الدرس التاسع عشر


توسط خبر إنَّ وأخواتها

إنَّ وأخواتها لا يجوز أن يتوسط خبرها بينها وبين اسمها فلا يقال: إنَّ قائمٌ زيدًا، إلا إذا كان الخبر ظرفًا أو جارًا ومجرورًا.
مثل: إِنَّ خلفَ الجدارِ حديقةً، وإنَّ في الدارِ زيدًا.
قال تعالى: ( إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيمًا ) فلدينا: ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم لأنَّ، أنكالا: اسم إنَّ المؤخر، و: حرف عطف، جحيما: اسم معطوف على أنكالًا. والأنْكال جمع نِكْل وهي القيود الثقال.
وقال تعالى: ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً ) في ذلك: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم لأنَّ، اللام: للابتداء، عبرة: اسم إنَّ.

متى تفتح همزة إِنَّ ومتى تكسر

أولا: تفتح همزة أَنَّ في كل موضع احتاج فيه ما قبل أَنَّ إلى اسم مفرد.
مثل: ظهرَ أَنَّكَ صادقٌ، فظهرَ: فعل ماض، وأَنَّ: حرف توكيد مصدري، والكاف: اسم أَنَّ، صادقٌ: خبر أَنَّ، وأن المصدرية و معمولاها بتأويل مصدر هو فاعل ظهر، والتقدير: ظهرَ صِدْقُكَ.
فهنا لو كسرنا همزة أَنَّ وقلنا: ظهرَ إِنَّكَ صادقٌ، لما حصلنا على مصدر لأَنَّ إنَّ ليس بحرف مصدري فيبقى الفعل بلا فاعل.
فحاجتنا إلى اسم مفرد يكون فاعلا أوجبت فتح همزة أن كي نستخلص منها ومما دخلت عليه مصدرا يؤدي هذا الغرض.
ومثل: عُلِمَ أَنَّكَ مجتهدٌ، والمصدر هنا نائب فاعل للفعل عُلِمَ والتأويل: عُلمَ اجتهادُكَ.
ومثل: مِنْ علاماتِ البلوغِ أَنَّ الغلامَ يحتلمُ، والمصدر هنا مبتدأ مؤخر، والجار والمجرور متعلقان بخبر مقدم، والتأويل: من علاماتِ البلوغِ احتلامُ الغلامِ.
ومثل: المعروفُ أنَّ التعلمَ نافعٌ، والمصدر هنا خبرٌ، والتأويلُ: المعروفُ نفعُ التعلُّمِ. ومثل: عرفتُ أَنَّكَ مخلصٌ، والمصدر هنا مفعول به للفعل علمتُ والتأويل: عرفْتُ إخلاصَكَ. ومثل: أكرمتُكَ لِأَنَّكَ مخلصٌ، والمصدر هنا مجرور باللام، والتأويل: أكرمتُكَ لإخلاصِكَ.
فحاجتنا فيما مر إلى الفاعل ونائبه والمبتدأ وخبره والمفعول به والاسم المجرور جعلتنا نفتح همزة أَنَّ لنحصل على المصدر الذي يشغل الوظيفة النحوية المرادة منه.
ثانيا: يجب كسر همزة إِنَّ في كل موضع لا نحتاج فيه إلى اسم مفرد بل نحتاج إلى جملة. وذلك في مواضع منها:
1- أن تقع إِنَّ في ابتداء الجملة، نحو إِنَّ زيدًا قائمٌ، فهنا لا تقع أَنَّ موضعها لأنه لا بد أن تسبق بشي، ولأنها مصدرية فإذا أولناها بمصدر قلنا: قيامُ زيدٍ، وهذا مفرد وليس جملة ونحن نحتاج جملة مفيدة فلذا كسرت همزة إنَّ.
2- أن تقع بعد القسم، نحو: واللهِ إنَّ وعدَ اللهِ لحقٌّ، فهنا إِنَّ وقعت في جواب القسم ، فوجب كسر همزتها.
3- أن تقع بعد القول نحو: قلتُ لصاحبي: إِنَّك مخلِصٌ، وبعد القول يأتي مقول القول جملة.
4- أن تقع بعدها اللام الابتدائية، نحو: علمتُ إنَّ الإسلامَ لحقٌّ، فهنا لا يمكن أن نفتح الهمزة ونقول: علمتُ أَنَّ الإسلامَ لحقٌّ، لأن لام الابتداء لا تجامع إلا إنَّ المكسورة.

لام الابتداء

وهي لام مفتوحة يؤتى بها لقصد التوكيد، وسميت بلام الابتداء لكثرة دخولها على المبتدأ أو ما أصله مبتدأ مثل اسم إنَّ وأخواتها، تقولُ: ( لزيدٌ حاضرٌ ) فإذا أردتَ توكيد هذه الجملة بمؤكِّد آخر وهو إِنَّ أخرت اللام فقلتَ: إنَّ زيدًا لحاضرٌ.
ولأجل أنها تأخرت وتزحلقت عن المبتدأ إلى الخبر تسمى هنا باللام المُزَحْلَقَةِ.
وتسمى أيضا باللام الفارقة لأنها تُفَرِّق بين إنْ المخففة من الثقيلة إذا أهملت ولم تعمل، وبين إنْ النافية.
بيانه:
إنَّ من أدوات النفي ( إنْ ) نحو إِنْ زيدٌ قائمٌ أي ما زيدٌ قائمٌ، فحينئذ إذا لم ندخل اللام على إنْ المخففة المهملة التي تفيد الإثبات لم يتبين النفي من الإثبات.
تقول إذا أردت إثبات الصدق لزيد: إنْ زيدٌ لصادِقٌ، فإنْ هنا مخففة من الثقيلة مهملة بدليل اللام.
وتقول إذا أردت النفي: إنْ زيدٌ صادقٌ، فإنْ هنا حرف نفي مهمل مبني على السكون.
فدخولها في هذا الموضع واجب لأجل التفريق.

مواضع لام الابتداء

تقدم أنها تدخل على المبتدأ نحو لزيدٌ قائمٌ، أَمّا عند دخول إِنَّ معها في الجملة فتدخل جوازا على أربعة مواضع:
1- خبر إنَّ بشرط أن يتأخر عن الاسم نحو: إِنَّ زيدًا لقائمٌ، وإِنَّ زيدًا لفي الدارِ.
2- اسم إِنَّ بشرط تأخره عن الخبرِ نحو: إِنَّ في الدارِ لرجلًا، وكقوله تعالى: ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً ).
3- معمول الخبر بشرط توسطه بين اسم إنَّ وخبرها، نحو: إِنَّ زيدًا لَطعامَكَ آكِلٌ، طعامَكَ: مفعول به لاسم الفاعل.
4- ضمير الفصل وهو: ضمير يتوسط بين المبتدأ والخبر، أو ما أصله المبتدأ والخبر، لإفادة الحصر.
مثل: إِنَّ الكافرَ لهوَ الذليلُ، فإنَّ: حرف توكيد، الكافرَ: اسمها، اللام: اللام المزحلقة، هو: ضمير فصل لا محل له من الإعراب، الذليلُ: خبر إِنَّ، ويجوز أن نعرب هو: مبتدأً ثانيا، والذليل: خبره، والجملة خبر المبتدأ الثاني.
قال تعالى: ( إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ )، فيجوز أن يكون هو ضمير فصل، ويجوز أن يكون مبتدأ ثانيا، والقصص خبره.

لا النافية للجنس

ألحق العرب بإنَّ في العمل لا النافية للجنسِ، مثل: لا رجلَ حاضرٌ، أي لا واحد ولا أكثر، فأي فرد ممن يسمى رجلا لا وجود له في الدار، وهي لا تعمل عمل إِنَّ إلا بثلاثة شروط:
1- أَنْ تكون نافية للجنسِ.
2- أن يكون اسمها وخبرها نكرتين.
3- أن لا يتقدم الخبرُ على الاسم.
فإن تخلف الشرط الأول بأنْ لم تكن نافية للجنس، بل كانت نافية للوحدة، فلا تعمل عمل إنَّ مثل: لا رجلٌ في الدارِ بل رجلانِ، فهي هنا تنفي وجود فرد واحد وتثبت وجود فردين، والأمر يتبع القصد فإذا أردت النص على نفي الجنس كله فقل لا رجلَ وإذا لم ترد ذلك فقل لا رجلٌ.
وإن تخلف الشرط الثاني بأن كان أحد معموليها معرفة وجب إهمالها وتكرارها نحو: لا زيدٌ حاضرٌ في الدارِ ولا عمروٌ.
وإن تخلف الشرط الثالث بأن تقدم الخبر على الاسم وجب إهمالها وتكرارها أيضا نحو: لا في الدارِ رجلٌ ولا امرأةٌ.

أحوال اسم لا

أولا: أن يكون مفردا أي لا مضافا ولا شبيها بالمضاف، فيبنى على ما ينصب به لو كان معربا.
مثل: لا رجلَ حاضرٌ، فرجل: اسم لا مبني على الفتح لأنه ينصب بالفتحة لكونه اسما مفردا.
ومثل: لا رجالَ حاضرونَ، فرجال: اسم لا مبني على الفتح لأنه جمع تكسير، وجمع التكسير ينصب بالفتحة كالمفرد.
ومثل: لا رجلينِ حاضرانِ، فرجلين: اسم لا مبني على الياء لأنه مثنى، والمثنى ينصب بالياء.
ومثل: لا مسافرِينَ عائدونَ، فمسافرينَ: اسم لا مبني على الياء لأنه جمع مذكر سالم، وجمع المذكر السالم ينصب بالياء.
ومثل: لا طالباتِ حاضراتٌ، فطالباتِ:اسم لا مبني على الكسر لأنه جمع مؤنث سالم،وجمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة.
ثانيا: أن يكون مضافا أو شبيها بالمضاف فينصب لفظا.
مثال المضاف: لا صاحبَ إحسانِ مذمومٌ، فصاحبَ: اسم لا منصوب بالفتحة.

والشبيه بالمضاف هو:
ما اتصل به شيء من تمامِ معناه، وهذا الشيء إما أن يكون مرفوعا باسم لا أو منصوبا أو مجرورا به.
مثل: لا مرتفعًا قدرُهُ مغمورٌ، فمرتفعا: اسم لا منصوب بالفتحة، وقدرُهُ: فاعل لاسم الفاعل مرتفع، مغمورٌ: خبر لا.
ومثل:لا منجزًا عملَهُ مقصرٌ، فمنجزا: اسم لا منصوب بالفتحة، وعملَهُ: مفعول به لاسم الفاعل منجز، مقصرٌ: خبر لا.
ومثل: لا أفضلَ مِنْكَ حاضرٌ، فأفضلَ: اسم لا منصوب بالفتحة، مِنْكَ: جار ومجرور متعلق بأفضلَ، حاضرٌ: خبر لا.

( تعليقات على النص )

ولا يتوسَّطُ خَبَرُهُنَّ إلا ظرفًا أو مجرورًا نحو: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً ) ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا ).
وتُكسَّرُ إِنَّ في الابتداءِ نحوُ ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) وبعدَ القسمِ نحو ( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) والقولِ نحو: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ ) وقبلَ اللامِ نحوُ ( وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ). ويجوزُ دخولُ اللامِ على ما تأخَّرَ مِنْ خبرِ إنَّ المكسورةِ، أو اسمِها، أو ما توَسَّطَ منْ معمولِ الخبرِ، أو الفَصلِ. ويجبُ معَ المخفَّفَةِ إنْ أهملتْ ولمْ يظهرِ المعنى.
ومثلُ إنَّ لا النافيةُ للجنسِ، لكنْ عملُها خاصٌّ بالنكراتِ المتصلةِ بها نحوُ: لا صاحبَ علمٍ ممقوتٌ، ولا عشرينَ درهمًا عِنْدِي. فإنْ كانَ اسمُهَا غيرَ مُضَافٍ ولا شِبْهِهِ بُنِيَ على الفتحِ في نحوِ: لا رجلَ، ولا رجالَ، وعليهِ أو على الكسرِ في نحوِ: لا مسلماتِ، وعلى الياءِ في نحوِ: لا رجُلَينِ ولا مُسْلِمِينَ.

.............................. .............................. .............................. .............................
لازال الكلام في إنَّ وأخواتها وقد وصلنا إلى حكم توسط الخبر، فقال: ( ولا يتوسَّطُ خَبَرُهُنَّ ) أي إنَّ وأخواتها لا يجوز أن يتوسط خبرها بينها وبين اسمها ( إلا )إذا كان الخبر ( ظرفًا أو ) جارا و ( مجرورًا ) فيجوز توسطه ( نحو ) قوله تعالى ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً ) مثال المجرور، وقوله تعالى ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا ) مثال الظرف، ثم بين متى تكسر همزة إنَّ بقوله ( وتُكسَّرُ إِنَّ في الابتداءِ ) أي ابتداء الكلام أي إذا وقعت إِنَّ في صدر الجملة نحو إِنَّ زيدًا قائمٌ ( نحوُ ) قوله تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهنا إنَّ وقعت في صدر الجملة ولا يوجد شيء قبلها ( وبعدَ القسمِ نحو: حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) فهنا كسرت همزة إنَّ لوقوعها بعد القسم ( و ) بعدَ ( القولِ نحو: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ ) فإنَّ هنا سبقت بقول أي كانت هي في صدر المقول والكلام المحكي فوجب كسر همزتها ( وقبلَ اللامِ نحوُ: وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) فإنَّ كسرت هنا لأن بعدها اللام الابتدائية، وهي لا تجامع إلا إِنَّ المكسورة. ثم انتقل إلى بيان مواضع دخول لام الابتداء فقال: ( ويجوزُ دخولُ اللامِ )الابتدائية ( على ما تأخَّرَ مِنْ خبرِ إنَّ المكسورةِ )نحو إنَّ زيدًا لقائمٌ( أو ) على ما تأخر من ( اسمِها ) نحو إنَّ في البيتِ لرجلًا ( أو ما توَسَّطَ منْ معمولِ الخبرِ ) نحو: إنَّ زيدًا لطعامَكَ آكلٌ ( أو ) من ضمير ( الفَصلِ ) نحو إِنَّ الدنيا لهيَ الفانيةُ، وهذه المواضع دخول اللام فيها جائز، وهنالك موضع يجب فيه دخول اللام وقد بينه بقوله: ( ويجبُ معَ المخفَّفَةِ إنْ أهملتْ ولمْ يظهرِ المعنى ) نحو: إنْ زيدٌ صادقٌ أي ما هو بصادق، وإنْ زيدٌ لصادقٌ وهي هنا مخففة من الثقيلة، ودخول اللام على خبرها واجب لعدم وجود دليل يدل على أن المراد هو الإثبات غير اللام، فإن لم تهمل بل أعملت نحو إنْ زيدًا صادق فلا يجب دخول اللام، وإن اتضح المعنى لم يجب دخول اللام نحو قولك في معرض ذم الدنيا: إنِ الدنيا فانيةٌ، فهنا لا يجب دخول اللام لظهور أن المراد هو إثبات فناء الدنيا لا نفي فنائها. ثم انتقل إلى بيان لا النافية للجنس وهي تعمل عمل إِنَّ بشروط خاصة فقال: ( ومثلُ إنَّ لا النافيةُ للجنسِ ) في العمل (لكنْ عملُها خاصٌّ بالنكراتِ المتصلةِ بها ) فلا تعمل في معرفة، ولا تعمل إذا تأخر اسمها ( نحوُ: لا صاحبَ علمٍ ممقوتٌ) فلا هنا نافية للجنس، وصاحب اسمها، وممقوت خبرها، وهذا مثال لحالة كون اسمها مضافا ( ولا عشرينَ درهمًا عِنْدِي ) عشرين: اسمها منصوب، ودرهمًا تمييز منصوب بعشرينَ، وعندي متعلق بكائنة خبرها، وهذا مثال لحالة كون اسمها شبيها بالمضاف ( فإنْ كانَ اسمُهَا غيرَ مُضَافٍ ولا شِبْهِهِ بُنِيَ على الفتحِ ) في محل نصب ( في نحوِ: لا رجلَ ) مما كان اسما مفردًا ( ولا رجالَ ) مما كان جمع تكسير ( وعليهِ ) أي على الفتح ( أو على الكسرِ )بلا تنوين ( في نحوِ: لا مسلماتِ ) مما كان جمع مؤنث سالم فيجوز فيه البناء على الفتح، والبناء على الكسر ( وعلى الياءِ في نحوِ: لا رجُلَينِ ) أي مما كان مثنى (ولا مُسْلِمِينَ ) مما كان جمع مذكر سالم.

( تدريب )

أعرب ما يلي:
1-وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.
2- قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ.
3- أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها.