حقيقة وليست خيال
عندما كنا سادة الدنيا بإعلاء كلمة الله بالجهاد
يوحنا الثامن بابا الفاتيكان يدفع الجزية للمسلمين عن يد وهو صاغر


اضطر البابا يوحنا الثامن خلف البابا ليون أن يفاوض المسلمين في الجلاء على أن يدفع لهم جزية سنوية قدرها 25 ألف مثقال من الفضة.


كان هذا ايام عز المسلمين وكانوا سادة البحر بلا منازع وكانت هذه الواقعة في ايام الخلافة العباسية وفي امارة الامير محمد بن الاغلب رحمه الله وفيها يسطر بن خلدون رحمه الله هذه اللوحة التاريخية الرائعة في وصف حال المسلمون وجهادهم البحري الاسلامي وتسيدهم علي البحر المتوسط فيقول كان المسلمون لعهدة الدولة الاسلامية قد غلبوا على هذا البحر من جميع جوانبه وعظمت صولتهم وسلطانهم فيه فلم يكن للامم النصرانية قبل بأساطيلهم بشئ من جوانبه وامتطوا ظهره للفتح سائر أيامهم فكانت لهم المقامات المعلومة من الفتح والغنائم وملكوا سائر الجزائر المنقطعة عن السواحل فيه مثل ميورقة ومن ورقة ويابسة وسردانية وصقلية وقوصرة ومالطة وأقريطش وقبرس وسائر ممالك الروم والافرنج والمسلمون خلال ذلك كله قد تغلبوا على كثير من لجة هذا البحر وصارت أساطيلهم فيهم جائية وذاهية والعساكر الاسلامية تجيز البحر في الاساطيل من صقلية إلى البر الكبير المقابل لها من العدوة الشمالية فتوقع بملوك الافرنج وتثخن في ممالكهم وانحازت أمم النصرانية بأساطيلهم إلى الجانب الشمالي الشرقي منه من سواحل الافرنجة والصقالبة وجزائر الرومانية لايعدونها وأساطيل المسلمين قد ضربت عليهم ضراء الأسد على فريسته وقد ملات الاكثر من بسيط هذا البحر عدة وعددا واختلفت في طرقه سلما وحربا فلم تظهر للنصرانية فيه ألواح.

ويقول الدكتور عبد الله عنان رحمه الله:
ليس في سير الحملات البحرية الاسلامية أمتع ولا أغرب من غزو المسلمين لمدينة رومة، فقد غزا المسلمون مدينة القياصرة مرتين. وليس لدينا سوى لمحات ضئيلة من أخبار هذا الغزوة التي عنيت بالإشارة إليها تواريخ الافرنج فقط.

وقد نحمل صمت الرواية العربية على أن هذه الغزوة لم تكن لحساب حكومة اسلامية منظمة، وإنما قامت بها عصابات قوية من المسلمين، غير أنه يلوح لنا تكرر هذه الحملات على الشواطئ الايطالية وعلى رومة، ومن ضخامتها وانتظامها، ومن تعاهد قادتها مع البابا كما سنرى، ومن خروجها من ثغور صقلية وعودها إليها، أنها كانت على الأقل تعمل بوحي حكومة صقلية، أو بالأحرى حكومة إفريقية التي صقلية تابعة لها .

وكانت(( ملكة العالم )) رومة لا تزال حتى في ذلك العهد التي فقدت فيه منعتها القديمة ، تتمتع بلمحة من هيبتها الذاهبة، وكان القوط والوندال واللومبارد قد غزوها مراراً وأثخنوا في أنحائها الفخمة، ولكنهم احترموا دائماً أحياءها ومعابدها المقدسة، التي كانت تقع في ظاهر الفاتيكان وفي طريق ثغر أوستيا الواقع على مصب تيفري ( التيير ) ، ولكن المعاهد والأساطير الصرانية تبث مثل هذا الروعة في أنفس البحارة المسلمين .


ففي سنة 846 م (231 هـ ) سارت حملة كبيرة من صقلية نحو الشمال بحذاء الشاطئ الايطالي، وبعد أن عاثت في ثغورة وحاصرت جايتا ونهبت فوندى ، رست عند مصب نهر تيفري، وليس في الرواية الاسلامية ما يلقي الضوء على هذه الغزوة، ولكنها وقعت في عهد أبي العباس محمد ابن الاغلب أمير إفريقية ( 226 - 242 م ) ، وكان على صقلية يومئذ الفضل بن جعفر الهمذاني، والظاهر أنها كانت من السرايا البحرية الخاصة، ولكن لاريب أن لأمير صقلية يداً في تنظيمها وتوجيهها ، وكان على كرسي البابوية يومئذ الباب سيرجيوس الثاني، وكانت أسوار رومة لا تشمل كل المدينة القديمة ، بل كان الحي المقدس وكنيستا القديس بطرس والقديس بولس، وطائفة كبيرة من المعابد والقبور القديمة ، خارجاً عن الأسوار ، معرضاً للإعتداء.


