بسم الله وبعد :
فقد كنت أدرجت هذا البحث ضمن مبحث :" ترجمة الإمام نعيم بن حماد"، من المطلب الخامس: ذكر أبرز الأحاديث التي وهموه فيها والقول فيها "،على هذا الرابط http://majles.alukah.net/t121230/ ثم بدا لي أن أفصله عنه، ليكون هذا المطلب مبحثا مستقلا والله ولي التوفيق .
وقد حاولت جمع أكبر عدد ممكن من الأحاديث التي انتقدها بعض الأئمة على نعيم ، - وقد ذكر أبو داود بأن له عشرون حديثا منكرا -، وقد جمعت ما ذكروه منها ، وذكرت وجهها والصواب فيها، وما كان فيه من حديث صحيح القول فيه لنعيم كتبته بالتعريف :" الحديث الأول ... وهكذا"،
وما كان من حديث غير محفوظ أخطأ فيه نعيم كتبته منكّرا هكذا : حديث ...
وما شككت فيه ولم يتبين لي صوابه كتبته باللفظين معا :" حديث أو الحديث الأول وهكذا "، وبالله التوفيق :
المطلب الخامس : ذكر أبرز الأحاديث التي وهموه فيها والقول فيها :
الحديث الأول : نعيم بن حماد كنت مع سفيان ابن عيينة في طريق فرأى شيئا فأنكره فالتفت إلينا فقال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، وسيأتي على الناس زمان، من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا»، قال النسائي: هذا حديث منكر رواه نعيم بن حماد وليس بثقة "، وقال ابن عدي :" لا أعلم رواه عن ابن عيينة، غيره ".
لكن قد بين الإمام نعيم صحة ما رواه وأثبته وأكد عليه وقال: كنت مع سفيان ... وقال مرة أخرى :" هذا حديث ينكرونه، وإنما كنت مع بن عيينة فمر بشيء فأنكره ثم، حدثني بهذا الحديث "، ومن المعلوم أن الرجل إذا ذكر قصة أو شيا من هذا القبيل فإنه يدل على مزيد ضبطه، ولو أنه تفرد به ،
كيف ولهذا الحديث شواهد أخرى :
فقد قال الترمذي :" وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد "، وله شاهد مرسل :
فقال ابن حجر في الأمالي المطلقة (146) :" هذا حديث حسن غريب ، قال الطبراني لم يروه عن أبي الزناد إلا سفيان تفرد به نعيم بن حماد، وأخرجه الترمذي عن إبراهيم بن يعقوب عن نعيم بن حماد وحسنه ، فوقع لنا بدلا عاليا ".
قال: وقرأت بخط الذهبي أن هذا الحديث لا أصل له ولا شاهد، تفرد به نعيم وهو منكر الحديث على إمامته "،
قال ابن حجر متعقبا :" نعيم من شيوخ البخاري ولم يطعن فيه أحد بحجة وقد أثنى عليه أحمد وابن معين، ووجدت لحديثه هذا شاهدا مرسلا رجاله غير رجال الأول ".
ثم خرجه من طريق أبي أحمد الفراء بانتخاب مسلم عليه قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا سفيان هو الثوري عن ليث هو ابن أبي سليم عن معروف الموصلي عن الحسن البصري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه .
الحديث الثاني : نعيم بن حماد ثنا عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة [ أعظمها على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم ويحلون الحرام ويحرمون الحلال] "، ضعفه بعضهم بحريز ، وقيل بنعيم، حتى قال الدولابي : وضعه نعيم، وقال محمد بن علي المروزي سألت يحيى بن معين عنه فقال: ليس له أصل، قلت، فنعيم ؟ قال: ثقة، قلت: كيف يحدث ثقة بباطل ؟ قال: شُبّه له "، وقال أبو زرعة الدمشقي : قال دحيم : هذا حديث صفوان بن عمرو حديث معاوية"، قال أبو زرعة: وقلت لابن معين في حديث نعيم هذا، فأنكره، قلت: من أين يؤتى ؟ قال: شبه له ".
لكن قال الخطيب :" قال الخطيب: وافق نعيما عليه: عبد الله بن جعفر الرقي وسويد بن سعيد، ويروى عن عمرو بن عيسى بن يونس كلهم عن عيسى"،
وقد زعم بعضهم أن بعض هؤلاء سرقوه من نعيم وليس كذلك لأنهم غير متهمين جميعا، بل فيهم الثقات وفيهم من هو مختلف فيه كسويد ولا يصح عنه ما نسبه إليه ابن عدي من اتهام بسرقة الحديث :
وقد قال الحافظ الحنائي في فوائده (114) :" كان يقال تفرد به نعيم بن حماد عن عيسى بن يونس، ثم وجدنا سويد بن سعيد الأنباري قد تابعه على ذلك فرواه أيضا عن عيسى بن يونس وتابعهما على ذلك أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب عن عيسى رواه أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر المنكدري عن أبي عبد الله ، وقد روي عن عوف بن مالك الأشجعي من غير هذا الوجه والله أعلم"، ولذلك صححه الحاكم (4/477) .
وقال شيخ الإسلام متعقبا ابن عدي :" فهذا القدر الذي ذكر لا يوجب تركه قدحا في الحديث إذا رواه عدة من الثقات، وروته طائفة عن نعيم عن عيسى وطائفة عنه عن ابن المبارك عن عيسى وهذا القدر قد يحتج به من لا يرى الحديث محفوظا، وقد يجيب عنه من يحتج له بأن هذا من إتقان نعيم فإنه كان قد سمعه من ابن المبارك ، ثم سمعه من عيسى فرغبته في علو الإسناد بتحمله على الرواية عن عيسى ورغبته في التحمل بابن المبارك تحمله على الرواية عنه وفي الجملة فإسناده في الظاهر جيد إلا أن يكون قد اطلع فيه على علة خفية ومعناه شبيه بالواقع ..."، ثم ذكر شواهده .
وقال المعلمي : هذا الحديث أشد ما أنكر على نعيم أنكره ابن معين ووثق نعيما وقال: «شُبِّه له» ... وقد تابع نعيماً على روايته عن عيسى بن يونس جماعة منهم ثلاثة أقوياء سويد بن سعيد الحدثاني، وعبد الله بن جعفر الرقي، والحكم بن المبارك الخواستيس، وسويد من رجال مسلم ... والرقي موثق "،
قلت : فقد رواه إذًا نعيم وعبد الله بن جعفر الرقي وسويد بن سعيد وعبد الوهاب بن الضحاك الفرضي وعمرو بن عيسى بن يونس ومحمد بن سلام المنبجي والحكم بن المبارك – لا بأس به - وأبو عبد الله ابن أخي ابن وهب عن عمه كل هؤلاء عن عيسى بن يونس به ، ويبعد جدا أن يتفق كل هؤلاء وفيهم الثقات على سرقة هذا الحديث، قال المعلمي : "هؤلاء الأربعة – بل أكثر - لا يجوز في العادة أن يتفقوا على باطل، فإن كان خطأ، فمن عيسى بن يونس»
وقد صحح الحديثَ كل من ابن حزم فقال في الأحكام (8/1068) :" حريز بن عثمان ثقة ... ونعيم بن حماد قد روى عن البخاري في الصحيح "،
وكذلك ابن القيم فقال في الإعلام (1/250) :" وهؤلاء كلهم أئمة ثقات حفاظ إلا جرير بن عثمان فإنه كان منحرفا عن علي ومع هذا فاحتج به البخاري في صحيحه وقد روى عنه أنه تبرأ مما نسب إليه من الانحراف عن علي ونعيم بن حماد إمام جليل وكان سيفا على الجهمية روى عنه البخاري في صحيحه ".