كنت اقرأ في رسالة للشيخ العلامة أبي محمد عبدالله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين المتوفى عام 438 هـ واسم هذه الرسالة "" رسالة في إثبات الاستواء والفوقية .... ""
قال فيها هذه الكلمات التي والله تسر الخاطر من حسنها وتوفيق الله لقائلها
قال رحمه الله :
العبد إذا أيقن أن الله تعالى فوق السماء عال على عرشه بلا حصر ولا كيفية ، وأنه الآن في صفاته كما كان في قدمه ، صار لقلبه قبلة في صلاته ، وتوجهه ، ودعائه ، ومن لايعرف ربه بأنه فوق سماواته على عرشه فإنه يبقى ضائعا لايعرف وجهة معبوده ، لكن لو عرفه بسمعه ، وبصره ، وقدمه ، وتلك بلا هذا معرفة ناقصة بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشياء فإذا دخل في الصلاة توجه قلبه إلى جهة العرش ، منزها ربه تعالى عن الحصر مفردا له كما أفرده في قدمه وأزليته ، عالما أن هذه الجهات من حدودنا ولوازمنا ، ولا يمكننا الإشارة إلى ربنا في قدمه ، وأزليته إلى بها ، لأنا مُحدَثون والمحدث لابد له في إشارته إلى جهة فتقع تلك الإشارة إلى ربه كما يليق بعظمته ، لا كما يتوهمه هو من نفسه ، ويعتقد أنه في علوه قريب من خلقه ، هو معهم بعلمه ، وسمعه ، وبصره ، وإحاطته ، وقدرته ، ومشيئته ، وذاته فوق الأشياء ، فوق العرش ، ومتى شعر قلبه بذلك في الصلاة ، أو التوجه أشرق قلبه واستنار ، وأضاء بأنوار المعرفة والإيمان ، وغشيت أشعة العظمة على عقله وروحه ونفسه فانشرح لذلك صدره ، وقوى إيمانه ، ونزه ربه عن صفات خلقه من الحصر والحلول ، وذاق حينئذ شيئا من أذواق السابقين المقربين بخلاف من لا يعرف وجهة معبوده ، وتكون الجارية راعية الغنم أعلم بالله منه ، فإنها قالت : " في السماء " ، عرفته بأنه على السماء ؛ فإن في تأتي بمعنى على كقوله تعالى : {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }المائدة26 أي على الأرض وقوله : { لَأُصَلِّبَنَّك ُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى }طه71 أي على جذوع النخل ، فمن تكون الراعية أعلم بالله منه لكونه لايعرف وجهة معبوده فإنه لايزال مظلم القلب لايستنير بأنوار المعرفة والإيمان ، ومن أنكر هذا القول فليؤمن به ، وليجرب ، ولينضر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه مبصرا من وجهة ، أعمى من وجهة ، كما سبق مبصرا من جهة الإثبات والوجه والتحقيق ، أعمى من جهة التحديد ، والحصر، والتكيف ، فإنه إذا عمل ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى ، ووجد نوره ، وبركته عاجلا وآجلا { وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }فاطر14 والله سبحانه الموفق والمعين .