متى سيعود الأسد إلى حكم الغابة ؟
حكاية قصيرة بقلم : احمد ابو فرحة

في زمان جميل لا ينسى , حكم الأسد الغابة بالعدل , وكانت جميع الحيوانات و الطيور تعيش في سعادة غامرة , لا اعتداء على احد , لكل حقوقه و واجباته . غابة خضراء جميلة مليئة بالأشجار و الأزهار و الأنهار . حياة مثالية بالنسبة لغابة .
و بعد أن شاخ الأسد و مرض , و أصبح ضعيفا بالنسبة إلى ذي قبل , تكالبت وحوش الغابة من نمور و ذئاب و ضباع و كلاب برية إلى حياكة المؤامرات و دس الدسائس . وفي لحظة غابرة , في ليلة داكنة , معتمة مظلمة , تمكنت الوحوش من اسر الأسد وإبعاده عن حكم الغابة .
تغيرت الحياة كليا بعد غياب الأسد . ساد الجور والظلم والظلام , وأصبحت دماء الحيوانات جميعها تسال في الغابة , بسبب أو بلا سبب . كان حكم الوحوش للغابة دمويا احمرا , لا مكان للعدل فيه , إن لم تقتل فانك سوف تقتل !!
اجتمعت الحيوانات جميعها و من ضمنها الثعلب , يتدارسون الأمر , و ليجدوا طريقة يرجعون بها إلى حكم الأسد الرشيد . و كانت الخطة الوحيدة هي الانتفاضة الجماعية على الوحوش لإرجاع الأسد.
بدأت الحيوانات مجتمعة في حربها الضروس مع وحوش الغابة و كان للثعلب دور بارز في هذه الحرب , فالثعلب ماكر محترف , مقنع مقبول , سريع و خاطف . اشتدت المعارك بين الحيوانات و الوحوش و أنهكت الطرفين , و لم يفز أي احد في هذه المعركة , و بقي الأسد حبيسا ينتظر من يفك قيده ليرجع و يحكم الغابة بالعدل .
اتفقت وحوش الغابة على تعيين النمر ملكا للغابة , و في عهد النمر كان الذبح و القتل أيسر من جريان الماء , و انخفض عدد سكان الغابة إلى النصف في عهد النمر . و بعد ذلك , اجتمعت الوحوش و فكروا في حل يقلل من القتل و يمد في فترة حكمهم وسط انتفاضة الحيوانات و الطيور عليهم . فاتفقوا على تعيين الذئب حاكما للغابة . و على نهج سلفه , قتل الذئب من الحيوانات و الطيور أكثر مما تطلب غريزته القذرة . وكان عند استلام أي وحش من الوحوش الحكم , تشعر الحيوانات و الطيور بالاستضعاف و التكاتف و كان يميز تلك الفترة أن الحيوانات و الطيور تعلم من هو عدوها و كيف السبيل إلى الخلاص – إرجاع الأسد إلى الحكم .
و بعد كثرة التجارب و كثرة المحن و الفتك , تفتت الحيوانات و أصبح كل فصيل أو قطيع لا يهمه إلا نفسه و الحفاظ على كينونته . تلك البدعة ابتدعها الثعلب الذي كان كل همه هو الوصول إلى سدة الحكم . و كان قطيع الثعالب الأكثر تنظيما و الأكثر خبرة و تدريبا و حنكة . و كانت الثعالب تهتم بنفسها أكثر من البقية في عز البلاء والجور , فما كانت من بقية القطعان إلا تنتهج نفس النهج .
و مرة من المرات , اجتمع الثعلب بالبقية و ابلغهم انه يريد الوصول إلى الحكم و بعد أن يصل إلى حكم الغابة , فإنه سيرجع الأسد و سيفك قيده . تفاجأت الحيوانات و الطيور من طرح الثعلب , و صار الجدال أولا , فك قيد الأسد أولا , أم الوصول إلى الحكم و من بعدها فك قيد الأسد ؟!
تذرع الثعلب و جماعته بأنه الأقدر على الصراع بحكم انه منظم و خبير , و أن له أساليبه في المراوغة و القتال , و طلب من الجميع مساندته . و لم يكن خيار لدى بقية الحيوانات والطيور إلا أن يتعاونوا مع الثعلب و قطيعه وتصديقه . استمرت الحروب مع الوحوش بقيادة الثعلب و جماعته , و كان من أكثر المخلوقات شدة و ألما على الجميع هي العقارب و الأفاعي الموالية للوحوش , فهذه المخلوقات تعيش بين الحيوانات و تنقل الأخبار لأسيادها و كثير من المرات تضع السم في الأنهار فيموت من يموت , و مرات أخرى تلدغ من تتفرد به لحساب أسيادهم الوحوش . عداك عن بث الفتنة و الإشاعات .
كانت الحيوانات مجتمعة تعتبر الأفاعي و العقارب عدوا مثله مثل الوحوش , رغم أنها تعيش بينهم .
تغيرت معاملة الثعالب للأفاعي و العقارب و أصبح هناك شبه اتفاق بينهم على أن يغض كل من الطرفين الطرف عن الآخر . فاستغربت الحيوانات مثل هذا التصرف من الثعالب و كان التبرير دائما لأجل أن يصلوا للحكم و إطلاق سراح الأسد .
و كان من ضمن الثورة ضد الوحوش أسراب النسور و الصقور , و كانت الأشد فتكا في العدو , إلا أنها تفتقد ميزة و هي منطلق و حاضنة لها في قلب الغابة , إذ أن هذه النسور و الصقور تعيش في أعالي الجبال , صادقة , هدفها الوحيد إطلاق سراح الأسد وإرجاعه للحكم , و لا تبغي لنفسها حكما لأجل الحكم . لكن الثعالب حرضت البقية عليهم شأنها شأن العقارب و الأفاعي , و اتهمتهم بأنهم متوحشين محبون للقتل و لا يقلون وحشية عن بقية الوحوش . مع العلم أن النسور لا تأكل إلا لتعيش و ليست غرائزها للقتل فقط مثل الذئاب و النمور و الكلاب البرية . و كانت النسور دائما تقنع الجميع بأنه لا حل إلا إرجاع الأسد أولا ليحكم الغابة بعدله , لكن ثقة البقية بالثعالب كانت تطيل أمد بقاء حكم الوحوش .
و تمكنت الثعالب من فتح قنوات اتصال مع الوحوش , و كان بينهم اتفاق ضمني على أن تحكم هذه الثعالب شكليا , مقابل أن توافق الأغلبية الباقية . فاستطاعت الثعالب إقناع الجميع بأنها ستصل إلى الحكم , و على أمد بعيد ستغير في حكم الغابة , و سيأتي جيل يعيش في كنف من العدل سيرجع الأسد لا محالة . و هنا ماذا فعلت الحيوانات و الطيور ؟ فهي ما بين أمرين , إما حكم الوحوش و إما حكم الثعالب و غاب عن ذهنها أن من يحكم حقيقيا هم الوحوش . فاتفقت و بأغلبية على تنصيب الثعلب الأكبر حاكما للغابة , دونما اخذ القصاص من بقية الوحوش .
و بعد ذلك الاتفاق , حكمت الثعالب الغابة , و لم يتغير شيء في نظام الغابة , الوحوش تسيد و تميد و تقتل و تنهب و تسلب , و الأسد لا زال حبيسا , و الذي تغير فقط هو نفوذ الثعالب و من أيدهم فقط , و البقية لم يختلف عليهم الوضع إطلاقا .
شعرت الحيوانات و الطيور بحجم الكارثة التي حلت عليهم و بثقتهم خائبة الأمل في الثعالب , و صارت ململة في الغابة , و أصبح الوضع خطيرا على الثعالب و الوحوش .
جلست الثعالب و الوحوش فيما بينهم , و رسموا مخططا يضمن للثعالب الحكم و للوحوش السيادة .
و كان المخطط يقتضي هي إيهام الجميع بأن الثعلب سيتم الإطاحة به , وأنه سيتم تنصيب الكلب البري مكانه , و الكلب البري هذا معروف ببطشه و حشيته و لا رحمة في قلبه .
ما كان للحيوانات و الطيور مرة أخرى إلا أن يتمسكوا بالثعلب , لأنه سيبقى اقل بطشا من بقية الحيوانات . فيرجع الثعلب مرة أخرى للحكم . و هكذا دواليك , كلما اكتشف الجميع زيف الثعالب , خوفتهم الوحوش بأن بديله سيكون أكثر شدة و بطش .
و من هنا نرى كيفية نجاح الوحوش في تقزيم المطالب و القضية , من إرجاع الأسد و فك قيده إلى المحافظة على اقل الخسائر و هي حكم الثعلب .
و تبقى النسور و الصقور تعيش على رؤوس الجبال , لا يهمها من خذلها و من طعن بها , لا تصل الأرض إلا عندما تفترس آو تموت . تنتظر اللحظة الحاسمة لاقتناع الجميع بأن لا حل إلا بهم و بإرجاع الأسد على الحكم و لا شيء سوى ذلك .
و لكن هل ستصل الحيوانات و الطيور إلى هذه القناعة ؟
لا شك بأن حكم الأسد قادم لا محالة , لكن الزمان مرهون بيد الله .
11 - 7 - 2013