الدرس التاسع

مواضع إضمار أَنْ

قد علمت أن ( أَنْ ) تنصب ظاهرة ومضمرة، وقد سبق ذكرها ظاهرة، وآن أوان بيان مواضع إضمارها.
فينصب المضارع بأنْ مضمرة في المواضع التالية:
أولا: بعد لام الجر سواء أكانت للتعليل أم للجحود، فهنا قسمان:
لام الجر التي تفيد التعليل وهي: التي يكون ما بعدها سببا فيما قبلها.
مثل: جئتُ لِأَتعلمَ، فاللام هنا حرف جر يفيد التعليل أي جئت من أجل أن أتعلم، فالتعلم هو سبب المجيء.
وإضمار أَنْ هنا جائز لأنه يصح أن تظهرها فتقول: جئتُ لأَنْ أتعلمَ.
وإعرابه: اللام: حرف جر: أتعلمَ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا، وأنْ المصدرية والفعل في تأويل مصدر مجرور باللام، والتأويل: جئتُ للتعلمِ.
ولام الجر التي تفيد النفي وتسمى لام الجحود هي: التي تقع بعد ما كان أو لم يكن.

مثل: ما كنتُ لأَفعلَ الشرَّ، فاللام هنا حرف جر يفيد النفي أي تأكيد النفي الحاصل بـ ما كان.
ومثل: لمْ أكنْ لأَتركَ الواجبَ، فاللام هنا حرف جر يفيد النفي أيضا أي تأكيد النفي الحاصل بـ لم يكن.
وإضمار أَنْ هنا واجب لأنه لا يصح أن تقول: ما كنتُ لأَنْ أفعلَ الشرَّ، ولم أكنْ لأَنْ أتركَ الواجبَ.

ثانيا: بعد حتى الجارة سواء أكانت بمعنى كي أو إلى.
فتكون بمعنى ( كي ) إذا كانَ ما قبلها سببا فيما بعدها.
كقولكَ لكافرٍ : أسلمْ حتى تدخلَ الجنةَ، أي كي تدخل الجنة؛ لأن الإسلام سبب دخول الجنة.
وتكون بمعنى ( إلى ) إذا كان ما بعدها غايةً لما قبلها أي نهايةً.
كقولك لشخص: سأبقى هنا حتى تطلعَ الشمسُ، أي إلى أنْ تطلع الشمس، فطلوع الشمس غاية لبقائك، وليس ناشئا من بقائك لأن الشمس تطلع سواء بقيتَ أم لم تبقَ، بخلاف المثال السابق فإن دخول الجنة ناشئ من الإسلام.
وإضمار أنْ بعد حتى واجب؛ فلا يصح أن تقول: أسلمْ حتى أنْ تدخلَ الجنةَ، أو سأبقى هنا حتى أَنْ تطلعَ الشمسُ.
وشرط نصب المضارع بعد حتى أن يكون دالا على الاستقبال لا الحال كما في المثالين السالفين فإن المتكلم حين ينطق بقوله أسلم حتى تدخل الجنة، لم يكن قد تحقق دخول الجنة بعد بل هو أمر مستقبل، وحين يقول: سأبقى هنا حتى تطلع الشمس لم تكن حينها الشمس قد طلعت، فزمن النطق بالكلام متقدم على تحقق المضارعين ( تدخل- تطلع ) فيجب نصبهما.
وأما إذا كان يراد بالمضارع الذي يلي حتى الحال بأن كان زمن النطق بالكلام هو زمن تحقق الفعل فحينئذ يرفع المضارع.
مثل: سرتُ حتى أدخلُ المدينةَ، إذا قلتَ ذلك وأنت في حالة الدخول، فيكون زمن نطقك بالكلام هو نفسه زمن تحقق الدخول أي تحقق المضارع الذي يلي حتى، فحينئذ نرفع المضارع بعد حتى.
ومثل: تتذوق الأمُ الطعامَ الآن حتى تعرفُ مِلحهُ، فأنت في وقت نطقك بالجملة، كانت الأم تتذوق الطعام وتعرف ملحه أي أن زمن تحقق الفعل المضارع تعرف هو نفسه زمن النطق بالجملة، فحينئذ نرفع المضارع بعد حتى.
فخلاصة المسألة أنه: إذا كان الفعل مستقبلًا بعدَ حتى نصبتَ، وإذا كان حالًا رفعتَ.فقولك:أسير ُ حتى أدخل البصرة، إذا لم يحصل الدخول بعدُ نصبتَ ( أدخل ) وإذا كان قد حصل الدخول رفعت ( أدخل).
مثال النصب قول الله تعالى: ( قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى )، فرجوع موسى مستقبل لقولهم لن نبرح عليه عاكفين..، فوجب نصب المضارع، حتى: حرف جر مبني على السكون، يرجعَ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة، والفاعل مستتر تقديره هو، وأن المضمرة والفعل بعدها بتأويل مصدر مجرور بحتى والتأويل حتى رجوعِ موسى.

ثالثا: بعد أو العاطفة التي بمعنى إلى أو إلا.

فالأول مثل: لأَلزَمَنَّكَ أَوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي، أي إلى أنْ تقضيَني حقي.
والثاني مثل: لأَقْتُلَنَّكَ أَوْ تستسْلِمَ، أي إلا أنْ تستلمَ، فلا أقتلنك.
وإضمار أنْ هنا واجب فلا يصح أن تقول: أو أنْ تقضيَني حقي، أو أنْ تستسلمَ.

رابعا: بعد فاءِ السببيَّةِ.
وهي: التي تفيد أن ما قبلها سبب لما بعدها.مثل: اجتهدْ فتنجحَ، فالفاء هنا للسببية لأن الاجتهاد سبب للنجاح.
ويشترط لنصب المضارع بعد الفاء أن يسبق الفاء نفي محضٌ، أو طلب بالفعل.
مثال النفي: لمْ يدخلْ زيدٌ المدرسةَ فيتعلمَ القراءةَ، أي هو لم يحصل منه الدخول للمدرسة فكيف يتعلم القراءة!، فالتعلم منتف لانتفاء الدخول.
ولا بد أن يكون النفي خالصا أي لا يعقبه إثبات كمن يقول: لم يكتسب زيدٌ إلا المالَ الحرامَ فينفقُه في المعاصي، فهنا الفعل المضارع ينفق يجب رفعه وإن كان بعد الفاء لأن النفي قد انتقض بالإثبات أي صار مضمون الكلام يكتسب زيدٌ المال الحرام فينفقه في الحرام.وأما الطلب فهو يشمل ما يلي:

1- الأمر مثل: توكلْ على اللهِ فتفلِحَ.
2- النهي مثل: لا تُهملْ فتندمَ.
3- التمني مثل: ليتني كنتُ مع الصادقينَ فأفوزَ.
4- الترجي مثل: لعلِّي أنالُ مقصدي فأستريحَ.
5- الدعاء مثل: اللهم ارزقني مالًا فأتصدَّقَ على الفقراءِ.
6- الاستفهامُ مثل: هلْ تعرفُ حاجتي فتقضيَها.
7- التحضيض مثل: هَلَّا تعملُ خيرًا فتربحَ.
8- العَرْض مثل: ألا تزورُنا فتحدِّثَنا.
والفرق بين التحضيض والعَرْض هو أنَّ الأول طلب بشدَّة ويستعمل له ( هَلَّا )، والثاني طلب برفق ويستعمل له ( أَلَا ).
ففي كل تلك الأمثلة نجد المضارع مسبوقا بالفاء وقبلها طلب بأسلوب من الأساليب الثمانية فينتصب المضارع.

خامسا: بعد واو المعية.
وهي: التي تفيد التشريك بين الفعلين، مثل: اجتهدْ وتنجحَ، فالواو هنا تفيد التشريك بين الاجتهاد والنجاح.
ويشترط لنصب المضارع بعدها نفس الشروط المذكورة في النصب بفاء السببية، أي أن تسبق بنفي محض أو طلب.
وكل مثال سبق تستطيع أن تجعل بدل الفاء فيه واوا، ويكون الفرق هو إذا كان المقصود هو السببية بين الفعلين استعملنا الفاء وإذا كان المقصود هو التشريك استعملنا الواو.
مثال النصب بالواو قول الشاعر: لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثلَهُ... عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ.
فالمضارع تأتي قد نصب بعد الواو الدالة على المعية والمعنى: لا تنه عن خلق مع إتيانك مثله، فإنك إذا فعلت لحقك عار عظيم.واعلم أن إضمار أن بعد فاء السببية وواو المعية واجب فلا يصح إظهارهما.

سادسًا: بعد عاطف مسبوق باسم خالص.
أي أن يقع الفعل المضارع بعد حرف عطف مسبوق باسم جامد كالمصدر.
لأن الاسم نوعان: اسم جامد مثل رجُلٍ وضَرْبٍ، واسم مشتق وهو شبيه بالفعل من جهة دلالته على حدث وذات مثل اسم الفاعل كاتب واسم المفعول مكتوب، فالاسم الجامد هو اسم خالص، والاسم المشتق هو اسم غير خالص.
فإذا عطف الفعل المضارع على اسم جامد نصب، وإذا عطف على اسم مشتق رفع.
مثل: ( لولا زيدٌ ويحسنَ إليكَ لهلكتَ ) فهنا الفعل المضارع يحسن معطوف بالواو على زيد وهو اسم خالص لأنه علم، فنصب المضارع يحسن بأن مضمرة، وهي تؤول المضارع بمصدر ليعطف الاسم على الاسم والتقدير لولا زيدٌ وإحسانه إليك، وإضمار أَنْ هنا جائز فيصح أن تقول لولا زيدٌ وأنْ يحسنَ إليَّ لهلكتَ.
ومثل: ( العلمُ ثمَّ تعملَ بهِ أساسُ الدينِ ) فهنا الفعل المضارع تعمل منصوب لأنه قد عطف بـ ثم على العلمِ وهو اسم خالص لأنه مصدر، والتأويل: العلم ثم العمل به أساس الدينِ.
ومثل: التاركُ للجماعةِ ويستهينُ بالدينِ هو المنافقُ، فهنا الفعل المضارع يستهين عطف بالواو على اسم غير خالص وهو التارك وهو اسم فاعل فلذا رفع المضارع، والمعنى هو: الذي يترك الجماعة ويستهين بالدين هو المنافق.

مسألة
إذا قيل: ( لا تأكلْ سمكًا وتشرب لبنًا ).
فهنا ثلاثة احتمالات جائزة في الفعل ( تشرب ) تختار منها ما يلائم المعنى الذي تقصده:
أولا: النصب ( لا تأكلْ سمكًا وتشربَ لبنًا ).
والمعنى هو النهي عن الجمع بين الأمرين معًا، وتكون الواو للمعية والمضارع منصوب بأن مضمرة، أي لا تأكل سمكا مع شرب اللبن، فلا بأسَ أن تأكل سمكا لكن إذا أكلته لا تشرب لبنًا، ولا بأس أن تشرب لبنًا لكن إذا شربته لا تأكل سمكًا.
ثانيا: الجزم ( لا تأكلْ سمكًا وتشربْ لبنًا ).
والمعنى هو النهي عن كل واحد منهما مجتمعا ومنفردًا، أي لا تفعل هذا ولا هذا، لأن الفعل تشرب معطوف على الفعل تأكل المجزوم بلا الناهية فيتسلط النهي عليه أيضًا.ثالثا: الرفع ( لا تأكلْ سمكًا، وتشربُ لبنًا ).
والمعنى هو النهي عن الأول فقط، ويكون الفعل المضارع تشرب مرفوع والواو تدل على الاستئناف أي تكون الجملة بعد الواو غير معطوفة على ما قبلها بل يبتدئ بها بحكم جديد أي لا تأكلْ سمكًا، ولكَ أن تشربَ لبنًا.وليست هذه الوجوه خاصة بهذه الجملة بل هي مثال يصدق على غيره.
مثل: لا تأكلْ وتضحك، فإن نصبت ( تضحك )، كان المعنى النهي عن الجمع بين الأكل والضحك لما قد يسبب له من اختناق، وأن جزمت كان المعنى النهي عن كل واحد منهما أي لا تأكل، ولا تضحك، فمتى فعل المخاطب واحدًا من الأمرين فقد وقع في النهي، وإن رفعت كان المعنى النهي عن الأكل فقط، وإباحة الضحك أي ولك أن تضحك.

( شرح النص )

ومضمرةً جوازًا بعدَ عاطِفٍ مسبوقٍ باسمٍ خالصٍ نحوُ: ولبسُ عَبَاءَةٍ وتقرَّ عَيْنِي، وبعدَ اللامِ نحوُ: ( لِتُبَيِّنَ للنَّاسِ )، إلا في نحوِ: ( لِئَلَّا يَعْلَمَ )، ( لِئَلَّا يَكُونَ للنَّاسِ )، فتَظْهرُ لا غيرُ، ونحوِ: ( ومَا كانَ اللهُ لِيُعَذِبَهُم )، فَتُضْمَرُ لا غيرُ، كإضمارِها بعدَ حتى إذا كانَ مستقبلًا، نحوُ: ( حتى يرجِعَ إلينا مُوسى )، وبعدَ أوْ التي بمعنى إلى، نحو: لأسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أوْ أُدْرِكَ المنى، أو التي بمعنى إلَّا نحو: وكنتُ إذا غَمَزْتُ قَنَاةَ قومٍ... كسرتُ كُعُوبَها أو تَسْتَقِيما، وبعدَ فاءِ السبَبِيَّةِ، أو واوِ المعيَّةِ مسبوقتينِ بنفيٍ محضٍ أو طلبٍ بالفعل نحوُ: ( لا يُقْضَى عليهِمْ فَيَمُوتُوا )، ( ويَعْلَمَ الصَّابرينَ )، ( ولا تطغَوْا فيه فَيَحِلَّ )، ولا تأكُلِ السمكَ وتشربَ اللبنَ.
......................... ......................... ......................... ......................... ....................

شرع يتكلم على مواضع إضمار أنْ فقال: (ومضمرةً جوازًا ) لا وجوبا بحيث يصح ظهور أَنْ ( بعدَ ) حرف عاطف وهو: الواو، الفاء، ثم، أو، دون بقية حروف العطف لعدم السماع ( مسبوقٍ ) ذلك العاطف ( باسمٍ خالصٍ ) أي ليس فيه شبه الفعل وهو الاسم الجامد كالمصدر والأعلام وأسماء الذوات مثل ضربٍ، زيدٍ، رجلٍ ( نحوُ: ولبسُ عَبَاءَةٍ وتقرَّ عَيْنِي ) هذا شطر بيت لامرأة اسمها ميسونُ بنتُ بَحْدَلٍ وهي زوجة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، أم يزيد، كانت امرأة من أهل البادية فتزوجها معاوية ونقلها إلى الحاضرة فكانت تشتاق إلى أهلها وباديتها، فقالت: ولُبسُ عباءةٍ وتقرَّ عينِي... أحبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ، أي أن ألبس عباءة من صوف غليظ وتقر عيني بذلك أحبّ إلي من لبس الشفوف أي الملابس الرقيقة الناعمة، والشاهد فيه: أن الفعل المضارع تقرَّ وقع بعد حرف عاطف هو الواو مسبوق ذلك الحرف باسم خالص وهو لبسُ وهو مصدر، فينصب المضارع بأن مضمرة جوازا، وأن المضمرة وما دخلت عليه في تأويل مصدر معطوف على الاسم الخالص والتقدير: ولبسُ عباءةٍ وقرةُ عيني أحبُ إليَّ ( وبعدَ اللامِ ) هذا هو الموضع الثاني من مواضع إضمار أن وهو أن يقع المضارع بعد اللام الجارة ( نحوُ: لِتُبَيِّنَ للنَّاسِ ) قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) لتبين: اللام حرف جر للتعليل: تبينَ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، ولكن جواز إظهار أنْ مشروط بأن لا يكون المضارع مقرونا بـ لا فإنه حينئذ يجب إظهار أَنْ، مثل: سأزورُكَ اليومَ لأْن لا تغضبَ، فاللام هي لام التعليل وأنْ حرف نصب ولا حرف نفي مهمل وتغضبَ مضارع منصوب بأنْ الظاهرة.فهنا يجب إظهار أن ولا يجوز أن تقول سأزوركَ اليومَ للا تغضبَ، ( إلا في نحوِ: لِئَلَّا يَعْلَمَ ) قال تعالى: ( لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ) فهنا المضارع يعلم منصوب بأن ظاهرة وجوبا لاقتران لام التعليل بلا فقوله تعالى ( لئلَّا ) أصله: لأنْ لا، فأدغمت النون في اللام أي لأَنْ لا يعلمَ أهلُ الكتابِ، ولا هنا زائدة للتوكيد أي يصح المعنى مع سقوطها والمقصود هو ليعلم أهل الكتاب ( لِئَلَّا يَكُونَ للنَّاسِ ) قال تعالى: ( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ) أي لأن لا يكونَ للناسِ، وهنا لا نافية. ( فتَظْهرُ لا غيرُ ) فمتى وقعت لا بين اللام والمضارع وجب ظهور أنْ سواء أكانت لا نافية أو زائدة، ( و ) إلا في ( نحوِ: ومَا كانَ اللهُ لِيُعَذِبَهُم، فَتُضْمَرُ لا غيرُ ) هذه هي لام الجحود التي تقع بعد ما كان أو لم يكن كقوله تعالى: ( وما كانَ اللهُ ليعذبَهم ) أي وما كان اللهُ مريدًا لتعذيبهم، وهنا يجب إضمار أن ولا يصح ظهورها. فتلخص: أنَّ أنْ يجوز إضمارها بعد لام الجر إلا إذا جاء بعدها لا فتظهر أَنْ وجوبا، أو كانت اللام للجحود فتضمر وجوبا ( كإضمارِها بعدَ حتى ) أي كإضمار أنْ بعد حتى الجارة فكما أن إضمار أن بعد لام الجحود واجب فكذلك إضمارها بعد حتى، وكذا ما سيذكره من بقية المواضع يكون الإضمار فيه واجبا ( إذا كانَ ) الفعل المضارع بعد حتى( مستقبلًا ) أي يراد به الاستقبال لا الحال مثل قولك: سأجتهدُ في الدرسِ حتى أبلغَ غايتي، أي كي أبلغ غايتي فبلوغ الغاية مستقبل لم يتحقق أثناء نطقك بهذه الجملة فينصب الفعل أبلغ بأن مضمرة وجوبا بخلاف إذا أريد بالمضارع الحال مثل قولك: سرتُ حتى أدخلُ المدينة إذا قلتها حال دخولك فيرفع ( نحوُ: حتى يرجِعَ إلينا مُوسى ) أي أنهم سيبقون على عبادة العجل إلى أن يرجع إليهم موسى، فالرجوع مستقبل فلذا نصبَ ( وبعدَ أوْ التي بمعنى إلى، نحو: لأسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أوْ أُدْرِكَ المنى ) تضمر أن وجوبا بعد حرف العطف أو إذا كان بمعنى إلى أو إلا مثال الأول قول الشاعر: لأسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أوْ أُدْرِكَ المنى... فما انقادتِ الآمالُ إلا لصابرِ، والشاهد فيه: نصب المضارع أدرك بأن مضمرة وجوبا بعد أوْ وهي هنا بمعنى إلى أي إلى أن أدرك المنى. ( أو التي بمعنى إلَّا نحو: وكنتُ إذا غَمَزْتُ قَنَاةَ قومٍ... كسرتُ كُعُوبَها أو تَسْتَقِيما ) هذا هو المعنى الثاني لـ أوْ وهو إلا كقول الشاعر زياد بن أعجم من شعراء الدولة الأموية: وكنتُ إذا غَمَزْتُ قَنَاةَ قومٍ... كسرتُ كُعُوبَها أو تَسْتَقِيما، الغمز هو: الجس باليد، القناة: الرمح، القوم: الرجال، الكعوب: جمع كعب والمراد به المرتفع في أطراف الرمح فإن الرماح كانت تعمل من القصب وأحيانا يكون فيها أشياء مرتفعة وناشزة، تستقيم: تعتدل، وهذا مثل أراد به أنه إذا أراد إصلاح قوم لم يرجع عنهم إلا إذا أصلحهم أو كسرهم وآذاهم، كمثل إذا أمسك رمحا فيه اعوجاجا فإنه يجسه بيده ويحاول أن يصلحه فإما أن يستقيم أو ينكسر، والشاهد فيه: نصب المضارع تستقيم بأن مضمرة وجوبا بعد أو التي بمعنى إلا أي إلا أن تستقيم فلا أكسر كعوبها ( وبعدَ فاءِ السبَبِيَّةِ، أو واوِ المعيَّةِ ) أي بعد الفاء إذا كانت تدل على السببية، أو الواو إذا كانت تدل على المعية بشرط أن تكونا ( مسبوقتينِ بنفيٍ محضٍ أو طلبٍ بالفعل ) النفي المحض هو الخالص أي الذي لم ينتقض بـ إلا فإن إلا تدل على الإثبات مثل: لم يكتسبْ زيدٌ إلا المالَ الحرامَ فينفقُه في الحرام فهنا نرفع المضارع ننفق بعد الفاء لأن النفي لم يكتسب قد انتقض بالإثبات بـ إلا، والطلب المراد به هو الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والتمني والترجي والعرْض والتحضيض، واحترز بقوله بالفعل عن الطلب باسم الفعل مثل: صهْ فأحدثُكَ فإنه يتعين رفع المضارع لأنه طلب باسم الفعل ( نحوُ ) قوله تعالى ( لا يُقْضَى عليهِمْ فَيَمُوتُوا ) يموتوا: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا وعلامة نصبه حذف النون، والواو: فاعل، فهنا نصب المضارع بعد فاء السببية المسبوقة بنفي محض ( ويَعْلَمَ الصَّابرينَ ) قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) يعلمَ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا ، والفاعل مستتر تقديره هو، فهنا نصب المضارع بعد واو المعية المسبوقة بنفي محض وهو لـمَّا يعلم أي لم يعلم. ( ولا تطغَوْا فيه فَيَحِلَّ ) قال تعالى:
( وَلَا تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ) يحلَّ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا، والفاعل هو غضبي، فهنا نصب المضارع يحل بعد فاء السببية المسبوقة بنهي لا تطغوا ( ولا تأكُلِ السمكَ وتشربَ اللبنَ ) تشربَ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، فهنا نصب المضارع تشرب بعد واو المعية المسبوقة بنهي لا تأكلْ.وقد ذكروا أن شرب اللبن مع أكل السمك مضر وقد يصيب صاحبه بالبهق، وهذا يتداوله الناس والله أعلم بصحته.

( تدريب )
أعرب ما يلي:
1- لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ.
2- إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها.
3- لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ.
4- لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ.