الأخ الحبيب الغالي اللبيب / أحمد السكندري - نفع الله بك - .
لنصِل إلي حُكمٍ في حال عمر بن عبد الله مولى غفرة كما لا يخفى على شريف علمكم لابد أن نُمعن النظر في أقوال الأئمة - رضي الله عنهم - بين جارحٍ ومُعدلٍ ، ثُم نَحكم بحُكمٍ نَسأل الله تعالى أن يَكون صواباً في حَاله .
(1) سَماعهُ مِن الصحابة - رضي الله عنهم - .
سَماعه مِن الصحابة - رضي الله عنهم - لا يصحُ وإن كَان قد أدرك زمانهم ، لأن مُجرد إدراك الزمان ليس عِندَ أهل العِلم دَليلاً على السَماع قَال أبو حَاتم الرازي في العلل (187) : (( سمعتُ أبي وسألتُه عن خالد بن معدان عن أبي هريرة: متصل؟ فقال: قد أَدْرَكَ أبا هريرة ولا يَذكر سماعاً )) ، وقال في الإمام الزهري (703) : (( الزهريُّ لَمْ يسمع مِن أبان بن عثمان شيئاً، لا لأنه لَمْ يُدركه! قد أدركه وأدرك مَن هو أكبر منه، ولكن لا يثبت له السماع مِنه. كما أنَّ حبيب بن أبي ثابت لا يثبت له السماع مِن عروة بن الزبير، وهو قد سمع مِمَّن هو أكبر منه. غير أنَّ أهل الحديث قد اتفقوا على ذلك، واتفاق أهل الحديث على شيءٍ يكون حُجَّة )) فهذا دليلٌ بين على أن إدارك الراوي لشيخه الذي حدث عنه أو معاصرته لهُ عند أبي حاتم ليست دليلا على الإتصال ، إلا بثبوت السماع منهُ ، فإدراك الراوي لشيخٍ أو معاصرتهُ لهُ دُون ثبوت السماع ذلك يحتج به أهل الحديث على عدم السماع ، وأما عمر بن عبد الله مولى غفرة فقد قال قال إسحاق بن راهويه : حدثني عيسى بن يونس : قلت لعمر مولى غفرة : سمعت من ابن عباس؟ قال: أدركت زمانه ، فعلق الحافظ الذهبي على أن هذا ليس دليل على السماع بل انه احتج به على أنه لم يسمع من ابن عباس - رضي الله عنه - وحاصلهُ أنهُ كثير الإرسال - رحمه الله - .
(2)مَن وصفهُ بجرحٍ مِن الأئمة - رحمهم الله تعالى - .
[1] رِواية اسحاق بن منصور عن ابن معين - رضي الله عنه - أنهُ قال : (( ضعيف )).
[2] قال الإمام النسائي : (( ضعيف )).
[3] قال ابن حبان : (( كان ممن يقلب الأخبار ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات لا يجوز الاحتجاج به ولا ذكره في الكتب إلا على سبيل الاعتبار )) .
[4] قال الدولابي : (( عمر بن عبد الله مولى غفرة ضعيف )).
[5] قال الحافظ ابن حجر : (( ضعيف كثير الإرسال )).
[6] تَرك الرواية عنه الإمام مالك بن أنس.
[7] قال عبد الرحمن بن تبان : (( ضعيف )).
[8] ذكره أبو العرب وأبو القاسم البلخي والعقيلي في جُملة الضعفاء.
(3) مَن وصفهُ بالتَعديل من الأئمة - رحمه الله - .
[1] قال ابن سعد : (( كان ثقة كثير الحديث ليس يكاد يسند. وهو يرسل أحاديثه. أو عامتها )).
[2] قَال ابن معينٍ مرة رواية أبن أبي مريم : (( يكتب حديثه )) ، وقال مرةً رواية الدوري : (( ليس به بأس )).
[3] قَال ابو حاتم الرازي : (( يكتب حديثه )).
[4] قال العجلي : (( يكتب حديثه وليس بالقوي )).
[5] قال ابن عدي : (( هو ممن يكتب حديثه )).
[6] قال ابن شاهين : (( ليس به بأس ولكن حديثه مراسيل )).
[7] قال ابن خلفون : (( مدني ثقة )).
[8] قال البزار : (( ليس به بأس )).
أقول : بعد تقسيم أقوال الأئمةِ - رحمهم الله تعالى - في حال عمر بن عبد الله فإنك تَجد أن مَن جرحهُ مِن أعلام الحَديث ومَن قَال بهِ عباراتٍ يشتبه بها التَوثيق هُم ثمانيةٌ مُقابل ثمانية ، ويأتي الفصل في هذه المسألة بالنظر إلي أقوالهم - رحمهم الله - جميعاً ، ولنأتِ إلي دِراسة ما جاء فيه مِن تعديلٍ عند الأئمة - رحمهم الله - .
[ أولاً ] قَول ابن معين : (( ليس به بأس )) .
وقد فهم البعض أن قولهُ هذا يعني أنهُ ثقةٌ عندهُ وهذا الاستنتاج فيه نظرٌ لأن الوصف بالوثاقة " ثقة " أرفع من أن يقال " ليس به بأس " ، ولا بأس بحمل قَوله : " ليس به بأس " على المعنى المُتعارف عليهِ وحَمل : " ثقة " على معناه الواسع المعروف وهذه اللفظة تَدل عند ابن معين على استعماله إياها على النطاق الواسع كما في سؤال ابن أبي خيثمة فإنها تدل على الضبط والعدالة وتفيد قبول حَديثه ، ولكن الإمام كغيره من النقاد تجوز في استعماله للفظة الثقة على المعنى مُطلق الثقة لا على معنى الثقة المطلق وهذا يحتاج لدراسة واسعة .
[ ثانياً ] قول أبي حاتم الرازي : (( يكتب حديثه )).
قال الحافظ الذهبي - رحمه الله - في السير (6/360) : (( علمت بالاستقراء التام أنه عنده ليس بحجة )).
وقال الحَافظ في المِيزان : (( الوليد بن كثير المزني، روى له النسائي، وثق، وقال أبوحاتم: يكتب حديثة، مع أن قول أبي حاتم هذا ليس بصيغة توثيق، ولا هو بصيغة إهدار )) ، فأما قولهُ : (( ليس بصيغة توثيق )) أي أنهُ ضعيف نازلٌ عن مرتبة الاحتجاج ، وأما قوله : (( ولا هو بصيغة إهدار )) أي أن ضعفه هذا ليس ضعفاً شديداً ولا يصلح للشواهد والمتابعات وانما يكتب حديثه لصلاحيته لذلك ولعل مفادهُ أنه في المرتبة السادسة من التوثيق أي : (( يعتبر به )).
قال اللكنوي في الرفع والتكميل (1/131) : (( قيل فِيهِ مَحَله الصدْق وَلَا من قيل فِيهِ لَا باس بِهِ وَلَا من قيل هُوَ صَالح الحَدِيث اَوْ يكْتب حَدِيثه اَوْ هُوَ شيخ فان هَذَا وَشبهه يدل على عدم الضعْف الْمُطلق )) ، وهذه اللفظة مُتجاذبة بين القبول والرد ، وقد حرر الأستاذ عبد الله الجديع في كتابه التحرير قدوم هذه اللفظة عند المحدثين (1/591) فقال :
(1) تأتي مفردةً ، فهي عندئذ مشعرة بضعف الراوي لذاته، وصلاحية حديثه للاعتبار، على أدنى الدرجات.
(2) مضافة إلى لفظ تعديل، كإضافتها إلى (حسن الحديث) أو (صدوق)، فيكون المراد وجوب التحري لإثبات سلامة ما رواه من الخطأ والوهم وإثبات كونه محفوظاًَ، كما بينته في (حسن الحديث).
(3) أن تضاف هذه الكلمة إلي عبارة تجريح ، فمقتضى العبارة أن ذلك التجريح لا يبلغ بالراوي درجة من لا يعتبر به، فهو في عداد من يصلح حديثه في المتابعات والشواهد.
وبعد النَظر الطَويل في حَال الراوي فإنكَ تَعلم أن العَجلي - رحمه الله - قَرن ليس به بأس بقوله ليس بالقوي وقَوله ليس به بأس هو من المرتبة الرابعة عند الحافظ ابن حجر ، وقد وضع العراقي قولهم ليس به بأس في الثالثة وهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه ولنصل إلي الخُلاصة في حَاله فإني أرى والله تعالى أعلى وأعلم أنهُ : (( ضعيفٌ يكتب حديثه للاعتبار وهو كثير الإرسال )) . والله أعلم.