الإساءة إلى الإسلام في الغرب.. حرية تعبير أم وجدان صليبي
بقلم: حسين حسيني معدي من كتاب "الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عيون غربية منصفة".
لوحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع نبرة الإساءة إلى الإسلام، والهجوم على رموزه في الأوساط الثقافية والفكرية، بل والسياسية في الغرب، وفى الحقيقة فإن الكيد للإسلام، والإساءة له ليس أمرا جديدا على الغرب، الجديد فقط هو ارتفاع تلك النبرة، والأمر لا يرتبط هنا بحالة رد الفعل المزعومة بسبب أحداث 11 سبتمبر، ولكنه يضرب في جذور تلافيف العقل الغربي قبل سبتمبر 2001 وبعده، فالجندي الإيطالي الذي كان يذهب إلى ليبيا لاحتلالها كان ينشد لأمه:
أماه ... أتمي صلاتك.. لا تبكى، بل اضحكي وتأملي، أنا ذاهب إلى طرابلس، فرحا مسرورا، سأبذل دمى في سبيل سحق الأمة الملعونة، سأحارب الديانة الإسلامية، سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن([1]).
وكتبت جريدة فرنسية سنة 1926 تقول: «لقد استسلم عبد الكريم الخطابي من غير شروط، وخضع لحماية فرنسا، ذلك ما كنا نبغي، فالحادث مهم، فهو يضرب الإسلام في الصميم، وبوسعنا الآن أن نفتك بهذا الدين الفتك الذريع»([2]).

والجنرال بيجو القائد العسكري الفرنسي في الجزائر حدد هدف الغزو «أن أيام الإسلام الأخيرة في الجزائر قد اقتربت»، وكان يقتل الرجال والنساء ويأتي بالأطفال ويسلمهم إلى القسيس بريمو «الذي صاحب الغزو الفرنسي» قائلا له: «حاول يا أبت أن تجعلهم مسيحيين»، ويلخص نفس الجنرال المسألة بكاملها قائلا: «إن العرب لن يكونوا لفرنسا إلا حينما يصبحون مسيحيين»([3]).
وقبل ذلك فإن المسألة برمتها يلخصها قول الأب أربان الثاني مفجر الحروب الصليبية في مجمع كلير مونت عام 1095 م «أيها الجنود المسيحيون ...اذهبوا وخلصوا البلاد المقدسة من أيدي الأشرار، اذهبوا واغسلوا أيديكم بدماء أولئك المسلمين الكفار»([4]).
نحن إذن أمام وجدان صليبي، وعداء وحقد على الإسلام قديم جديد، وليست عملية الإساءة إلى الإسلام إلا الجزء الطافي من جبل الجليد، بل إن عملية محاولة اجتثاث الإسلام ذاته هي محاولة لم تتوقف قط منذ مئات السنين، وشهدت عمليات إبادة، مذابح، تبشير، حرب ثقافية- غزوات.. الخ.
وأعتقد أن السبب الرئيسي لتلك المحاولات المستمرة لتشويه الإسلام والإساءة إلى رموزه بالإضافة إلى الحقد الصليبي المعروف، هو نوع من الهزيمة الداخلية في العقل المسيحي الغربي، فالخوف من انتشار نور الإسلام، وبسبب صحة العقيدة الإسلامية بكل المقاييس العقلية والنفسية والعلمية، والأدبية دفعت دهاقنة الغرب لمحاولة تشويه الإسلام، ومن ثم حجب نوره عن أعين الأوروبيين، والإساءة إلى الإسلام لا تتم في الغرب فقط، بل يقوم بها أيضا عملاء محليون يدفع لهم الغرب هذا الثمن من الأموال والجوائز والمنح العلمية والأدبية ... الخ، وهؤلاء ما هم إلا طابور خامس يردد أقوال مستشرقي الغرب كالببغاء، وهم بالطبع لا يتمتعون باحترام أهاليهم، ولا احترام الغرب ذاته لأنهم مجرد عملاء.
بالنسبة لنا كمسلمين فإن الإساءة إلى الإسلام هي نوع من الكفر البواح، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بحرية التعبير المزعومة، وتقتضى بالطبع عقوبة يقررها العلماء المسلمون ولكن الغرب يزعم أن حرية التعبير هي الدافع وراء هذا السيل من الإساآت للإسلام، وأنه من ثم لا يستطيع أن يصدر قرارات إدارية بمنع ذلك، لأن ذلك يتعارض مع حرية التعبير المزعومة، وفى الحقيقة فإن ذلك كذبا وخداعا، فحرية التعبير المزعومة تلك لم تمنع بلدا كفرنسا من مصادرة كتب أحمد ديدات في فرنسا، ولم تمنع من محاكمة روجيه جارودي لمجرد أنه شكك في أرقام الضحايا اليهود في أفران هتلر.
وهى أمور تدخل في باب السب والقذف وليس حرية التعبير، نفس الأمر ينطبق على تصريحات قساوسة النصارى في أمريكا أمثال: بات روبرتسون، وجراهام بل، الذي وصف رسول الإسلام- صلّى الله عليه وسلم- بالهمجية والعدوان، وتنطبق على حاخامات اليهود من أمثال «عوفاديا يوسفت» الذي وصف المسلمين بالصراصير، والحشرات التي ينبغي سحقها بالأقدام، الإساءة للإسلام لم تتوقف عند هذا الحد، ولكنها وصلت إلى تمزيق المصاحف وتلويثها بالنجاسات، والسير عليها بالأقدام في معسكر جوانتانامو- واعترفت الإدارة الأمريكية بذلك!!. وكذلك نفس الشيء في سجن «مجدو» الإسرائيلي، الأمر الذي دفع المعتقلين الفلسطينيين إلى الإضراب عن الطعام، لوقف الإساءة إلى رموز الإسلام.

