تثوير القرآن
**********
جاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ( من أراد خير الأولين والآخرين فليثوِّر القرآن، فإن فيه خير الأولين والآخرين ). وفي لفظ: ( علم الأولين والآخرين ) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" وفي رواية: ( من أراد العلم فليثوِّر القرآن ) .
وثوَّر القرآن: بحث عن معانيه وعن علمه ومقاصده...


قال بعض أهل العلم: تثوير القرآن قراءته ومفاتشة العلماء في تفسيره ومعانيه .


إن الثورة التي - نحن المسلمين - بحاجة إليها اليوم، هي ثورة القراءة والعلم والفهم، ومن ثَمَّ العمل والتطبيق؛ إنها ثورة "تثوير القرآن" وتفعيله بعد أن أصبح مهجورًا بكثير من أنواع الهجران: { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا } (الفرقان: 30) .


- لقد هجرنا القرآن أولاً بهجر قراءتنا له؛ وهذا أبسط أنواع الهجران .


- ثم هجرناه ثانيًا بهجر التفكر والتفاكر في معانيه ومقاصده ومراميه، فشغلتنا الحروف والألفاظ، عن المعاني والأهداف .


- ثم هجرناه ثالثًا بالاشتغال والاهتمام بآيات الأحكام فحسب، وتركنا - وربما أعرضنا - عن الاشتغال بآيات الأنفس والآفاق، ونحوهما .


- ثم هجرناه رابعًا بتطويعه لأغراض عارضة، وإسقاط معانيه الأصلية الواسعة الشاملة، على قضايا ظرفية آنية فانية .


ويُلَخِّصُ أنواع الهجران هذه، العمل ببعض آيات الكتاب وترك العمل بالبعض الآخر؛ ولا نقول هنا في حق بعض المسلمين الغافلين، ما قاله سبحانه في حق اليهود الظالمين: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } لأن حسن الظن بالمسلمين واجب شرعًا، لكنه التنبيه والتذكير والنصح .


لقد آن للمسلم المعاصر - وقد بلغ الإنسان من العلم ما بلغ، وامتلك من أدوات البحث ووسائله ما امتلك - أن يثوِّر القرآن، ليستخرج منه معانيه الكلية، وأهدافه السامية، ليضبط بها سير وجهته، ويحدد من خلالها وجهة مقصده؛ وهذا على مستوى الفرد، والأمر على مستوى الأمة آكد وأوجب .


ثم إن المسلمين اليوم، بقدر ما هم بحاجة إلى تثوير القرآن، ليفهموا آيات الله المسطورة، فهم بحاجة أيضًا - لا تقل عن الحاجة الأولى - إلى تثوير البصائر، ليروا آيات الله المنشورة، ليكون ذلك تصديقًا لما هو مسطور، وتفعيلاً لما هو مقروء؛ وليتحقق فيهم قول الله سبحانه: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } (فصلت:53) .


نسأل الله أن يجعلنا ممن { ألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليمًا } (الفتح: 26) .