ما روي في حضور الشيطان لمصارع الموتى

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقد جاء أن الشيطان يحضر مضاجع الموتى، ليضل المؤمنين عن التوحيد فيهلكون، إلا من عصم الله ..
وهذا ما تيسر لي الوقوف عليه في هذا الباب:

في المسند مِنْ حَدِيثِ أَبِيْ الْيَسَرِ قَالَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ [ أي في دعائه]:
« .. وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ ».
رَوَاهُ أَحمَدُ 2/356 وأَبُو دَاوُد 1552 وَالنَّسَائِي 5531 والحاكم 1948 وسنده صّحِيح.
وأبو اليَسَرِ: بفتح الياء والسين وكسر الراء، هو كعب بن عمرو بن عباد، صحابي عقبي بدري يكنى أبا اليسر توفي في 55هـ ، وقد جاء اسمه عند النسائي في رواية له " أبو الأسود السلمي " وترجم له الحافظ المزي مذيلا بأنه وهم، والصحيح أنه أبو اليسر المتقدم.
وظاهر هذا الحديث: أن الشيطان يتخبط الإنسان عند الموت فِيْحاول جاهداً أن يصده عن السبيل، وأن يختم له بسوء، وظاهره أنه لم يعصم الأنبياء منه ابتداءً ، وإلا لما كان في استعاذة النبي r منه وجه، على أننا نعتقد أن الله يسدد المؤمنين ويعصمهم من كيد إبليس اللعين، والأنبياء من باب أولى ضرورة.
قال أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود (4/287):
قوله ( أن يتخبطني الشيطان ) أي إبليس أو أحد أعوانه. قيل التخبط الإفساد والمراد إفساد العقل والدين وتخصيصه بقوله ( عند الموت ) لأن المدار على الخاتمة.
وقال القاضي: أي من أن يمسني الشيطان بنزعاته التي تزل الأقدام وتصارع العقول والأوهام.
وأصل التخبط أن يضرب البعير الشيء بخف يده فيسقط.
قَالَ الإمام الْخَطَّابِيُّ: هُوَ أَنْ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ عِنْد مُفَارَقَة الدُّنْيَا فَيُضِلّهُ وَيَحُول بَيْنه وَبَيْن التَّوْبَة أَوْ يَعُوقهُ عَنْ إِصْلَاح شَأْنه وَالْخُرُوج مِنْ مَظْلِمَة تَكُون قَبْله أَوْ يُؤَيِّسهُ مِنْ رَحْمَة اللَّه أَوْ يُكَرِّه لَهُ الْمَوْت وَيُؤْسِفهُ عَلَى حَيَاة الدُّنْيَا فَلَا يَرْضَى بِمَا قَضَاهُ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الْفِنَاء وَالنُّقْلَة إِلَى الدَّار الْآخِرَة فَيَخْتِم لَهُ بِالسُّوءِ وَيَلْقَى اللَّه وَهُوَ سَاخِط عَلَيْهِ. اهـ
وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين:
واستعاذ صلى الله عليه وسلم من أن يتخبطه الشيطان عند الموت أي يفتنه ويغلبه على أمره ويحسن له ما هو قبيح ويقبح له ما هو حسن ويناله بشيء من المس كالصرع والجنون، ولما قيده بالتخبط عند الموت كان أظهر المعاني فيه هو أن يغويه ويوسوس له ويلهيه عن التثبت بالشهادة والإقرار بالتوحيد. اهـ

ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ دبر الصلوات الخمس « مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ » كَمَا فِيْ الصَّحِيحيْنِ وغيرهما من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ.
[ رَوَاهُ البُخَارِيُ 6367 ومُسلِمُ 588 ]
وقال ابن دقيق العيد كما في الفتح: فتنة المحيا، ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدُّنيَا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات، يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضيفت إليه لقربها منه. اهـ

وروى أبو نعيم في حلية الأولياء 5/186: عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « ... إِنَّ الشَّيطَانَ أّقرَبُ مَا يَكُونُ مِنَ ابنِ آَدَمَ عِندَ ذَلِكَ المَصْرَعِ ... ».
[ قلت: رواه من طريق عتبة بن حميد وضعفه أحمد، وخلص ابن حجر إلى أنه: صدوق، وذكر أبو مسهر والترمذي والحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن يونس سماع مكحول من واثلة وأنس، وقال أبو حاتم والبخاري لم يسمع من واثلة ]
وروى الحارث بن أبي أسامة من طريق الحسن بن قتيبة، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مرسلاً: « وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ عَدُوُّ اللَّهِ مِنْهُ تِلْكَ السَّاعَةَ ».
[ مسند الحارث 255 ، وهو مرسل، والحسن بن قتيبة ضعيف، لكن في حضور الشيطان شواهد صحيحة كما جاء وسيأتي ]

وَيشهد له ما رواه أَحمَدُ عَنْ أَبِيْ سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
« إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتْ الْأَرْوَاحُ فِيْهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ: فَبِعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي ».
رَوَاهُ أَحمَدُ 3/29-41-76 وأبو يعلى 1273 والطبراني أوسط 8788 ومن طريقه أبو نعيم في الحلية 8/332 وهو عند أحمد بأسانيد يحسن بمجموعها.

ويشهد لذلك أيضاً، روايتين عن ابن مسعود وعائشة في أن الإنسان يقيض له قرين من الشياطين أو قرين من الملائكة قبل موته بعام، فالشيطان يجاهده ليضله ويختم له بسوء، والملك ليسدده ويختم له بخير.
رَوَى عبد الرزاق عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِيْ عَطِيَّةَ الْوَادِعِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَىْ عَائِشَةَ، فَقُلْنَا: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَالْمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَكُمْ بِحَدِيثٍ لَمْ تَسْأَلُوهُ عَنْ آخِرِهِ وَسَأُحَدِّثُكُ مْ عَنْ ذَلِكَ:
« إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ خَيْرًا قَيَّضَ لَهُ مَلَكًا قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ فَسَدَّدَهُ وَيَسَّرَهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَهُوَ خَيْرُ مَا كَانَ، فَإِذَا حَضَرَ فَرَأَى ثَوَابَهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَجَعَلَ يَتَهَوَّعُ نَفْسَهُ، وَدَّ أَنَّهَا خَرَجَتْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ سُوءًا قَيَّضَ لَهُ شَيْطَانًا قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ فَصَدَّهُ وَأَضَلَّهُ وَفَتَنَهُ حَتَّى يَمُوتَ شَرَّ مَا كَانَ، وَيَقُولُ النَّاسُ مَاتَ فُلَانٌ وَهُوَ شَرُّ مَا كَانَ، فَإِذَا حَضَرَ فَرَأَى ثَوَابَهُ مِنَ النَّارِ جَعَلَ يَتَبَلَّعُ نَفْسَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ ».
رَوَاهُ عَبدِ الرَّزَّاق فِيْ المُصَنَف 3/586 عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الْوَادِعِيِّ، به. وسنده كلهم أئمة ثقات حفاظ. عدا تدليس الأعمش، ويشهد له ما بعده.

وَفي مصنف ابنُ أَبِيْ شَيبَةَ، عن جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ:
« انْظُرُوا النَّاسَ عِنْدَ مَضَاجِعِهِمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْعَبْدَ يَمُوتُ عَلَىْ خَيْرِ مَا تَرَوْنَهُ فَارْجُوَا لَهُ الْخَيْرَ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ يَمُوتُ عَلَىْ شَرِّ مَا تَرَوْنَهُ فَخَافُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ شَقِيًّا وَإِنْ أَعْجَبَ النَّاسَ بَعْضُ عَمَلِهِ قُيِّضَ لَهُ شَيْطَانٌ فَأَرْدَاهُ وَأَهْلَكَهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ الشَّقَاءُ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ سَعِيدًا، وَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَكْرَهُونَ بَعْضَ عَمَلِهِ، قُيِّضَ لَهُ مَلَكٌ فَأَرْشَدَهُ وَسَدَّدَهُ حَتَّى تُدْرِكَهُ السَّعَادَةُ الَّتِي كُتِبَتْ لَهُ ».
رَوَاهُ ابنُ أَبِي شَيبَةَ فِيْ المُصَنَف 7/109 ورجاله ثقات غير أن رواية خيثمة بن عبد الرحمن عن ابن مسعود فِيْها كلام، فقال أحمد لم يسمع منه، وأثبت سماعه أبو نعيم في الحلية (4/120) وابن عبد البر في الاستيعاب (1/173)، وعلى فرض عدم سماعه فالواسطة ثقات، فذكر أحمد في نص قوله وأنه لم يلقى ابن مسعود: أن روايته عن ابن مسعود من طريق الأسود بن يزيد بن قيس النخعى، وهو ثقة. وخيثمة كانت له خصوصية بأصحاب ابن مسعود فحج معهم وحدث وأخذ فقه ابن مسعود منهم، ولا يعلم فيه نوع تدليس، فهذه الرواية والتي قبلها يشهدان لبعضهما البعض. والله أعلم.

وذكر الأئمة فِيْ ترجمة الإمام أَحمَدُ، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ:
حَضَرَتْ أَبِي الْوَفَاةُ فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ، وَبِيَدِيَ الْخِرْقَةُ، وَهُوَ فِي النَّزْعِ؛ لَأَشُدَّ لَحْيَيْهِ، فَكَانَ يَغْرِقُ حَتَّى نَظُنُّ أَنْ قَدْ قُضِيَ، ثُمَّ يُفِيقُ، وَيَقُولُ: لَا بَعْدُ، لَا بَعْدُ، بِيَدِهِ، فَفَعَلَ هَذَا مَرَّةً، وَثَانِيَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ، إِيشْ هَذَا الَّذِي قَدْ لَهَجْتَ بِهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ؟ فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ مَا تَدْرِي؟ فَقُلْتُ: لَا فَقَالَ: إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ، قَامَ بِحِذَائِي عَاضًّا عَلَى أَنَامِلِهِ يَقُولُ: يَا أَحْمَدُ فُتَّنِي، وَأَنَا أَقُولُ: لَا بَعْدُ. حَتَّى أَمُوتَ.
رواه أبو نعيم في الحلية 9/183 من طريق الحافظ ابن شاهين، والبيهقي في الشعب 826 من طريق الحاكم أبو عبد الله، وذكرها الذهبي في سير النبلاء 9/559 واستغربها، وقال فِيْ ترجمة ابن علم مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَمْرَوَيْهِ راوي القصة عن عبد الله وصالح: حكايته- هذه- لا تعد منكرة. اهـ ورَوَاهُا ابن الجوزي فِيْ كتابه الثبات عند الممات من طريقه أيضاً.
وابن علم هذا، قَالَ فيه الخطيب: لم أسمع أحدًا يَقُولُ فِيهِ إلا خيرًا.
فالرواية سندها حسن إن شاء الله تعالى.
قَالَ الإمام الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَلِأَحْمُدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ سَلَفٌ حَقٌّ وَهُوَ فِيمَا أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: أُرَاهُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: " تَبَدَّى إِبْلِيسُ لِرَجُلٍ عِنْدَ الْمَوْتِ فَقَالَ: نَجَوْتَ؟ قَالَ: مَا نَجَوْتُ، وَمَا أَمِنْتُكَ بَعْدُ ".
[ قلت: رواه مرتين بإسناد فيه انقطاع بين الثوري وعطاء، ورواه ثالثا عن سفيان عن غسان المدني عن عطاء به، وأظنه أبو غسان المدني وهو محمد بن مطرف الثقة، وعلى هذا فإسناده يحتمل التحسين ].
وقال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ: " اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزْنِيَ، أَوْ أَعْمَلَ بِكَبِيرَةٍ فِي الْإِسْلَامِ يَقُولُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمِثْلُكَ يَقُولُ: هَذَا وَيَخَافُهُ وَقَدْ بَلَغْتَ مِنَ السِّنِّ مَا بَلَغْتَ وَانْقَطَعَتْ عَنْكَ الشَّهَوَاتِ، وَقَدْ شَافَهْتَ النَّبِيَّ صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتَهُ، وَأَخَذْتَ عَنْهُ؟ قَالَ: وَيْحَكَ وَمَا يُؤَمِّنُنِي وَإِبْلِيسَ حَيٌّ "
[ قلت: إسناده ضعيف جداً، فيه صالح المري وهو متروك، وابن السري مقبول ]

كيف المخرج؟
ومن أسباب النجاة من هذا اللعين عند ذاك المصرع، أن يحرص الإنسان على أعمال أهل الإيمان، وأن يدعوا الله بحسن الخاتمة، ويكثر من الأعمال الصالحة، فيموت محسنا ظنه بربه عزوجل، وأن يسعى جاهدا في إضعاف الشيطان.
كما روى الإمام أحمد في المسند: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُنْضِي شَيَاطِينَهُ كَمَا يُنْضِي أَحَدُكُمْ بَعِيرَهُ فِي السَّفَرِ.
[ رواه أحمد (2/380) والحكيم الترمذي (1/132) وابن أبى الدنيا في مكايد الشيطان (ص 41) وقال الهيثمي (1/116) : فيه ابن لهيعة. والحديث من رواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة به .. فمن حسنه ، حسنه لأن قتيبة بن سعيد لم يكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب عبد الله ابن وهب ثم يسمعه من ابن لهيعة ، وابن وهب إنما سمع من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه .. والمشهور في التراجم أن رواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة صالحة .. ولذلك حسنه الألباني في الصحيحة 3586 ]
وقوله : " إن المؤمن ينضي شياطينه " أي يهزله ويجعله ضعيفا مهزولاً ، ويَجْعله نِضْوا .
والنِضْو: الدابة التي أهْزَلَتْها الأسفار، وأذْهَبَت لَحْمَها، ومنه حديث علي: " كلمات لو رَحَلْتُم فيهنَّ المَطِيَّ لأَنْضَيْتُموهن ّ " ، وحديث ابن عبد العزيز " أنْضَيتم الظَّهر " أي أهْزَلْتُموه .
[ النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 5/72 ]
وقال المناوي في فيض القدير:
وقوله : كما ينضي أحدكم بعيره في السفر.. فالبعير يتجشم في سفره أثقال حمولته فيصير نضوا لذلك ، وشيطان المؤمن يتجشم أثقال غيظه منه لما يراه من الطاعة والوفاء لله فوقف منه بمزجر الكلب في ناحية .. وأشار بتعبيره " لينضي " دون يهلك ونحوه إلى أنه لا يتخلص أحد من شيطانه ما دام حيا فإنه لا يزال يجاهد القلب وينازعه والعبد لا يزال يجاهده مجاهدة لا آخر لها إلى الموت.
وقيل للحسن البصري أينام إبليس؟ فتبسم وقال: لو نام لوجدنا راحة.
وقال قيس بن الحجاج: قال لي شيطان: دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا الآن كالعصفور، قلت: ولم ذا؟ قال: أذبتني بكتاب الله. اهـ

هذا ما وقفت عليه في هذا الباب.
فنسأل الله أن يعيذنا وذرياتنا وأهلينا من الشيطان الرجيم في المحيا وعند الممات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين.