تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مكانةُ ابن القَيِّم في نقدِ الرِّجَال

  1. #1

    افتراضي مكانةُ ابن القَيِّم في نقدِ الرِّجَال

    لقد خاضَ ابن القَيِّم - رحمه الله - غمار هذا الفن بعد أن استقرت قواعده، وَدُوِّنَت أقوال الجهابذة النقاد في الرجال جرحاً وتعديلاً، فلم يبق أمام من جاء بعد إلا النظر في أقوال المتقدمين، والاعتماد عليها في الحكم على الرواة.
    وبذلك بقيت جهود المتأخرين - ممن صَنَّفَ في الرجال - محصورة في: تهذيب هذه المؤلفات السابقة واختصارها، أو الجمع بينها، ونحو ذلك من فنون التصنيف وأغراضه المختلفة.
    ولكن ذلك لا يمنع من القول: بأنه قد بَرَزَتْ - أيضاً - جهود لبعض الجهابذة النقاد، الذين كان لهم أثرٌ واضحٌ في تحرير وتنقيح الكثير من قواعد هذا الفن، ووضع كل راو في مرتبته اللائقة به، والترجيح بين الأقوال المختلفة في الراوي، إلى غير ذلك من الجهود الموفقة في هذا الباب. وكان على رأس هؤلاء الأئمة: الحافظ الذهبي، والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى.
    وعلى الرغم من قيام هذه المحاولات العديدة في زمن ابن القَيِّم رحمه الله، إلا أنه لم يضع كتاباً في الرجال، وإنما جاءت أقواله وإفاداته منثورة في أثناء كتبه، عند كلامه على الأحاديث.
    ولكن عدم وجود مُصَنَّفٍ لابن القَيِّم في هذا الباب لا يَنْفِي أن له فيه مشاركة فعالة، فقد كانت له شخصيته الواضحة المتميزة، وإسهاماته العديدة في الكلام على الرجال جرحاً وتعديلاً، بحيث لو جُمِعَت أقواله المنثورة في أثناء كتبه، لأعطت صورة حقيقية عن جهد ابن القَيِّم وإفاداته في هذا الباب، ولجاءت مرجعاً لا يُستهان به في هذا الفن.
    والذي يَهُمُّنَا في هذا المقام: أن ابن القَيِّم - رحمه الله - بالرغم من وجود هذا القدر الهائل من المؤلفات في الرجال، واطِّلاعه عليها، وإفادته منها، لم يكن مجرَّد ناقلٍ لأقوال غيره فحسب، وإنما كانت له شخصيته النقدية المتميزة، الأمر الذي أعطى لأحكامه النقدية قِيمة حقيقية، وفائدة لا يمكن إغفالها.
    وتتلخص أهمية أقوال ابن القَيِّم في الجرح والتعديل وأحكامه فيما يلي:
    1- اجتهاد ابن القَيِّم - رحمه الله - في شأن بعض الرواة المختلف فيهم جرحاً وتعديلاً، بحيث أعطى لنا - بعد الدراسة والنظر - حُكْماً في هؤلاء: إما بترجيح أحد الأقوال على غيره، أو بالجمع بين تلك الأقوال المتعارضة.
    فمن أمثلة ما قام فيه بالترجيح:
    ما جاء في كلامه على "زيد بن الحواري"، فإنه نقل فيه اختلاف العلماء، ثم رجح جانب التعديل، فقال: "وحسبه رواية شعبة عنه".
    وقال عن "سعد بن سعيد الأنصاري" مرجحاً تعديله:"ثقةصدوق روى له مسلم، وروى عنه: شعبة، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وابن جريج، وسليمان ابن بلال. وهؤلاء أئمة هذا الشأن".
    ويرجح - رحمه الله - جانب توثيق "عمرو بن شعيب"، فيقول عند كلامه على حديث سقوط الحضانة بالتزويج: "وقد صَرَّح بأن الجد هو عبد الله بن عمرو - يعني في الحديث المذكور -، فبطل قول من يقول: لعله محمد والد شعيب، فيكون الحديث مرسلاً. وقد صحَّ سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، فبطل قول من قال: إنه منقطع، وقد احتجَّ به البخاري خارج "صحيحه" ونصَّ على صحة حديثه، وقال: كان عبد الله بن الزبير الحميديُّ، وأحمد، وإسحاق، وعلي بن عبد الله يحتجون بحديثه، فمن الناس بعدهم؟! ".
    وقال عن عكرمة: "فإن الناس احتجوا بعكرمة، وصحح أئمة الحفاظ حديثه، ولم يلتفتوا إلى قدح من قدح فيه".
    2- بيان ابن القَيِّم - رحمه الله - مرتبة كثير من الرواة في عبارة موجزة جامعة، وقد يكون ذلك: بكلمة أو كلمتين أو أكثر، وذلك نتيجة دراسته لأقوال العلماء ونظره فيها، ثم الخروج بهذا الحكم المختصر الجامع.
    ولاشكَّ أن لذلك فائدةً كبيرة، وبخاصة لمن يريد الحكم في الراويخالصاً، دون الدخول إلى تلك الكتب المطولة، والبحث فيها.
    وهذه الأحكام المختصرة المعتصرة تُمَثِّل جانباً كبيراً من كلام ابن القَيِّم - رحمه الله - في الرجال، ومن أمثلة ذلك: قوله في الراوي: "ثقة"، أو: "ضعيف"، أو: "لا يحتج به". أو: "متروك"، إلى غير ذلك من الأحكام التي صاغها - رحمه الله - بعد دراسة الرجل، مختصراً بذلك تلك الأقوال المتعددة التي قيلت فيه.
    3- اعتماد بعض الأئمة الحفاظ على أقوال ابن القَيِّم في الجرح والتعديل؛ كالحافظ ابن حجر رحمه الله، فقد نقل عنه في (لسان الميزان) في ترجمة "العلاء بن إسماعيل العطار"، حيث قال فيه: "مجهول". ونقل عنه أيضاً في: (تهذيب التهذيب) ، في ترجمة عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، فقال: "قال أبو عبد الله بن القَيِّم في كتاب "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم": مجهول لا يعرف في غير هذا الحديث، ولم يذكره أحد من المتقدمين".
    ولا شك أن نقل مثل ابن حجر - مع سعة اطلاعه، وطول باعه في هذا الفن - عن ابن القَيِّم رحمه الله، لَيُعَدُّ دليلاً على القِيمة العلمية لإسهامات ابن القَيِّم وأقواله في نقد الرجال.
    4- العبارات القوية والفريدة التي أطلقها ابن القَيِّم على بعض الرواة، ومنها ما لم يستعمله أحد - فيما أعلم - قبله. ولاشك أن هذه العبارات تمثل إضافات جديدة - لها قيمتها - إلى قاموس ألفاظ الجرح والتعديل.
    5- تعقبات ابن القَيِّم واستدراكاته على بعض الأئمة، والتنبيه على بعض الأوهام التي وقعت لبعضهم في الجرح والتعديل.
    فمن ذلك: أن ابن حزم - رحمه الله - حكَم على مُطَرِّف بن مصعب - في سند حديث عند ابن ماجه - بالجهالة، فَتَعَقَّبَهُ ابن القَيِّم - رحمه الله - قائلاً:"ليس هو بمجهول، ولكنه ابن أخت مالك، روى عنه البخاري، وبشر بن موسى، وجماعة. قال أبو حاتم: صدوق مضطرب الحديث ... وكأن أبا محمد بن حزم رأى في النسخة: مطرف بن مصعب فَجَهَّلَهُ، وإنما هو: مطرف أبو مصعب، وهو مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار".
    ومن ذلك أيضاً: أن الحاكم أبا عبد الله قال في عاصم بن كليب: "لم يخرج حديثه في الصحيح". فقال ابن القَيِّم رحمه الله: "وليس كما قال، فقد احتج به مسلم، إلا أنه ليس في الحفظ كابن شهاب وأمثاله".
    ورد على ابن حزم تضعيفه "الحارث بن أبي أسامة" بقوله: "فإنما اعتمد في ذلك على كلام أبي الفتح الأزدي، ولا يلتفت لذلك". والأمثلة في هذا الصدد كثيرة.
    تلك أبرز الفوائد التي اشتمل عليها كلام ابن القَيِّم - رحمه الله - في الرجال، والتي يمكن أن تعطينا تصوراً عاماً عن أهمية ما جاء عن ابن القَيِّم - رحمه الله - من كلام في نقد الرجال وبيان مراتبهم.
    وأخيراً أستطيع القول: إن ابن القَيِّم - رحمه الله - بهذه المشاركات الفعالة في الجرح والتعديل، يُعَدُّ واحداً من نُقَّادِ هذا الفنِّ المعتبرين الذين لا ينبغي إغفال جهدهم في هذا المجال.

    __________________
    ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها لجمال بن محمد السيد
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,610

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الأكرم الجزائري مشاهدة المشاركة

    ولكن عدم وجود مُصَنَّفٍ لابن القَيِّم في هذا الباب لا يَنْفِي أن له فيه مشاركة فعالة، فقد كانت له شخصيته الواضحة المتميزة، وإسهاماته العديدة في الكلام على الرجال جرحاً وتعديلاً، بحيث لو جُمِعَت أقواله المنثورة في أثناء كتبه، لأعطت صورة حقيقية عن جهد ابن القَيِّم وإفاداته في هذا الباب، ولجاءت مرجعاً لا يُستهان به في هذا الفن.
    والذي يَهُمُّنَا في هذا المقام: أن ابن القَيِّم - رحمه الله - بالرغم من وجود هذا القدر الهائل من المؤلفات في الرجال، واطِّلاعه عليها، وإفادته منها، لم يكن مجرَّد ناقلٍ لأقوال غيره فحسب، وإنما كانت له شخصيته النقدية المتميزة، الأمر الذي أعطى لأحكامه النقدية قِيمة حقيقية، وفائدة لا يمكن إغفالها.
    جزى الله الإمام ابن القيم رحمه الله خيرا
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •