تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    بسم الله الرحمن الرحيم


    ’’ رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض ‘‘


    فجعت أمة الإسلام بوفاة معالي الشيخ العلامة المتفنن بكر بن عبد الله أبو زيد ، حيث استوفى أجله عصر يوم الثلاثاء 28 محرم 1429هـ ، و قد بلغ من العمر 64 عاماً ، رحمه الله رحمة واسعة ، و أسكنه فسيح جناته .


    قال رسولنا الكريم ـ عليه الصلاة و التسليم ـ : ( أعمار أمتي بين الستين و السبعين ، و أقلهم من يجوز ذلك ) .


    و شاء الله ـ جل و علا ـ أن أكون ليلة الثلاثاء ـ و قبل أن أخلد إلى النوم بقليل ـ أراجع أمرا في إحدى رسائل الشيخ القيمة ، فلما قرأت من الغد خبر وفاته ـ رحمه الله ـ على شبكة الإنترنت ، وجدت لفقده من الحزن و الأسف ما لا أجده لفقد قريب ، و تذكرت قول أيوب السختياني ـ رحمه الله ـ : ( إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة ؛ فكأني أفقد بعض أعضائي ) ، كيف و الرجل الذي فقدناه جبل في السنة ؟!


    قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ : ( إنما الناس بشيوخهم ، فإذا ذهب شيوخهم تودع من العيش ) .


    و ليس مثلي من يتحدث عن الشيخ ـ رحمه الله ـ ؛ و عن علمه و فضله و خلقه ، و لكنها نفثات مصدور ، و أحزان قلب مفطور ، و من يكتم داءه يقتله .


    و صاحبكم لم يعرف الشيخ إلا من خلال كتبه التي انتشرت في الآفاق انتشار الشمس ، و كفى بها دليلا لمعرفة الرجل ، و أنعم بها ميزانا للعلم و العمل ، و صدق من قال : أبو الإفادة أقوى من أبي الولادة ، ( النظائر ص 283 ) .


    و الناظر في كتب الشيخ بكر ـ رحمه الله ـ يجدها قد جمعت إلى القوة العلمية ، و الحجة الشرعية ؛ بلاغة القلم ، و فصاحة الأسلوب ، مع تنوع في الفنون ، و تبحر في العلوم ، قل أن تجد مثله بين علماء عصره أو من يدانيه .


    و كتبه ـ رحمه الله ـ قد حوت بديع الفوائد ، و عزيز الشوارد ، مع جمع للأشباه و النظائر ، و ضم لعجيب الطرائف، و غريب اللطائف، و ليس الخبر كالمعاينة .


    و أبرز ما تميز به الشيخ ـ رحمه الله ـ في مجال التأليف و التصنيف ؛ تأنيه في طبع كتبه مهما بلغت في الإتقان غايته ، و في الكمال منتهاه ، فتجده يكتب الكتاب و يجعله حبيس أدراجه ، و لا يسارع إلى طبعه و إخراجه ، فلا يزال يمعن فيه النظر ـ مراجعة و تصحيحا ـ ، و يعمل فيه القلم ـ تهذيبا و تنقيحا ـ ، فلا يخرج إلى الوجود إلا و قد صار قرة عين الناظر ، و مرجع الباحث و المحاضر .


    قال ـ رحمه الله ـ في مقدمة ( جزئه في زيارة النساء للقبور ) ما نصه : (( هذا الجزء الحديثي الفقهي من أوائل ما كتبت عام 1385هـ ، و قد أنست بإعداده و صياغته ، ثم إنه من فضل الله ـ سبحانه ـ علي ، أن الأنس به لم يدفعني إلى تقديمه للطبع ، و لا تقديم غيره مما جرى إتمامه إلا بعد أن أنهيت جميع مراحل الدراسة النظامية حتى " العالمية العالية " .


    و قد كان من خبر هذا الجزء أني لم أطبعه إلا بعد عشرين عاما ـ تقريبا ـ من تأليفه ، و بعد المذاكرة به مع بعض أهل العلم قبل طباعته و في دور كتابته .


    و هذه لفتة أدعو إليها كل طالب علم ؛ أن لا يسارع إلى التأليف و النشر و هو في مراحل الطلب ، و إن كتب فلا يدفعه إلى الطبع و النشر إلا بعد إتمام المراحل النظامية ، و يأنس من نفسه التأهل و الرشد لنشر ما كتب ، مع إعادة النظر ، و تركه غُفلا ، و إلحاح في سؤال الله تعالى الخيرة فيما يأتي و يذر ، و إعمال المشورة و عرض ما كتبه على من يثق بدينه و علمه ، و يأنس برأيه ، فإنه لن يعدم خيرا . و الله ـ سبحانه ـ من وراء كل عبد و مقصوده و قصده )) ، ( الأجزاء الحديثية ص 107- 108 ) .


