السؤال كما هو صفحة الاستشارات الفكرية في الفيسبك : كيف نرد على من يقول البخاري ومسلم ليسا معصومين فلماذا تنكرون علينا ان ننكر بعض الأحاديث التي تبدو غير معقولة
--
الجواب:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد





فلم يقل أحد من أئمة أهل السنة بعصمة الإمامين البخاري ومسلم، بل يعتقدون أنهما من أهل العلم، ومن الحفاظ الكبار، وليسا معصومين.


ويحسن التنبيه هنا على جملة أمور:


1- لا تلازم بين الجزم بصحة كتاب، والحكم بعصمة صاحبه، فقد يؤلف عالمٌ كتابًا محرَّرًا، ويُعينه بعض أهل العلم على مراجعته والتدقيق فيه، بحيث يجزم العالم بصحة ذلك الكتاب، وعدم وقوع خطأ فيه، أو صحة غالب الكتاب.


ومع الجزم بصحة ذلك الكتاب الذي تحرى فيه مؤلفه، وراجعه علماء آخرون، لكننا لا نحكم بعصمة مؤلفه، بل هو بشرٌ يخطئ ويصيب!


وهذا الكلام ظاهر.





2- لم يقل أحد بصحة كل حديث في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم، وإنما جزم أهل العلم بصحة أحاديث الصحيحين من حيث الجملة، بعد أن فرزوهما، ودققوا فيهما، ونقدوهما، فأجمعوا على صحة عامة أحاديثهما، وثبوتها، واختلفوا في بضعة أحاديث، بعضهم رأى صحة بعضها، وبعضهم رأى عدم صحتها، ولم يحابوا البخاري ولا مسلمًا، لأن هذا دينٌ لا مجاملة فيه، والأحاديث التي اختلفوا فيها قليلة جدًا.


مع التنبه إلى أن غالب هذه الأحاديث المنتقدة –على ندرتها- إنما يتصل بقضايا علم العلل، وترجيح إسناد على إسناد، ولفظ على آخر، مع ثبوت أصل الحديث في غالب تلك المواضع.





3- لا مانع أن ينتقد عالمٌ حديثًا في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم، إذا كان من أهل العلم بالحديث وعلله، فإن هذا دينٌ يَدِين الله به، وأما الكلام بغير علم فغير مقبول.


والناس يرفضون كلام غير المتخصص في العلوم الدنيوية، كمن ينتقد الأطباء وهو غير متخصص في الطب، أو الفلكيين مع عدم علمه بالفلك، ويعدُّون هذا نوعًا من السَّفَه، فكذلك الكلام في علم الحديث تصحيحًا وتضعيفًا، فهو علمٌ له قوانين، وله تاريخٌ كبير، أصَّله أئمة الإسلام من عهد الصحابة رضي الله عنهم، ثم من جاء بعدهم من التابعين وأتباعهم.





4- إذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجوز ردُّه بحجة مخالفته للعقل، فإن العقل الصريح لا يمكن أن يخالف النقل الصحيح، وإن توهم بعض الناس المخالفة؛ فإنما هي مخالفة لما يعقله هو، وليست مخالفة للعقل.


وكم نجد من يدعي مخالفة بعض نصوص القرآن للعقل! وعند التأمل تجد أن المخالفة غير متحققة، وإنما هي مخالفة متوهمة، تزول بعد النظر والتأمل ومراجعة المختصين.


وقد يقع مثل هذا في نفس العالم وقلبه؛ فيتوهم التعارض في جملة من النصوص؛ لكن ذلك كله يزول بعد النظر والتأمل، وجمع النصوص بعضها إلى بعض، وفهم دلالات الألفاظ، ودرجاتها، والترجيح بينها.


وقد صنف أهل العلم من السلف فمن بعدهم؛ مصنفات كثيرة في دفع التعارض عن نصوص القرآن والسنة، وكذلك دفع معارضتها للعقل.





عبدالله بن جابر الحمادي