تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 51

الموضوع: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    مسألة تفرد الصدوق وتفرد الثقة بين القبول والرد
    الحمد لله الذي بعث في كل فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى ويبصرون بكتاب الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أسوأ أثر الناس عليهم، ينفون عن دين الله تحريف الغالين وتأويل المبطلين ونزعات الجاهلين، وأشهد أن لا اله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد :
    إن مِن بركة العلم نسب الفضل لأهلهِ وقد مَن الله علينا بقراءة مقالٌ ماتع نافع لفضيلة الشيخ الفذ / خالد الدريس - وفقه الله - وأنا أتصفح كِتابه النفيس جداً : " الحديث الحسن لذاته ولغيره دراسة استقرائية نقدية " وقد أجاد وأفاد وأحسن التعليق وأسهبَ فيه فلله دره ، لا شك أن مسألة تفرد الثقة أو الصدوق من أهم مسائل العلل وأدقها وفي هذه الدراسة سنقومُ بمُناقشة مسألة تفرد الصدوق والثقة وهل تفرد الصدوق كتفرد الثقات أم أنهُ خلافه وهل يقبل تفرد الصدوق في حالات أم لا يقبل ، وأما تفرد الثقات فإن القَول بنكارته في بعض الأحيان لا يسري مسار العُموم بل يسري مسار الخُصوص وهو مرهونٌ بالقرائن والمُلابسات ويتحقق في سبر مروياته وتَحقيق الخبر تحقيقاً رسيناً ومتيناً فلا نرد تفردات مَن عرف حالهُ وعرفت وثاقته تَماماً وهذا لم نجد أحداً يقول بهِ ، وتفرد الصدوق لابد فيه من ترجيح حال ومسألتهُ مُهمة جداً لذوي العقل والمَعرفة ولابد من الفهم والتنبيه لمسألة التفرد وما اختارهُ جُمهور الأئمة المُتقدمين والمتأخرين ما بين القبول والتوقف في تفرد الصدوق والثقة في الحَديث ولابد من التنبيه لهذا الأمر تنبيهاً علمياً رزيناً.
    واعلم علمني الله تعالى وإياك أن الحافظ ابن حجر - رحمه الله - يقبل تفرد الصدوق حسن الحَديث مالم يأتي بمُخالفة فإن خَالف من هو أولى منه كان في العدد أم في الضبط صار عند الحافظ ابن حجر شاذاً والذي عليه جُمهور المُتأخرين مِن أئمة الحَديث كالحاكم أبي عبد الله النيسابوري والذي لا يفرق بين الصحيح والحسن وابن حبان والحافظ ابن حجر وابن الصلاح الذي يرى أن الراوي إن تفرد بحديث ولم يأتي بمُخالفة أو لم يخالف فإن تفردهُ محمولٌ على الحَسن وهذا بالجُملة أيها القارئ الكريم الفكرة التي سار عليها المُتأخرين مُجملة في هذه الكلمات البسيطة.
    ومِن هذا المُنطلق كَانت الفِكرة في أن التفرد كَان للصدوق أو كان للثقة عند جُملة من المُتأخرين - رحمهم الله - مقبولاً دُون قرائن ومُرجحات فإن قَول من قال بالتوقف في تفردهم كاد أن يندثر كما قَال فضيلة الشَيخ خالد الدريس ، فقد أفاد وأجاد الحافظ الذهبي والحافظ ابن رجب في تقرير هذه المسألة والتنبيه عليها في تحقيقاتهم ، فكَان حرياً التَنبيه على ما نبه عليه الحافظان وتَوجيه النَظر إليها دُون التعصب والتبديع - غفر الله لفاعله - !.
    قَال الحَافظ الذهبي في الموقظة (1/77) : (( وقد يَتوقَّفُ كثيرٌ من النقَّاد في إطلاق "الغرابة" مع "الصحة" في حديثِ أتباعِ الثقات. وقد يُوجَدُ بعضُ ذلك في الصحاح دون بعض ، وقد يُسمِّي جماعةٌ من الحفاظ الحديثَ الذي ينفرد به مثلُ هُشَيْم وحفص بن غِياثٍ: (منكراً) . فإن كان المنفردُ مِن طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارةَ عَلَى ما انفردَ به مثلُ عثمان بن أبي شيبة، وأبي سَلَمة التَّبُوذَكِيّ، وقالوا: (هذا منكر) )) وقَد قال : (( فإن رَوَى أحاديثَ من الأفراد المنكرة، غَمَزُوه وليَّنوا حديثَه، وتوقفوا في توثيقه. فإن رَجَع عنها، وامَتَنع مِن روايتها، وجَوَّز على نفسِه الوَهَمَ: فهُو خيرٌ له، وأرجَحُ لعدالته. وليس مِن حَدِّ الثقةِ أنَّهُ لا يَغلَطُ ولا يُخطِئ، فَمَن الذي يَسْلَمُ مِن ذلك غيرُ المعصومِ الذي لا يُقَرُّ على خطأ ! )) ، فها أنت تَرى أن الحافظ الذهبي وقد قَال عنه الحافظ ابن حجر - رحمهم الله - أنه مِن : [ أهل الإستقراء التام ] يَقول أنهم قد يطلقون على تَفردات الثقات كهشيم وحفص بن غياث [ مُنكراً ] وهُما مِن جُملة الثقات الضابطين إلا ما أخذ على هشيم من التدليس ، وقد يُطلقون هذا اللفظ على جُملة مِن الثقات وإن تأول أحدهم قَولهُ (( قد )) على قِلة الأمر ! فإن العِبرة ليست بقلتهِ او كثرتهِ العبرةُ بوقوع التَعليل بمُجرد التَفرد وإطلاق مُصطلح النكارة على ما ينفرد به أمثال هؤلاء الثقات ! وإني لأعجب كيف يتأول أحدهم قول الحَافظ الذهبي فيقول أن ( قد ) على قلة حصول هذا ! بل إن المعمول به عند المُتقدمين وأعلامهم على التوقف في قبول التفرد مالم تَكن هُناك قرائنٌ تَدل على تَحمله ! كذلك إن هذا لا يمكن أن يعتبر على القلة فكم من تفردٍ أطلق عليه النكارة وليس على القلة ؟! وهذا والله المستعان من سوء فهم كلام الأعلام والأئمة نعوذُ بالله من هذا.
    ودُونك الحَافظ ابن رجب في شرح العلل يَقول (1/274) : (( فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان، أحدهما مسلك الإمام أحمد ومن وافقه، وهو يرجع إلى الكلام في إسناد الحديث، لشذوذه وانفراد طاوس به، وأنه لم يتابع عليه، وانفراد الراوي بالحديث مخالفا للأكثرين هو علة في الحديث، يوجب التوقف فيه، وأنه يكون شاذا ومنكرا إذا لم يرو معناه من وجه يصح، وهذه طريقة المتقدمين كالإمام أحمد، ويحيى القطان ويحيى بن معين )) ، قُلت : وطاوس مِن الثقات الأثبات إلا أنهُ كان يرسل ! وتفردهُ هُنا مَع عدم مُتابعة أحدٍ لهُ عليه عَده الأئمة نَكارةً ، ثُم يَقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله - مُعقباً : (( ومتى أجمع علماء الأمة على اطراح العمل بحديث وجب اطراحه، وترك العمل به )) أهـ ، ومثل هذا لا أحسب أحداً يُنكرهُ أو قد يُخالف فيه !.
    وحاصلهُ أن مِن أفراد الثقات وغرائبهم ما يرد وما يقبل ولا يُرد جُملة وتفصيلاً كما يَظن الكثيرين وأن ذلك مرهونٌ بالقرائن والمُرجحات قَال الحَافظ ابن رجب في شرح العلل (1/208) : (( وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه: "إنه لا يتابع عليه " ويجعلون ذلك علة فيه اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفرد الثقات الكبار، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه )) ، وعَليه فإنكَ تجد المُتقدمون من أئمة الحَديث يُعلون تَفرد الثقة مالم يتابع عليه أو لم يكن معروفاً عندهم وكثيرة هي الأقوال عنهم في ذم الغريب الذي لا يعرف إلا مِن طريق واحد أو لم يعرف لفظهُ عندهم - رحمهم الله - ومِن ذلك انظر قول الإمام ابو داود السجستاني في رسالته إن لم تَخني الذاكرة لأهل مكة : (( والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث إلاّ أنَّ تمييزها لا يقدر عليه كل الناس والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً )) ، قُلت ومَعناهُ أن الأئمةَ لم يكنوا يَقبلون الغَريب بل إن لذلك عندهم فيه ضابطٌ يعود للقرائن والمُرجحات فلو أن ما تفرد به الثقة لم يكن معروفاً إلا من طريقه وخالفهُ أحد من تلامذة من انفرد عنهُ أو لم يأتي من طريقهم فذلك يستدلون به على علةٍ في الحَديث.
    يَقول شَيخنا الدُكتور ماهر الفَحل : (( والتفرد ليس بعلة في كُلّ أحواله، ولكنه كاشف عن العلة مرشد إلى وجودها ... - ثُم قال مُحرراً مَعنى قول الحافظ ابن رجب - معنى قوله: ((ويجعلون ذَلِكَ علة)) ، أن ذَلِكَ مخصوص بتفرد من لا يحتمل تفرده، بقرينة قوله: ((إلا أن يَكُوْن ممن كثر حفظه …)) ، فتفرده هُوَ خطؤه، إِذْ هُوَ مظنة عدم الضبط ودخول الأوهام، فانفراده دال عَلَى وجود خلل ما في حديثه، كَمَا أن الحمّى دالة عَلَى وجود مرض ما، وَقَدْ وجدنا غَيْر واحد من النقاد صرح بأن تفرد فُلاَن لا يضر، فَقَدْ قَالَ الإمام مُسْلِم: ((هَذَا الحرف لا يرويه غَيْر الزهري، قَالَ: وللزهري نحو من تسعين حديثاً يرويها عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لا يشاركه فِيْهَا أحد بأسانيد جياد)) )) وهذا ومثيلهُ مِن دقة التَحري وفهم النص ولا يُمكن حَمل قَول مَن تكلم في تفرد الصدوق والثقة إلي كَون هذا المسير والطريق طعنٌ في السنة والأحكام ! وهذا قولٌ غريب ولا يصحُ وهو على صاحبه مردود الحُجة والبيان والصوابُ ان هذه المسألة كان فيها المُتكلم فيها على الإنصاف والعدل وأن تَفرد الثقة مِنه ما يقبل ومنهُ ما يرد وأن يُعل أحدٌ من الأئمة التفرد بالنكارة فإن ذلك سائرٌ في عرف الأئمة المُتقدمين وإطلاق القبول مُطلقاً لم نعرفهُ في عرفهم - رضي الله عنهم - فتنبه.
    ومما تقدم فإن هذه النصوص وإن كانت في حق الثقات فإن الصدوق يدخل بها من باب أولى لأن الصدوق كما قال الشيخ الدريس أقل مرتبة ممن قال فيه ثقة ، وقد أشار إلي حصول هذا الحافظ ابن الصلاح - رحمه الله - فقال مقدمة ابن الصلاح (1/80) : (( وَإِطْلَاقُ الْحُكْمِ عَلَى التَّفَرُّدِ بِالرَّدِّ أَوِ النَّكَارَةِ أَوِ الشُّذُوذِ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ )) أهـ.
    قَال الشَيخ الدريس : ((ومما يدل على أن بعض النقاد من المحدثين كان يرد بعض الأحاديث بالتفرد، ما وجدناه في كلام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ) عند كلامه على علل الأخبار التي يخرجها في كتابه (تهذيب الآثار) يقول : (وهذا الحديث عندنا صحيح سنده، لا علة فيه توهنه، ولا سبب يضعفه، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح، لأنه خبر لا يعرف له مخرج عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، والخبر إذا انفرد بنقله عندهم منفرد وجب التثبت فيه) )) أهـ.
    ولو أنك أمعنت النظر في كِتاب الجرح والتعديل حين نقل ابن أبي حاتم الفاظ الجرح والتعديل عن أباهُ فأشار إلي أن الصَدوق يُتوقف في حديثه وينظر فيه وليس مَفادها التوقفُ مُطلقاً في حديثهِ بل يَرجع إلي القرائن ، قَال الحَافظ ابن رجب في شرح العلل (2/659) : (( فتلخص من هذا أن النكارة لا تزول عند يحيى القطان والإمام أحمد والبرديجي وغيرهم من المتقدمين إلا بالمتابعة، وكذلك الشذوذ كما حكاه الحاكم )) وقَال : (( وفرق الخليلي بين ما ينفرد به شيخ من الشيوخ الثقات، وما ينفرد به إمام أو حافظ، فما انفرد به إمام أو حافظ قبل واحتج به، بخلاف ما تفرد به شيخ من الشيوخ، وحكى ذلك عن حفاظ الحديث، والله أعلم )) ، وقَد قال الشَيخ الدريس : ((
    وقد ذكر الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت474هـ) كلاماً في (تفرد حماد بن سلمة وغيره من الشيوخ عن قتادة عن أنس، وأنه إذا كان الحديث معروفاً من غير تلك الطريق عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أنس لم يُردَّ، وإن كان لا يُعرف من حديث أنس ولا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم من غير تلك الطريق فهو منكر )) أهـ ، والمُتأمل لمَا مضى من الأقوال فإن منهم من صرح بالتوقف ومنهم من صرح بالرد في مسألة التفرد وهو عينُ ما ذهبنا إليه في تقريرنا الأول.
    قَال فضيلة الشَيخ الدريس - حفظه الله - في مسألة التَفرد : ((
    لا يُشك أن تفرد الصدوق ليس كتفرد الضعيف المتفق على ضعفه، فوجب التفريق بينهما؛ لأن تفرد الصدوق مشكوك فيه عند من لا يقبله، وأما تفرد الضعيف فالمترجح في الظن أنه خطأ، ولهذا فالأولى أن يُستعمل لفظ (التوقف) بدل الرد إلا بالنسبة لمن صرح بالرد كالبرديجي مثلاً فيُحافظ على عبارته كما قالها، وأما من حيث عموم المذهب فلفظ (التوقف) أولى ، حقيقة التوقف المقصود هنا يعني التريث والنظر طلباً للترجيح في حديثٍ بعينه من أحاديث ذلك المنفرد، فهو توقف نظر وفحص وتثبت، وليس توقفاً مطلقاً لكون الأدلة متكافئة كما هو موقف من توقف في راوٍ أوفي مسألة لعدم التوصل إلى رأي راجح، والفرق بين التوقفين أن التوقف الأول وقتي، والغرض منه البحث والتفتيش لاحتمال وجود قرينة ترجح قبول ذلك التفرد، أما التوقف الثاني فهو توقف دائم فهو نتيجة للبحث والنظر حصل بعدهما التوقف بصفته نتيجة ما بعد البحث )) أهـ ، وقد يتراجع الإمام عَن الوصف بالنكارة في رواية الفرد لما تبين عنده أنه قد تُوبع من غيره ! وهذا رأينا الشيخ خالد الدريس يشير إليه .
    وقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل أنه لا يقبل تفرد الثقات مطلقاً وهذا فيه نظر إذ أن في العلل ومعرفة الرجال ما يثبت خلاف ذلك مِن أنه قد يَقبلها لقرائن ومُرجحات تُحيط بأنه قد احتمل تفرد هذا الثقة والعبرة بأنهم قد يردونها لما يترجح عندهم من القرائن على الخطأ وقد رد الإمام مسلم في التمييز بعض الأحاديث للثقات بمجرد التفرد لاحتمال وقوع الخطأ والوهم منهم ، فنسبة رد التفرد مُطلقاً ليست مِن قولنا ولا قول أحد من العُلماء بل إن الصحيح أن قول مَن قال بقبول تفرد الثقة مُطلقاً بل حتى الصدوق فإنهُ جانب الصواب والحقُ أن النصوص السابقة وإن كانت في تفردات الثقة والتي قد يُعلها الأئمة بالنكارة لما يترجح عندهم من قرائن ومُرجحات أولى بها الصدوق من الثقة الحافظ الثبت لأنهم قد يقبلونه إذا علموا أنهُ قد تُوبع أو لم يُخطئ في الحَديث أو لم يقع الوهم في حديثه ، وأما الصدوق فالخطأ عليه أكبر ولذلك نَقلت في بداية الأمر قول الحافظ الذهبي وهو من أهل الاستقراء على قَول الحافظ ابن حجر في في الميزان (3/144) : (( إن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحاً غريباً ، وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكراً )) ، بل إنهُ قد أشار إلي أن الأئمة يتوقفون في إطلاق الغرابة مع الصحة في حديث الثقات وقد يتوهم الناظر إلي أن هذا تناقضاً وليس بصحيح ، كما أن تَفرد الصدوق مُنكرٌ لما قد يقع من الصدوق من الوهم والغلط فهو دُون الحافظ الإمام الثقة بمراتب وقد أبان ابن أبي حاتم إلي أن حديثه ينظر فيه ومعناه يتوقف وليس مُطلقاً .
    - مثالٌ مِن علل ابن أبي حاتم للاعلال بالتفرد .
    قَال ابن أبي حاتم في العلل (2/399) : (( وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رواه بُرْدُ ابن سِنَان ، عَنِ الزُّهْري، عَنْ عُرْوَة، عن عائِشَة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : أَنَّهُ كَانَ يصلِّي، فاستَفْتَحْتُ البابَ، فجاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم ففتح البابَ، ومضى فِي صَلاتِه.
    قلتُ لأَبِي: ما حالُ هَذَا الحديث؟ فَقَالَ أَبِي: لم يَرْوِ هَذَا الحديثَ أحدٌ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم غيرُ بُرْدٍ، وَهُوَ حديثٌ مُنكَرٌ، لَيْسَ يَحْتَمِلُ الزُّهْريُّ مثلَ هَذَا الحديث، وَكَانَ بُرْدٌ يرى القَدَر )) .
    قُلت : فها أنتَ ترى الإمام أبو حاتم الرازي يُعل الحَديث لتَفرد الصدق عَن الزهري بهِ - رضي الله عنهم - بَل قال ابن رجب في "فتح الباري" (6/382) : «واستنكره أبو حاتم الرازي، والجوزجاني؛ لتفرد بُرْدٍ به» ، وانظر: "شرح العلل" له (2/483) ، فقد استنكرهُ الإمام أبو حاتم لتفرده بالحَديث وقد حسنه الشيخ الألباني لذاته لأنه يرى تفرد الصدوق مُحتمل ، وأما أبو حاتم فقد اعتبر تفرده عن الزهري منكراً وإلا فأين أصحاب الزهري عن هذا الحديث على إمامته وجلالته ! فلو تأمل المُتأمل بعين المنصف قول الإمام أبو حاتم لعرف أنهُ يعل تفرد الصدوق لأن القرائن أحاطت على عَدم تحمله إياه عن الزهري فلا هو مروي من طريق أحد أصحابه ؟! ولا هُو ممن يعرف بالحفظ والإتقان في حديثه ! فلم يُحتمل تفردهُ في هذا الباب فتأمل ، ويعرف الباحث أن الحافظ إبن حجر قد أشار إلي أن الإمام أحمد بن حنبل والإمام النسائي قد يطلقون على المُتفرد برواية الحديث ولم يشاركه فيه أحدٌ بالنكارة وقد استفدتُ هذه الأمثلة من كِتاب الشيخ وفقهُ الله تعالى للخير المذكور في بداية الحَديث فنفع الله بذلك الكِتاب الضخم .
    ومِن الغَريب أن المُستنكر علينا قَولنا أن الراوي الصَدوق لو تَفرد عَن شيخٍ لهُ تلامذةٌ كثر وهم على إختصاصهم به ومعرفتهم بحديثه وأنك لا تَجد حديثه يخرج إلا من عندهم أن يَقول هذا عجيبٌ أليس لنا الحق أن نتسائل أين أصحاب هذا الشيخ الموصوفون بالحفظ والإتقان وأنهم في هذا الشأن جبالٌ راسياتٌ وهم أهل خصوصية في شيخهم عن ما تفرد به هذا الصدوق أو الثقة لقرائن تُقوي أن تفردهُ علةٌ قد تقدحُ في صحة ثبوته ؟! قَال ابن معين في التَاريخ رواية الدَوري (3/364) : (( فَقَالَ يحيى بن معِين نعم يرويهِ يحيى بن آدم عَن سُفْيَان عَن زبيد وَلَا نعلم أحدا يرويهِ إِلَّا يحيى بن آدم وَهَذَا وهم لَو كَانَ هَذَا هَكَذَا لحَدث بِهِ النَّاس جَمِيعًا عَن سُفْيَان وَلكنه حَدِيث مُنكر هَذَا الْكَلَام قَالَه يحيى أَو نَحوه )) ويحيى بن آدم من الثقات الذين يروون عن الإمام سفيان ؟! .
    وقد قال أبو حاتم في العلل (1/112) : (( إِنَّمَا رَوَاهُ الحسَنُ بْنُ يَزِيد الأَصَمُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَهُوَ شَيْخٌ، أَيْنَ كَانَ الثَّوْري وشُعْبة عن هذا الحديث؟! وأخافُ ألاَّ يكونَ محفوظًا )) ، كذلك إنك تَجد الإمام البخاري كثيراً ما يقول : " لا يتابع عليه " ولو أنكَ رأيت في العلل الكبير للترمذي فإن الإمام البخاري كان يُطلق عبارة لا يتابع عليه في كثير من الأحاديث وفي جُملتها ما هو من أحاديث الثقات ولا يمكن طرد هذا بالإطلاق والعُموم فالأئمة عندهم ذلك يقوم مقام القرينة والحُجة والبرهان.
    ومِن الشواهد إلي أنهم يعلون بما استنكرهُ علينا المُستنكر بأن قَال : " ما شاء الله ! " مُتعجباً ما روي في العلل عن أبي حاتم أنه قال : (( فلو كان هذا الحديث عن الحرِّ كان أول ما يسأل عنه، فأين كان هؤلاء الحفَّاظ عنه )) وقوله : (( ولو كان هذا الحديث عند شعبة كان أول ما يسأل عن هذا الحديث )) وقد أسهب الشيخ خالد الدريس في ذلك تِلكَ القرآئن لمَن أرد الفائدة فلينظر كِتابه .

