قال أبو الحسن المالقي الأندلسي :
"وكان شيخنا القاضي أبو عبد الله بن عياش الخزرجي يستحسن من كلامه قوله في التزكية : اعلم أن العدالة من أشد الأشياء تفاوتاً وتبايناً ، ومتى حصلت ذلك عرفت حالة الشهود ، لأن بين عدالة أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعدالة التابعين رضي الله عنهم بون عظيم ، وتباين شديد ، وبين عدالة أهل زماننا ، وعدالة أولئك ، مثل ما بين السماء والأرض وعدالة أهل زماننا ، على ما هي عليه ، بعيدة التباين أيضاً . والأصل في هذا عندي والله الموفق للصواب أن من كان الخير أغلب عليه من الشر ، وكان متنزهاً عن الكبائر ، فواجب أن تعمل شهادته ؛ فإن الله تعالى قد أخبرنا بنص الكتاب أن : " من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية . " وقال في موضع آخر : " فأولئك هم المفلحون " فمن ثقلت موازين حسناته بشيء ، لم يدخل النار ؛ ومن استوت حسناته وسيآته ، لم يدخل الجنة في زمرة الداخلين أولاً ؛ وهم أصحاب الأعراف ، فذلك عقوبة لهم ، إذ تخلفوا أن تزيد حسناتهم على سيآتهم . فهذا حكم الله في عباده . ونحن إنما كلفنا الحكم بالظاهر ؛ فمن ظهر لنا أن خيره أغلب عليه من شره ، حكمنا له بحكم الله بعباده ؛ ولم نطلب له على الباطن . ولا كلفه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فقد ثبت عنه أنه قال : إنما أنا بشر ، وأنتم تختصمون إلي ؛ ولعل بعضكم أن يكون ألحق بحجته من بعض ؛ فأحكم له على نحو ما أسمع بأحكام الدنيا على ماظهر ، وأحكام الآخرة على ما بطن ، لأن الله تعالى يعلم الظاهر والباطن ، ونحن لا نعلم إلا الظاهر . ولأهل كل بلد قوم قد تراضى عليهم عامتهم ؛ فبهم تنعقد مناكحهم وبيوعهم ؛ وقد قدموهم في مساجدهم ، ولجمعهم وأعيادهم ؛ فالواجب على من استقضى في موضع ، أن يقبل شهادة أماثلهم ، وفقهائهم وأصحاب صلواتهم ، وإلا ضاعت حقوق ضعيفهم وقويهم ، وبطلت أحكامهم . ويجب عليه أن يسأل إن استراب في بعضهم في الظاهر والباطن عنهم ؛ فمن لم يثبت عنده عليه اشتهار في كبيرة ، فهو على عدالة ظاهرة ، حتى يثبت غير ذلك"
تاريخ قضاة الأندلس لإبي الحسن المالقي(ص73)