فانقض البحارة المسلمون على ذلك الحي وجردوا الهياكل والأصنام من حللها النفيسة ، وانتزعوا هيكلاً فضياً من قبر القديس بولس، وضربوا الحصار على مدينة القياصرة، فارتاع البابا واهتز الشعب الروماني فرقاً ورعباً ، وبادر الإمبراطور لويس الثاني ملك الافرنج واللومبارد بإرسال حملة من جنده لمقاتلة الغزاة، وجهزت ثغور نابولي ( نابل ) وأمالفي وجايتا حملة بحرية لمطاردتهم، وقدمت ذلك الحين سفن مسلمة أخرى لتشد أزر الحملة، على أن الذي أنقذ المدينة الخالدة من الوقوع في أيدي المسلمين هو خلاف الزعماء المسلمين أنفسهم، فرفعوا الحصار بعد أن قاتلوا جند الإمبراطور وسفن الثغور الايطالية قتالاً رائعاً غرق فيه بعض سفنهم، وعادوا الى الجنوب مثقلين بالغنائم والأسرى (سنة 850 م).


فكشفت هذه الجرأة للبابوية والنصرانية ضعف المدينة الخالدة وما تتعرض إليه من المخاطر، ونشط خلف سيرجيوس، ليون الرابع الى تحصينها، وأدخل الحي المقدس وكنيستي بطرس وبولس في حمى الاسوار، وحصن هذه الضاحية التي مازالت تسمى (المدينة الليونية ) تخليداً لاسمه، وأغلق مصب نهر تيفري بسلسلة ضخمة من الحديد تحول دون تقدم الهاجمين .

وتوالت حملات السرايا المسلمة بعدئذ على الثغور الايطالية ، ولكن فكرة غزو المدينة الخالدة لبثت تجول في أذهان المسلمين أعواماً أخرى، ففي سنة 870 م - 256 هـ ، نشط أمراء البحر المسلمون في ثغور إفريقية والأندلس الى تجهيز حملة كبيرة ، ولم نجد في الرواية الاسلامية مايلقي الضوء أيضاً على أخبار هذه الحملة ، ولكن هنالك ما يدل على أن حكزمتي إفريقية وصقلية هما اللتان أشرفتا على إعدادها ومدها بالمؤازة المادية، وكان أمير إفريقية يومئذ محمد بن أحمد بن الأغلب ، ( 250-261 هـ ) وعلى صقلية محمد بن خفاجة ، وكان ابن الاغلب قد افتتح ماطا قبل ذلك بعام ، وظهر ابن خفاجة أمير صقلية بحملاته البحرية في مياه قلورية ، واجتمعت الوحدات المختلفة في بعض ثغور سردانية، ثم قصدت الى الشاطئ الايطالي فأثخنت فيه كعادتها ، ورست عند مصب نهر تيفري على قيد 16 ميلاً من رومة ، وكان البابا ليون قد عقد محالفة دفاعية مع مجمع الثغور الامبراطورية أعني نابولي وأمالفي وجايتا، فبادر أسطولها في الحال بالزحف على سفن المسلمين، تحت إمرة قائد شجاع فتى يدعى قيصريوس، فخف المسلمون الى لقائه ونشبت بين الفريقين معركة بحرية كبرى في مياه أوستيا ثغر رومة، ولكن عاصفة هبت عندئذ فارتد الاسطول الفرنجي الى الشاطئ، واصطدمت سفن المسلمين ببعضها البعض فغرق عدد منها .


بيد أن هذه الخسارة الجزئية لم ترد المسلمين عن عزمهم، فلبثوا يهددون بالحصار حتى اضطر البابا يوحنا الثامن خلف البابا ليون أن يفاوضهم في الجلاء ، على أن يدفع لهم جزية سنوية قدرها 25 ألف مثقال من الفضة. انتهي
هكذا كنا يوم كان الجهاد في سبيل الله غايتنا ففتح الله لنا الدنيا وملكناها بشرع الله .

المصادر:
- مقدمة بن خلدون عبد الرحمن بن خلدون ص314 -315
- مواقف حاسمة في تاريخ الاسلام د محمد عبدالله عنان ص 101 - 102