بقلم – أ.د/ محمد أبو زيد الفقي أستاذ الدعوة والثقافة وعميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بكفر الشيخ ( سابقًا ) جامعة الأزهر ” رسالة من شهيد إلى السيد رئيس الجمهورية “ أحدثك من العالم الأخر – عالم الأموات – وأعرض عليك ما يلي :
- نشأت في أسرة فقيرة تعمل في خدمة أحد المستشارين من رجال القضاء المصري , كنا نسكن في غرفتين بجوار زريبة الماشية , وكان أبي وأخواتي يتولون رعاية الماشية ويزرعون الأرض ويجهزون اللبن والسمن والخضروات لصاحب المعالي المستشار , وكان الأمل الأكبر لأبي أن يكلمه المستشار مرة كل شهر وكنا فيما بيننا نشعر أن الله تعالى قد خلق رجال القضاء من طين جديد غير الذي خلق منه ( آدم ) وأصبح أكبر أمل لأسرتي بعد ما أرسلوني إلى التعليم أن أكون مستشارًا مثل الذي نخدم عنده ودارت بنا الأيام ووصلت إلى كلية الشريعة والقانون , وكان معي ابن المستشار يومًا بيوم وعامًا بعام , وتخرجنا وحصلت على ( تقدير ممتاز ) وحصل هو على ( تقدير مقبول ) وكان هذا التقدير كثير عليه , فقد كان يشرب المخدرات ويرافق شلة لا تترك شيئًا من الحرام وأخرجه أبوه من قسم البوليس أكثر من مرة .
- المهم أنه قد أعلن عن دفعة للنيابة العامة وتقدمت وتقدم ابن المستشار وأصر أبي على أن يطلب من المستشار أن يوصِّي على , ووصَّى لكنه قال لهم : إن أباه يعمل خادمًا عندي ودخلت على أهل العدل وشيوخ القضاء وفخر مصر إلى أخر هذه العبارات المنافقة .
- وسألني أحدهم ما ذا يعمل أبو ك ؟ قلت : مزارعًا . قال : عند من؟ . قلت : عند سيادة المستشار فلان . قال : يبني إن ابنه معك في هذه المسابقة . قلت : نعم . قال : أتريد أن تجلس علي كرسي بجواره؟ . قلت : أتمنى ذلك . قال : إذن قامت الساعة . قلت :
لماذا ؟ قال : أن يعين شاب من عامة الشعب وينافس أسياده علي كرسي القضاء . قلت : إن كان ذلك كذلك فقد قامت الساعة وخربت الدنيا من المروءة والأخلاق .

- وانصرفت , وعين ابن المستشار وحرمت أنا من هذه الوظيفة التي كان أبي ينظر لها على أنها سترفع شأنه من الناحية المعنوية , وكنت أنظر لها على أنها ستنقلني وأسرتي إلى مستوى مادي يعوضنا عن أعوام الحرمان والذل والمهانة .
انتهى كل شيء والمصيبة المهولة أن سيادة المستشار قام بطردنا من أرضه وسكنه , وأصبحنا
على قارعة الطريق , لأننا تجرأنا وقدمنا للنيابة العامة .

- انتقلنا إلى منطقة النوبارية في محافظة البحيرة , وسكنا عند رجل طيب وتوزعنا على العمل وكان نصيبي العمل في جمع ثمار الفاكهة من مزارع بعض المستشارين المنتشرة في كل مكان في
مصر , وعاد الحزن والإحساس بالظلم ينبت في قلبي حتى أغلق على حياتي وكان السؤال القاتل : لماذا لا أجد العدل عند رجال العدل ؟ وظلت حياتي تسوء واجتمعت علي الأمراض وأطبق على اليأس من رحمة العباد واشتاقت نفسي إلى رحمة رب العباد , وتبدلت الأشياء في عيني , فكنت أنظر إلى الشمس في وضح النهار فإذا هي سوداء تشع سوادً على الأرض , وكنت أنظر إلى الزرع فإذا هو لهب من النار , ولم يطل بي الحال , حتى خرجت من الدنيا ذات صباح, وكانت جنازتي تافهة مثل حياتي , وفي العالم الأخر وجدت العدل هو أساس كل أمر , ووجدت الحب هو شريعة الموتى .

إلا أن الذي دفعني إلى كتابة هذه الرسالة إليك هو أن نظام الحكم الجديد في مصر عازم على تطهير الدولة من الظلم – خاصة القضاء – وأن بعض القضاة المعينين بمقبول يملؤون الدنيا صراخًا ويطلبون النصرة من أعداء الأمة , ويريدون الاستمرار في نهب مال الشعب وفرصه في العمل , وهذه عند أهل السماء أشد وأقبح من نهب المال .
إن الملائكة وأرواح الموتى والجن أيضًا يلعنون هذا البعض من القضاة ليل نهار , فلا تتهاون يا سيادة الرئيس معهم , فيكفيك في مدة رئاستك منع بعض أهل العدل من الظلم , والله معك . نسيت أن أطلب منك معاملتي كشهيد لكي أشعر بأن أهلي يعيشون مثل أهل الشهداء وأنا أعتقد أن الذي سُلب حقه وسُرقت فرصته التي يستحقها هو من أطهر الشهداء .