قال المعلمي -رحمه الله-
"............ وبالجملة فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى
وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أنه لا هوى لي فيلوح لي فيها معنى، فأقرره تقريراً يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرم بذاك الخادش وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه وغض النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لما قررت ذاك المعنى أولاً تقريراً أعجبني صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لا يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم
لاح لي الخدش؟ فكيف لولم يلح لي الخدش ولكن رجلاً آخر أعترض علي به؟ فكيف كان المعترض ممن أكرهه؟
هذا ولم يكلف العالم بأن لا يكون له هوى؟ فإن هذا خارج عن الوسع، وإنما الواجب على العالم أن يفتش نفسه عن هواها حتى يعرفه ثم يحترز منه ويمعن النظر في الحق من حيث هو حق، فإن بان له أنه مخالف لهواه آثر الحق على هواه. وهذا والله أعلم معنى الحديث الذي ذكره النووي في (الأربعين) وذكر أن سنده صحيح وهو «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به» (1) . والعالم قد يقصر في الإحتراس من هواه ويسامح نفسه فتميل إلى الباطل فينصره. وهو يتوهم أنه لم يخرج من الحق ولم يعاده، وهذا لا يكاد ينجوا منه إلا المعصوم، وإنما يتفاوت العلماء، فمنهم من يكثر الإسترسال مع هواه، ويفحش حتى يقطع من لا يعرف طباع الناس ومقدار تأثير الهوى بأنه متعمد، ومنهم من يقل ذلك منه ويخف، ومن تتبع كتب المؤلفين الذين لم يسندوا اجتهادهم إلى الكتاب والسنة رأساً رأى فيها العجب العجاب، ولكنه لا يتبين له إلا في المواضع التي لا يكون له فيها هوى، أو يكون هواه مخالفاً لما في تلك الكتب، على أنه استرسل مع هواه زعم أن موافقيه براء من الهوى، وأن مخالفيه كلهم متبعون للهوى. وقد كان من السلف من يبلغ في الاحتراس من هواه حتى يقع في الخطأ الآخر، كالقاضي يختصم إليه أخوة وعده فيبالغ في الاحتراس حتى يظلم أخاه، وهذا كالذي يمشي في الطريق ويكون عن يمينه مزلة فيتقيها ويتباعد عنها فيقع في مزلة عن يساره!"

القائد إلى تصحيح العقائد عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن محمد المعلمي العتمي اليماني