قال الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي -رحمه الله- في كتابه الاثار ج1 ص123:
«ويقولون عنَّا إنَّنا وهَّابيُّون، كلمةٌ كثر تردادها في هذه الأيَّام الأخيرة

حتَّى أنْسَتْ ما قبلها من كلماتٍ: عبداويِّين وإباضيِّين وخوارج، فنحن بحمد الله ثابتون في مكانٍ واحدٍ وهو مستقَرُّ الحقِّ،
ولكنَّ القوم يصبغوننا في كلِّ يومٍ بصبغةٍ، ويَسِمُونَنَا في كلِّ لحظةٍ بِسِمَةٍ، وهُمْ يتَّخذون من هذه الأسماء المختلفة أدواتٍ لتنفير العامَّة منَّا وإبعادها عنَّا،
وأسلحةً يقاتلوننا بها وكلَّما كلَّتْ أداةٌ جاءوا بأداةٍ، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغَناء، وقد كان آخر طرازٍ من هذه الأسلحة المفلولة التي عرضوها في هذه الأيَّام كلمة «وهَّابي»،
ولعلَّهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها، ولعلَّهم كافأوا مبتدعها بلقب «مبدعٍ كبيرٍ»، إنَّ العامَّة لا تعرف من مدلول كلمة «وهَّابي» إلاَّ ما يعرِّفها به هؤلاء الكاذبون،
وما يعرف منها هؤلاء إلاَّ الاسم، وأشهر خاصَّةٍ لهذا الاسم وهي أنه يذيب البدع كما تذيب النار الحديد، وأنَّ العاقل لا يدري: مِمَّ يعجب! أمِنْ تنفيرهم باسم لا يعرف حقيقتَه المخاطِبُ منهم ولا المخاطَب، أم من تعمُّدِهم تكفيرَ المسلم الذي لا يعرفونه نكايةً في المسلم الذي يعرفونه، فقد وُجِّهتْ أسئلةٌ من العامَّة إلى هؤلاء المفترين من «علماء السنَّة!!» عن معنى «الوهَّابي»؛ فقالوا هو الكافر بالله وبرسوله،﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾، أمَّا نحن فلا يعسر علينا فهمُ هذه العقدة من أصحابنا بعد أنْ فَهِمْنا جميع عُقَدهم، وإذ قد عرفْنا مبلغ فهمهم للأشياء وعلمهم بالأشياء، فإنَّنا لا نردُّ ما صدر منهم إلى ما يعلمون منه، ولكنَّنا نردُّه إلى ما يقصدون به، وما يقصدون بهذه الكلمات إلاَّ تنفير الناس من دعاة الحقِّ، ولا دافِعَ لهم إلى الحشد في هذا إلاَّ أنهم موتورون لهذه الوهَّابية التي هدمتْ أنصابهم ومحتْ بِدَعَهم فيما وقع تحت سلطانها من أرض الله، وقد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجَّ هؤلاء لضجيجهم -والبدعة رحِمٌ ماسَّةٌ-،
فليس ما نسمعه هنا من ترديد كلمة «وهَّابي» تُقذف في وجه كلِّ داعٍ إلى الحقِّ إلاَّ نواحًا مردَّدًا على البدع التي ذهبتْ صرعى هذه الوهَّابية، وتحرُّقًا على هذه الوهَّابية التي جرفتِ البدع، فما أبغض الوهَّابية إلى نفوس أصحابنا! وما أثقل هذا الاسم على أسماعهم! ولكن ما أخفَّه على ألسنتهم حين يتوسَّلون به إلى التنفير من المصلحين!
وما أقسى هذه الوهَّابية التي فجعتِ المبتدعةَ في بدعهم -وهي أعزُّ عزيزٍ لديهم-، ولم ترحم النفوسَ الولهانة بحبِّها ولم ترْثِ للعبرات المراقة من أجلها!» (٥٨).
وقال -رحمه الله-: «نسمع نغماتٍ مختلفةً ونقرؤها في بعض الأوقات: كلماتُ: مجسِّمة -صادرةٌ من بعض الجهات الإدارية أو الجهات الطُّرقية- تحمل عليها الوسوسة وعدم التبصُّر في الحقائق -من جهةٍ-، والتشفِّي والتشهير -من جهةٍ أخرى-، هذه النغمات هي رمي جمعية العلماء تارةً بأنها شيوعيَّةٌ، وتارةً بأنها محرَّكةٌ بيدٍ خفيَّةٍ أجنبيَّةٍ، وتارةً بأنها تعمل للجامعة الإسلامية أو العربية أو تعمل لنشر الوهَّابية، والطُّرقيون لا تهمُّهم إلاَّ هذه الكلمة الأخيرة، فهي التي تقضُّ مضاجعهم وتحرمهم لذيذ المنام، وحالُهم معها على الوجه الذي يقول فيه القائل:
فَإِذَا تَنَبَّهَ رُعْتَه وَإِذَا غَفَا * سَلَّتْ عَلَيْهِ سيوفَكَ الأَحْلاَمُ
وكيف لا يحقدون عن هادمة أنصابهم، وهازمة أحزابهم؟ فتراهم لاضطغانهم عليها يريدون أن يسبُّوها فيسبُّوننا بها من غير أن يتبيَّنوا حقيقتها أو حقيقتنا، والقوم جهَّالٌ ملتخون من الجهل، وحسْبُهم هذا»