الذبح لله
رجب خليل
كما أن الصلاة والزكاة والصيام عبادات فإن الذبح عبادة أيضا وهذا ما قرره الله عز وجل في كتابه حيث قال سبحانه مخاطبا نبيه - صلى الله عليه وسلم - ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ﴾.

وما دامت العبادة لله فلا يجوز صرفها بأي حال من الأحوال إلى مخلوق كائنا من كان حياً أو ميتا.

وحينما نتحدث عن الذبح لغير الله على أنه مظهر من مظاهر الشرك إنما نعنى بذلك النية عند الذبح. فربنا سبحانه يقول في سورة الأنعام ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين ﴾ فالآية تقرر أن كل ما في حياة الإنسان من صلاة وذبح وغيره لا يمكن أن يكون إلا لله عز وجل وحده لا شريك معه غيره فيها وأن هذا أمر من الله عز وجل رضى الإنسان أم أبى، لا خيار له فيه، لأن ذلك من تمام العبودية لله.

ولكننا في دنيا الناس نرى كثيرا من الصور المخالفة في عملية الذبح لله لا يمكن أن تعد إلا أنها من مظاهر الشرك، فنجد أحدهم وقد ذهب بذبيحته ليذبحها عند ضريح من الأضرحة التماسا للبركة، حتى لقد وصل الأمر إلى أن الكثير من النساء في ريفنا لتأخذ دجاجة تريد ذبحها وتذهب بها إلى حيث عتبة الضريح لتذبحها هناك عسى أن تصيبها كرامات الولي.
ومن هذه الصور ما يحدث في بعض البلاد عند قدوم ملك من الملوك أو رئيس من الرؤساء فيذبحون له عند سلم الطائرة تحية له، وما يحدث عند موت أحد الأغنياء عندما تنحر الذبيحة تحت نعشه ليمر عليها.

وبديهي أن الله تبارك وتعالى قد حرم ذلك كله لصرف النية فيه إلى غير الله عز وجل.
عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال : حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربع كلمات (لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض) فها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرر أن من يذبح لغير الله فهو ملعون لأنه يصرف عبادة هي من حق الله وحده إلى غيره سبحانه.

بل إن الله تبارك وتعالى يريد منا أن نحقق التوحيد الخالص والتقوى الكاملة لتكتمل بذلك العبودية ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُم ﴾.

ولقد حرم الله عز وجل - مما حرم - ما ذبح على النصب ومنها في عصرنا الحاضر - الأضرحة التى تشد إليها الرحال وتقرب لها القرابين وينذر لها ويذبح عندها ويطلب منها قضاء الحاجات وتفريج الكربات، بل ويقام عندها ما يسمى بالمذبح أي المكان الذى يذبح فيه، ويقول أحدهم: أنا ذاهب لأذبح للشيخ فلان (صاحب الضريح).

روى الإمام أحمد عن طارق بن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قيل وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه رجل حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما قرب. قال ليس عندي شيء أقرب، فقالوا له قرب ولو ذبابًا. فقرب ذبابا، فخلوا سبيله فدخل النار. وقالوا للآخر قرب، فقال ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل. فضربوا عنقه فدخل الجنة.

ومن الحديث يتبين لنا أن الأول قدم الذباب تخلصا من شرورهم، ومع ذلك دخل النار لأن ما فعله ينافى التوحيد الخالص، والثاني ملأ التوحيد قلبه لدرجة أنه صبر على القتل ولم يوافقهم على طلبهم، مع أنهم لم يطلبوا منه إلا عملا ظاهرا فقط.

والحديث المتقدم يشير من طرف خفي إلى ما يحدث في كل عصر من نصب وخداع وتزيين وتقنين للباطل من قبل سدنة الأضرحة وحراسها، حينما يدعون زائريها إلى مضاعفة الشرك بالله ليضع الزوار مزيدا من الأموال في ما يسمى بصناديق النذور، وما يدرى المساكين أن حصيلة هذه الصناديق توزع بعد ذلك وتصرف في غير ما يرضى الله عز وجل.

ويروى أبو داود في سننه عن ثابت بن الضحاك رضى الله عنه قال : نذر رجل أن يذبح إبلا ببوابة (مكان أسفل مكة) فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا لا قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا لا. فقال - صلى الله عليه وسلم - أوف بنذرك، فإنه لا وفاء بنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم.
فتأمل معي أخي المسلم في دقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تحرى الأمر.

إنه - صلى الله عليه وسلم - يخاف أن يكون الرجل قد حن إلى الشرك مرة أخرى فيريد أن يذبح بهذا المكان، لأنه كان يذبح فيه لصنم قبل إسلامه، فقالوا له لا يا رسول الله، فأراد - صلى الله عليه وسلم - أن يطمئن : هل كان هناك عيد من أعيادهم الجاهلية - مثلما يحدث في هذه الأيام من موالد يختلط فيها الحابل بالنابل وتستباح الحرمات وتصبح سوقا رائجة للشرك - وبعدما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما سيفعل الرجل قال قولا قاطعا محددا : لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم.

هدانا الله وإياكم إلى أقوم طريق - آمين.
المصدر: مجلة التوحيد، عدد 1411هـ رمضان، صفحة 53.