هل روى البخاري في ( الأصول ) من صحيحه عن راوٍ رافضي ؟؟ تأصيل وبيان ...الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ؛ أما بعد :-
رأيت بعض أهل الاهواء يزعم أن البخاري روى للرافضة في صحيحه محتجاً بهم ووصل بذلك إلى نتيجة مفادها ( تزكية الرافضة والثناء عليهم بل وعدم تبديعهم وتضليلهم ) وهذا حال من جهل صناعة العلم الشرعي المؤصل والصناعة الحديثية !!
وقبل البدأ في ذكر حال من رمي بالرفض من رواة البخاري وتجلية أمرهم على وجه العدل والإنصاف ، سأذكر قواعد وتنبيهات مهمة يغفل عنها من قد يتكلم في هذا الباب ...
(( القاعدة الأولى )) يقول الحافظ الذهبي رحمه الله :
" فما في الكتابين – يعني صحيحي البخاري ومسلم – بحمد الله رجل احتج به البخاري أو مسلم في الأصول ورواياته ضعيفة ، بل حسنة أو صحيحة ... ومن خرج له البخاري أو مسلم في الشواهد والمتابعات ففيهم مَن في حفظه شيء ، وفي توثيقه تردد " " الموقظة " (ص/79-81).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده ، وصحة ضبطه ، وعدم غفلته ، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين ، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح ، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما ، هذا إذا خرج له في الأصول ، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره ، مع حصول اسم الصدق لهم " انتهى.
" هدي الساري " (ص/381)
قال المعلمي (( الثاني : أن يؤدي اجتهادهما ( أي البخاري ومسلم ) إلى أن ذلك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده ، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقروناً ، أو حيث تابعه غيره ، ونحو ذلك ))" التنكيل " (ص/692)
إذاً نخلص من كلام هؤلاء الأئمة أن البخاري إنما يروي لمن كان لا كلام فيه في الأصول دون المتابعات والشواهد والمعلقات فهو لا يشترط ذلك بل قد يكون في الراوي كلام !!
(( القاعدة الثانية )):- قال ابن قيم الجوزية ( الفاسق بإعتقاده وان كان متحفظا في دينه فإن شهادته مقبولة وان حكمنا بفسقه كاهل البدع والأهواء الذين لا نكفرهم كالرافضة والخوارج والمعتزلة ونحوهم ....) ( الطرق الحكمية ص173)
قال ابن القيم (وفسق الاعتقاد كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الاخر ويحرمون ما حرم الله ويوجبون ما أوجب الله ولكن ينفقون كثيرا مما أثبت الله ورسوله جهلا وتأويلا وتقليدا للشيوخ ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك وهؤلاء كالخوارج المارقه وكثيرا من الروافض والقدريه والمعتزله وكثير من الجهمية الذين ليسو غلاة في التجهم)(مدارج السالكين ج1ص361)
قال المزي في تهذيب الكمال(( و قال الحاكم أبو عبد الله : كان أبو بكر بن خزيمة يقول : حدثنا الثقة فى
روايته ، المتهم فى دينه عباد بن يعقوب ))
الذي نستفيده من كلام الائمة أن فسق الاعتقاد لا ترد به الرواية وهذه من دقائق مسائل هذا العلم الشريف ...
(( القاعدة الثالثة )):- معرفة مدلول ومعاني إسم ( الرافضي ) إذا أُطلق عند أهل الحديث لأن هذا الاسم اصطلاحي وله معاني عدة أعلى وأدنى وما بين ذلك والتنبه لذلك وللتطور الحاصل في معاني المصطلحات مهمان جداً في تحديد مقاصد وموارد أهل العلم في هذا المبحث ، فأقول وبالله التوفيق :-
قال الحافظ ابن حجر (( والتشيع : محبة علي وتقديمه على الصحابة ، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه ، ويطلق عليه رافضي والا فشيعي ، فإن إنضاف إلى ذلك السب أو التصريح بالبغض فغالٍ في الرفض ، وإن أعتقد الرجعة في الدنيا فأشد في الغلو ) ( هُدى الساري - 719)
و قال الحافظ ابن حجر (( فالتشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان وأن عليا كان مصيبا في حروبه وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقا مجتهدا فلا ترد روايته بهذا لا سيما إن كان غير داعية وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة)) ( التهذيب 1/181)
قال الذهبي في « ميزان الاعتدال » (1/5) (( قد يقول قائل : كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والإتقان ؟ وجوابه : أن البدعة على ضربين :
1- فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة .
2- بدعة كبرى : كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج بحديثهم ولا كرامة ))
إذاً يستفاد من كلامهم في إطلاق هذا المصطلح أنه يطلق على معانٍ هي :-
1 - من قدم علي على عثمان فهو شيعي
2- من قدم علي على أبي بكر وعمر فهو رافضي ( واليوم من هذا حاله هو الزيدي من الشيعة )
3- من أضاف إلى ما سبق السب والشتم والتصريح بالبغض فهم غلاة الرافضة ( واليوم هؤلاء هم الشيعة الإثني عشرية الذين زادوا على ذلك الوقوع في الشرك الأكبر وعبادة القبور وتكفير جميع الصحابة ...)
فأهل العلم يرون الرواية عن أصحاب القسمين السابقين دون القسم الثالث فهؤلاء لا تحل الرواية عنهم .. وسيتبين لنا أن البخاري لم يرو عن أصحاب القسم الثالث ، بخلاف أصحاب القسم الأول والثاني ...
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني (( وأما البدعة فالموصوف بها إما أن يكون ممن يكفر بها أو يفسق فالمكفر بها لا بد أن يكون ذلك التكفير متفقاً عليه من قواعد جميع الأئمة كما في غلاة الروافض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره ، أو الايمان برجوعه الى الدنيا قبل يوم القيامة أو غير ذلك ، وليس في الصحيح من حديث هؤلاء شئ البتة ، والمفسق بها كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافاً ظاهراً لكنه مستند الى تأويل ظاهره سائغ فقد اختلف اهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله إذا كان معروفاً بالتحرز من الكذب مشهوراً بالسلامة من خوارم المروءة موصوفاً بالديانة والعبادة فقيل يقبل مطلقاً وقيل يرد مطلقاً ، والثالث التفصيل بين أن يكون داعية لبدعته أو غير بدعته ....) ( هُدى الساري -650)
(( القاعدة الرابعة )):-
قال ابن تيمية (( وقول القائل : ان الرافضة تفعل كذا وكذا المراد به بعض الرافضة ، كقوله تعالى ( وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ) ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ) لم يقل ذلك كل يهودي ، بل قاله بعضهم ! وكذلك قوله تعالى ( الذين قال لهم ان الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) والمراد به جنس الناس ) ( منهاج السنة - 1- ص 80)
وهذا تنبيه مهم نفهم به إطلاقات اهل العلم عندما يقول الواحد منهم ( قالت الرافضة أو المعتزلة أو الخوارج فهو يعني بعضهم أو أغلبهم ولا يعني بالضرورة كلهم )
ومن ذلك ما اشتهر عن ابن تيمية في قوله ( أكذب الطوائف الرافضة ) فلا يعني أن ليس فيهم من قد يكون صادقاً !! كما سيمر بنا في تراجم بعض من رمي بالرفض وصفوه بالصدق في روايته !! فهذا ليس تناقض لأنه أسلوب عربي وعرفي معروف عند أهل العلم ...(( القاعدة الخامسة )):- قال ابن القيم كلاماً مهماً ينطبق على البخاري أيضاً
((ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه ؛ لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه ، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه ، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة ، ومن ضعف جميع أحاديث سيئي الحفظ )) (زاد المعاد ) (1/364)
وهذا أسماه اهل الحديث من صنيع صاحبا الصحيحين ( الانتقاء من حديث الضعفاء )
[[ الرواة الذين أخرج لهم البخاري وقد رموا بالتشيع أو الرفض ) :-
1-عبدالملك بن أعين الكوفي
قال أبو حاتم ( شيعي محله الصدق ) ولم يروِ له البخاري الا حديثاً واحداً مقروناً بغيره .
قلت : إذا لم ينفرد بحديث في الاصول وهو شيعي بالمعنى الأول ( فلا حجة لرافضي في روايته !!!)
2- عوف بن أبي جميلة الأعرابي البصري أبو سهل الهجري من صغار التابعين .
وثقه أحمد وابن معين ، قال ابن المبارك : وكان شيعياً ،
قلت : أي بالمعنى الأول
( فلا حجة لرافضي في روايته )
3- عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي أبو سعيد ،
رافضي مشهور صدوق ، وثقه ابوحاتم وابن خزيمة وكان يقع في عثمان ( رضي الله عنه ) ، روى له البخاري حديثاً واحداً مقروناً !!
وهو من أصحاب القسم الثاني !
( فليس للرافضة المعاصرين لهم فيه حجة )
4- عبيدالله بن موسى بن أبي المختار العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي .
وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي وعثمان بن أبي شيبة وابن سعد وآخرون ، كان يتشيع ، إذاً هو من القسم الأول ..
5- عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي التابعي المشهور .
وثقه أحمد والنسائي والعجلي والدارقطني وابن معين وأبو حاتم
وكان يغلو في التشيع على طريقة الكوفيين ، من القسم الثاني ..
6- علي بن الجعد بن عبيد الجوهري أبو الحسن البغدادي الحافظ .
وثقه ابن معين وأبو حاتم ، وتكلم فيه أحمد من أجل التشيع ، روى له البخاري من حديثه عن شعبة فقط أحاديث يسيرة ..
7- فطر بن خليفة المخزومي مولاهم كوفي من صغار التابعين ،
وثقه أحمد والقطان والدارقطني وابن معين والعجلي والنسائي وآخرون ، كان فيه تشيع قليل ، روى له البخارى حديثاً واحداً مقروناً بغيره !!
8- محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي أبو عبدالرحمن الضبي من شيوخ أحمد وثقه العجلي وابن معين وأحمد وأبو زرعة وآخرون ، وكان فيه تشيع بالمعنى الأول وكان يترحم على عثمان بل يدعو أن لا يرحم الله من لا يترحم على عثمان ( رضي الله عنه )
9- سعيد بن عمرو بن أشوع الكوفي من الفقهاء وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وإسحاق بن راهويه وكان يتشيع بالمعنى الأول
10- خالد بن مخلد القطواني الكوفي أبو الهيثم من كبار شيوخ البخاري ، كان فيه تشيع ، من القسم الأول ...
من خلال ما سبق تبين لنا أنه ليس من رواة صحيح البخاري من هو رافضي بالمعنى الثالث والذي يمثله اليوم ( الإثني عشرية من الشيعة ) !!
ولله الحمد والمنة على الاسلام والسنة ..
والله الموفق لا رب سواه ...