سلسلة : " من يرد الله به خيراً يفقه في الدين " (4).


ما يجب
على
الصائم تركه


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله العالمين والصلاة والسلام على إمام الموحدين وعلى آله وصحبه والتابعين .
وبعد: فهذه المطوية الرابعة من سلسلة : " من يرد الله به خيراً يفقه في الدين " .المتعلقة بأحكام رمضان نتكلم فيها إن شاء الله عما يجب على الصائم تركه حفاظاً على صيامه أصلاً وكمالاً . وقد ذكرنا في الدرس السابق ما يباح للصائم فعله : وهي تسعة أمور نعيدها بإيجاز:
1_ الاغتسال وصب الماء البارد على الرأس:
2_ أن يصبح جُنباً:
3 - المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة.
4 - الاكتحال والقطرة ونحوها ممّا يدخل العين وكذالك الأذن:
5 - القبلة والمباشرة لمن قدر على ضبط نفسه:
6_ ذوق الطعام:
7_ الحجامة وما كان في معناها:
8_ تحليل الدم وضرب الإبر غير المغذية التي لا يقصد بها التغذية:
9_ السواك في كل وقت للصائم:

واليوم نذكر محظورات الصيام أو ما يجب على الصائم تركه:

يظن كثيراً من الناس أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع و ما في معنى الأكل والشرب فقط وهذا فهم قاصر لحقيقة الصيام !
فالله جل وعلا لم يأمرنا بترك الطعام والشراب والجماع لإرادة تعذيبنا بل أمر بذالك رحمة بنا.
نعم رحمة وهذه الرحمة تحصل إذا حصلنا على التقوى المذكورة في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) .
هذه هي الغاية التقوى وهذه التقوى لا تتحصل إلا بترك هذه الأمور في الصيام :

1_ قول الزور والعمل به والجهل:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»( 1) .

الزور : الكذب والميل عن الحق والعمل بالباطل والتهمة .

العمل به : العمل بمقتضاه مما نهى الله عنه أي ولم يترك الأعمال الباطلة من الظلم والغش والخيانة والغدر والمكر الى غير ذالك من الصفات المحرمة .
الجهل : يعني : العدوان على الناس .

فليس لله حاجة : أي إن الله تعالى لا يلتفت إلى صيامه ولا يقبله .

قال الحافظ ابن حجر : وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّةِ الصَّوْمِ نَفْسَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ بَلْ مَا يَتْبَعُهُ مِنْ كَسْرِ الشَّهَوَاتِ وَتَطْوِيعِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ لِلنَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّة ِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ نَظَرَ الْقَبُولِ . وقد بوب الإمام النووي رحمه الله :(باب أمر الصائم بحفظ لسانه وجوارحه ).
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين _رحمه الله_ : في شرحه لرياض الصالحين :"ولا يريد الله من عباده أن يضيق عليهم بترك الأكل والشرب والجماع ولكن يريد أن يمتثلوا أمره ويجتنبوا نواهيه حتى يكون الصيام مدرسة يتعودون فيها على ترك المحرمات وعلى القيام بالواجبات وإذا كان شهر كامل يمر بالإنسان وهو محافظ على دينه تارك للمحرم قائم بالواجب فإن ذلك سوف يغير من مجرى حياته" .
وهذه هي الحكمة من الصيام تغيير عاماً كاملاً في حياة العبد ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الصائم كي يحافظ على هذه التقوى التي هي الغاية من صيامه بعد أن كف أذاه عن الناس بعدم الكذب عليهم والجهل في حقهم .

أنه إذا اعتدي عليه يقول ما جاء في هذا الحديث : " عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ".
فأمرك الشارع أن تكف أذاك عن الناس لأن الأصل في بني آدم هو الظلم والجهل قال تعالى : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) .

فإذا انتصر الإنسان على هذه النفس التي هي أعدى عدو أمره بالأمر الثاني وهو أنه إذا اعتدي عليه فليقل أني صائم حتى يدفع عن نفسه العجز عن المدافعة ويبين لصاحبه أنه لولا الصيام لقابلتك بمثل ما فعلت بي، فيبقى عزيزا لا ذليلا لكنه ذل لعبودية الله تعالى وطاعة الله عز وجل .
وبهذا يحافظ العبد على صيامه من الخدش والله الموفق .


2_ اللغو والرفث:

واللغو : المراد هنا كل كلام باطل فهو اسم جامع لكل قبيح ومذموم من الكلام كالغيبة والبهتان والافتراء وما شابه ذالك .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ فَلْتَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ " ( 2) .
وعنه رضي الله عنه أيضاً قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلاَّ الجوع، ورُبَّ قائم ليس له مِن قيامه إِلا السّهر" .
وسبب ذالك أن من يفعل هذه المحرمات لم يفقه حقيقة الصيام التي أمرنا بها فيعاقب بحرمانه الأجر والثواب.
وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قال الله : كلّ عمل ابن آدم له، إِلا الصّيام فإِنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة .

وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يصخب فإِنْ سابّه أحدٌ أو قاتله فليقل إِنّي امرؤٌ صائم" .
يرفُث : من الرفث، كلمة جامعة لكل ما يريدهُ الرجل من المرأة أو هي مقدمات الجماع .

الصخب : الخصام والصياح ورفع الصوت ويتأكد تحريم ذالك في المسجد.



سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

أعدها
أبو عبد الله البصري
عفى الله عنه
لعام 1433هـ



___________________
( 1) رواه البخاري (1903 ) .
( 2) رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وسنده صحيح .