    الخاتمة في المبحث الخَفيف
    وعِندَ النَظر في قَول الفريقين فإن المُترجح هو قول أكثر قدماء نقاد الحَديث وهذا المعنى المتقدم ـ وهو أن الثقة ومن في حكمه قد يستنكر عليه بعض ما يتفرد به " والحكم في التفرد كغيره من مسائل هذا الفن ، يخضع لنظر الناقد فيما لديه من قرائن وأدلة ، وربما وصل فيه إلى ما وصل فيه غيره ، لاجتماع قرائن وتعاضدها ، وقد يخالف غيره ، وهذا ما يفسر لنا استنكار ناقد لحديث ، وغيره يراه صحيحا محفوظا ، وفي الصحيحين أشياء من هذا القبيل لا أطيل بذكرها " ، وقد سبر الحافظ الذهبي أقوال الأئمة وكان كما يظهر على أمرين ذكرهما الدُكتور اللاحم :

    1- قوة الراوي واشتهاره بالحفظ والضبط ، فلا شك أن هذا يجبر ما يقع منه من تفرد ، ومن هذا الباب قول مسلم ( للزهري نحو تسعين حديثا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد ، بأسانيد جياد ) ، وقدَ أسلفنا إلي أن بعضها قد يُرد عندهم بالنَكارة وليس ذلك مُطلقاً.
    2- طبقة الراوي ، فلا شك ان التفرد يحتمل في رواية التابعي عن الصحابي ، وكذلك مع الحفظ والضبط ـ يحتمل في رواية تابع التابعي عن التابعي ، وأما بعد ذلك ، أي في عصر انتشار الرواية ، وحرص الرواة على التقصي والتتبع والرحلة إلى البلدان الأخرى بغرض الرواية وانتشار الكتابة ، فإن وقوع التفرد وهو تفرد صحيح فيه بعد ، فالغالب أن يكون خطأ من المتفرد ، ولذا يستنكره الأئمة من الثقة الضابط أيضا .


    **************************

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    وقفةٌ مَع المُعترض - عامله الله بلطفه -
    قد أساء الأخ المُعترض -وفقه الله- في فهم المسألةِ ولو أنهُ قرأ فيها وأحاط بجوانبها ما حمل كَلام الأئمة ما لا يحتمل والله تعالى المستعان ! :
    (1) قَال - غفر الله له - أن العَبد الفقير قد بتر كَلام الإمام الذهبي في مِيزانه : (( وأنا أشتهى أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه،بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له، وأكمل لرتبته، وأدل على اعتنائه بعلم الاثر،وضبطه دون أقرانه لاشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه [ في ] الشئ فيعرف ذلك، فانظر اول شئ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة،فيقال له : هذا الحديث لا يتابع عليه ؟؟؟وكذلك التابعون، كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم، وما الغرض هذا، فإن هذا مقرر على ما ينبغى في علم الحديث.وإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحا غريبا., وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكراً )) أهـ.
    قُلت : وهذا مما اشتد اعتراض ونكير الحافظ الذهبي به على العقيلي في الضعفاء من اعلاله كَثيراً من تفردات الثقات بالنَكارة وغَالية ما يُقال أن القَول بأن الثقة قد يأتي بمستنكر عِند الأئمة فإن هذا لا يَعني أن حَديثه إذا إنفرد بهِ مُنكرٌ مُطلقاً ولم يقل بهذا إنسان بل إن المُتتبع لأقوالهم - رحمهم الله - علم أنهم قد يعلون أحاديث بعض الثقات لحصول الوهم والغلط بالنكارة لتفردهم ولم يأتي أحدٌ من العالمين من أصحاب ذلك الشيخ على ثقتهم واختصاصهم بالرواية بمثل ما أتى به فيعلوه ، وذلك ليس على إطلاقه فليس هُناك أحدٌ من العالمين قال أن تفرد الثقة مُطلقُ الرد ! بل إن النُصوص الواردة في هذه الدراسة مفادها أن الصدوق أولى بها من الثقة الضابط ، لأن الصدوق دُون الثقة وحصول الخطأ والوهم منه أقوى مِن الأول ، ثُم في نِهاية عِبارة الحافظ الذهبي ما يشير إلي أن تَفرد الثقات يُقال فيه صحيحاً غريباً مع الإشارة إلي أن كثير من النُقاد المُتقدمين - رحمهم الله - قد لا يطلق الصحة مع الغرابة ، وأن تفرد الصدوق ومن دونه إذا إنحدرت الطبقة يعد منكراً ، أما إن أتت القرينة على أن ذلك الصدوق احتمل تفرده كأن يتابع عليه أو أن يأتي أحد أصحاب الشيخ بما يشاركه فيه عن شيخه فإن ذلك قرينةٌ على أنه احتمل ! أما وإن تفرد به فتلك نكارةٌ .
    وقد استدل المُعترض بقول الخَطيب البغدادي - رحمه الله - فقال : (( جميع اهل العلم على أنه لو انفرد ثقة بنقل حديث لم ينقله غيره لوجب قبوله )) .
    قُلت : وأما ما يستدل بهِ مِن كلام الخطيب البغدادي - رحمه الله - وهو المُساواة في قبول تفرد الثقة والصدوق والمُساواة بينهما في القبول وهو من الأدلة التي يحتج بها مَن قال بقبول تفردات الثقات والصدوق مُطلقاً والصحيح أن الصدوق أقل منزلة من الثقة فلا يتساوى قبول روايته إن إنفرد مع الثقة لأن الثقة إن إنفرد قد تُحيط القرائن على خطأ وقع في حديثه ! ، وإنا إن كُنا لا ننكر على الخطيب البغدادي - رضي الله عنه - هذا فاهل العلم على عدم المساواة بين الثقة والصدوق بالحَديث والأرجح أن الثقة أرفع فإن تفرد الثقة فإن الثقة الثابت المُتقن يقبل تفرده مالم تأتي قرينة على أنه قد أخطأ في الحديث ، والصدوق متى ما انفرد فإن ذلك مُنكرٌ عند أهل العلمِ ، وأما ما نقلته عن الخليلي فقد سبق والتعليق عليه في المبحث فإقرأ بتأمل - وفقك الله للخير - .
    وقد استنكر المُعترض نَقلنا عَن الحافظ الذهبي وقد سبق وأن علقنا عليه مُبينين المُراد من قول الحافظ الذهبي وأسهبنا في بداية البحث فلينظر بتمعنٍ والله المُستعان ! ، وقد استنكر اعتبار ذلك عند الإمام أحمد من المُنكر وقُلنا أن المسألة فيها على التفصيل والقرآئن ! .
    قُلت مُستدلاً بكلام الإمام مُسلم في المُقدمة : (( فأما من نراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على اتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح الذي عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم )) أهـ.
    فاعترض المُعترض علي بأربع نقاط والله المُعين :
    (1) قال - عَامله الله بلطفه - : (( ان هذا سياق مبتور عن ماقبله ومذهب الامام مسلم معلوم في هذا الصدد وأن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه - وليس له علة - فليس بمنكرا ))!!.
    قُلت : وما هكذا يا سعدا تُورد الإبل وإنظر قول الإمام مسلم رحمه الله تعالى إلي أن لو عمد إلي مثل الزهري وهشام بن عروة ولهم من الحديث الشيء الكثير بل حديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على إتفاق أي حصل الإتفاق في جُملة ما روي عنهما بل وفي أكثره على حد قول الإمام مسلم ، وفي كلام مسلم ما قررناهُ من أنه إذا عمد الثقة فخالف أصحاب الإمام الزهري فإن القرينة قامت على نكارة ما تفرد به وإلا فأين أصحابه عنه؟! أليس لنا حقٌ في السؤال على ما تبين من القرائن أين هُم وما جاء عن أصحاب العلم ونقاد الحديث القدماء ؟! أم إ إنفرد عنهم من عرف صدقهُ او وصف بلفط " الصدوق " ولم يعرفه أحد من الحفاظ ولا حدث به فكيف جاز لنا أن نحكم بأن هذا التفرد حسنٌ لذاته لأنهُ لم يتابع ولم يحتمل لضعفٍ في حفظه !.
    وقد أسأت الفهم ! ولا عجب فإن النص الذي نقلتهُ : " وليس لهُ علةٌ " أي ليس للحديث علةٌ تقدحُ في صحتهِ ! ولم يقيد الإمام مُسلم في هذا النص الذي نقلت أن تفرد الثقة بما ليس عند أحدٍ من أصحاب الشيخ الذي إنفرد عنه ليس مُنكراً كذلك الصدوق والعُمدة في النص الذي نقلناه.
    (2) قال - عفا الله عنه - : (( لأن حكم أهل العلم والذى نعرف من مذهبهم فى قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ فى بعض ما رووا وأمعن فى ذلك على الموافقة لهم فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه قبلت زيادته )).
    قُلت : لو أنكَ أمعنت النَظر في التَفرد وخُصوصاً في مقدمة مُسلم لوعيت أنها مسألةٌ عظيمةٌ فقد قال الإمام - رحمه الله - في المُقدمة : ((
    وَعَلاَمَةُ الْمُنْكَرِ فِى حَدِيثِ الْمُحَدِّثِ إِذَا مَا عُرِضَتْ رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالرِّضَا خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ أَوْ لَمْ تَكَدْ تُوَافِقُهَا فَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ كَذَلِكَ كَانَ مَهْجُورَ الْحَدِيثِ غَيْرَ مَقْبُولِهِ وَلاَ مُسْتَعْمَلِهِ.
    فَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِى أُنَيْسَةَ وَالْجَرَّاحُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَبُو الْعَطُوفِ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ صُهْبَانَ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ فِى رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْحَدِيثِ ، فَلَسْنَا نُعَرِّجُ عَلَى حَدِيثِهِمْ وَلاَ نَتَشَاغَلُ بِهِ لأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالَّذِى نَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِى قَبُولِ مَا يَتَفَرَّدُ بِهِ الْمُحَدِّثُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ قَدْ شَارَكَ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ فِى بَعْضِ مَا رَوَوْا وَأَمْعَنَ فِى ذَلِكَ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ فَإِذَا وُجِدَ كَذَلِكَ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا لَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ زِيَادَتُه ، فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِىِّ فِى جَلاَلَتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الاِتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِى أَكْثَرِهِ فَيَرْوِى عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مِمَّا لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِى الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
    )) أهـ .
    قَال فضيلة الشَيخ ابراهيم اللاحم - وفقه الله - : (( وما ذكره مسلم من قبول ما يتفرد به من أمعن في موافقة الثقات عن شيخه ، مبني على أن الراوي قد لايستوعب ما عند شيخه ، وإذا استوعبه فقد لا يحدث به كله ، كما في قول أحمد ( عند سعد بن إبراهيم شيء لم يسمعه يعقوب ، كتاب عاصم بن محمد العمري ) ... وإنما يستنكر بداهة أن يروي ثقة ليس من أصحاب الراوي المعروفين بالكثرة والتثبت فيه ، فينفرد عن الجميع بشيء يرويه عنه )) أهـ.
    وهُناك أمرٌ لابد من الإشارة إليه كَون الحَافظ الذهبي قسم الثقات في تَعرضهِ للكلام على تَفرد الثقة والصدوق والذي وهم فيه المُعترض علينا في مسألة التَفرد إلي قسمين :
    [1] الثقات الحفاظ وهم الذين عرفوا بالحفظ والاتقان وندرة الخطأ ، فهؤلاء يقبل تفرد التابعين منهم عن الصحابة وتفرد تابعي التابعين عن التابعين .

    [2] هم من الثقات ، وهم جماعة يوصف الواحد منهم بلأنه ثقة ، لكن ليس من الحفاظ المتقنين ، وهم مع ذلك متوسطو المعرفة ، أي المعرفة بنقد الحديث ، فلا يؤمن أن يخطيء الواحد منهم ، ولا ينتبه لذلك فهؤلاء يقبل تفرد التابعين منهم عن الصحابة ويتوقف في ما عدا ذلك.
    وبَين الشَيخ اللاحم المُراد من قول الإمام مُسلم فقال : ((
    ثم عن ما ذكره مسلم والذهبي من عمل الأئمة هي ضوابط عامة ، لا يفهم منها أنهم لا يستنكرون الحديث بالتفرد إلا مع وجودها ، إذ هناك أمور دقيقة قد تصاحب التفرد توجب التوقف فيه واستنكار الحديث ، وإن لم تتوفر الضوابط المذكورة ن ولذا قال ابن رجب : (( أكثر الحفاظ المتقدمين يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه : إنه لا يتابع عليه ، ويحعلون ذلك علة فيه ، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات به الثقات الكبار أيضا ، ولهم في كل حديث نقد خاص ، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه )) )) أهـ .
    ومثل هذا لا أرى أن يغفل عنهُ الباحث وأن لا يُهمله إهمالاً كاملاً والله تعالى المُستعان ، فإن الأئمة يعملون قرائن ومُرجحات في مسألة التفرد لابد من التنبه لها وهي مرصوصةٌ ومكتوبةٌ في كُتبهم وأقوالهم خالدةٌ بإذن الله تبارك وتعالى ، فإساءة الفهم وضعفه مِن البلايا التي يبتلى بها الإنسان وإني لأربأ بالمُعترض أن يكون من هذا الصنف من الناس ولله المُشتكى ، وقد زعم المُعترض أن إستدلالنا بكلام مسلم استخفاف بعقول القرائ وهذا عجبٌ عُجاب ومِن أضعف التَعليلات والتعليقات وإني لأربأ بالمُعترض سلوك ذلك المسلك الركيك والقول الضعيف والله المستعان.
    وكُنت قد أشرت إلي قرائن عِندَ أهل العِلم تَقوم مَقام الإعلال حال التفرد مِنها :
    [1] أن يَكون للشيخ تَلاميذٌ كثر يروونه ويعرفونهُ ولا يكاد يخرجُ حديثه إلا من عندهم ، فينفرد من بين هؤلاء مَن اتصف بالصدقِ " صدوق " بحديثٍ عنهُ لم يعرفهُ أهل الاختصاص والمَعرفة بحديث هذا الشيخ ولم يروه أحدٌ منهم فذلك من قرائن النَكارة في تفرد.
    قُلت : لو أنَ المُعترض أمعن النَظر في كَلامنا لمَا فهم أنا نَرد كُل تَفرد الثقات بالمُطلق وهذا لم نقلهُ وحاش أن نقولهُ ! فأطالب المُعترض بقراءة البحث والتَحقيق بعينٍ بصيرةٍ وأن ينصف لا أن يغالِ هذا الغلو الغَير نافع في المسألة وكأن مُخالفه ! اتى بالبدع كما وصفه والله المستعان.
    [2] أن يَكون ما تفرد به حُكماً شرعياً ، فلا تَجد أحداً مِن الحفاظ قد رواهُ فأين هُم عن هذا الحُكم الشرعي الذي لا تَكاد أحداً من الحفاظ الأثبات المُتقنين إلا وقد تَحرى وجَمع هذه الأحاديث؟!.
    قُلت : أساء المُعترض فهم كَلامي فظن أني أريد أن عند الحَافظ الواحد كُل السنن ! وهذا لم أقل به ولا يدل عليه حديثي من قريب أو من بعيد ولستُ أستسيغه أبداً والله تعالى المستعان ! .
    [3] كُلما تأخرت طَبقة الراوي فالأمر فيه تناسبٌ طردي بين تأخر الطبقة وبين رد الحَديث.
    قُلت : أساء المُعترض فقال : (( ماقلته لا مستند عليه ولا دليل مطلفاً لامن نص احد الائمة ولا من تطبيقهم اصلا ! وهو يزيدني ترسيخا انك من داعمي منهج التفريق المعروف تعوذ بالله من الوقوع فيه وان كان صحيحا فارجو ان تذكر لنا نصوص اهل العلم في ذلك والله الموفق )) أهـ.
    وهل هذا الكَلام الذي يشتم الإنسان رائحة الطَعن فيه يَلزم منا أن نرد عليك بشيءٍ أنت نفسكَ لم تُلزم نفسكَ بهِ ووالله إني قد اخترصت المسألة وأتيتُ بالشيء الخفيف ولم أرد أن أسهب فيها حتى لا يكون الأمر طويلاً وأن يصبح كُل منا يُؤلف في الرد على الآخر ! ولا حول ولا قوة إلا بالله فإن أقوالهم تَدل على أن طبقة الراوي كُلما تأخرت وانفرد بما لم يتابع عليه كانت النكارة في حديثه وهذا تَجده في كلام الحافظ الذهبي لو أمعنت النظر فيه والله تعالى المستعان.
    وصلي اللهم وسلم على الحبيب مُحمد وعلى آله وصحبه وسلم .


    وحرره العبد الفقير العاثر /
    أبو الزهراء بن أحمد آل أبو عودة الغزي الأثري
    - غفر الله له ولأمه ولمشيخته -
    22/ذو القعدة/1434ه


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    للفائدة .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مازال الأمرُ كما أشرت فيما مضى مِن التعليق إذ يرميني الأخ باتهاماتٍ باطلةٍ وأني والله المُستعان أقولُ بنكارة تفرد الثقة مُطلقاً ! فهل لهُ أن يأتيني بما يثبت ذلك من حديثي ؟! فالتعليق الماضي والذي تعقبهُ بكُل شدةٍ ونكايةٍ بنا ما أشرت إليه إلا لكَونهم قد يُعلون تفردات الثقات بالنَكارة لحصول القرينة عند الأئمة المُتأخرين - رحمهم الله - على وقوع الخطأ في حديثه أو الوهم لأن الثقة قد يقع الخطأ في روايته ولكن الخطأ على قدرهِ فليس كُل خطأ يطرح حديث الراوي ! فالوهم ليس سبباً يُطرح لأجله الرواي فإذا حصل ذلك فإنهم يستدلون به على وقوع الوهم والخطأ في روايته فيعل إنفراد الثقة بالنكارة وذلك في أحاديث الثقات المُتقنين الضابطين قليلٌ جدا وقلما تجد صنيع الأئمة المُتقدمين في أحاديث الضابطين الثقات لروايتهم أن يعلوه بالنكارة دُون إحاطة القرآئن والمُرجحات والمُلابسات على حصول الخطأ ، فأتمنى أن يُحاور المُعترض - نفع الله به - في المسألة بعلمٍ دُون جرح وتَجريح .
    قَال المُعترض - عفا الله عنا وعنه - : [ كلام الدكتور الجديع هذا وغيره من المعاصرين لا يلزمني في شئاضافة الى هذا الخلط الشنيع للمفاهيم التي استقر عليها الاصطلاحوالعبرة عندي بكلام الائمة الكبار وليس مشايخك المعاصرين ] أهـ .
    قُلت : وأما هذا من المُتعرضٌ تناقضٌ شنيع فهو إن قال بأنهُ ليس مُلزماً بقولي ولا قول مشيختي ! فمالي أراهُ يستدل بقول الشيخ المُحدث الألباني - رحمه الله - وسؤالات أبي العينين لهُ ؟! بل والذي قالهُ من أنهُ على كلام الأئمة الكِبار فقد ضرب بعرض الحائط كلام الإمام الثقة المُعلل أبو حاتم الرازي وهو من جهابذة المُتقدمين ومِن السلف الصالحين فقال أن كلامهُ ليس مُنزلاً بهذه الطريقة التي تُشير إلي - قلة الأدب - مع أمثالهم - رضي الله عنهم - فكيف يحصل هذا ممن يَقول هذا الكلام لا أدري ، وهل ألزم نفسهُ بذلك الإلزام إذ راح يتأول النصوص ويفسرها بما ينصر ما يراهُ ؟!
    فما هكذا تُورد الإبل والله يا سعداً ولو أنك تحليت بالإنصاف والذي هو في هذا الزمان عزيز ما قُلت ما قلت ولا رميتنا بما رميتنا وإنا لا نروم إلا الحق والحق في هذا العلم بينٌ وواضحٌ وضوح الشمس وليس في مسألتنا هذا إنكاراً لجهود أحدٍ من العالمين ولا هدماً لما قدم الأئمة منذُ عصر النقد إلي يومنا هذا من المُعاصرين فكُل لهُ جهدهُ ولهُ موطئ قدمه - فرحمهم الله - ، ثُم أنتَ أيها المُعترض الفاضل الكَريم أسأت وخلطتَ بل وجَعلت الأمرَ بدعةً فمالكَ ترمي غَيركَ بذلك اللباس وأنتَ أولُ مَن ارتداهُ ! فأولتَ كلامنا على أنهُ - يا رعاك الله - على إطلاقهِ وفي مَقالي خِلاف ذلك ؟! .
    قَال المُعترض - عفا الله تعالى عنا وعنهُ ورحمنا برحمته - : [ انك اسات الفهم لكلام ابي داود انت وشيوخك لانه لو اخذنا كلام ابي داود وعملنا به حرفيا لما قبلنا اي حديث من اي ثقة حتى لو كان حافظاً !اضف الى هذا ان تطبيق ابي داود يخالف الفهم السطحي لهذا النص فان الغريب قد يكون غريب السند وغريب المتن ] أهـ .
    قُلت : ويَدور مَقال المُعترض - وفقهُ الله - على كَلام الإمام أبي داود ، ثُم ردهُ كَلام أبي حاتم الرازي - رضي الله عنهما - ! ولا أدري كيف ذلك ؟! ثُم كَلام الحافظ ابن رجب كذلك كلام الحَافظ الذهبي وإن رأيتَ وتأملتَ كَلام المُعترض وجدتَه يتأول الكَلام بمنطوقهِ ومفهومهِ للأمور ويَعترضُ علينا وعلى مشيختنا تأولنا وتَحرزنا في تَحرير مَدلول ألفاظهم - رحمهم الله - بما يوجب إن شاء الله الصواب في تَأويلها ويَقول المُعترض أنهُ ليس مُلزماً بتأويلنا ! ثُم يريد أن يلزمني بتأويله ؟! .
    [ أولاً ] مَدلول لفظ أبي داود - رحمه الله - والذي رمانا بإساءة فهمه ! .
    أما عَن منهج أبي داود - رحمه الله - فبينٌ في سننه لأن الإمام لهُ في كِتابهِ السنن كثيرٌ مِن أفراد الثقات بل من أفراد الضعفاء ، وعَلاقة منهج الإمام - رحمه الله - في سننه مَع قَولهُ : (( فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب وجدت من يطعن فيه ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذاً )) وما قاله أبو داود - رحمه الله - فيه الفائدة إذ أنهُ يخبر عن حُصول الإعلال بالتفرد والغرابة حتى على حديث الثقة ولكن هل هذا في كَلامه على إطلاقه ! وقد خالف المُتأخرون فجَعلوا الشذوذ مُصطلحٌ منفصلٌ وهو ليس كذلك عند الأئمة المُتقدمين فإنهم كثيراً ما يطلقون الشذوذ والنكارة على تفردات الثقات بل الغريب ودُونك كَلام أبي داود في رسالته لأهل مكة .
    واعلم أن الأئمة - رحمهم الله - يَكرهون الأفراد والغرائب وإن كان من ثقة لا يعرفها المُعرفون ، قال الإمام ابن المُبارك : (( العلم هو الذي يجيئك من ههنا ومن ههنا - يعني المشهور - )) ، وروي الإمام الزهري عن علي بن الحسين : (( ليس من العلم ما لا يعرف، إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن )) ، وقال الإمام مالك في شرح العلل لابن رجب (2/623) : (( شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس )) ، وقال الإمام أحمد بن حنبل : (( لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء )) ، لكن هل تفرد الثقة مُنكرٌ مطلقاً ؟! .
    نَقول هذا مالم نقل بهِ ولم يأتي في حديثنا وإنما أساء المُعترض فهم قَولنا وأخطأ فيه فرمانا بالقول بنكارة تفردات الثقة بالإطلاق وهذا ليس بصحيح بل إننا نعلم أن الأئمة يصححون أفراد الثقات لما عرف عليهم من الضبط والإتقان ودُونك الإمام الزهري وقد تفرد بتسعين حديثاً كُلها جياد فإذا عمد إلي مثله في الضبط والإتقان وحفظ الحديث فإن ما يتفرد بهِ يُحكم لهُ بصحته ، فلسنا نقول أن تفرد الثقات مُنكر مطلقاً بل إن الكَلام الوارد عن الأئمة الصدوق فيه أولى من الثقة لما عرفنا من صنيع الأئمة أنهم قد يقبلون تفرد الثقة الضابط المُتقن والدليل على أفعالهم كثير والله المُعين.
    ولينظر المُعترض كلامنا وليفهمهُ جيداً فنقول : (( إن التفرد إن كان في الطبقات الأولى كطبقة الصحابة وكبار التابعين لقصر الإسناد عندهم ولمعرفتهم ومُعايشتهم لعصر الرواية والحديث وعدم تشعب الطرق إليه من ناحية، ولعدالة وضبط الصحابة الكرام وكبار التابعين لقربهم من أنفاس النبوة من ناحية أخرى، اللهم إلاّ إذا ثبتت مخالفة فيفزع حينئذٍ إلى القرائن )) أهـ.
    لذلك الأمر يقوم على القرائن فإنكَ إن علمت أن الصدوق ممكنٌ تحملهُ لرواية الحديث الذي تفرد بهِ أو أتى الدليل على حُصول التَمكن من روايته للحديث فإن تفرده مقبولٌ ، كذلك الثقة فإنهُ لا يقبل على إطلاقه إنما القبول والتوقف في تفردات الثقات والصدوق مرهون بالقرائن والمُرجحات التي تُحيط بالراوي وضبطه وحفظه واتقانه وطرق الحديث وسبرها وتلاميذ الشيخ الذي تفرد هو عنه بالحديث والتي مضى ذكرها ، فإننا لا نقول بنكارة تفرد الثقة مُطلقاً ! بل إن الصدوق في أقوال الأئمة - رحمهم الله - أولى من الثقة في مسألة التفرد والنكارة قال الإمام أحمد بن حنبل : (( إذا سَمِعْتَ أصحاب الْحَدِيْث يقولون: هَذَا حَدِيْث غريب أَوْ فائدة. فاعلم أنه خطأ أو دخل حَدِيْث في حَدِيْث أَوْ خطأ من المُحدِّث أَوْ حَدِيْث ليس لَهُ إسناد، وإن كَانَ قَدْ رَوَى شعبة وسفيان، فإذا سمعتهم يقولون: هَذَا لا شيء، فاعلم أنه حَدِيْث صَحِيْح )) ، بل الحافظ ابن حجر يقول التلخيص الحبير (2/7) : (( وإن كَانَ سند ابن عَبَّاسٍ يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر )) ، والتفرد إما مطلقٌ وإما نسبيٌ عند أهل الحديث .
    قال شيخنا المُحدث ماهر الفحل : (( أما الحكم عَلَى الأفراد باعتبار حال الرَّاوِي المتفرد فَقَطْ من غَيْر اعتبار للقرائن والمرجحات، فهو خلاف منهج الأئمة النقاد المتقدمين، إذن فليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة، أو رد تفرد الضعيف، بَلْ تتفاوت أحكامهما، ويتم تحديدها وفهمها عَلَى ضوء المنهج النقدي النَّزيه؛وذلك لأن الثقة يختلف ضبطه باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يحدث في كيفية التلقي للأحاديث أَوْ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سَمعه من بعض شيوخه، أو لحدوث ضياع في بعض ما كتبه عن بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت أصحابهم وألزمهم، ولذا ينكر النقاد من أحاديث الثقات - حَتَّى وَلَوْ كانوا أئمة - ما ليس بالقليل )) أهـ ، وأما إطلاقك قبول تفرد الثقة مُطلقاً والصدوق حتى فهذا لم نَعلمه عند أحدٍ منهم - رحمهم الله - ، وإنا لا نعترضُ ونقدم اعتراضاتنا عليكَ أبداً في شيء والحقُ أنهم أحسنوا في خدمة السنة والهدف الأول والأخير هو خدمة هذا الدين فهونك علينا والله إنك لنا مِن الظالمين فمهلك يا رعاك الله مهلك .
    [ ثانياً ] قَول الحافظ ابن رجب عَن مَنهج الإمام مُسلم - رحمهما الله - .
    قَال الحَافظ ابن رجب - رضي الله عنهما - : (( وأن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه – وليس له علة – فليس بمنكرة )) أهـ ، قال المُعترض - عامله الله بلطفه - أني جعلت قَول الإمام مُسلم هو عين قول الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنهما - .
    والحقُ أن الإمام أحمد بن حنبل شيخ مسلم - رحمهما الله - ولهُ مسائلٌ على الإمام أحمد بن حنبل ذكرها ابن حامد ، وقد أخرج الإمام البخاري حديث الإستخارة وتجنب الإمام مُسلم على أن شرط الإمام البخاري في الصحيح أقوى لأنه سمع الإمام أحمد يقول : " منكر " فتجنبه ورغم ذلك أنهُ في الصحيح ومعناهُ ان الإمام أحمد قال عَنه غريب ، والأصلُ أننا لو كُنا نقول بنكارة التفرد مُطلقاً لقلنا أن الحديث في الصحيح ضعيف وهذا ما لا نقولهُ وهو صحيحٌ بلا شكٍ ولا ريب فتأمل.
    فليس الإمام مُسلم مُقلداً للإمام أحمد في هذا الباب وإيهامُ ذلك لا يصح بل هو مُجتهدٌ - رضي الله عنهما - بل إن الإمام قد تأثر بقول الإمام أحمد بن حنبل وهذا حاصلٌ ، ولكن إنظر ما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح العلل - رضي الله عنه - : (( وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر )) .
    أما وما سألت عَنهُ من قول الحافظ ابن رجب : (( وأما تصرف الشيخين والأكثرين فيدل على خلاف هذا، وإن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه، وليس له علة فليس بمنكر )) أهـ .
    فالإجابةُ كالتالي : قال الإمام مُسلم في المُقدمة : (( كم أهل العلم والذي تعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث ، أن يكون قد شارك الثقات من أهل الحفظ في بعض ما رووا ، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم ، فإذا واجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قبلت زيادته فأما من نراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديث وحديث غيره ، أو لمثل هشام بن عروة ، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على اتفاق منهم في أكثره ، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما ، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح الذي عندهم ، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس )) وكُنت قد بينت المراد من قول الإمام - رحمه الله - في مبحثي السابق فإنظر ، فإنه منه تصريحٌ أن الثقة إذا أمعن في موافقة الثقات في حديثهم ، ثم تفرد عنهم بحديث قبل ما تفرد به ، وحكاه عن أهل العلم !!! ، فهل أنت فاهمٌ لما نقول ؟!.
    [ ثالثاً ] كلام الإمام أبي حاتم الرازي - رضي الله عن الجميع - وضرب المُعترض لهُ !.
    قَال المُعترض - عفا الله عنه - : [ وكلام ابي حاتم ليس قرآنا يتلى انما هو خطا وصواب كغيره من اهل العلمفكم من حديث انكره ابو حاتم واحمد والبرديجي وهو متفق عليه في الصحيحين !وابو حاتم من اهل التشدد في الحكم ] أهـ !.
    قُلت : تحلى يا عبد الله بقليلٍ من الأدب مع الأئمة الجهابذة ! وأما هذه المسألة فهي ما أشرنا إليه أكثر من مرة في كلامنا والمَعنى أن تفرد الثقة لا يُرد مُطلقا ! وأن تفرد الصدوق مُنكرٌ حتى تأتي القرينة على تَحمله الحديث فلا يُرد ولا يَكون مُطلقاً ! ، وإنهُ من بلايا الزمان أن يأتي مع شديد احترامي مَجهولٌ يَقول أن الإمام أبو حاتم صاحب العلل المفيد ! مُتشدد ولو أنك قلت أن فيه شدة رحمه الله في الرجال قلنا لا خلاف وهو مِن شديد وعظيم حرصهِ كذلك حال جميع الأئمة ففي تساهلهم حرصاً وخوفٌ ومنعة وفي تشددهم كذلك فالأمر سهلٌ هينٌ ، وأما شرطهُ في الحَديث فشرط كثير من الأئمة وتشددهُ وحرصهُ على السنة مِن عظيم صفاتهم وغيرتهم ، كذلك لا يمكن إلا إحسان الظن فيمن تساهل وتساهلهُ تحفهُ الدقة والحرص والمنعة والفهم فلا يُفرط في تساهله .
    قُلنا ماضياً ومازلنا نقول : (( أما الحكم عَلَى الأفراد باعتبار حال الرَّاوِي المتفرد فَقَطْ من غَيْر اعتبار للقرائن والمرجحات، فهو خلاف منهج الأئمة النقاد المتقدمين، إذن فليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة، أو رد تفرد الضعيف، بَلْ تتفاوت أحكامهما، ويتم تحديدها وفهمها عَلَى ضوء المنهج النقدي النَّزيه؛وذلك لأن الثقة يختلف ضبطه باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يحدث في كيفية التلقي للأحاديث أَوْ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سَمعه من بعض شيوخه، أو لحدوث ضياع في بعض ما كتبه عن بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت أصحابهم وألزمهم، ولذا ينكر النقاد من أحاديث الثقات - حَتَّى وَلَوْ كانوا أئمة - ما ليس بالقليل )) أهـ.
    وقد أتيت بما نَقول فالحمد لله قَال المُعترض - وفقه الله - : (( وقال الحافظ عن لفظة منكر التي استخدمها الامام احمد : " هذه اللفظة يطلقها احمد على من يغرب باقرانه بالحديث عرف ذلك بالاستقراء من حاله " )) أهـ ، إذا أنتَ تقول أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يُعل الحَديث بالتفرد والذي يغربُ في رواية الحَديث يُطلق الإمام أحمد بن حنبل عليه الغَرابة والتفرد.
    [ رابعاً ] قَول الحافظ الذهبي - رحمه الله - في مسألة التفرد .
    أما قول الحافظ الذهبي وقول الحافظ ابن رجب هو قولنا وقول كثيرين من أئمة المُتقدمين بل أغلبهم كذلك قول كثيرين من المُتأخرين ممن يسير على خُطى الأئمة المُتقدمين - رحمهم الله - ، لم يكن اصطلاح الحسن دارجٌ عند الأئمة المتقدمين - رحمهم الله - بل المعول عليه عندهم كان الصحيح والضعيف ثُم اصطلح من بعدهم الحسن وجَعلوه قسما من أقسام الصحيح والحسن عند الإمام الترمذي - رحمه الله - هو : (( ما عرف مخرجه واشتهر رجاله )) ، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في العلل : (( وأكثر ما كان الأئمة المتقدمون يقولون في الحديث أنه صحيح أو ضعيف، ويقولون: منكر وموضوع وباطل ، وكان الإمام أحمد يحتج بالحديث الضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن )) أهـ ، وأما صنيع الحافظ الذهبي - رحمه الله - في السير بينٌ صريح ولا يخالف ولا يناقض أبداً ما أتينا بهِ عنه فتأمل والله المُستعان .
    وخُلاصة هذا الأمر أن المُعترض تأول الكلام فجانب الصواب إلا أنه أخطأت - غفر الله له - والحقُ أننا لا نرد تفرد الثقة مُطلقاً وهذا ليس في كلام مشيختنا ولا في صنيعهم وليس في مدلول عباراتهم من قريب أو من بعيد والصوابُ أن التوقف في التفردِ مِن حيث ترجيح القرائن والمُلابسات ففي الصدوق أولى من الثقة وأما الثقة المُتقن الثبت الضابط فإن أهل الحديث يقبلون تفرداته ودُونك من هو مثل شعبة وقد انفرد بأحاديث وانفرد الإمام الزهري بأحاديث ولم ينُكرها بل هي جيادٌ كما قال الحافظ الذهبي وأسلفنا في النقل ولله المُشتكى ويتبع بإذن الله تتمة التعليق على كلامه.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    التَعقب المُتواني للمُعترضِ (2)
    رغم محاولتي التماس العذر للمُعترض - هداه الله - في تأوله لكلام الأئمة بما لا يحتملهُ إلا أني أجده لا يتوانى في رمينا بسوء الفهم ثُم يروم هو تأولاً ! واعلم أنه ما خاب من تأنى في مسائل كهذه وأسأل الله لي ولك العلم النافع والفهم الحاذق وأن يثبتنا ويرحمنا ويتوب علينا إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وأسألهُ تعالى أن يزيدنا في هذا العلم الشريف بسطة اللهم آمين آمين ، وانبه لأمر مُهم وهو أنك لو تحليت ولو قليلاً بالأخلاق والأدب في الرد عليَّ وإن كُنت تُخالفين لكان من باب أولى أحسن وأطيب ، فلو إلتزمت بها وتركتَ يا رعاك الله تلكَ الألفاظ لكَان حرياً بنا أن نُكمل.
    وأما فيما يتعلق بمقدمة ابن الصلاح فأنت أصبت وأنا أخطأت والصحيح (ص80) ونعتذر لوقوع هذا الغلط منا ونسأل الله التوفيق ، وأما ما رميتنا به من إدمان بتر النصوص ! فهذا والله مِن سوء الظن فما بترنا نص ابن الصلاح ولا حملناهُ محملاً غير محملهِ كما تفعل أنت ! والتَعليقُ على المُعترض قد سبق وأن ذكرنا شيئاً من الاعتراض على ما اعترض بهِ في المُشاركة السابقة ولعلنا نزيد الأمر تأصيلاً في التَعقب على المُعترض - سامحه الله - في اعتراضاته.
    قَال المُعترض - عفا الله عنه - : [ قال ابن الصلاح " و إطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ وعند هذا نقول : المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه " أهـ وذكر ابن الصلاح ان المنكر ينقسم الى المنفرد المخالف من الثقات او المنفرد الذي لا يحتمل تفرده !فلماذا تقطع كلام الرجل ولا تنقل بتتمته ؟؟؟ ولماذا لم تنقل الصواب الذي رجحه ! لا حول ولا قوة الا بالله ] أهـ.
    قُلت : لا أعلم أين الإشكال وقَول الاعتبار بقول ابن الصلاح أن إطلاق الحُكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجودٌ في كلام كثير من أهل الحديث ، ثُم يبين ابن الصلاح هذه المسألة عندهُ على التفصيل ولا أعلمُ أين العلة في مَنظورك ومنطوقك ! فهل بترناهُ لأن كلامهُ الأول يعارض الثاني أم لأن ابن الصلاح أطلق هذه العبارة وأراد أن كثير من أهل الحديث يطلقون النكارة ويريدون بها التفرد وهذا مفادُ عبارته وقوله الأمر على التفصيل لا يقتضي أن ابن الصلاح حمل تفرد الثقة أو الصدوق محمل القبول المُطلق كما هو عند الشيخ الألباني حيث يعتبر تفرد الصدوق حسن ! ، ثُم لم يكتفي المُعترض - عفا الله عنه - برمينا بالبتر ولا أدري أين في كلامنا ما يشير إلي أن ابن الصلاح أراد شيئاًَ ثُم أراد شيئاً أخر فهل يُمكن أن تقول أنه قد تناقض في قَوله أن كثير من أهل الحديث يطلقون النكارة ويريدون به التفرد ! وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل وغيرهُ ! .
    وليسَ مثل الحافظ ابن رجب أعلم بقول الإمام أحمد بن حنبل فقال في العلل : (( ولم أقف لأحد من المتقدمين على حد المنكر من الحديث وتعريفه إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجي الحافظ وكان من أعيان الحفاظ المبرزين في العلل : أن المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة أو عن التابعين عن الصحابة لا يعرف ذلك الحديث وهو متن الحديث إلا من طريق الذي رواه فيكون منكراً )) ، على الرغم من أننا كررنا قول الحافظ ابن رجب والعبرة في تكريره أنك تسيء فهم كلامه ! فإنظر إلي قول الحافظ ابن رجب أن كثيراً من الأئمة المُتقدمين يطلقون النكارة على التفرد ولا يعرف هذا الحديث إلا من طريق هذا الفرد فيستنكرونه ! بل الحقُ الذي قُلناه وقررناه أكثر من مرة وتغاضيت عنهم وكأنك تُعمي بصرك عنه عمداً أو سهواً لا أدري ! أنا قُلنا : (( بل الثقة الحافظ ـ إذا تفرد بأحاديث ـ كان أرفع له وأكمل لرتبته ، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها ، اللهم إلا أنْ يتبين غلطه ووهمه في الشيء فيعرف ذلك )) وهذا عين قول الحافظ الذهبي - رحمه الله - وهذا لا خلاف فيه أبداً مِن حيث ضبط الراوي وحفظه واعتنائه بالحديث ولكن هُناك ما يمنع من قبول تفرد هذا الثقة وهو كما قال : (( اللهم إلا أنْ يتبين غلطه ووهمه في الشيء فيعرف ذلك )) وهذا بينٌ في أن لأمر مَتروكٌ للقرائن والمُرجحات إلا أنك تأبى أن تفهم كلامنا .
    قَال المُعترض - عفا الله عنه - : [ يبدو انك تعشق بل وتدمن بتر النصوص عن سياقهالماذا تعمدت اسقاط جملة ؟ (وأما الشافعي وغيره فيرون أن ما تفرد به ثقة مقبول الرواية ولم يخالفه غيره فليس بشاذ ، وتصرف الشيخين يدل على مثل هذا المعنى) ] أهـ .
    قُلت : وهذا مِن المُعترض تجنٍ واضح وإساءةٍ في الظَن والحَديث وليت شعري أكان ما أتى به مِن النص عن الحافظ ابن رجب ما يزيل الإشكال والقَول بأن كثيراً من الأئمة المُتقدمين - رضي الله عنهم - يطلقون النكارة والشذوذ على بعض تفردات الثقات ؟! أخرج الحاكم والبيهقي من طريق الحافظ الثبت أمير المؤمنين شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في قوله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنّ} ، قال : في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ... إلخ ، ورواه من طريق شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى ، وصححه الحاكم وقال البيهقي : إسناد هذا عن ابن عباس صحيح وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعاً . كذلك أخرج الحاكم حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثة يهلكون عند الحساب : جواد وشجاع وعالم )) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد وعلى شرطهما وهو غريب شاذ.
    فانظر الحاكم والبيهقي يطلقون الشذوذ على الغرابة والتفرد - رضي الله عن الجميع - فيقول الأول : (( صحيح وهو شاذ )) ، ويقول الحاكم : (( غريب شاذ )) ، فكَيف تسيء فهم النصوص وتتأولها بذلك التأول وإن كُنت نقلت عن الحافظ ابن رجب ما قال الشافعي فمذهب الإمام الشافعي وطريقته - رضي الله عنه - في مسألة تفرد الثقة معلومةٌ لا مشاحة فيها ! والغريب أنك تَجعل الأول مُلحقٌ بالثاني وإنما أشار الحافظ ابن رجب إلي أن الشافعي قد قبل التفرد مِن الثقات ولكن هل قبول التفرد من الثقة على إطلاقه في الحَديث ؟! أقول إن هذا يرجع إلي القرائن والمُرجحات.
    فإن إطلاقهم - رحمهم الله - على التفرد بالنكارة موجودٌ عندهم - رضي الله عنهم - لكن هل كُل تفرد علةٌ تقدح في صحة الحديث ؟ أقول إن ذلك يرجع للقرآئن والمُلابسات والمُرجحات التي تُحيط بالحديث ولو أنكَ تأملتَ كلامنا فإننا لا نُنكر تفرد الثقة على الإطلاق ! وهذا ليس موجوداً في كلامنا بل في كلام الأئمة المُتقدمين واستنكارهم لبعض تفردات الثقة حاصلٌ فيكون تارة علةً وتارة ليس بعلة فمتى يكون التفرد علة تقدح في صحة الحديث ! أقول نفع الله بالمُعترض:
    (1) أن يكون المتفرد الثقة تفرد عن راوٍ عالم حريص على نشر ما عنده من الحديث وتدوينه ولذلك العالم طلاب كثيرون مشهورون وقد يكون له كتب معروفة قيد حديثه فيها وكان تلامذته حفاظاً حريصين على ضبط حديثه حفظاً وكتابة ، فإن شذ هذا الراوي عن هؤلاء فروى ما لا يروونه فإن هذا ريبة قد توجب زوال الظن بحفظه حسب القرائن بينما لو انفرد راوٍ بحديث عمن ليس على هذه الشاكلة من مشايخه فليس هناك ريبة في الأمر وهذا ما أشار إليه الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه حيث قال : (( فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو كمثل هشام ابن عروة وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك ، وقد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على اتفاق منهم في الكثرة ، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث ممن لا يعرفه أحد من أصحابهما وليس من قد شاركهم في الصحيح الذي عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس )) أهـ.
    ولذلك فإنك تجد الحافظ الذهبي يقول في تفرد الصدوق النكارة ، ويقول أن الأئمة قد يسمون ما ينفرد به هشيم وحفص بن غياث منكراً لأن الأمر ليس على الإطلاق بل إن الأمر مَآله إلي القرائن والمُرجحات وهو ما أبنا عنهُ في نقلنا عن الحافظ الذهبي : (( اللهم إلا أن تكون هناك بينة تدل على أن هذا الثقة - الضابط المتقن - قد وقع وهمٌ في حديثه أو خطأ )) أو كما قال ! ، ويحمل على هذا تعريف الحاكم النيسابوري للشاذ وقد أجاد شيخنا الدكتور حمزة المليباري - وفقه الله - في الدفع عن الحاكم فقال : (( ولم يقصد الحاكم بذلك تفرد الثقة على إطلاقه ، بل قصد نوعاً خاصاً منه وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ومن أمثلته أيضاً ما تفرد به محمد بن عبدالله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه )) رواه أهل السنن )) أهــ .
    ومِن الأمثلة على التَعليل بالتفرد ما روي عن خالد بن دريك عن أم المؤمنين - روحي لها فداء - حديث : (( إذا بلغت المرأة المحيض .... )) قال : فأين الرواة عن عائشة كابن أختها عروة ، والأسوة بن يزيد وعمرة عن هذا الحديث ؟ ، والسؤال الذي يطرح نفسهُ لمَ تفرد خالد بن دريك عن أم المؤمنين ولم يرو مثل هذا من عني بحديثها - سلام الله عليها - ؟! هذا إشكالٌ لكم تمنيت أن يجيب عليه من يطلق قبول التفرد بإطلاقه دُون العمل بالقرآئن والمُرجحات والله المُستعان ! .
    (2) أن يكون المتفرد من الحفاظ المُتقنين لكنه تبين وهمه أو خطؤه بتفرده فينبه على ذلك النقاد من حفاظ المحدثين لقرائن ظهرت لهم ، ومثل هذا دقيقٌ جداً في بابه ولا يكون إلا بسبر الحَديث وطُرقه ومعرفة مَخارجه فيتبين إن كان هذا الثقة أخطأ أو لا وإن لم يخطئ وكان تفرد بما لم يأتي الدليل على أنهُ وقع فيه الوهم والخطأ فذلك مقبول فكم من ثقة حافظ متقن تفرد برواية حديث ولم يُتابعه عليه أحد وكان أهل الحديث على تصحيحه وفي الصحيحين من هذا الضرب ، والعبرةُ أن التفرد ليس على إطلاقه نكارة بل يكون التفرد علة لقرائن وضوابط اعتبرها كثير من أهل الحديث .
    قَال الحافظ ابن رجب : (( وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد ، وإن لم يرو الثقات خلافه إنه لا يتابع عليه ، ويجعلون ذلك علة فيه ، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً ولهم في كل حديث نقد خاص ، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه )) وقولهُ هذا يشير إلي ما قُلنا في النقطة الثانية فتنبه لهُ واعلم أن المسألة دقيقة وليست مُطلقاً كما تزعمون.
    " إنما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار لقرائن ودلالات ظهرت لهم ، ولذلك فالإمام أحمد عندما سأله الأثرم كماسبق وقال عن زيد بن أنيسة :ان له أحاديث ان لم تكن غرائب فهي مناكير؟ قال:نعم. ممايدل علىأنه يفرق بين الغرابة والنكارة, وكلام ابن رجب رحمه الله كلام محقق مدقق مارس كلام المتقدمين وخبره .ولهذا أمثلة كثيرة ، ومن تأمل كتب العلل وكامل ابن عدي وجد من ذلك كثيراً ، فمن ذلك أحاديث أنكرها ابن عدي على إسماعيل بن أبي أويس رواها عن خاله مالك بن أنس وقال : لا يتابع عليها وإسماعيل ثقة مخرج له في الصحيحين وغيرهما " ، ولذلك فإن المسألة ليست كما تَنظر لها كَونك أخذت عن قليل من الناس فهم هذه الدعوى المُباركة.
    (3) أما الحالة الثالثة فقد أشار إليها الحافظ الذهبي في الموقظة (ص77) : (( إذا كان المتفرد من اصحاب الكتب المتأخرة بعد كتب السنة المشهورة فانه قلّ أن يتفرد بحديث صحيح بعد تلك الفترة كما ذكر )) وهذا مما لا يجب أن يغقله الإنسان وقد استدل المُعترض بكلام الشيخ الألباني وهو على الرأس والعين إلا أننا نُخالف الشيخ للقرائن المُتواجدة البينة أمامنا ! وإن كان الشيخ الألباني - رحمه الله - قد أبان إلي أن تفرد الصدوق عنده في عداد الحسن ! وهو عند الحافظ الذهبي والحُفاظ بل جُمهور المُتأخرين المُتفرد إن كان صدوقاً فإن حديثه مُنكر إلا أن تأتي قرينة تُثبت حفظهُ بأن يتابع على روايته ! وإلا فالدلائل والقرائن تُرجح نكارة تفرد الصدوق والثقة على ما بينا وهو ما عليه جُمهور المُتقدمين - والله أعلم - كما نظرنا في كلامهم وأقوالهم.
    وقد قال المُعترض - عفا الله عنه - : [ هلا اخبرتني من اين اتيت بهذه القرائن ؟ هل من كلام احد من اهل العلم ؟ ان كان قد قاله فاخبرنا اين قاله ؟ وهي على العين وعلى الرأس ؟وان كان من صنيع اهل العلم فاثبت لنا صحة قولك ! والله المستعان ] أهـ .
    قُلت : وهذه مُناكفة وليست مدارسة ! والله المستعان وكأن المعترض - عفا الله عنه - لهُ مِن العلم مالغيره ! فإننا نَقول ذلك بناءاً على صنيع الأئمة وليس فقط هذا قولي بل قول الحافظ ابن رجب ومن تأمل الحافظ ابن رجب - رضي الله عنه - في شرح علل الترمذي علم أننا نقول قولهُ كذا قول الحافظ الذهبي ولا يكون الأمر على الإطلاق في القبول والإعلال وأشرنا إلي القرائن التي لأجلها يعل حديث المُتفرد مِن الرواة ! إلا أن المعترض اعترض عليها بما لا يزيلها بل يزيدها قوةً ! فرمانا بالابتداع والله تعالى المستعان والحق أن المسألة بينةٌ لا خلاف فيها وقد أتينا من صنيع الأئمة المُتقدمين أهل الصنعة والعلم والرواية والدراية ما يثبت قولنا فكيف يُمكن حمله خلاف حمله الصحيح!.
    وقد اعترض علينا استدلالنا بقول الإمام البخاري على قوله : (( لا يتابع عليه )) والعبرة لم يفهمها المُعترض إنما بينا أن الأئمة المتقدمين - رحمهم الله - يعلون بالتفرد وهل كُل تفرد نكارة ! فيا عبد الله هونك ما هكذا تُورد الإبل وإنك والله في مسألة التفرد بين الصدوق والثقة لفي تخبطٍ شديد وتُريد أن تحمل كلامنا مالم يحتمله كذلك تُريد أن تحمل كلام الأئمة ما لا يحتمل فهونك .
    ولو تأمل المُتأمل كلام الأئمة المُتقدمين فإنهم لا يقولون بنقد الرواية بالنكارة فقط بل يصحب ذلك التعبير عنه بأنه حطأ ، أو لا أصل له ، أو باطل ، أو لم يتابع عليه ، ونحو ذلك ، فهذه ألفاظ لا يمكن صرفها إلى معنى لغوي ، فيحصل التناقض في معنى واحد،لمجرد أن النقاد عبروا عنه بألفاظ مختلفة من باب التنويع والتفنن .... يتبع باذن الله تعالى مُناقشة المعترض.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    التعقب المُتواني للمُعترضِ (3)
    والمُعترض - عفا الله عنه - ذكر مسألة وهو تَعريف الحاكم للشاذ واعتبارهُ للتفرد نكارةً فقد ذكرت هذا في معرض التعليق عليه فيما مضى ، والذي يجب الإشارة إليه أن المُعترض استدل بقول الحافظ ابن كثير في الباعث الحثيث : (( وأما إن كان الذي تفرد به عدل ضابط حافظ قُبِل شرعاً، ولا يقال له " منكر "، وإن قيل له ذلك لغةً )) وقد استدل المُعترض بقولٍ يَنصر ما ذهبنا إليه ويؤيد قَولنا بِحمد الله تعالى فقَال المُعترض - سامحه الله - : (( فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة . وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح )) أهـ.
    قُلت : وهذا جديرٌ بالنظر من كلام المُعترض - سامحه الله - فإن العَدل الثقة الضابط لحديثه يقبل ما انفرد به ولم يقدح الإنفراد بهِ ويُراد هُنا أن لا يأتي ما يقدح بتفرده كأن يروي حديثاً يُخالفهُ فيه الثقات فينفرد به عنهم عن ذلك الشيخ فيعد مُنكراً لتفرده بما لم يحتملهُ فكانوا أكثر وأحفظ وهذا الأمرُ فيما لو ظهر فيه خطأ الثقة ووهمه ! وإلا فالضابط للحديث الثقة الثبت حَديثهُ مقبولٌ بلا خلاف مالم يأتي دليلٌ ولم تأتِ قرينة على وقوع الغلط في روايته ، ثُم يشير قوله : (( وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفرداه خارماً له مزحزحاً له عن حيز الصحيح )) !! وعجباً للمُعترض كأنهُ لا يتأمل النصوص فينقلها دُون أن يقرأها ! وهذا مفادهُ ان ضعيف الحفظ أو خفيف الضبط الذي لا يوثق بإتقانه فإن ذلك يُزحزح حديثهُ عن حيز الصحيح والاحتجاج فيقول فيه الأئمة لتفرده برواية الحَديث منكرٌ وهذا بينٌ صريح فيما نقل المُعترض والحمد لله تعالى أن أبان عن قَولنا في مقاله التي كَتب ونقلهُ عَن ابن الصَلاح وفيما يلي التعليق على قَول الحافظ .
    أما ما نقلهُ المعترض عن ابن الصَلاح - رحمه الله ورضي عنه - فقد أجاد الشيخ الدُكتور ابراهيم اللاحم في التعليق على كلامهِ - رحمه الله - فقال الشيخ ابراهيم اللاحم : (( وكلام ابن الصلاح في تعريف الحديث ( الصحيح ) ( والحسن ) يدور حول ما ذكره هنا ، من أن حديث الراوي الثقة يصحح ، فإن خف ضبطه فهو الحديث الحسن ، وإن كان ضعيفا فهو الذي يضعف حديثه ) ،
    ومن المعلوم أن المصنفات في (مصطلح) الحديث بعد ابن الصلاح دارت في الغالب حول كتابه ، إما بالشرح أو الاختصار ، أو النظم ، فوافق ابن الصلاح على ما ذكرناه جمع غفير ممن ألف في مصطلح الحديث منذ عصره إلى وقتنا الحاضر .
    ويلاحظ أن الثلاثة ـ ابن حزم ، وابن القطان ، وابن الصلاح ـ لم يخف عليهم أن أئمة النقد ربما ردوا ما ينفرد به الثقة استنكارا له ، فأشار الثلاثة في معرض كلامهم إلى ذلك ، وأنهم لم يرتضوه .
    ولا شك أن مخالفته أئمة النقد في قضية من صميم قضايا النقد يترتب عليها قبول و رد ما لا يحصى من الأحاديث أمر ليس بالهين ، لا سيما لمن تصدى لجمع مصطلحاتهم وشرحها ، ولهذا سلك أئمة آخرون مسلكا آخر في موقفهم من كلام أئمة النقد وهو مسلك التأويل ، فلجأ هؤلاء إلى تفسير النكارة الواردة في كلام الأئمة الثقات بما لا يعارض تصحيحها وقبولها ، فالنكارة معناها حينئذ على ما هي عليه في أصل اللغة : التفرد ، فهو إذن وصفٌ كاشفٌ لحال الإسناد ، لا حكمٌ عليه فوصف الإسناد أو الحديث بأنه منكر إذا كان راويه ثقة معناه أن راويه تفرد به ، وهو مع ذلك صحيح .
    قال النووي تعليقا على كلام الإمام مسلم الذي شرح به معنى الحديث المنكر ( هذا الذي ذكر ـ رحمه الله ـ هو معنى المنكر عند المحدثين ـ يعني به المنكر المردود ، فإنهم يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث وهذا ليس بمنكر مردود ، إذا كان الثقة ضابطا متقنا ).
    وقال ابن كثير ( فإن كان الذي تفرد به عدل ضابط حافظ قبل شرعا ، ولا يقال له منكر ، وإن قيل له ذلك لغة ) واعتمد ابن حجر هذا كثيرا وخاصة في كلامه على الرواة ، وأما بعد ابن حجر فصار هذا كالأمر المسلم به ، لا يُناقش فيه
    )) ثُم قال الشَيخ مُعلقاًَ بكلامٍ نفيسٍ فقال :
    وقد يبدو لأول وهلة أن المسلك الثاني هو الأسلم ، لآن فيه تأويلا لكلام النقاد لا ردا له وعند التأمل فإن المسلك الأول أسلم بلا شك فهو نظر في كلام المتقدمين وتقرير له على حقيقته ثم مخالفته باجتهاد أخطأ أو أصاب ، واما المسلك الثاني فهو تقييد لكلام النقاد وقصر له على على بعض أفراده ، مع أن نصوصهم وأقوالهم تأباه ، وذلك لأمور :
    (1) أن جعل النكارة في كلام النقاد على معنيين اصطلاحي بمعنى التضعيف والرد ، ولغوي بمعنى التفرد ـ بعيد جدا ، فكلامهم محمول على الاصطلاح ، والتفريق يحتاج إلى دليل قوي ، كيف والدليل يدل على نقيضه ؟! فإن كلامهم على تفرد الثقة واستنكاره يصحبه في الغالب ما يشير إلى المراد ، وهو رده وتضعيفه ، كما في الأمثلة السابقة من المبحث الأول ، إذ قد يسميه وهما أو خطأ أو يقول لا أصل له ، ونحو ذلك .والمتأمل في إطلاقهم لفظ (النكارة) وما تصرف منه مثل : حديث منكر و أحاديث مناكير واستنكر عليه و وأنكرت من حديثه وكان فلان ينكر عليه حديث كذا وذكرت له الحديث الفلاني فأنكره ونحو ذلك .. يدرك المقصود بها التضعيف والرد .
    ثم إن تمييز نوع النكارة في نصوص النقاد على قولهم هذا كيف يمكن ضبطه ؟! إن رجع المر إلى درجة الراوي لم يكن للتفرد حينئذ كبير معنى ، ونصوصهم تدل على أن في هذا النوع من النقد يدور عليه ، على ان ربطه بدرجة الراوي يجعل الأمر مضطربا ، فإن الراوي متى كان فيه توثيق معتبر أمكن أن يذهب ذاهب إلى تفسير النكارة في حديث استنكر عليه بأن المقصود بها التفرد لا التضعيف ، وجوابهم عن هذا سيكون ضعفه ظاهرا .
    (2) ان النقد بالتفرد لم يقتصر على لفظ ( النكارة ) فقد استعملوا فيه مصطلحات أخرى كثيرة ، كالتعبير عنه بأنه حطأ ، أو لا أصل له ، أو باطل ، أو لم يتابع عليه ، ونحو ذلك ، فهذه ألفاظ لا يمكن صرفها إلى معنى لغوي ، فيحصل التناقض في معنى واحد،لمجرد أن النقاد عبروا عنه بألفاظ مختلفة من باب التنويع والتفنن .
    (3) أطلق النقاد كثيرا على حديث الثقة إذا تفرد وخالف غيره من الثقات بأنه منكر ، كما تقدمت الإشارة إليه ، فما المانع أن يذهب من يرى قبول زيادة الثقة مطلقا إلى تفسير النكارة ههنا بالمعنى اللغوي فإنه موجود فيها ، فيسقط بهذا التضعيف بالمخالفة ؟! ، وما كان جوابا عنه فهو أيضا جواب عن حمل الاستنكار في التفرد دون مخالفة على المعنى اللغوي .
    قَال الشَيخ ماهر بن ياسين الفحل في تَعليقه على مُقدمة ابن الصَلاح : (( فالتفرد إذن من المسائل الخطيرة المهمّة وأغمضها إذ تتميز بدورها الفعّال في إلقاء الضوء على ما يكمن في أعماق الرواية من علّة ووهم، ولأهمية التفرد في النقد والتعليل نجد المحدّثين قد أفردوا هذا النوع بالتصنيف بمؤلفات خاصّة. فالتفرد لا يأخذ ضابطاً لردِّ روايات الثقات بل له أحوال مختلفة حتى رواية الضعيف لا يردّ ما ينفرد به مطلقاً، بل الجهابذة الفهماء من الأولين يستخرجون منه ما صحّ من حديثه وقد روى الشيخان عمّن في حفظه شيء لما علما أنّ هذا من صحيح حديث الراوي ومثل هذا لا يستطيعه كلُّ أحد. والتفرد إذا كان بالطبقات المتقدّمة كطبقة الصحابة فإنه لا يضرّ، وكذلك الحال في طبقة كبار التابعين، وذلك إذا كَانَ المتفرد عدلاً ضابطاً، أما إذا كان التفرد في الطبقات المتأخّرة التي من شأنها التعدد والشهرة لا سيما إذا كان عن الرواة المكثرين الذين يكثر تلامذتهم وينقل أحاديثهم جماعة، فذلك أمر يأخذه النقاد بعين الاعتبار فينظرون علاقة المتفرد بالراوي الذي تفرّد عنه، وكيف كانت ملازمته له، وكيف كان يتلقى منه الأحاديث عموماً، وهذا الحديث الذي تفرد به خصوصاً، وحالة ضبطه لما يرويه عامّة وهذا الحديث خاصة ثم الحكم عليه بعد ذلك بحسب مقتضى نظرهم، ولم يكونوا يطلقون فيه حكماً مطرّداً بالقبول إذا كان ثقة أو بالردّ إذا كان ضعيفاً، وإنّما يخضع حكمهم عليه لمنهج علمي دقيق يطبقه حذاق النقاد أصحاب البصيرة والخبرة التامّة بصناعة الحديث؛ وذلك لأنّ الثقة يختلف حاله في الضبط باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يطرأ في كيفية التلقي للأحاديث، أو لعدم توافر الوسائل التي تمكّنه من ضبط ما سمعه من بعض شيوخه. (وانظر: أثر علل الحديث ص 131 - 137) )) أهـ ، فلو أراد المُعترض أن يأتي بشيءٍ فحبذا لو أبان عَن بينة وحُجة وبرهان في تتبعنا في مسألة كهذه وهي من أهم المسائل وأحلكها.
    وكفى بذلك إن شاء الله حُجة وبياناً للفاهمِ الحذق ، وقد أبنا عن مسألة الاعتبار بأن قولهم مُنكر يريد بذلك النكارة لغوياً بكلام الشيخ اللاحم - وفقه الله - أما وإن قال المعترض أن كلامهم ليس بحجة فإن المُطالب به هو إثبات خلاف القول بحُجة تُنزل من اعتبار حُجتهم في هذا الباب والذي نَرومه إن شاء الله الحق وصلي اللهم وسلم على الحبيب مُحمد وعلى آله وصحبه وسلم .