والحملة الصحفية في الدانمارك والتي تم فيها التطاول على الإسلام، ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، تأتى في نفس الإطار فإذا احتج المسلمون، زعمت حكومات الغرب أن ذلك خارج إطار سلطاتها، لأنه يدخل في باب حرية التعبير المزعومة، والحقيقة أنه سب وقذف حتى بمعايير الغرب وقوانينه ذاتها.

والحديث الغربي عن الحرية والديمقراطية أصبح حديثا مفضوحا، بعد ما حدث في جوانتانامو وأبو غريب وقلعة جانجى بأفغانستان وغيرها مما رصدته واعترفت به منظمات حقوقية دولية، لا يمكن اتهامها بالانحياز إلى الإسلام مثلا.

ولكن على أي حال سنجارى الغرب في أكاذيبه حول حرية التعبير، ونقبل أن نأخذ بمعاييره مؤقتا للحكم على سيل الإساآت للإسلام في الغرب، فالمدعو سلمان رشدي مثلا الذي احتفى به الغرب ومنحه الحماية والجوائز والتقدير لم يقدم كتابا مثلا في مناقشة الأفكار الإسلامية، بل قدم قذفا صريحا في حق أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم، وأساء إلى الرسول- صلّى الله عليه وسلم- والصحابة وافترى على الجميع افتراآت منحطة وكلها أمور تخضع للعقوبة في أي قانون غربي، فحرية التعبير غير السب والقذف والافتراء والكذب بالطبع، نفس الأمر ينطبق على المدعوة «تسليمة نسرين» وهى كاتبة بنغالية الأصل، حذت حذو سلمان رشدي، في الإطار نفسه سمعنا تصريحات من رئيس الوزراء الإيطالي «بيرلسكونى» الذي وصف الحضارة الإسلامية بالانحطاط، والكاتبة الإيطالية «إيريا فلاشيا» التي وصفت الإسلام بكل الأوصاف المنحطة من أنه دين متخلف ووثني وعدواني بل ومقيد!! والحقيقة المريرة أن هناك أولا ضعفا عاما لدى المسلمين وجماعاتهم، وهيئاتهم الدينية والدبلوماسية على حد سواء تغرى الآخرين بامتهان المقدسات الإسلامية والإساءة إلى الرموز الدينية، ووصل الأمر إلى حد الدعوة لضرب الكعبة الشريفة، وهدم مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم، وهى دعوة تكررت كثيرا في الصحف الأمريكية.

والسؤال الآن ... أين بعض الحكومات العربية والإسلامية؟! أين الأزهر أين المؤسسات الدينية ... أين منظمات المجتمع الأهلي التي تقيم الدنيا وتقعدها إذا حدث اعتداء مزعوم على مسيحي أو يهودي!! أين المعتصم الذي سير الجيوش لمعاقبة الرومان لمجرد الاعتداء على سيدة واحدة مسلمة، والتي هتفت في عمورية، «وا معتصماه» فاستمع إليها الخليفة المعتصم في بغداد على بعد مئات الأميال، واستجاب لندائها، نرجو من الله العلى القدير أن يجعل أكثر من معتصم بين حكام المسلمين، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} (التوبة: 32) .


[1] ـ محمد جلال كشك ... القومية والغزو الأمريكى.
[2] ـ 28 /5 /1926 -da depeche de constasntine.
[3] ـ د/ محمد مورو- الجزائر تعود لمحمد- المختار الإسلامي- 1992.
[4] ـ د/ سيد عبد الفتاح عاشور- الحروب الصليبية- مكتبة الأنجلو المصرية.