هذا الحديث صحح إسناده العلامة الألباني رحمه الله في ((الصحيحة))، وقد رأيت - بعد تحقيقي للحديث - أنه لا يثبت، فأرجو من إخواني مشاركتي الرأي.
الحديث:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ حَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ صَاحِبِ كُلِّ بِدْعَةٍ».
تخريج الحديث:
ضعيف، ومعناه منكر:
رواه: الطبراني في ((الأوسط)) (4202)، والبيهقي في ((الشعب)) (9011)، والهروي في ((ذم الكلام وأهله)) (5/ 153)، وابن عبد الهادي في ((جمع الجيوش والدساتر على ابن عساكر)) (120)، وغيرهم، من طريق: هَارُون بْن مُوسَى الْفَرْوِيِّ قَالَ: أخبرنا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، به.
قال الألباني رحمه الله ((الصحيحة)) (1620): وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير هارون بن موسى وهو الفروي، قال النسائي وتبعه الحافظ في ((التقريب )): لا بأس به.
وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 189): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرَ هَارُونَ بْنِ مُوسَى الْفَرْوِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب))(1/ 86): رواه الطبراني وإسناده حسن.
قلت: والذي يظهر لي أن هذا الحديث لا يُحتمل من مثل هارون بن موسى، فإنه - وإن كان قد وثقه الدارقطني - إلا أن أبا حاتم قال عنه: شيخ.
وَقَال النَّسَائي: لا بأس به.
وتبعه ابن حجر في ((التقريب)).
وقد استنكر الحديثَ - أيضًا – الذهبيُّ رحمه الله؛ حيث قال في ((ميزان الاعتدال)) (9175): هارون بن موسى الفروى، شيخ صدوق مِنْ شيوخ النسائي، روى الساجي، وابن ناجية عنه، عن أبي ضمرة، عن حُمَيْدٍ، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إِنَّ اللَّهَ حَجَبَ التَّوْبَةَ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ»، هذا منكر.
والحديث رواه – أيضًا -: البيهقي في ((الشعب)) (6846) و(9010)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (37)، وابن وضاح في ((البدع)) (146)، وابن عدي في ((الكامل)) (7/ 505)، وابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (211)، و(212)، خمستهم من طريق: بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، به.
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ؛ مجهول، منكر الحديث؛ كما قال ابن عَديٍّ، وغيره،؛ فهو إسناد واه؛ لا يُتَقَوَّى به.
قلت: فعاد الحديث إلى هَارُونَ بْنِ مُوسَى الْفَرْوِيِّ، ولا يحتمل منه -كما تقدم – ومعناه منكر؛ كما ذكر الذهبي وغيره؛ خاصة ونحن نرى كثيرًا مِنْ أهل البدع يتوب إلى الله تعالى، ويرجع عن بدعته.
قال ابن عدي في ((الكامل)) (7/ 505): بعدما روى عدة أحاديث عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبد الرَّحْمَنِ الْقُشَيْرِيِّ، منها هذا الحديث: ((وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبد الرَّحْمَنِ الْقُشَيْرِيِّ بِأَسَانِيدِهَا كُلُّهَا مَنَاكِيرُ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَمِنْهَا مَا مَتْنُهُ مُنْكَرٌ، وَمُحَمَّدٌ هَذَا مَجْهُولٌ، وَهو مِنْ مَجْهُولِي شُيُوخِ بَقِيَّةَ)).
وقال ابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (1/ 145) بعدما روى الحديث مِنْ طريقين عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ((هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَدَارُ الطَّرِيقَيْنِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيِّ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَجْهُولٌ، وَهُوَ مِنْ مَشَايخِ بَقِيَّةَ الْمَجْهُولِ([1]))). والله أعلم.
[1])) هكذا في الأصل : ((المجهول))، وهو تحريف، والصواب: المجهولين.