النوم في المسجد على قسمين
قال ابن رجب في كتابه

فتح الباري في شرح حديث

رقم 442


"واعلم أن النوم في المسجد على قسمين:
أحدهما:
أن يكون لحاجة عارضة مثل نوم المعتكف فيه والمريض والمسافر، ومن تدركه القائلة ونحو ذلك، فهذا يجوز عند جمهور العلماء، ومنهم من حكاه إجماعا، ورخص في النوم في المسجد: ابن المسيب، وسليمان بن يسار، والحسن، وعطاء وقال: "ينام فيه وإن احتلم كذا وكذا مرة".
وقال عمرو بن دينار: " كنا نبيت في المسجد على عهد ابن الزبير". وممن روي عنه أنه كان يقيل في المسجد: عمر رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه. ونهى مجاهد عن النوم في المسجد.
وقال أيمن بن نابل: "رآني سعيد بن جبير نائما في الحجر فأيقظني، وقال: مثلك ينام هاهنا! "
وخرج الإمام أحمد وابن حبان في (صحيحه) من حديث داود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن عمه، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: « أتاني نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا نائم في المسجد، فضربني برجله، وقال: (ألا أراك نائما فيه؟) ». قلت: يا نبي الله، غلبتني عيني».
وعمُّ أبي حرب: قال الأثرم: " ليس بالمعروف".
ورواه شريك، عن داود، عن أبي حرب، عن أبيه، عن أبي ذر
رضي الله عنه.
والصحيح عن عمه -: قاله الدارقطني
وخرج الإمام أحمد من رواية عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب: حدثتني أسماء،«أن أبا ذر رضي الله عنه كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد، فكان هو بيته يضطجع فيه، فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد ليلة فوجد أبا ذر نائما مجندلا في المسجد،
فنكته رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجله حتى استوي جالسا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ألا أراك نائما؟) قال أبو ذر رضي الله عنه: يا رسول الله، فأين أنام؟ هل لي من بيت غيره؟» - وذكر الحديث.
وروى ابن لهيعة، عن عمرو بن الحارث، عن ابن زياد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه« أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-خرج على ناس من أصحابه- وهم رقود في المسجد - فقال: (انقلبوا؛ فإن هذا ليس بمرقد) » ذكره الأثرم، وقال: " إسناده مجهول منقطع".
قال: "وحديث أبي ذر ليس فيه بيان نهي". "قلت: وقد روي حديث سعد: عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن سعد. خرجه الهيثم بن كليب في (مسنده) ، وهو منقطع منكر".
والقسم الثاني: أن يتخذ مقيلا ومبيتا على الدوام: فكرهه ابن عباس رضي الله عنه وقال: - مرة -:" إن كنت تنام فيه لصلاة فلا بأس".
وهذا القسم - أيضا - على نوعين:
أحدهما: أن يكون لحاجة كالغريب، ومن لا يجد مسكنا لفقره، فهذا هو الذي وردت فيه الرخصة لأهل الصفة، والوفود، والمرأة السوداء ونحوهم.
وقد قال مالك في الغرباء الذين يأتون: " من يريد الصلاة، فإني أراه واسعا، وأما الحاضر فلا أرى ذلك".
وقال أحمد: " إذا كان رجل على سفر وما أشبهه فلا بأس، وأما أن يتخذه مبيتا أو مقيلا فلا".
وهو قول إسحاق - أيضا.
والثاني: أن يكون ذلك مع القدرة على اتخاذ مسكن، فرخص فيه طائفة، وحكي عن الشافعي وغيره، وحكي رواية عن أحمد، وهو اختيار أبي بكر الأثرم.
وقال الثوري: "لا بأس بالنوم في المسجد".
وروى حماد بن سلمة في (جامعه) : ثنا ثابت، قال: قلت لعبد الله بن عبيد بن عمير: " ما أراني إلا مكلم الأمير أن ينهى هؤلاء الذين ينامون في المسجد ويحدثون ويجنبون.
فقال: لا تفعل، فإن ابن عمر سئل عنهم، فقال: هم العاكفون".
وحمل طائفة من العلماء كراهة من كره النوم في المسجد من السلف على أنهم استحبوا لمن وجد مسكنا ألا يقصد المسجد للنوم فيه. وهذا مسلك البيهقي.
واستدل بما خرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه- مرفوعا- من أتى المسجد لشيء فهو حظه» . وفي إسناد عثمان بن أبي العاتكة الدمشقي، فيه ضعف.
ويعضده: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إنما بنيت المساجد لما بنيت له». وقوله إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن»- أو كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