  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    للرفع .. لا إله إلا الله ..

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    للرفع .. لا إله إلا الله ..

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    للرفع .. لا إله إلا الله ..

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    للرفع .. لا إله إلا الله ..

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    فائدةٌ في نقض دعوى المُعترض أن عمل أبو داود السجستاني - رضي الله عنه - على خِلاف ما قال في رسالته لأهل مكة كما أسلفنا في نقل كلام أبي داود - رضي الله عنه -.
    قَال في حَديث إنفرد به الإمام مالك - رضوان الله عليه - عن عروة وعمرة في السنن عق الحَديث (2468) : ((
    ولم يتابع أحد مالك على عروة عن عمرة )) ونحا نحو الإمام أبو داود الترمذي - رضي الله عن الجميع - ، فقد قامت القرينة على أن مالكاً - رضي الله عنه - حَدث بالحَديث فذكر فيه عَمرة والحُفاظ دُون ذكر عمرة فتَبين على جلالته وعلمه وإتقانه وحفظه وضبطه - رضي الله عنه - أن الأكثر لهم الصواب في الرواية دُون ذكر عمرة في حديث الزهري - رضي الله عنهم - .
    والله أعلم.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    للرفع .. لا إله إلا الله ..

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    701

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    نفع الله بكم وزادكم من فضله ووفقكم لكل خير
    مجموعة من كتبي وقف لله يحق لكل مسلم طبعها ، شريطة التقيد بالنص
    http://www.saaid.net/book/search.php...C7%E1%DD%CD%E1

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    شَيخنا المحدث اللبيب الأريب / ماهر بن ياسين الفحل - حفظه الله - .
    بارك الله في عمركم وعملكم وأحسن إليكم وأمدكم الله بالعافية والبركة والصحة وزادنا وإياكم بسطة في هذا العلم .
    تلميذكم ومحبكم /
    أبو الزهرء بن أحمد آل أبو عودة الغزي الأثري

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    للرفع .. لا إله إلا الله ..

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    للرفع .. لا إله إلا الله ..

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    454

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    الأخ أبو زرعة وفقه الله :
    إني أحبك في الله وقد أعجبني فيك حسن أدبك ، لكن الحق أحب إلى قلوبنا من كل أحد .
    وانطلاقا من محبتي لك ، فقد أحببت أن أناقشك في هذا الموضوع الحساس جدا بغية الوصول فيه إلى الحق .
    ونظرا لأهمية هذا الموضوع وخطره وتعلقه بالسنة النبوية ، بل وبالشريعة الإسلامية التي أكثرها آحاد وأفراد .
    ونظرا لما وقع فيه البعض عن حسن نية في التشكيك في كثير من السنن أو التوقف فيها ، بدعوى أن عامتها أفراد ،
    ونظرا لما فتح البعضُ المجال في الطعن في كثير من السنن الصحيحة ، بل وحتى في الصحيحين بنفس هذه الدعوى ، ....
    كل هذا وغيره جعلني أجمع مبحثا حول مسألة تفرد الثقة "، ذكرت فيه من الدلائل والبراهين على وجوب قبول خبر الواحد الأمين، ما لم يكن حديثه شاذا أو معللا .
    بل إن الشذوذ والعلة لا يختصان بالواحد فقط ، بل قد يروي جماعة ثقات حديثا ويكون معلولا إذا خالفهم من هم أكثر منهم عددا وضبطا .
    وقد جمعته من ضمن مبحث لي طويل جدا في مسألة :" العلة وزيادة الثقة "، وهو عندي مكتوب في أوراقي، لا في جهازي .
    وقد هممت بنشر البحث ، لكني وجدت أن أخي أبو زرعة وفقني الله وإياه للحق قد كتب هذا الموضوع، وقد كتب فيه كثير من المتأخرين، وقد تأملت جدا فيما كتبوه، ثم فيما كتبت يا أخي، لعلّي أجد ما ينقض اتفاق السلف على وجوب قبول تفرد الثقات، وكان حاصل جمعهم وتدليلاتهم وتمثيلاتهم هو الوصول إلى أن الأصل هو التوقف في خبر الآحاد وتفرد الثقة حتى تأتي القرائن على حفظه .
    وهذا القول أخي في الله ، محدث في دين الله، مخالف لمنهج أصحاب رسول الله، ألا ترى أنهم كانوا يعملون بالآحاد حتى في الأمور العظام ، فهذا النبي عليه السلام واحد قامت به الحجة ، وكذلك كان عمله على قبول تفرد الواحد، بل كان يبعث آحاد الصحابة إلى القبائل ويقيم عليهم الحجج بذلك، وكان يرسل في الناس آحاد أصحابه بأمور الحلال والحرام والتعبدات ، ويعملون بها مباشرة ، وحتى في أمر قد يبدو مخالفا لما ألِفُوه، ألا تراهم أنهم جميعا قد غيروا القبلة لخبر واحد ، ولم يقل أحد منهم بأن فلانا تفرد به ، ولم يثبت عن أحد منهم أنه توقف في خبر صاحبه ، اللهم إلا أن يراه مخالفا لما يعتقده أو لما سمعه من أحاديث معارضة له ، حين ذلك يتوقف ويستثبت في أمره كما فعل النبي عليه السلام سواءا مع ذي اليدين لمّا قال له : بل نسيت، صليت ركعتين ، فرده عليه السلام بقوله :" لم أنس ولم تقصر"، لأنه عليه السلام في اعتقاده كان يرى بأنه أكمل الصلاة ، وكان الآخر يرى بأنه لم يكملها، فتعارض الاعتقادان ، فطلب النبي عليه السلام المرجح الخارجي، فشهد آخر ثم آخر مع ذي اليدين، عندها عمل النبي عليه السلام برواية الأكثر معلما إيانا هذا المنهج الرباني .
    وهذا ما سماه أهل الحديث بعده بمعرفة : الشذوذ أو العلة ..
    وعليه فإن الأصل هو قبول رواية الثقة ما لم يكون حديثه شاذا أو معللا كما هو معروف في تفسير السلف للحديث الصحيح .

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    الأخ الحبيب اللبيب الغالي / زياني - نفع الله بك - .
    أسأل الله تعالى أن يبارك لنا ولكم وأن ينفعنا وينفعكم وأن يزيدنا في هذا العلم الجليل بسطة ، وأسألهُ أن يرزقنا ملكةً ما كانت لأحدٍ من العالمين وأن نَكون من خدام الكِتاب العَظيم والسنة النبوية الشَريفة ، بَارك الله فيك وأحسن إليك أدبك الجَم ووصفكَ لنا بما ليس فينا وإن الحق بلا خِلاف لأحب إلينا من أنفسنا وآبائنا وإنا لنعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال ، جَعلنا الله وإياكم مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه أخي الحبيب زياني.
    تَقول - نفع الله بك - : [ ونظرا لأهمية هذا الموضوع وخطره وتعلقه بالسنة النبوية ، بل وبالشريعة الإسلامية التي أكثرها آحاد وأفراد ، ونظرا لما وقع فيه البعض عن حسن نية في التشكيك في كثير من السنن أو التوقف فيها ، بدعوى أن عامتها أفراد ، ونظرا لما فتح البعضُ المجال في الطعن في كثير من السنن الصحيحة ، بل وحتى في الصحيحين بنفس هذه الدعوى ].
    وفي هذا الكَلام عِدة نقاطٍ أحب أن أنبه عليه - نفع الله بك - وهي كالتالي :
    (1) القَول بأن أكثر الشَريعة الاسلامية آحاد وأفراد ؟! فهذا فيه نظر إذ أين البينة على هذه الدعوى ؟.
    (2) أما مَن تكلم في مسألة تفرد الثقة والصدوق فلم يُطلق عُموم الرد على كُل ما تفرد به الثقة أو كل ما تفرد به الصدوق واعلم أن النَكارة في تفرداتهم نسبية ، فالثقة الحافظ المتقن الضابط المبرز يُقبل منه ما انفرد به كالزهري وشعبة ومالك ومَن هو في طبقتهم ، وقد تُحيط القرينة على وقوع الخطأ من أحدٍ منهم إذ أن الخطأ ممكنٌ على الثقة بل على جهابذة الثقات فلا يصح أن نقول أنهم معصومون عن الخطأ ، فكما أن الخطأ واردٌ على الثقة فالصدوق واردٌ عليه وإن كانت مسألة التفرد والنكارة في مفاريده أولى من الثقة فقد يغلب عليه أنه تحمل رواية الحَديث إن أحاطت القرينة بذلك ومَفادُ النقطة الثانية .
    أن الثقة الضابط يقبل منه ما انفرد به مُطلقاً ، وقد يخطئ وإن أحاطت القرينة على وقوع الخطأ في روايته وتَفرده بأن خالف أصحاب الشَيخ الثقة الذي حدث عنه فإنها من القرآئن التي تُحيط بالرواية ودلالةٌ على وقوع الخطا ، بل قد يقع الوهم في حديثه فيزيدُ لفظةً غَير ما ورد عَن أصحاب الشَيخ الملازمين لهُ وذلك يعتبر فيه في مسألة التفرد عند الثقة إذ أن تفردهُ ليس مردوداً مطلقاً بل لأهل الحَديث المتقدمين - رضي الله عنهم - نظرٌ خاص في مفاريد الرواة والثقات على وجه الخصوص وفي الغالب هم يقبلونها ولا يردونها إلا أن تُحيط القرينة على وقوع الوهم أو الغلط في روايته ، كذا الصدوق فإن أتت قرينة تدل على انه احتمل تفرده بأن يوافقه عليه الثقات أو أن يتابع عليه من قبل الثقات أصحاب الضبط فذلك يشير إلي أن الصدوق قد احتمل تفرده وهو كما قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء : ((
    وتفرد الصدوق عندهم منكر )).
    (3) ان القول بأن كثيراً ممن تكلم في مسألة التفرد رد كثيراً من تفردات الثقات في الصَحيح فهذا خطأ إذ أن مَن روى حَديث إنما الأعمال بالنيات وهو حديثٌ جاز القنطر قد تفرد بروايته وهو عند أهل الحديث فردٌ مُطلق الحَديث على كَون الإمام أحمد قال في التميمي عنده مناكير إلا أن الحَديث له أصلٌ فاعتبر بهِ ولم ينتقده أحدٌ من أهل الحديث قديماً أو حديثاً !.
    قُلتَ - نفع الله بك - : [ كل هذا وغيره جعلني أجمع مبحثا حول مسألة تفرد الثقة "، ذكرت فيه من الدلائل والبراهين على وجوب قبول خبر الواحد الأمين، ما لم يكن حديثه شاذا أو معللا ] أهـ.
    أيها الحَبيب الغَالي هل تَرى مَن تَكلم بمسألة التَفرد قَال بوجوب رد التَفرد مُطلقا ؟! بل إنكَ لا تَجد خِلافاً عند أهل الحَديث المتقدمين والمُتأخرين أن تفرد الثقة المبرز الضابط في الحَديث لا شك في قبوله وأنه صحيح إلا أن تأتي القرينة على وقوع الوهم أو الخطأ في روايته لهذا الخَبر فيَحكم أهل الحَديث فيه بالنكارة ، ولهم في كُل حديث نقدٌ خاص ونظرٌ خاص يَدل على سعة اطلاعهم وقوة حفظهم ومتانة أدلتهم - رضي الله عنهم - فيقولون لا يشبه حديث فلان ، وحديثه يشبه حديث فلان ، ويقولون في الوهم : (( هذا غلط )) ، (( هذا منكر )) ويُعللون أحاديث الشيوخ بالثقات الأجلاء وأصحاب الشَيخ الذي حدث عنه هذا الشَيخ الصدوق أو الثقة إن وقع الوهم وخالف فيه أصحاب الثقة . والله أعلم .
    قُلتَ - وفقك الله - : [ لعلّي أجد ما ينقض اتفاق السلف على وجوب قبول تفرد الثقات، وكان حاصل جمعهم وتدليلاتهم وتمثيلاتهم هو الوصول إلى أن الأصل هو التوقف في خبر الآحاد وتفرد الثقة حتى تأتي القرائن على حفظه ] أهـ.
    أرجوا أن يبصر بحثكم النُور ونراهُ ونستفيد منه إن شاء الله ، وأما مسألة قبول التفرد مُطلقاً دُون قيدٍ بل إطلاقاً لم يكن عند أئمة الحَديث الأوائل ! بل كَان الثقة الضابط المبرز يقبل ما ينفرد به بلا خلاف وإن كان خَالف أو وقع في حديثه وهم أو غلط فإنهم قد يعللونه بالشذوذ أو بالنكارة وليس لهم فيه قاعدةٌ مُطردة ، وأما خبر الآحاد فلم نَجد أحداً ممن قرأنا لهم أو رأينا كَلاماً لهم في هذا الباب يُريد التوقف في خبر الآحاد مُطلقاً ! بل يقرر الكثيرون بأن الثقة الضابط مقبول الحديث مالم يأتي ما يدلل على وقوع الخطأ منه وأما الثقة خِلافاً للثقة الضابط المبرز فامكانية الخطأ في الأول وإن كانت قليلة إلا أنها أغلبُ من الثاني ويقع الخطأ والوهم في حديثه وإن كان على القليل فإنه مُقارنة بالثقة المبرز الضابط الذي لا يخرج منه الخطأ إلا نادراً ولا تكاد تجده يخطئ أو يهم إلا في حديث أو حديثين أو ثلاثة فالثقة خِلاف الثقة المبرز الضابط أيها الحبيب ، كذا الصدوق وهو أولى من الثقة في مسألة النكارة في التفرد لكثرة الوهم والغلط في حديثه وربما المخالفة . والله أعلم.
    قُلت - نفع الله بك - : [ وهذا القول أخي في الله ، محدث في دين الله، مخالف لمنهج أصحاب رسول الله، ألا ترى أنهم كانوا يعملون بالآحاد حتى في الأمور العظام ، فهذا النبي عليه السلام واحد قامت به الحجة ، وكذلك كان عمله على قبول تفرد الواحد، بل كان يبعث آحاد الصحابة إلى القبائل ويقيم عليهم الحجج بذلك، وكان يرسل في الناس آحاد أصحابه بأمور الحلال والحرام والتعبدات ، ويعملون بها مباشرة ، وحتى في أمر قد يبدو مخالفا لما ألِفُوه، ألا تراهم أنهم جميعا قد غيروا القبلة لخبر واحد ، ولم يقل أحد منهم بأن فلانا تفرد به ، ولم يثبت عن أحد منهم أنه توقف في خبر صاحبه ، اللهم إلا أن يراه مخالفا لما يعتقده أو لما سمعه من أحاديث معارضة له ، حين ذلك يتوقف ويستثبت في أمره كما فعل النبي عليه السلام سواءا مع ذي اليدين لمّا قال له : بل نسيت، صليت ركعتين ، فرده عليه السلام بقوله :" لم أنس ولم تقصر"، لأنه عليه السلام في اعتقاده كان يرى بأنه أكمل الصلاة ، وكان الآخر يرى بأنه لم يكملها، فتعارض الاعتقادان ، فطلب النبي عليه السلام المرجح الخارجي، فشهد آخر ثم آخر مع ذي اليدين، عندها عمل النبي عليه السلام برواية الأكثر معلما إيانا هذا المنهج الرباني ].
    (1) ما كان هذا الأمر وليد اللحظة أو وليد الفكرة أو مِن بناة أفكار أحدٍ من العالمين ، بل كان موجودا ومسطوراً في كُتب العلل والرجال كعلل ابن أبي حاتم وعلل ابن المديني وعلل الإمام أحمد بن حنبل وكُتب المسانيد المعللة كذا المُعجم الأوسط للطبراني وفيه من الأفراد والغرائب الشيء الكثير ، كذا تهذيب الآثار للإمام الطبراني والذي علل فيه كثيراً من الأخبار بتفردٍ كذا التمييز للإمام مُسلم - رحمه الله - فقد أعل أحاديثاً فيه بتفردات للثقات أحاطت القرينة والبينة على وقوع الخطأ في حديثهم أو وهمهم فيه فرجع حديث الأغلبية وليس لهم فيه قاعدةٌ مُطردة ! .
    (2) الاعتقاد بأن مَن تَكلم في تفرد الثقة أراد بذلك رد الآحاد من السنة فذلك فيه نظر بل والله سوء ظنٍ لا اعتبار به أخي الحبيب الغالي زياني - نفع الله بك - ولست أقول أنكَ منهم حاشاك أيها الودود ، ولكنهُ الحق أن المسألة ليست فيها انكاراً كاملاً لمفاريد الثقات بل إن قبولها من الثقات الضابطين أمر لا خلاف فيه وأما الشيوخ فإن الغلط والوهم في حديثه ممكن وهم على وثقاتهم والاحتجاج بحديثهم إلا أنه لابد أن يتابع عليه من قبل ثقة أو عدد من الثقات وإلا فإن تفرده يُدخل في قلب أئمة النقد كشعبة وأحمد وأبي حاتم الشك والريبة كذا ابن مهدي ولذلك فإن القول بأنه رد لأخبار الثقات مُطلقا وتفرداهم فذلك فيه نظر ولا يصح بل لا نعلم أحدا يقول برد مفاريد الثقات مُطلقاً أبداً .
    (3) أخي الحَبيب مَن مثل الصَحب الكِرام بالضبط والحفظ والعدالة والإمامة والفهمِ والإتقان ! لا أحدٌ في العالمين واختبار الصحب الكِرام للدلالة على أننا عياذاً بالله ننكر خبر الآحاد فذلك لا يستقيم البتة لأنهم من أئمة الدين وحملة السنة وأعمدة هذا العلم - وفقني الله وإياك للخير - وليس الأمر بهذا القياس أبداً ، ألم تُخالف سيدة نساء العالمين أمي - روحي لها فداء -كثيراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن النَقد والتَحري أمرٌ لابد منهُ كذا كان السَعي الحثيث لحفظ السنة النبوية فكان الفاروق عمر لا يقبل خبراً إلا أن يوافقه عليه عدد أو واحد وليس طعناً في إمامته وضبطه بل حرصاً على السنة النبوية الشريفة الكريمة ، فلا هو رد خبره ولا هو أنكره ولا توقف فيه بل سأل أوافق فُلانا أحداً فلما رآهم يؤيدونه على أنه سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم أخذ به والعبرة بأنهم ما كانوا ينكرون التفردات ولا كانوا يردونها مطلقاً وليس في العالمين أحدا يرد خبر الآحاد ولا نجد من مشيختنا من قال بذلك فتنبه .
    والمسألة في النهاية كالتالي أما العلة وهي من أدق عُلوم العلل وأشدها غموضاً لا يرزق المَلكة فيها إلا من أراد الله به خيراً وما أقل عُلماء العلل وأئمتهم والفاهمين لها والعلةُ سبب خفي يقدح في صحة الحديث مع أن ظاهره السلامة منها والنكارة والشذوذ وزيادة الثقة فلسنا نعلم أحدا من أئمة المُتقدمين ولا أقطابهم سار على قاعدة مطردةٍ في هذه المسألة والنَكارة والشذوذ عند المُتقدمين وزيادة الثقة لا تَكاد تختلف في المَدلول والمعنى والمسألة مسطورة في كُتب العلل ولو أنك أيها الحبيب الغالي أمعنت النظر بالكُتب التي ألفت في هذا الباب وقرأتها لوجدت ما نقول . والله المُستعان.


  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    454

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    بارك الله فيك :
    لما قلت أنا : بأن أكثر الشَريعة الاسلامية آحاد وأفراد ؟! قلت أنت : " فهذا فيه نظر إذ أين البينة على هذه الدعوى ". وقد أجبتك وأعيد لك فتأمل:
    " ألا ترى أنهم كانوا يعملون بالآحاد حتى في الأمور العظام ، فهذا النبي عليه السلام واحد فقط وقد قامت به الحجة ، وكذلك كان هديه كله على قبول تفرد الواحد ، بل كان يبعث آحاد الصحابة إلى القبائل ويقيم عليهم الحجج بذلك، وكان يرسل في الناس آحاد أصحابه بأمور الحلال والحرام والتعبدات ، ويعملون بها مباشرة ، وحتى في أمر قد يبدو مخالفا لما ألِفُوه، ألا تراهم أنهم جميعا قد غيروا القبلة لخبر واحد ، ولم يقل أحد منهم بأن فلانا تفرد به ، ولم يثبت عن أحد منهم أنه توقف في خبر صاحبه ، اللهم إلا أن يراه مخالفا لما يعتقده أو لما سمعه من أحاديث معارضة له ، حين ذلك يتوقف ويستثبت في أمره كما فعل النبي عليه السلام سواءا مع ذي اليدين لمّا قال له : بل نسيت، صليت ركعتين ، فرده عليه السلام بقوله :" لم أنس ولم تقصر"، لأنه عليه السلام في اعتقاده كان يرى بأنه أكمل الصلاة ، وكان الآخر يرى بأنه لم يكملها، فتعارض الاعتقادان ، فطلب النبي عليه السلام المرجح الخارجي، فشهد آخر ثم آخر مع ذي اليدين، عندها عمل النبي عليه السلام برواية الأكثر معلما إيانا هذا المنهج الرباني "،
    وراجع كتب السلف كالإحكام لابن حزم ورسالة الشافعي في ذلك وغيرهما، فإنهم ذكروا الأدلة الكثيرة على ذلك، ولو شئت أن أذكر لك المئات من الأدلة على هذا الأصل السني الرفيع.

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    454

    افتراضي رد: تَفرد الثقة والصَدوق بالحَديث [ بحثٌ مُختصر ] ...

    قولك :" أن الثقة الضابط يقبل منه ما انفرد به مُطلقاً ، وقد يخطئ وإن أحاطت القرينة على وقوع الخطأ في روايته وتَفرده بأن خالف أصحاب الشَيخ الثقة الذي حدث عنه فإنها من القرآئن التي تُحيط بالرواية ودلالةٌ على وقوع الخطا ،
    أقول: جزاك الله خيرا، فإن هذا ما أردت الوصول إليه، وأن الأصل هو قبول تفرد الثقة إلا أن يُطلع على حديثه علة أو شذوذ .
    وأما من قرأت لهم فهم يقولون: أن الأصل هو التوقف في التفرد إلا أن تقوم قرينة على صحة حديثه، وهذا مذهب رديء محدث مخالف لمذهب السلف ,
    ثم تراجعت وقلت بما قال به السلف :" فقد أعل الحفاظ أحاديثاً بتفردات للثقات أحاطت القرينة والبينة على وقوع الخطأ في حديثهم أو وهمهم فيه فرجع حديث الأغلبية "،
    وأقول لك : نعم هذا هو الأصل ومذهب السلف فشد عليه، لأن الأصل هو قبول تفردات الثقات إلا أن يطلع على علة أو مخالفة أو وهم في حديثهم وهذا أمر أجمع عليه قاطبة أهل السنة .
    لكنك سرعان ما تراجعت ونسبت هذا المذهب إلى السلف فقلت :
    " ما كان هذا الأمر – يعني تفرد الثقة - وليد اللحظة أو وليد الفكرة أو مِن بناة أفكار أحدٍ من العالمين ، بل كان موجودا ومسطوراً في كُتب العلل والرجال كعلل ابن أبي حاتم وعلل ابن المديني ....
    بل العجب انك لوحت برد ما تفرد به الصحابة فقلت :" فكان الفاروق عمر لا يقبل خبراً إلا أن يوافقه عليه عدد أو واحد وليس طعناً في إمامته وضبطه بل حرصاً على السنة النبوية الشريفة الكريمة ، فلا هو رد خبره ولا هو أنكره ولا توقف فيه بل سأل أوافق فُلانا أحداً فلما رآهم يؤيدونه على أنه سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم أخذ به ..."،
    فإن ظاهر كلامك أن الأصل هو رد أحاديث الثقات ،
    وأقول لك : لقد ردّ أهل السنة كثيرا على هذه الاستدلالات التي يذكرها الجهمية والمعتزلة في توقف بعض الصحابة، وبينوا بالدلائل أن عمر وغيره من الصحابة وأهل السنة كان الأصل فيهم قبول ما يتفرد به الثقات ما لم تكن المخالفة ، وهو نفس الشيء الذي حدث لعمر مع غيره، حيث روى الصحابي الآخر شيئا خالف بعض ما رآه وسمعه عمر من النبي عليه السلام فاعتقد بأن الآخر وهم كما مثلت لك بقصة ذي اليدين فتأمل .
    وقد ذكر أهل السنة عن عمر وعائشة وغيرهما قبول التفردات عن غيرهم إذا لم يروهم خالفوا شيئا .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •