حاجتنا إلى علم أصول الفقه
للدكتور: محمد أبو الفتح البيانوني

إنه من الشائع عند كثير من الناس أن علم أصول الفقه علم تقليدي يهم الباحثين والمختصصين بالعلوم الشرعيَّة، لا صلة له بحياة الناس، ولا يحتاج إليه عامة الدارسين، وقد أثر هذا الوهم الشائع في إقبال الناس عليه، وفي تكوين نظرة خاطئة نحو هذا العلم أبعدت الناس عنه، وكونت حجابًا كثيفًا بينه وبينهم، حتى صار علم أصول الفقه عند كثير من طلاب العلم، العلم الصعب الذي يمكن أن يستغنى عنه، ويكتفى منه بالقليل الذي لا بدَّ منه لمجاوزة الاختبارات المدرسية، ولمتابعة الدراسة الشرعيَّة النظامية. ولو حظي هؤلاء بمن يسهله لهم، ويقربه إليهم - لعرفوا أهميته، ولتغيرت نظرتهم إليه، وتبدل موقفهم منه؛ إذ إن علم أصول الفقه هو أصل العلوم الشرعيَّة، لا يستغني عنه دارس ولا طالب علم، بل لا تكمل ثقافة الدارس المسلم إلا به.. فلا يستغني عنه طالب علم التفسير، ولا طالب علم الحديث، ولا علم الفقه، حيث إن قواعده محكمة في جميع هذه العلوم.. فعلم الأصول: هو المعين على فهم النصوص الشرعيَّة سواء في ذلك نصوص الكتاب أو السنَّة، وعليه مدار الأحكام الفقهية التي ما وضع علم الأصول إلا لأجلها، وما استنبطت إلا على أساسه وقواعده.. فأنَّى لدارس القرآن الكريم أو السنَّة الشريفة أن يفهم النصوص الشرعيَّة فهمًا صحيحًا يطمئن إليه إذا لم يعرف دلالات النصوص وأشكالها التي عُني بتوضيحها وبيانها علم أصول الفقه؟! وهل يستغني دارس عن معرفة هذه الأمور، وعن تفهُّم هذه العلوم؟!

إن المتتبع لأحوال الرجال من حوله على اختلاف تخصصاتهم، والناظر في مواقفهم العلمية المختلفة، يرى رأي العين الأثر الذي يخلفه علم أصول الفقه في فكر الرجل وفقهه، ويقدر عن كثب تلك الثغرة العظيمة التي يتركها فقدان هذا العلم في عقول الناس وعلومهم.. وإذا كان من أسس ثقافة المسلم أن يلمَّ ولو إلمامة مجملة ببعض العلوم، فإن علم الأصول في الحقيقة يأتي في مقدمة هذه العلوم..

ولقد شعر بقيمة هذا العلم وأثر فقده كثير من طلاب العلم الذين لم يوفقوا لدراسة علم الأصول في أولى أيامهم، وبدؤوا بدراسته بعد أن قطعوا مراحل في غيره من العلوم، شعروا بذلك عندما رأوه يملأ فراغًا في عقولهم، ويصلح كثيرًا من تفكيرهم ومنهجهم في البحث.. وقل مثل هذا في كثير من طلاب العلم الذين تغيرت مواقفهم في مسائل مختلفة كانت تشغل بالهم، وتبعث حيرة في نفوسهم، فلم يهدأ بالهم، ولم تذهب حيرتهم إلا بتوسعهم في دراسة علم أصول الفقه الذي يجيب عن التساؤلات، ويحل كثيرًا من الإشكالات.. ولقد قرأت في عدد من الكتب المطبوعة تصريحات لبعض أهل العلم تؤكد هذه الفائدة، وشعرت بهذا عمليًّا عندما كنت أتعرض أثناء تدريسي لمادة أحاديث الأحكام لبعض القواعد الأصولية المتعلقة بالحكم الذي نتناوله في قاعة الدرس، فأوضحها لهم وأقربها إليهم.. فكنت ألمح ارتياح الطلاب للموضوع، وتفهمهم له عن طريق علم الأصول، وكثيرًا ما صرَّح بعضهم بهذا الشعور.. هذا كله دفعني لمتابعة دراسة علم أصول الفقه، وجعلني أحرص عليه وأؤكد على ضرورة تيسيره وتسهيله لطالب العلم المبتدئ، لينشأ عليه، ويتعلق به...

ومما يجدر التنبيه إليه: أنه إذا ما اقتصر بعض علماء الأصول في كتبهم على ذكر فوائد لهذا العلم ترجع إلى العالم المجتهد والمفتي فحسب، فإنما أرادوا بذلك الفائدة الخاصَّة التي تُعين على استنباط الأحكام الفقهية وتخريج الأقوال المذهبية، وليس ذكرهم لهذه الفوائد بقاصر لها على هؤلاء؛ إنما هو ذكر لأهمها في نظرهم؛ إذ كل ينظر من زاوية اختصاصه وحاجته.. فإن لعلم أصول الفقه فوائد أعم من تلك الفوائد، تتعلق بكل طالب علم، ومن هذه الفوائد العامة:

1- بعث الثقة والاطمئنان في نفس المؤمن بأنَّ فقهه الذي يتبعه إنما هو فهم واستنباط من الكتاب والسنَّة مبنيٌّ على قواعد ثابتة مقررة شرعًا، ممحصةٍ بحثًا، وليس هو مجرد قول فلان أو رغبة فلان.. فيأخذ الدارس بهذا مناعة وحصانة أمام الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام الذين صوروا الفقه الإسلامي منفصلًا عن أصوله، وشبَّهوه باجتهادات القانونيين في الفقه الوضعي، تزهيدًا فيه، وتقليلًا من شأنه ليسهل على الناس أن يستبدلوا به القوانين الوضعية..

2- كما يُعرِّف هذا العلم بجهود العلماء الذين حرصوا على هذا الدين، فأفرغوا وسعهم في تأصيل أصوله، وتفريع فروعه، بما امتاز به رجال الشريعة الإسلامية عن رجال غيرها من الشرائع الوضعية التي يرجع كثير من أحكامها إلى رغبة القضاة وحسب ذممهم كما صرحت بذلك الموسوعة الفرنسية الكبرى للعلوم والآداب والفنون( ).

3- كما يُنمِّي هذا العلم في نفس الدارس مَلَكَة الفهم الصحيح والمناقشة العلمية التي يحتاج إليها في جميع أبحاثه، وفي مختلف مجالات حياته.

4- كما يُعرِّف دارسه إلى ما بإجمال أدلة أحكامه الشرعيَّة التي يعمل بها، فيكون عاملًا بدينه على فهم وبصيرة، تميزه عن جهلة العامة الذين لا يعون هذه الأمور، ويكتفون بسماع الأقوال والأحكام..

هذه هي بعض الفوائد العامة التي يتحصَّل عليها دارس علم أصول الفقه ويحتاج إليها كل طالب علم، بالإضافة إلى فوائده الخاصَّة لأهل الاستنباط والترجيح.. ونظرًا لهذه الأهمية الكبرى لعلم أصول الفقه، ولشمول فوائده الخاصة والعامة؛ كانت الحاجة ملحة إلى تيسير هذا العلم، وتقريبه إلى الدارسين على مختلف مستوياتهم، ودرجات ثقافتهم.. وإذا كان الناس قديمًا قد شعروا بالحاجة إلى تيسير بعض العلوم، كعلم النحو والصرف والبلاغة وغيرها، وذلك لعموم الحاجة إليها - فقد آن لهم أن يشعروا بضرورة تسهيل علم أصول الفقه، وتقريبه إلى الدارسين في المجالات المختلفة، ولاسيما للمبتدئين منه..

ومن الواجب علينا أن نعترف: بأن بعض العلماء في الماضي والحاضر قد تنبهوا لهذا الواجب، وأدلوا فيه بدلوهم، إلا أنهم مع ذلك لم يعنوا بتيسيره للمبتدئين منهم، ولم يوفَّقوا كما وُفِّق علماء النحو مثلًا في تيسير علومهم؛ فقد كانت محاولات السابقين الأولى في تيسير هذا العلم وتقريبه منحصرة تقريبًا في جودة عرض أصول الفقه عرضًا يجمع بين ميزات طريقة المتكلمين والحنفية في كتابة علم الأصول.

وإذا كانت طريقة المتكلمين -أو ما يسميه بعضهم بطريقة الشافعية- في كتابة أصول الفقه تهتم بتحرير المسائل وتقرير القواعد وإقامة الأدلة عليها والإكثار من الجدل فيها، وكانت طريقة الحنفية في كتابة الأصول تهتم بتقرير القواعد الأصولية على مقتضى ما نقل من فروع أئمتهم، وذلك فيما لم ينقل فيه نصٌّ عنهم، وتعنى بتحقيق الفروع الفقهية وتطبيقها على تلك القواعد - فقد اهتم عدد من العلماء بالجمع بين الطريقتين، وتحصيل الميزتين، فألَّفوا كتبًا في علم الأصول جمعوا فيها بين طريقة المتكلمين والحنفية.

ومن أشهر من كتب بهذه الطريقة الإمام مظفر الدين الساعاي المتوفي عام 694هـ، حيث ألف كتابه :«بديع النظام الجامع بين أصول البزدوي والأحكام».

وكتب بعده صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود المتوفي عام 747هـ كتاب «التنقيح» نقح به أصول البزدوي بتنظيم مسائله، وبيان مراده، ضامًّا إليه ما احتاجه المقام: من أصول السرخسي ومحصول الرازي، ومختصر ابن الحاجب، ثم شرحه بكتاب «التوضيح» الذي يعتبر من أهم كتب الأصول وأدقها..

وكذلك كتب الإمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي المتوفى عام 771 هـ كتابه «جمع الجوامع» وشرحه جلال الدين المحلي.

وكتب العلامة كمال الدين بن الهمام المتوفي عام 861هـ كتابه «التحرير» وشرحه عدد من الشراح منهم: محمد بن محمد بن أمير حاج المتوفي عام 879هـ حيث ألف كتابه «التقرير والتحبير».

ولعل من أدق كتب المتأخرين الجامعة للطريقتين: كتاب «مسلم الثبوت» للعلامة محب الدين بن عبد الشكور المتوفي عام 1119هـ، وشرحه المسمى «فواتح الرحموت» للعلامة عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري المتوفي عام 1180هـ.

كما أن هناك عدداً من العلماء سلكوا في كتابة علم الأصول مسالك خاصَّة بهم، كان لها فضل كبير في تيسير هذا العلم وتقريبه:

من هؤلاء: العلامة شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني المتوفي عام 656هـ، الذي ألف كتابه: «تخريج الفروع على الأصول» وسلك فيه مسلكًا أكثر جدة وأعظم نفعًا، حيث بدأ بالقاعدة الأصولية، ثم ذكر اختلاف العلماء فيها، وأعقب ذلك بتطبيقات فقهية على مذهب الحنفية والشافعية، وقد صدر هذا الكتاب من سنوات ونشر بتحقيق الأستاذ الدكتور ممد أديب الصالح ..

كما سلك العلامة الشاطبي المتوفى عام 790هـ في كتابه «الموافقات» مسلكًا خاصًّا امتاز ببساطته وحُسن عرضه، وباهتمامه بالأصول الأساسية التي اعتبرها الشارع في التشريع...

وَقَلَّتْ بعد ذلك -فيما اطلعت عليه- محاولات التجديد في كتابة علم الأصول، اللهم إلا من بعض الجهود الحديثة في تنقيحه وتنظيمه، وعرضه بأسلوب يناسب أسلوب العصر..

ويمكننا تقسيم محاولات المُحْدثَين إلى عدة أقسام:

قسم عني بتنقيح كتب الأصول، وتنظيمها تنظيمًا جديدًا، وعرضها عرضًا جديدًا يناسب أسلوب هذا العصر، ولعل من أقدم من عُني بهذا الشيخ محمد بن عبد الرحمن عيد المحلاوي الحنفي القاضي المصري من علماء القرن الرابع عشر الهجري الذي ألف كتابه «تسهيل الوصول إلى علم الأصول» ويقول في مقدمته: «... فأردت تأليف كتاب يكون جامعًا لقواعد الأصول، موضِّحًا لما خفي منها على بعض أصحاب العقول، والتزمت ذكر القاعدة مع دليلها، وكل قول مع دليله، وذكر مثال أو أمثلة لبيان سبيله، وتعرَّضت لذكر المسائل المذكورة في مقدمة جمع الجوامع، ونقَّحتها غاية التنقيح، ووضعتها في قالب التوضيح، فصار هذا الكتاب -إن شاء الله تعالى- منهلاً عَذْباً يحتاج إليه المبتدئ... ولا يستغني عن مراجعته المنتهي...»( ) وهو كما قال..

ثم نسج قريبًا من هذا المنوال من بعده الشيخ محمد الخضري، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ محمد أبو زهرة، وغيرهم من أساتذة الجامعات والمدرسين لمادة أصول الفقه، فأدوا بذلك خدمة تذكر وتشكر لعلم أصول الفقه..

وقسم آخر: عُني بتنقيح وتيسير كتب قديمة معيَّنة، قُررت على الطلاب في الجامعات، مما اضطر بعض المدرسين الأفاضل إلى تيسيرها لطلابهم، وتنقيحها وتقريبها..

وأبرز ما اطلعت عليه من هذا القسم كتاب «أصول الفقه» لأستاذنا الفاضل الشيخ محمد أبو النور زهير الذي وضح بكتابه هذا كتاب «منهاج الوصول إلى علم الأصول» للعلامة البيضاوي المؤلف على طريقة الشافعية، فكان كتابه في أربعة مجلدات متوسطة الحجم، يستفيد منه الخاصة والعامة، وقد قال في مقدمته: «... فإن كثيرًا من إخواني المدرسين في الكلية -أي كلية الشريعة في الجامعة الأزهرية- وأبنائي الطلبة الذين اطلعوا على ما كتبته في مقرر السنتين الثالثة والرابعة من أصول الفقه لغير الحنفية، قد سرهم ما كتبت، ورأوا أن ذلك قد يسر على الطلاب كثيرًا مما صَعُب عليهم، وجعل الطلاب يستسيغون أصول الفقه بعد أن كانوا لا يذوقون له طعماً...»( ).

وكذلك فعل أستاذنا الفاضل الشيخ أحمد فهمي أبو سنة في كتابه: «الوسيط في أصول فقه الحنفية» إذ بسط فيه قسماً من كتاب «التوضيح في حل غوامض التنقيح» لصدر الشريعة فكان حسن العرض جمَّ الفوائد، وقد قال في مقدمته: «... أما بعد، فكثيرًا ما ألح عليَّ طلبة الشريعة أن أكتب لهم شيئًا في أصول الفقه، فكنت أصرفهم بأن القدماء لم يتركوا جديدًا يتقدم به الكاتب إلى قرائه، وأتمثل قول القائل:
ما أرانا نقول إلا معارًا ** أو معادًا من لفظنا مكرورًا
ثم رأيت أني أستطيع أن أُيسر قسمًا من كتاب « توضيح صدر الشريعة» لدارسيه، وأن أعيد سبيله لوارديه، فحسبي.
ولما كان المعهود به إليَّ دراسة القسم الثاني من الكتاب لطلاب السنَّة الثانية، استخرتُ الله تعالى أن أضع كتابًا أُبسط فيه بحوثه، وأُحقق ما أشكل من مسائله، وأضم ما فاته من قواعد علم الأصول التي لا يستغنى عنها المتفقه.
وربما أشرتُ إلى بعض عبارات الكتاب توضيحًا لمجمله، أو تقييدًا لمرسله، أو مناقشة له، وربما اقتضى الدليل أن أخالفه في تصحيحه أو ترجيحه...»( ).

وهناك قسم آخر عُني بتنظيم علم أصول الفقه، وعرضه عرضاً جديدًا يكون بمثابة مدخل منظم لعلم أصول الفقه..

ولعل أبرز مثال لهذا ما فعله الأستاذ الدكتور معروف الدواليبي في كتابه: «المدخل إلى علم أصول الفقه»، إذ سلك في عرضه وتقريره الطريقة التاريخية، فأدى بذلك خدمة جليلة لهذا العلم لم يسبق إليها في نظري، ساعدت الطلاب الجامعيين عامة، والحقوقيين خاصَّة على تفهُّم هذا العلم، ولنستمع إليه يقول في مقدمة كتابه: «... ولقد حاولت مستعينًا بالله أن أُقرب هذا العلم من أفهام الطلاب الذين لم يقرؤوا عنه شيئًا من قبل، وأن أُحببهم فيه، وأن أُشعرهم بالحاجة إليه، فلم أجد بدًّا من اختيار «الطريقة التاريخية» في تقرير العلوم، وترجيحها هنا على الطريقة النظرية، وذلك لما تستدعيه الطريقة الأولى من عرض العلم في أدواره التاريخية والكشف عن كيفية نموِّه في الأوساط العلمية، وفي ذلك زيادة الإيضاح، بل وبعض التكرار أحيانًا تسهيلًا لمباحث العلم، عوضًا عن مفاجأة القارئ بقواعد العلم مباشرة وجملةً في جميع نظرياته وأحكامه، مجردة من كل بحث تاريخي، كما هو شأن الطريقة النظرية مما قد يجد القارئ من الشوق إلى المطالعة والاستمرار في المتابعة...»( ).

وهناك قسم آخر يمكن أن يلحق بمحاولات تيسير علم أصول الفقه، وهو عمل الأساتذة المتخصصين في علم أصول الفقه في رسائلهم للدكتوراة، ولكنه غالبًا ما يكون عملهم هذا خاصًّا بأبحاث أصولية معينة، بحثوها بحثًا وافيًا، وعرضوها عرضًا سهلًا، كما فعلته في رسالتي للدكتوراة، حيث كانت في بحث «الحكم التكليفي في الشريعة الإسلامية»، وكما فعل كثير غير من الزملاء..

ومع هذا كله، فإنَّ فكرة تبسيط علم أصول الفقه وتسهيله للمبتدئين في المراحل العلمية الأولى كالمرحلة الإعدادية والثانوية، لم أر لأحد فيها محاولة ناجحة، وإنما كانت تقتصر بعض المحاولات على مؤلفات صغيرة تلخص مسائل العلم وقواعده تلخيصًا قد يزيد من غموضها وتعقيدها، يحفظها الطلاب حفظًا من غير تفهم لها وتعلق بها، ثم يواجهون المرحلة الجامعية وهم في حكم المبتدئين في هذا العلم، فلا تنفتح له نفوسهم، ولا يجدون ما يدفعهم لمتابعة دراسته، فيكتفون على مضض بمناهجهم الدراسية التي لا تكون منهم علماء في الأصول.. ومن هنا: تظهر لنا الثغرة الكبيرة التي خلَّفها تغيُّب هذا العلم بشكله المناسب في هذه المرحلة الدراسية التي تعتبر خير أساس لتفهُّم مبادئ العلوم عامة، والعلوم المعتمدة على القواعد خاصَّة..

فما أحوجنا لاهتمام المتخصصين في علم أصول الفقه، وخاصة أولئك الذين مارسوا تدريسه في مستويات التعليم المختلفة، فلمسوا بأنفسهم جفافه وصعوبته بالنسبة للمبتدئين.. ما أحوجنا لأن تتضافر جهودهم مع جهود المتخصصين بطرق التدريس لتلك المرحلة، ليسدوا حاجة المبتدئين إلى هذا العلم، مستفيدين من تجارب غيرهم في العلوم الأخرى، فيقدموا نماذج مبسطة تكون نقطة البدء في هذا الطريق تنمو وتقوى بممارسة تدريسها في هذه المراحل، فيغيروا نظرة الطلاب إلى هذا العلم، ويذللوا لهم الطريق إليه الذي طالما ابتعدوا عنه، وتصوروه العقبة الكؤود..
وإنا لهذه الجهود لمنتظرون، والله ولي التوفيق..

د. محمد أبو الفتح البيانوني
[مجلة أضواء الشريعة، العدد السابع، سنة 1396هـ]

>> منقول <<