    و مما يُذكر هنا ؛ أن هذا الجزء قد نشر منسوبا إلى الشيخ حماد الأنصاري ـ رحمه الله ـ ، مما جعل بعض من ترجم للشيخ يعده ضمن مؤلفاته ، انظر ( المجموع في ترجمة المحدث حماد الأنصاري 1/ 36 ، 98 ، 183 ) ، و ليس الأمر ـ على التحقيق ـ كذلك ، فليصحح .


    قال الشيخ بكر حين ذكر مذاكرته أهل العلم بالجزء المذكور : (( و قد كان لفضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري ـ أثابه الله ـ فضل على نحو ما ذكرت في مقدمة الطبعة الأولى 1403هـ ، و قد نسخ صورة منه بقلمه في ( مجاميعه ) و مع طول المدة قدمه للنشر في بعض الدوريات بعنوان ( كشف الستور عن حكم زيارة النساء للقبور ) ـ الاسم الذي كنت سميته به أولا ـ ، فلما هاتفته في ذلك أبدى ـ أحسن الله إليه ـ أن ذلك وقع خطأً لعامل السنيان مع طول المدة ، ثم بعث إلي بخطاب ـ لدي ـ يعتذر فيه عن ذلك . و هذا يدل على نبله و فضله ، و وفور علمه و ورعه ، و الأمر عندي سهل ، و الحمد لله رب العالمين )) ، ( المصدر السابق ، حاشية ) .


    و كأني بالشيخ بكر يتمثل قول الإمام الشافعي : ( وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إلي حرف منه ) ، رحم الله الجميع .


    و لما جرنا القلم إلى ذكر الشيخ المحدث العلامة حماد الأنصاري ، يحسن أن نذكر شيئا من ثنائه على تلميذه الشيخ بكر أبو زيد ـ رحمهما الله تعالى ـ .


    قال الشيخ حماد ـ رحمه الله ـ : (( إن الشيخ بكر أبو زيد حريص و مجتهد ، رأيت منه حرصا ما رأيته في أحد ، و كان تلميذي الخاص ، لا يغادر مكتبتي ، و كنت أعرِّفه بالمراجع )) ، ( المجموع في ترجمة المحدث حماد الأنصاري 2 / 676 ) .


    و قال أيضا : (( إن الشيخ بكر أبو زيد تعلم على يدي و قد تولى القضاء في المدينة النبوية ، و كان إماما للحرم النبوي ، و كان يكثر الإطلاع في مكتبتي ، و قلمه سيال )) ، ( السابق 2 / 631 ) .


    بل كان يخاطبه بـ ( الأستاذ الكبير ) ، و يقول له : لقد أفدتنا كثيرا ، ( السابق 2 / 624 ) .


    رحم الله الأستاذ و التلميذ ، و نفع بعلمهم و كتبهم .


    و بعد ، فالشيخ الراحل لم يكن لأحد دون أحد ، بل كان كالشمس لجميع الناس ، و فقده لا يحزن قريبا دون بعيد ، و أوفر الناس حظا من الأسى لهذا الخطب هم أعرف الناس بقيمة الفقيد ، و بقيمة الخسارة بفقده للعلم و الإسلام .


    فأحسن الله عزاءنا في فقد ذلك البحر الذي غاض ، بعد أن فاض ، ببقاء آثاره في الحياض ، و أنهاره في الرياض ، و إن كانت التعازي تعاليل ، لا تطفىء الغليل ، و لكنها على كل حال تحمل بعض الروح من كبد تتلظى شجنا ، إلى كبد تتفطر حزنا.


    واحسرتاه ! رحم الله الفقيد الجليل ، و جزاه عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء و أوفاه ، و جعل الجنة مثوانا و مثواه ؛ جزاء ما بث من علم ، و زرع من خير ، و لله ذلك اللسان الجريء ، و ذلك الجنان المشع ، و ذلك الرأي الملهم ، و إنا ـ و الله ـ لفقدك يا شيخنا لمحزونون ، و لا نقول إلا ما يرضي ربنا ، ( آثار الإبراهيمي 2 / 37 بتصرف ) .


    و الحمد لله رب العالمين .

    فريد المرادي .

    الجزائر : 29 محرم 1429هـ .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    196

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    رحم الله شيخنا رحمة واسعة، وقيض للأمة خلفا بعده.
    ومامن كاتب إلا ويفـنى ... ويُبقي الدهر ماكتبت يداه
    فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه

  3. #3

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    ... بارك الله فيك ...

    رحم لله الشيخ رحمة واسعة
    هل ممكن شرح العنوان لو سمحت ؟

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    24

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    شكر الله لك أيها الكريم ، الأستاذ الفاضل / فريد المرادي
    وأثابك الخير الكثير على وفائك ونبلك .
    ورحم الله الشيخ الجليل رحمة واسعة ، وأبدل الأمة بمصيبة الموت فيه خيرا منها .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    الأخ الغالي / فريد المراديّ :

    أكرمكُم اللَّـهُ ، ورفعَ قَدركُم ، وأعلى ذكركم ، وأعظم أجركم.



    رحم اللَّـهُ العلّامة بكرًا .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    406

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    بارك الله فيك يا أخي فريد
    ورحم الله الشيخ بكرا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    الإخوة الكرام : بارك الله فيكم جميعاً ، و أثابكم على طيب عباراتكم ...

    الأخت الكريمة / أم معاذة : الأمر واضح إن شاء الله ، و فقك المولى ...

    يقال : غاض الماء إذا قل و نقص ، و فاض إذا كثر حتى سال ...

    قال الله تعالى : ( و غيض الماء ) ؛ أي : نضب الماء من الأرض و شرع في النقص ...

    و هذا غيض من فيض !!!

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    فائدة :

    (( كان [ سماحة الشيخ الإمام ابن باز ـ رحمه الله ـ ] يعجب كثيراً من أساليب صاحب المعالي العلامة الشيخ الدكتور بكر أبو زيد [ رحمه الله ] ، و كان يقول متعجباً : من أين يأتي الشيخ بكر بهذه الأساليب ، و التراكيب ؟ ! )) ، ( جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز ص 263 ) .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    219

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض


    بارك الله فيك يا شيخ فريد على هذه الكلمات الرقراقة.
    بصراحة أفضل ما قرأت في ما كتب في وفاة الشيخ.
    وفي مستدرك الحاكم وغيره أن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما قال لما دفن شيخه زيد بن ثابت -رضي الله عنه- : ( هكذا ذهاب العلم، لقد دفن اليوم علمٌ كثير ).
    فرحم الله الشيخ بكرا.
    اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا في خيرٍ منها.

    { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } (البقرة: 235)

  10. #10

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    أحسن الله إليك
    فإنك قلبت المواجع، والله المستعان
    حصل وأن توفي من أقاربي، وما استطعت حتى البكاء
    لكن الشيخ بكراً؛ ما إن رأيت خبر وفاته منشوراً على الشبكة، حتى تفطر قلبي
    وودت أني ما اطلعت على الخبر، ولا سمعت
    وجلست برهة في مكاني وأنا غير مصدق
    هل مات الشيخ ؟
    رحم الله الشيخ، وأسكنه فسيح جناته

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    126

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    الأخ الكريم, المرادي, جزاك الله خيراً.
    ورحم الله الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد.
    ((وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا)).

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    بارك الله فيكم جميعاً ، و شكر لكم حسن ظنكم ...

    ( تنبيه لإخواني : لست بشيخ و لا أستاذ ، غير أني أخ لكم في الله ، فغفر الله لكم )

  13. #13

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    لعل أهم ما تركه العلامة بكر أبو زيد رحمه الله تعالى تلك الرسالة العظيمة قدرها والتي أشرف أحد أساطين العلم على شرحها وهي:
    حلية طالب العلم والشارح هو الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى.
    وكذا اعتناءه بتراث الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.

    وقد شهد بحسن أدبه وفصاحته وأسلوبه المميز في خطابه للناس الشيخ عبد المجيد جمعة الجزائري في مقدمة كتابه: اختيارات ابن القيم الفقهية.

    رحمه الله أئمتنا من أولهم النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه مرورا بصحابته والتابعين والأئمة والعلماء الربانيين وعلمائنا المعاصرين ونحن على الركب سائرين على الأمة ظاهرين لا يضرنا من خذلنا ولا من عادانا

    اللهم ارحمه رحمة واسعة.

    أخي فراد المرادي اختيارك للمواضيع مميز جدا!
    جزاك الله خيرا وجعل مجهودك في ميزان حسناتك يوم العرض.

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    479

    افتراضي رد: رحم الله البحر الذي غاض بعد أن فاض

    الأخ الكريم أحمد أبو المنـذر : جزاك الله خيرا على تعليقك الطيب ، وبارك في جهودك ،،،

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •