15-09-2013 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
إن من أوجب الواجبات على كل مسلم القيام بما تقتضيه شهادة أن محمدا رسول الله من حقوق وواجبات , فلا يصح إيمان مسلم ما لم يقم بما تقتضيه هذه الشهادة من التصديق الكامل بما جاء به , والتوقير والاحترام والتعزير لشخصه صلى الله عليه وسلم , قال تعالى : ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ) الفتح / 9


إسهام وسائل الإعلام المرئي في مواجهة الإساءة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم
بحث مكمل لنيل درجة الماجستير في التربية الإسلامية
جامعة أم القرى
إعداد : صالح بن جمعان صالح الغامدي
إشراف الدكتور : عبد الناصر سعيد عطايا
ـــــــــــــــ ـــ
إن من أوجب الواجبات على كل مسلم القيام بما تقتضيه شهادة أن محمدا رسول الله من حقوق وواجبات, فلا يصح إيمان مسلم ما لم يقم بما تقتضيه هذه الشهادة من التصديق الكامل بما جاء به, والتوقير والاحترام والتعزير لشخصه صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا) الفتح / 9
ومع الفضل الكبير والعظيم الذي تميز به المصطفى صلى الله عليه وسلم , إلا أنه لم ينج من سهام الأعداء الحاقدين , فمنذ أن دعا إلى عبادة الله تعالى وحده وأهل الشرك والكفر تنادوا لحربه وإخراجه من أرضه , فآذوه وعذبوه وطردوه وهجروه , فكان صلى الله عليه وسلم مع كل ذلك أرحم بقومه من الأم بطفلها , وكان يدعو الله لهم بالهداية في أشد أوقات الإيذاء منهم , فحين كسرت رباعيته في أحد, وشج في جبهته وسالت الدماء من وجهه , قيل يا رسول الله: ادع الله عليهم . فقال: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون).
وركزت الدراسة على طرح أسئلة محورية وحاولت الإجابة عنها:
1- ما مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند المسلمين؟
2- ما هي مظاهر الاساءة للرسول صلى الله عليه وسلم في العهد النبوي والواقع المعاصر؟
3- ما هو دور الإعلام المرئي في نشر الدعوة الإسلامية والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
4- ما الدور التربوي المقترح لإسهام وسائل الإعلام المرئي في مواجهة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه؟
وتهدف الدراسة إلى طرح نموذج لوسائل الإعلام المرئية المطلوبة, لمعرفة الدور المنوط بها في تقديم الأسلوب الأمثل لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم, في عصر تعتبر فيه وسائل الإعلام الركيزة الأساسية في المجتمعات, وذات تأثير كبير على الأفراد والجماعات , فكريا وتربويا وعلميا.
في الفصل الأول من الدراسة تكلم الباحث عن مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب الدفاع عنه, مشيرا إلى الآيات الكثيرة التي تؤكد فضله وعلو منزلته عند الله تعالى, وكيف كان الصحابة الكرام يجلونه ويعظمون مكانته في قلوبهم, ويفتدونه بأنفسهم وآبائهم وأمهاتهم, حتى بلغ بهم الأمر إلى الاقتتال على وضوئه ونخامته وبصاقه صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري.
ثم يذكر الباحث مكانة الرسول عند بعض الغربيين المنصفين كمايكل هارت, والفيلسوف الفرنسي كارديفو, والروائي الروسي تولتسوي والفيلسوف الانجليزي توماس كارلايل وبرناردشو وغيرهم الكثير وما قالوه فيه صلى الله عليه وسلم.
ويتطرق الباحث في الفصل الثاني لقضية غاية في الأهمية, ألا وهي فهم أسباب الاختلاف الكبير الذي يؤدي للصراع والاقتتال بين المسلمين الذين يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم ويفدونه بأرواحهم, وبين أولئك الذين يؤذونه ويسيؤون لشخصه ومكانته, فيذكر الأسباب التي جعلت المسلمين يحبونه ويدافعون عنه, وهي كثيرة شرعية وعقلية مقنعة, بينما أسباب كره الحاقدين عليه صلى الله عليه وسلم فلا تتعدى الحسد الذي أظلمت به قلوبهم, دون أي سبب عقلي أو منطقي.
أما الفصل الثالث فقد خصص للحديث عن مظاهر الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم قديما وحديثا وأسبابها, أما الإساءة قديما فهي مسطورة في كتب السيرة النبوية, وأما الإساءة المعاصرة فمصدرها الغرب الذي ورث الحقد القديم على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم, إضافة إلى العداوة المستمرة بين الحق والباطل في كل زمان ومكان, وكذلك الخوف من الإسلام وانتشاره في العالم الذي يهدد المصالح الغربية الظالمة لمجتمعاتها وشعوبها, ولا ننسى سببا رئيسيا لإساءة الغرب للإسلام المتمثلة في ضعف المسلمين وقلة حيلتهم وانحراف عن منهج دينهم.
أما مظاهر الإساءة للإسلام ونبي الإسلام من الغرب فهي كثيرة لا تعد ولا تحصى, فلا يكاد يمر عام إلا وإساءة جديدة تضاف لسجل إساءاتهم, ولعل آخرها الرسوم المسيئة لشخصه صلى الله عليه وسلم في الدنمارك والنروج, وكذلك الأفلام المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في الدول الغربية عموما, إضافة إلى إساءة بابا الفاتيكان للإسلام ونبي الإسلام عام 2006, وكذلك الصحف البريطانية التي شنت حملة شرسة على الإسلام والشريعة الإسلامية عام 2008.
ومع مرارة وقسوة هذه الإساءات إلا أنها لا تخلو من بعض الإيجابيات, على قاعدة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) كالتفاف المسلمين وعودتهم لدينهم, وتعبيرهم عن حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم, إضافة إلى دخول كثير من الأوروبين في الإسلام, وكذلك زيادة المعرفة بالنبي بعد تلك الإساءات والتي عمل على نشرها العلماء والدعاة مما اعتبر بابا عظيما للدعوة إلى الله تعالى قد فتح بسبب تلك الإساءات.
وفي الفصل الرابع والأخير وبعد تعريف الإعلام ودوره الكبير في الحياة المعاصرة, وخاصة في المجال الدعوي والتربوي, ذكر الباحث إسهامات الإعلام المرئي التلفزيوني والانترنت على وجه الخصوص في مجالات التربية, وذلك عبر الاستفادة من تقنيات الاتصالات لأهداف تربوية.
يقول جورج جيربز: إن التلفزيون يقوم حاليا أكثر من أي مؤسسة ثقافية أخرى بتشكيل المعايير والقيم السلوكية, وكلما زادت مشاهدتنا للتلفزيون زادت معتقداتنا المتأثرة بما يقوله عن العالم الخارجي, على الرغم من أن معظم ما يعرض محض افتراء أو تضليل إعلامي دعائي.
وقد ساهم الإعلام على مجالات التربية الجسدية والعقلية والدينية والاجتماعية والأخلاقية, وظهرت بعض الإيجابيات له من خلال إكتساب المعلومات والثقافات, والتأثير على النفوس والعقول, مع سلبيات كثيرة أهمها التشكيك في العقيدة الإسلامية, ونشر الأفكار الضالة الهدامة, والتأثر بالثقافات الوافدة الغربية وغير ذلك مما لا مجال لحصره وعده.
وقد كان للقنوات الفضائية وشبكة الانترنت دور بارز في نشر الدعوة الإسلامية إضافة إلى دورها في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم, أما دورهما في الدعوة الإسلامية فقد عرفت الناس جميعا وخصوصا الغرب على مبادئ الإسلام وأحكامه, وبينت حقيقته وأزالت الغبار والشبهات عنه, وعلى ضآلة تلك القنوات الفضائية الإسلامية مقارنة مع تلك الغربية, إلا أنها أثرت وبشكل واضح على الرأي العالمي تجاه الإسلام والمسلمين.
أما الإسهام في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم, فقد قامت قناة المجد مثلا بإرسال رسائل لوزراء الثقافة الدنماركي والنرويجي بخصوص الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم, كما خصصت قنوات للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقناة ساهور.
أما الشبكة العنكبوتية فقد قامت معظم المواقع العربية والمنتديات بالدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم والتعريف به وبدينه وشريعته, والرد على الشبهات التي تفترى عليه وتطعن بدينه صلى الله عليه وسلم.
وقد اقترح الباحث أن لا يقتصر الدفاع والنصرة للنبي صلى الله عليه وسلم على وسائل الإعلام المتخصصة بذلك, أو على الفضائيات الإسلامية فحسب, بل توجيه جميع الفضائيات والقنوات التلفزيونية العادية التابعة لأفراد أو مجموعات أو دول إلى الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم, حتى تلك التي تبث السموم على الإسلام والمسلمين من خلال شرائها أو استثمارها من قبل أغنياء المسلمين.
وفي الختام ذكر الباحث أهم نتائج بحثه وبعض التوصيات والاقتراحات المتعلقة بتفعيل وسائل الإعلام وتوجيهها للدفاع عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعن قضايا الأمة.
جزى الله تعالى الباحث خير الجزاء على هذه الدراسة المعاصرة التي تلامس الواقع, بعد سلسلة من الإساءات المتكررة للنبي صلى الله عليه وسلم, وحاجة المسلمين الملحة للدور المنوط بهم تجاه أمثال هذه الأزمات التي يتعرض لها دينهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم.