشبيه بالمضاف وهو: ما اتصل به شيء من تمام معناه، نحو: يا طالعًا جبلًا احذرْ، فيا: حرف نداء، طالعا: منادى منصوب بالفتحة، جبلًا: مفعول به منصوب لاسم الفاعل، وفاعله مستتر تقديره هو.
3- النكرة غير المقصودة، كقول الأعمى: يا رجلًا خذْ بيدي، فيا: حرف نداء، رجلًا: منادى منصوب بالفتحة، وخذ: فعل أمر وفاعله مستتر، وبيدي: الباء حرف جر، يد: اسم مجرور وهو مضاف والياء ضمير في محل جر مضاف إليه.
فرجلا: نكرة غير مقصودة؛ لأن الأعمى لا يوجه خطابه إلى رجل معين وإنما يوجه خطابه إلى أي رجل.
ثانيا: المنادى المبني وهو نوعان هما:
1- المفرد العلم، والمراد بالمفرد هنا: ما ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف ولا نكرة غير مقصودة، فيشمل الاسم المفرد والمثنى والجمع، نحو: يا زيدُ ويا زيدانِ ويا زيدونَ.
وبناؤه على ما يُرفعُ به لو كانَ معربًا، فقولكَ: يا زيدُ: منادى مبني على الضم في محل نصب، وإنما بنيته على الضم لأنه اسم مفرد وهو يرفع بالضمة، ويا زيدانِ: منادى مبني على الألف في محل نصب، وإنما بنيته على الألف لأنه مثنى وهو يرفع بالألف، ويا زيدونَ: منادى مبني على الواو في محل نصب، وإنما بنيته على الواو لأنه جمع مذكر سالم وهو يرفع بالواو.
2- النكرة المقصودة، وهي المعينة كقولك تنادي رجلا معينا: يا رجلُ.
وهو أيضا يبنى على ما يرفع به لو كان معربا، نحو يا رجلُ ويا رجلانِ، ويا رجالُ، ويا عاملونَ.

المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
هو معربٌ لأنه مضاف، فهو منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء مضاف إليه، مثل: يا صديقِي.
ويجوز فيه ست لغات وهي:
1- إثبات الياء ساكنة، مثل: يا صديقِي، ويا غُلامِي.
2- إثبات الياء مفتوحة، مثل: يا صديقِيَ، ويا غُلامِيَ.
3- قلب الكسرة التي قبل الياء المفتوحة فتحة فتقلب الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها.
مثل: يا صدِيقا ويا غُلاما، وأصله يا صدِيقَيَ ويا غُلامَيَ، فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا بحسب القاعدة الصرفية، فصديقا: منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، وهو مضاف، والياء المنقلبة إلى ألف: ضمير مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.
4- حذف الياء الساكنة، وإبقاء الكسرة دليلا عليها، مثل: يا صديقِ، ويا غُلامِ، فصديقِ: منادى منصوب بالفتحة المقدرة، والياء المحذوفة للتخفيف: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
5- قلب الياء ألفا - كما تقدم- ثم حذف الألف، وإبقاء الفتحة دليلا عليها، مثل: يا صديقَ، ويا غلامَ.
6- حذف الياء مع ضم المنادى، مثل: يا صديقُ، ويا غلامُ، فصديقُ: منادى منصوب بالفتحة المقدرة، والياء المحذوفة للتخفيف: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
وهذه اللغات الست متفاوتة في القوة والضعف فأفصحها هي الرابعة ثم الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، ثم الخامسة، وأضعفها هي السادسة.

يا أبي ويا أمّي
المنادى إذا كان أبًا أو أمًّا وهما مضافان إلى ياء المتكلم جازَ فيهما عشر لغاتٍ، الست المذكورة سابقا ولغات أربع أُخَر:
1- إثبات الياء ساكنة، تقول: يا أَبِي، ويا أُمِّي.
2- إثبات الياء مفتوحة، تقول: يا أَبِيَ، ويا أُمِّيَ.
3- قلب الكسرة التي قبل الياء المفتوحة فتحة فتقلب الياء ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، تقول: يا أَبَا، ويا أُمَّا.
4- حذف الياء الساكنة، وإبقاء الكسرة دليلا عليها، نقول: يا أَبِ، ويا أُمِّ.
5- قلب الياء ألفا - كما تقدم- ثم حذف الألف، وإبقاء الفتحة دليلا عليها، تقول: يا أَبَ، ويا أُمَّ.
6- حذف الياء مع ضم المنادى، تقول: يا أَبُ، ويا أُمُّ.
7- إبدال الياء تاء مكسورة، تقول: يا أَبَتِ، ويا أُمَّتِ.
8- إبدال الياء تاء مفتوحة، تقول: يا أبَتَ، ويا أُمَّتَ.
9- إبدال الياء تاء مع الألف، تقول: يا أَبَتَا، ويا أُمَّتَا.
10- إبدال الياء تاء مع الياء، تقول: يا أَبَتِي، ويا أُمَّتِي.
واللغتان الأخيرتان قبيحتان، والأخيرة أقبح من التي قبلها، وينبغي أن لا تجوز إلا في ضرورة الشعر.

المنادى المضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم
إذا كان المنادى مضافا إلى اسم مضاف إلى ياء المتكلم مثل: يا صديقَ أخي، لم يجزْ فيه إلا إثبات الياء ساكنة أو مفتوحة.
تقول: يا صديقَ أخِي، ويا صديقَ أخِيَ.
إلا إذا كان ابن أمّ أو ابن عم فيجوز فيهما أربع لغات هي:
1- حذف الياء مع فتح الميم، فتقول: يا ابْنَ أُمَّ، ويا ابْنَ عَمَّ.
2- حذف الياء مع كسر الميم، فتقول: يا ابْنَ أُمِّ، ويا ابْنَ عَمِّ.
3- إثبات الياء ساكنة، فتقول: يا ابْنَ أُمِّي، ويا ابْنَ عَمِّي.
4- قلب الياء ألفا، فتقول: يا ابْنَ أُمَّا، ويا ابْنَ عَمَّا.
واللغتان الأخيرتان قليلتان في الاستعمال.

( شرح النص )
بابٌ: المفعولُ منصوبٌ وهوَ خمسةٌ: المفعولُ بهِ، وهوَ ما وقعَ عليهِ فعلُ الفاعلِ كـ ضربْتُ زيدًا.
ومنهُ المنادى، وإنَّما يُنْصَبُ مضافًا، كـ يا عبدَ اللهِ، أو شبيهًا بالمضافِ، كـ يا حسَنًا وجْهُهُ، ويا طالعًا جبَلًا، ويا رفيقًا بالعبادِ، أو نكرةً غيرَ مقصودةٍ، كقول الأعمى: يا رجلًا خذْ بيدِي.
والمفردُ المعرفةُ يُبنى على ما يُرفعُ بهِ، كـ يا زيدُ، ويا زيدانِ، ويا زيدونَ، ويا رجلُ لمعَيَّنٍ.
فصلٌ: وتقولُ: يا غلامُ بالثلاثِ، وبالياء فتحًا وإسكانًا وبالألفِ، ويا أبْتِ ويا أُمَّتِ، ويا ابْنَ أُمِّ، ويا ابْنَ عَمِّ، بفتحٍ وكسرٍ.
وإلحاقُ الألفِ أوِ الياءِ للأَوَّلَينِ قبيحٌ، وللآخَرَيْنِ ضعيفٌ.
.............................. .............................. .............................. .............................
بعد أن فرغ من مرفوعات الأسماء شرع يتكلم في منصوباتها فقال: ( بابٌ ) خبر لمبتدأ محذوف ( المفعولُ منصوبٌ وهوَ خمسةٌ ) المفعول به، والمفعول المطلق، والمفعول فيه، والمفعول له، والمفعول معه، وبدأ الأول فقال: ( المفعولُ بهِ، وهوَ ما وقعَ عليهِ فعلُ الفاعلِ كـ ضربْتُ زيدًا ) فزيدا مفعول به لوقوع فعل الفاعل عليه وهو الضرب ( ومنهُ ) أي من المفعول به ( المنادى ) وهو المطلوب إقباله بواسطة حرف ناب مناب أدعو، وحروف النداء هي يا نحو يا زيدُ، والهمزة وتكون للمنادى القريب نحو أزيدُ، وأي وهي للقريب أيضا نحو أَيْ زيدُ، وأَيَا وهي للبعيد نحو أيَا زيدُ، وهَيَا وهي للبعيد أيضا نحو هَيَا زيدُ، و وَا في الندبة كعند رثاء ميت نحو وَا زيدُ، ثم بيّن حكم المنادى الإعرابي فقال: ( وإنَّما يُنْصَبُ ) المنادى إذا كان ( مضافًا كـ يا عبدَ اللهِ، أو شبيهًا بالمضافِ ) وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه، سواء أكان ذلك الشيء مرفوعا بالمنادى ( كـ يا حسَنًا وجْهُهُ ) أو منصوبا به ومثل له بقوله ( ويا طالعًا جبَلًا ) أو مجرورا بحرف، والجار والمجرور متعلقان بالمنادى ومثل له بقوله ( ويا رفيقًا بالعبادِ ) فبالعبادِ جار ومجرور متعلقان برفيق ( أو نكرةً غيرَ مقصودةٍ، كقول الأعمى: يا رجلًا خذْ بيدِي ) إذْ ليس المقصود رجلا بعينه، ومثله قول الغريق: يا رجلًا أَنقذني، فهذه الثلاثة أعني المضاف والشبيه به والنكرة المقصودة منصوبة لفظا، ثم بين النوع الذي يكون مبنيا في محل نصب بقوله ( والمفردُ المعرفةُ ) يقصد بالمفرد: ما ليس مثنى ولا مجموعا ولا نكرة غير مقصودة فيشمل المفرد والمثنى والجمع، والمقصود بالمعرفة هو ما أريد به معين، فيشمل ما كان معرفة قبل دخول حرف النداء عليه مثل: يا زيدُ، فإن العلم معرفة قبل أن يدخل عليه حرف النداء، وما كان معرفة بعد دخول حرف النداء نحو يا رجلُ، تخاطب رجلا معينا، فإنه قبل دخول حرف النداء عليه لم يكن معرفة.
ثم هاهنا إشكال وهو: إذا كانت النكرة المقصودة معرفة فلم لم يذكرها في المعارف من قبل كما فعل غيره من العلماء ؟ والجواب: لعله إنما تركه هناك لبيانه له هنا.
( يُبنى على ما يُرفعُ بهِ ) لو لم ينادَ ( كـ يا زيدُ، ويا زيدانِ، ويا زيدونَ ) وهذه معارف قبل دخول يا النداء عليها، الأول منها مبني على الضم، والثاني على الألف، والثالث على الواو ( ويا رجلُ لمعَيَّنٍ ) وهو معرفة بعد النداء ويسمى بالنكرة المقصودة وهو مبني على الضم في محل نصب.
هذا ( فصلٌ ) في الكلام على المنادى المضاف إلى ياء المتكلم، و المضاف إلى مضاف إلى ياء المتكلم ( وتقولُ: يا غلامُ ) بالحركات ( بالثلاثِ ) أي يا غلامَ، يا غلامِ، يا غلامُ، بدون الياء ( وبالياء فتحًا ) يا غلامِيَ ( وإسكانًا ) يا غلامِي (وبالألفِ ) يا غلامَا ( و ) تقول في يا أبي ويا أمي زيادة على اللغات الست ( يا أبْتِ ويا أُمَّتِ ) بحذف الياء منهما مع كسر التاء، أو بحذف الياء مع فتح التاء فتقول: يا أبتَ ويا أمَّتَ ( و ) تقول فيما إذا نودي المضاف إلى المضاف إلى ياء المتكلم وكان لفظ أم أو عم ( يا ابْنَ أُمِّ، ويا ابْنَ عَمِّ ) ويا ابنةَ أُمِّ ويا ابنةَ عمِّ ( بفتحٍ وكسرٍ ) فتقول: يا ابْنَ أُمَّ ويا ابْنَ أُمِّ ، ويا ابْنَ عمَّ ويا ابْنَ عمِّ، وقوله: بفتح وكسر، هو قيد لقوله: يا أبت ويا أمت أيضا ( وإلحاقُ الألفِ أوِ الياءِ للأَوَّلَينِ ) وهما يا أبت ويا أمّت ( قبيحٌ ) فلا تقل: يا أبَتا أو يا أبتِي، ويا أُمَّتَا، ويا أُمَّتِي ( و ) إلحاق الألف أو الياء( للآخَرَيْنِ ) وهما يا ابْنَ أُمِّ ويا ابْنَ عمِّ ( ضعيفٌ ) فلا تقل: يا ابْنَ أُمَّا أو يا ابْنَ أُمِّي، ويا ابْنَ عَمَّا أو يا ابْنَ عَمِّي.
والفرق بين اللغة الضعيفة واللغة القبيحة هو: أن اللغة الضعيفة قليلة الاستعمال عند العرب فمن تكلم بها فهو غير مخطئ ولكنه قد خالف الفصيح الجيد من الكلام، وأما اللغة القبيحة فهي مع قلتها ومخالفتها للفصيح لا يجوز التكلم بها إلا في ضرورات الشعر، وسبب قبحها هنا هو أن العرب لا تجمع بين العوض والمعوَّض عنه، فحينما يقال: يا أبتِ فالتاء هذه هي تاء التأنيث جيء بها عوضا عن الياء المحذوفة لأن الأصل يا أبي، فالتاء عوض والياء معوَّض عنه، فما الداعي إلى الجمع بينهما في مثل يا أبتي !.
فائدة: اعلم أن أداة النداء قد تحذف من اللفظ مع بقائها في التقدير كقوله : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ) أي يا يوسفُ.


( تدريب )
أعرب ما يلي:
1- قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ.
2- يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا.
3- قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي .