الأطفال والانفصال
بشرى شاكرالطلاق أو الانفصال كلمتان لمعنى واحد، فهو نهاية زواج وعوامل جديدة تعيشها الأسرة بعد أن كانت مترابطة، وإن كان هذا الأمر هو أبغض الحلال عند الله ولا يلجأ له إلا بعد أن يستوفي الطرفان كل وسائل الصلح والترغيب من قبل الأهل والأقرباء والأصدقاء أيضا، ولأن الإسلام يعلم الضرر الذي ينجم عنه سواء لكلا الطرفين أو للعائلتين وبالأخص بالنسبة للأطفال.هذا الطفل الذي من المفروض أن نهيئ له جوا تربويا جيدا يجعله ينمو ويكبر بنفسية مستقيمة وسليمة تجعله إنسانا فاعلا في مجتمعه، هذا والأسرة مجتمعة ومترابطة فكيف إذن لو توجب على هذا الطفل أن يعيش مع أحد الأبوين أو في تناوب بينهما بعد انفصالهما؟حينما يتعذر الإبقاء على عقد الزواج فإن الحل الأنسب وإن كان الأبغض هو الطلاق، وأحيانا يكون أفضل للطفل من العيش في أسرة دائمة المشاكل وكثيرة الصراخ مما لن يوفر له بالتأكيد جوا تربويا سليما، ولكن يبقى أن هذا الطفل يتأثر بهذا الانفصال الذي قد يكون مفاجئا له فيتحول من حضن أسرة بأب وأم إلى أسرة جديدة تكونها الأم أو الأب وربما مع شريكين جديدين.والطلاق حينما يكون واقعا لابد منه، فليكن كما أمر الله سبحانه أي بالإحسان، ونسب المعروف للإمساك إذ قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}. الإحسان ينبني على المعروف ولكن أيضا على استمرار المودة والابتعاد عن البغض والكراهية، وذلك لكي لا يتأذى كلا الطرفين وبالأخص حتى لا يشعر الأطفال بتغيير كبير يصيبهم بأزمات نفسية، كما انه من الإحسان أن يؤدي الرجل مهر المرأة وكامل حقوقها وعليه أيضا رعاية الأطفال نفقة وحضورا.الأسرة هي مجتمع مصغر بأفراد يكونونها، فإن صلحت صلح هذا المجتمع وإن فسدت فسد، وعلينا أن نفهم أن الطفل هو فرد كامل يؤسس بدوره دعامة قوية في البيت ويشكل دعامته المستقبلية بل يمثل دعامة مجتمع الغد والمستقبل، وكأي شخص يكون هذا المجتمع المصغر فإن الفرقة التي تنتج فيه والتغيير الذي يحدث بعد الانفصال يؤثران فيه بشكل كبير وخاصة أنه ألف العيش بين والديه وفتح عينيه على عالم شكلاه معا.ولعل من قيم الإسلام النبيلة هو اهتمامه بتربية الأطفال بين والديهم رغم الانفصال حتى إنه حرم كتم المرأة لحملها بعد انفصالها، أولا لمحاولة إصلاح ذات البين قبل الوصول إلى قرار الطلاق النهائي ولكن أيضا إدراك منه أن التربية السليمة يجب أن تكون بين الوالدين ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما والاكتفاء بطرف واحد فقط حتى بعد الانفصال، وقد قال الله تعالى في سورة البقرة: {وَالْمُطَلَّقَ تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَ ّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.الطفل هو ضحية هذا الطلاق أو الانفصال، فالأب والأم ينسيانه في خضم مشاكلهما ولا ينتبهان إلى أنه يعيش وإياهم هاته المراحل دون رغبته، فهو لم يختر أن يولد بهذا البيت ولم يكن طرفا في قرار الانفصال، ومع هذا فهو يعيش نفس المشاعر بل بزيادة أكبر إذ إنه لا يعرف لم يحصل كل هذا؟ ولماذا تتحول عائلته التي أهدته الحب والحنان في الأول إلى عائلة لا تطيق بعضها البعض وتريد أن تحدث فرقة لم يهيأ لها هذا الطفل نفسيا؟!ولنحاول فهم ما يحصل، يمكننا أن نتحدث عن منظومة الثنائي الذي يشكله الأب والأم والذي يؤدي فيها كل منهما الدور المنوط بجنسه، فلكل منهما خصائصه الوراثية ولكل منهما شخصيته الخاصة، بمزاياها وهفواتها ونقط ضعفها والابن هو نتاج للقاء الاثنين منذ كان نطفة.وغالبا ما نتحدث عن العلاقة الثنائية بين الطفل ووالدته، وهذا أمر ضروري في التربية ولكن العلاقة الفعلية رغم ثنائيتها بين الأم وطفلها خلال السنتين الأوليين من عمره، إلا أنها في الحقيقة علاقة ثلاثية فوجود الأب ضروري جدا لنمو نفسي سليم للطفل.فالطفل يبدأ بالإحساس بوالده وهو بعد جنينا داخل الرحم سواء من خلال مشاعر أمه أو من خلال ترجمة صوت الأب. خلال السنوات الأولى من عمر الطفل يكون التعايش بين الأم والطفل ذا أهمية قصوى وله خصوصية كبيرة، حيث يتطلب الطفل في هذه المرحلة حنانا وعطفا، وتواجد الأم وفقدانها يعد بمثابة خطر جسيم يلحق بالطفل فيؤثر على نموه العقلي وبالتالي الجسمي أيضا، وكلما كانت علاقة الأم بالوالد علاقة جيدة وآمنة كلما استطاعت أن تلعب دورها في هذه المرحلة كما يفترض بها وكما يجب، وانطلاقا من السنة الثانية ولاسيما في سنتيه الثالثة والرابعة يبدأ الطفل بالابتعاد نسبيا عن أمه والتوجه نحو محيطه ولكي يحصل هذا من الضروري تواجد الأب الذي يساهم في إقحامه بشكل صحي في مجتمعه.الطفل يحمل على عاتقه ثقل هذا الانفصال لأنه يعيش احتفاء بهذا الحلم المفقود فينكر موت الثنائي الذي يمثله أبواه ويبقي في مخيلته على صورة اصطناعية للثنائي الفقيد.لذلك نجد أنه بالنسبة للطفل طلاق الوالدين ليس بالأمر الهين أبدا مهما كان الاهتمام الذي يمكن أن يحظى به من قبل محيطه الأسري فهو يعيش نزاعا داخليا صعبا، إذ تكون هاته التجربة قاسية وعنيفة عليه. وتبدي الدراسات النفسية أن الأطفال الذي يحضرون شجارات والديهم ونزاعاتهم يعيشون حالة الطلاق الذي يحصل بينهما بشكل نفسي واجتماعي أسهل من الذين يصدمون بفكرة انفصال والديهم دون أن يلاحظوا أية بوادر نزاعية خارجية تدل على أنهم سوف يقدمون على فعل الطلاق والانفصال. وهنا لا نريد أن نقول أن النزاعات شيء صحي بالنسبة لأطفال الأزواج الذين يريدون الطلاق، ولكن نريد أن نثبت أن الطفل الذي ننساه في حساباتنا الراشدة هو أيضا مكون مهم في الأسرة وعلى المنفصلين أن يدرجوا له خبر انفصالهم بطريقة تمكنه من تفهم حدوث الانفصال ولا نفاجئه بوقوعه دون أخذ رأيه أو حتى إعلامه.وبصيغة أخرى، الأطفال الذين يعيشون حياة عائلية مضطربة بين والديهما والتي تكون عادة مليئة بالشتائم والنزاعات، ينظرون للطلاق على أنه نهاية حياة مأساوية وكريهة وربما فرجا، أما بالنسبة للأطفال الذين يعيشون وسط عائلات لا تعاني من مشاكل كبيرة، ينظرون للطلاق على أنه فاجعة حلت بهم وينغمسون في مشاكل نفسية واجتماعية خطيرة.والأكثر عرضة لهاته المشاكل هم الأطفال الذين يرفضون الحزن والقلق ويخفون همهم وإحساسهم بنوع من النفي وتبريرات كثيرة.ويصعب أن نفسر تأثير الانفصال على الطفل الرضيع ولكن قد يعزز هذا الانفصال العلاقة بين الأم والطفل بشكل أكبر مما يعيق العلاقة الحسية بين الرضيع وبين الأب، ويتأقلم الطفل في هذه السن عادة مع الوضع بسبب غياب والده ولكنه يكون أكثر إحساسا بالتقلبات المزاجية لوالديه مثل التوتر والكآبة وقد يعبر عن ذلك بكثرة حركته أو عنفه وبكائه، واكتساب النطق قد يساعده على التعبير عن ألمه.أما تأثير الطلاق على الطفل بين السنتين والثلاث سنوات فإن حدوث الانفصال قد يؤثر سلبا على تعلمه مهارات النطق وتطوره الحركي أيضا.والانفصال بعد هذه السن عموما يجعل الطفل يتوجه بثقته نحو الطرف الذي بقي معه ويتعامل مع الطرف الآخر بحذر شديد أو تجاهل تام أو ينفر منه ويكون وفيا لطرف دون الآخر. وفي سن متقدمة فإن الطفل يحاول أن يلعب أدوارا مختلفة أحيانا كثيرة يدفعه لها الآباء أنفسهم فإما يقوم بدور الوساطة بين والديه وإما بدور الرسول أو بدور الصديق المؤتمن من قبل الطرف الأقرب إليه، وغالبا ما يكره الطرف الآخر ويحتقره لأنه يسمع من قبل طرف واحد، ومرات يحس انه رجل البيت وأن عليه أن يحل محل الأب الغائب وأحيانا يرى نفسه في دور المنقذ والمراقب.وهذه بعض النصائح التي يمكن أن تساعد الأطفال في حال أصبح الطلاق أمرا حتميا:- لا يجب أن نحدث الأطفال بطريقة سلبية عن الطرف الآخر سواء من قبل الأم أو الأب أو من قبل العائلة.- في حالة الشعور بالغضب فمن الأفضل اللجوء إلى صديق للحديث عن مشاكل الانفصال دون أن تصب جام غضبك على طفلك أو تقحمه في متاهاتك المزاجية.- لا تشعر طفلك بأنه غير وفي في حال كان يلاعب بفرح الطرف الغائب عن البيت أو يظهر غبطة لرؤيته وحضوره.- حينما يلتقي الوالدان أمام طفلهما فعليهما إبداء الاحترام لبعضهما البعض، فلقاء الطفل بوالديه ليس مناسبة لبدء الشجار من جديد.- علينا أن نترك الطفل يتحدث حينما يرغب إلى الطرف الغائب عن البيت عبر الهاتف مثلا.- لا تسأل طفلك عن الآخر إن لم يرغب بإعطائك أية تفاصيل عن الوقت الذي أمضاه معه، وخاصة لا تسأله عن حياة الآخر الشخصية.- قبل أن تحدثوا الطفل عن موعد لقاء بأبيه مثلا أو مشاريع بالعطلة، على الأم أن تناقش الموضوع مع الأب لكي لا يشعر الطفل بالإحباط إن وعد بشيء ولم يحز عليه وحتى لا يفقد ثقته فيما تقوله أمه أو أبيه.- من الأفضل ألا نحكي عن مشاكل الطلاق أمام الأطفال، لتركهم يعيشون حياة مستقرة ونبعدهم ما أمكن عن التغيير السلبي في حياتهم.- يجب ألا نظهر للطفل أننا غاضبون لأنه يفضل أن يذهب لأحد الأبوين دون الآخر أو لرغبته في رؤية احدهما أكثر، ولا نظهر طبعا أننا نحقد على الطرف الآخر بل نعلم الطفل أن ما وقع بين الأبوين هو أمر نجم عن اختلاف وجهات النظر ولكنه ليس أمرا يجعلنا نحقد أو نمنعه من رؤية والده أو أمه.