تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: رد بيان لجنة المصحف بالمدينة المنورة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    الدولة
    انواكشوط ـ موريتانيا
    المشاركات
    18

    افتراضي رد بيان لجنة المصحف بالمدينة المنورة

    بل لا شذوذ في كتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للداني

    بسم الله الرحمان الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد:
    فقد فاجأني بيان منشور وقعه بعض أعضاء اللجنة العلمية لطباعة مصحف مجمع الملك فهد في المدينة النبوية، وفاجأني توقيع الشيخ الوقور عليّ عبد الرحمان الحذيفي حفظه الله رئيس اللجنة، وإن صدقت فراستي فوراء توقيعه تدليسا وقلبا وتمويها.
    وحمل البيان على كتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للداني (ت 444ه) بقولهم: "وبعد دراسة الكتاب وما فيه من الأوجه ... تبين أن في الكتاب أوجهاً شاذة لا يقرأ بها اليوم ولم تتواتر القراءة بها من لدن عصر المؤلف إلى عصرنا هذا ولإجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول ومخالفتها للمتلقى بالأسانيد المتواترة عن أهل الأداء الثقات عن الإمام نافع المدني نرى الاقتصار على قراءة الإمام نافع من روايتي قالون وورش بما تضمنته الكتب التالية:
    1 - .التيسير للإمام أبي عمرو الداني المتوفى سنة 444 هـ
    2 - .الشاطبية للإمام القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الشاطبي المتوفى سنة 590 هــ
    3 - .النشر في القراءات العشر ومنظومته (طيبة النشر) للإمام الحافظ محمد بن محمد بن محمد ابن على بن يوسف الجزري المتوفى سنة 833 هـ
    4 - .الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع للإمام على بن محمد المعروف بابن بري (المتوفى سنة 730 هــ )
    وشروح هذه الكتب السالفة الذكر وما ألّف حولها للبيان والإيضاح والتدقيق والتحقيق والتحرير وهذه الكتب وحدها هي التي يقرأ بمضمنها وهي التي أجمع المسلمون على تلقيها بالقبول في المشرق والمغرب وما ورد فيها من قراءات صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ محل الغرض منه.
    قلت: هكذا اختزلوا البحث وأعلنوا فتاوى متعددة جاهزة بعيدا عن التحرير والتحقيق.
    وكان حريا بطالب علم صون قلمه ولينتصر قبلي لكتاب الله أهل التخصص والتحرير في مشارق الأرض ومغاربها، لولا التدليس وقلب المتراجحة بجعل الكليات الثابتة جزئيات ظنية الدلالة.
    وقبل البدء بنقاش علمي حول جزئيات البيان أسارع إلى تقديم صورة واضحة لكتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للحافظ الأمين المتقن المدقق أبي عمرو الداني رحمه الله، هذه الصورة لعلها أكثرُ وضوحا من التي تصورها الموقعون على البيان الشاهدون قبل أن يتبينوا.
    أولا: صورة واضحة من كتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للداني
    لعل كتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع آخر ما ألّفه الداني في الباب كما يتجلى في دقته وتحرير طرقه.
    وتضمن طريقي أبي الزعراء وابن فرح كلاهما عن الدوري عن إسماعيل الأنصاري (ت180ه) عن نافع ، وطريقي محمد بن إسحاق ومحمد بن سعدان عن إسحاق المسيبي (ت 206ه) عن نافع ، وأضاف إلى طريقي أبي نشيط والحلواني كلاهما عن قالون طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن قالون، وأضاف إلى طريقي الأزرق والأصبهاني لورش طريق عبد الصمد عن ورش، هكذا زاد كتاب التعريف على الطيبة ستة طرق عن نافع.
    وأعرض ـ لغاية أبعدُ من طلب الاختصار ـ عن بيان المواطن التي اتفق فيها إسماعيل والمسيبي أو أحدهما مع قالون وورش أو أحدهما في الرواية عن نافع، وكذلك أعرض عن المواطن التي اتفق فيها القاضي مع أبي نشيط والحلواني أو أحدهما في الرواية عن قالون، وأعرض عن المواطن التي اتفق قيها عبد الصمد مع الأزرق والأصبهاني أو أحدهما في الرواية عن ورش، لظهور قصور الفتوى بالشذوذ في هذه المواضع.
    إن الطرق الستة المذكورة في كتاب التعريف قد خالفت قراءة نافع من طرق طيبة النشر واتفقت مع طرق الروايات والقراءات من طرق طيبة النشر كالتالي:
    رواية إسماعيل:
    ـ ﴿يرضه لكم﴾ بالصلة لإسماعيل وابن سعدان عن المسيبي وافقهما ابن كثير المكي والكسائي وخلف وكذلك في وجه عن كل من دوري أبي عمرو وابن جماز عن أبي جعفر وكذلك في وجه عن كل من ابن ذكوان وابن وردان عن أبي جعفر
    ـ ﴿عذتُ﴾ معا بالإدغام لإسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ، ووافقهما أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف ثم هشام في وجه عنه
    ـ ﴿واتقونِ يا أولي الألباب﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
    ـ ﴿وخافونِ إن كنتم﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
    ـ ﴿واخشوْنِ ولا﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
    ـ ﴿وقد هدانِ﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
    ـ ﴿كيدونِ فلا﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان وهشام
    ـ ﴿ولا تخزونِ﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
    ـ ﴿بما أشركتمونِ من قبلُ﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
    ـ ﴿واتبعون هذا﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
    ـ ﴿ألا تتبعن﴾ حالة الوصل بفتح الياء لإسماعيل ويثبتها ساكنة وقفا تماما كأبي جعفر شيخ نافع
    ـ ﴿يومئذ﴾ في هود والنمل والمعارج بكسر الميم لإسماعيل ويعني أنه وافق في حرفي هود والمعارج من طرق الطيبة سبعة من القراء هم ابن كثير المكي والشامي وعاصم التابعيون والبصريان وحمزة وخلف ووافق في حرف النمل ابن كثير المكي والشامي التابعيان والبصريان
    ـ ﴿شيئا نكرا﴾ الكهف، ﴿عذابا نكرا﴾ الكهف والطلاق بإسكان الكاف لإسماعيل موافقة لابن كثير المكي وأبي عمرو وهشام وحفص وحمزة والكسائي وخلف
    ـ ﴿هزوا﴾ بإسكان الزاي لإسماعيل ووافقه حمزة وخلف
    ـ ﴿كفوا﴾ بإسكان الفاء لإسماعيل والمسيبي والقاضي عن قالون ووافقهما حمزة وخلف ويعقوب
    طريق أبي الزعراء عن الدوري عن إسماعيل:
    ـ ﴿ولقد ذرأنا ﴾ فقط بإدغام دال قد في الذال لأبي الزعراء عن الدوري عن إسماعيل وافقه أبو عمرو وهشام وحمزة والكسائي وخلف ووافقه الأصبهاني في التعريف خارج طرق الطيبة والنشر
    ـ ﴿ولي دين﴾ أسكنها أبو الزعراء عن إسماعيل وافقه أبو جعفر وابن كثير المكي إلا وجها للبزي والبصريان وابن ذكوان وشعبة وحمزة والكسائي وخلف
    ـ ﴿شاء﴾ وبابها: الأفعال العشرة المعلومة تقليلها لأبي الزعراء عن الدوري عن إسماعيل ولابن سعدان عن المسيبي كلاهما عن نافع وهي كما في جامع البيان رواية أبي عبيد عن إسماعيل القاضي في الأفعال العشرة التي أمالها محضا جميعا حمزة ووافقه إضجاعا في بعضها شعبة والكسائي وخلف وهشام وابن ذكوان
    طريق ابن فرح عن الدوري عن إسماعيل:
    وسوى ما تقدم عن إسماعيل فإن طريق ابن فرح لم تخالف قراءة نافع من طرق الطيبة فكيف يتأتى وصفها بالشذوذ رغم الاتفاق على قبول اختيار خلف لموافقته الكوفيين.
    رواية إسحاق المسيبي:
    ـ ﴿وأشركهُ في أمري﴾ يصلها بواو المسيبي موافقة لابن كثير المكي
    ـ ﴿كفوا﴾ بإسكان الفاء لإسماعيل والمسيبي والقاضي عن قالون تقدم الكلام عنها
    طريق محمد بن إسحاق المسيبي:
    ـ إخفاء النون الساكنة قبل الغين والخاء لابن المسيبي موافقة لأبي جعفر شيخ نافع
    طريق ابن سعدان:
    ـ ﴿كهيعص ذكر﴾أدغمه ابن سعدان عن المسيبي موافقة للتابعي ابن عامر الشامي ووافقهما أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف
    ـ ﴿عليه﴾ حيث وقعت يصلها بياء ما لم تلق ساكنا ابن سعدان عن المسيبي موافقة لابن كثير المكي
    ـ ﴿أنه من تولاه﴾ حالة الوصل يصلها بواو ابن سعدان عن المسيبي موافقة لابن كثير المكي
    ـ ﴿شاء﴾ وبابها: الأفعال التسعة تقليلها لأبي الزعراء عن إسماعيل ولابن سعدان عن المسيبي تقدم الكلام عنها
    رواية قالون من طريق القاضي:
    ـ ﴿من حيّ﴾ بياء واحدة مشددة مفتوحة للقاضي عن قالون وهي رواية البزي في وجه ورواية حفص وقراءة أبي عمرو والشامي وحمزة والكسائي
    ـ ﴿كفوا﴾ بإسكان الفاء لإسماعيل والمسيبي والقاضي عن قالون وتقدم الكلام عنها
    رواية ورش من طريق عبد الصمد:
    ـ ﴿ءآمنتم﴾ في الأعراف وطه والشعراء بالإخبار لعبد الصمد في وجه موافقة للأصبهاني وحفص ورويس
    وهذه خمسة أحرف خالف فيها كتاب التعريف جميع طرق الطيبة:
    طريق محمد بن إسحاق المسيبي:
    ـ قد في قوله ﴿قد تبين الرشد﴾ فقط بإظهار قد قبل التاء لمحمد بن المسيبي عن أبيه، قال الداني في جامع البيان:"فسألت أبا الفتح عند قراءتي بروايته عن إطلاق القياس في نظائره فأبى ذلك ومنعني من إجراء القياس وقال لي إنما ذلك في هذا الموضع خاصة، ومما يدل على صحة ما قاله لي ما حدثنا محمد بن عليّ عن ابن مجاهد عن أصحابه عن المسيبي عن نافع أنه أظهر ﴿قد تبين الرشد من الغيّ﴾ ولم يذكر نظائره ولا جعل القياس في ذلك مطردا فدل على أنه إنما يروي ذلك في هذا الموضع خاصة وقد أقرأني أبو الفتح في ذلك في رواية ابن سعدان عن المسيبي بالإدغام ونصُّ ابن سعدان عنه بالإظهار وهو الصحيح عندي إن شاء الله تعالى" اهـ
    ـ تاء التأنيث في ﴿أجيبت دعوتكما﴾ بالإظهار فيها فقط دون نظائرها لابن المسيبي وكذلك في جامع البيان عنه وفيه أنه سأل شيخه أبا الفتح فارس عن نظيره في الأعراف فقال له:"إنما خص بالإظهار الموضع الذي في يونس لا غير" اهـ.
    ـ ﴿بل رفعه الله إليه﴾ ﴿قل رب﴾ وشبهه بالإظهار لمحمد بن المسيبي عن أبيه ووافقه وكذلك أظهره أبو عون الواسطي عن الحلواني عن قالون قال الداني في جامع البيان:"وكذلك روى محمد بن مروان والعثماني عن قالون في لام قل وبل سواء وكذلك روى لي فارس بن أحمد عن عبد الباقي بن الحسن عن قراءته على أصحابه في رواية ابن المسيبي عن أبيه في رواية الحلواني عن قالون"اهـ.
    طريق ابن سعدان عن المسيبي:
    ـ ﴿أتمدوننِ﴾ بنون واحدة مخففة تفرد بها ابن سعدان عن المسيبي عن نافع قال الداني في جامع البيان:"واختلف عن المسيبي عن نافع فحدّثنا محمد بن عليّ قال: نا ابن مجاهد قال: نا ابن واصل قال: نا ابن سعدان عن المسيبي عن نافع ﴿أتمدونِي﴾ خفيفة النون وهي بنون واحدة وياء في الوصل والوقف"اهـ ، وقال الداني كذلك:"ونا عبد العزيز بن محمد قال: نا عبد الرحمان بن عمر قال: نا عبيد بن محمد المروزي قال نا ابن سعدان قال: نا إسحاق عن نافع ﴿أتمدونِ﴾ بنون واحدة خفيفة ويثبت الياء في القراءة ويحذفها في الوقف"اهـ وكذلك روى الداني في جامعه عن شيخه عبد العزيز الفارسي عن سليم عن حمزة عن اليزيدي عن أبي عمرو بنون واحدة وياء ولم يذكر تخفيف النون ولا تشديدها وقال الداني " وروى سائر الرواة عن المسيبي عن نافع وعن اليزيدي عن أبي عمرو بنونين ظاهرتين" اهـ
    وأما إثبات الياء في الحالين فقد وافق فيه ابن كثير ووافقهما حمزة ويعقوب، قال الداني في جامع البيان:"أثبتها في الحالين ابن كثير وحمزة وكذلك روى ابن واصل عن ابن سعدان عن المسيبي عن نافع" اهـ من آخر فرش سورة النمل.
    رواية عبد الصمد عن ورش
    ـ ﴿ءآلهتنا﴾ بالإخبار لعبد الصمد في وجه وهي كما في جامع البيان رواية ابن عبد الرزاق عن الجبار بن محمد عن عبد الصمد وقال الداني:"وقرأت أنا في رواية يونس عنه بالوجهين الاستفهام والخبر وروى سائر الرواة عنه بالاستفهام ولم يأت به نصا غير الأصبهاني عن أصحابه عنه فإنه قال مستفهمة بنبرة واحدة" اهـ من جامع البيان، ويعني أن عبد الصمد لم ينفرد بالخبر عن ورش بل وافقه يونس بن عبد الأعلى عن ورش.
    وفيما عدا الأحرف السالفة فإن الطرق الست قد وافقت قراءة نافع من طرق الطيبة.
    وأعلم علم اليقين أن الوصف في بيان بعض لجنة المصحف في المدينة المنورة بشذوذ أحرف كثيرة في كتاب التعريف إنما كان خبط عشواء منهم ، ولأن لهم رحما أبلّها بلالها فإني أهديهم الكشف عن هذه الأحرف الخمسة:
    1. إظهار ﴿قد تبين الرشد﴾ لابن المسيبي
    2. إظهار ﴿أجيبت دعوتكما﴾لابن المسيبي
    3. إظهار اللام الساكنة قبل الراء لابن المسيبي
    4. القراءة بنون واحدة مخففة في ﴿أتمدوننِ﴾ لابن سعدان عن المسيبي
    5. الإخبار في ﴿ءآلهتنا﴾ لعبد الصمد
    فلْيزيدوها لنا ولِيجدونا من الشاكرين المذعنين، وإن اقتصروا عليها الآن وكانت خبط عشواء منهم فلن يسلم لهم الوصف بشذوذها للمعطيات والأدلة التالية:
    يتواصل
    الحسن محمد ماديك

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    الدولة
    انواكشوط ـ موريتانيا
    المشاركات
    18

    افتراضي رد: رد بيان لجنة المصحف بالمدينة المنورة

    ثانيا: تعريف مدلول الشذوذ
    إن مدلول الشذوذ في القراءات يشمل :
    1. الشذوذ عن المصاحف العثمانية وهو ما تخلف عنها من قراءات بعض الصحابة.
    2. والشذوذ عن القياس في لسان العرب نحو كسر سين يحسب بصيغة المستقبل لنافع والمكي والبصريين والكسائي وخلف وإنما قياس مستقبل حسب فتح العين للأربعة المسكوت عنهم.
    3. والشذوذ عن الأداء والطريق الواحدة أو ما يسمى بتركيب الطرق كالقراءة بوصل ﴿اصطفى البنات﴾ لمن كان يقرأ للأزرق إذ لا يخفى تخلفها عن أداء الأزرق رغم صحتها عن الأصبهاني عن أصحابه عن ورش.
    4. والشذوذ كمصطلح عند العامة في مقابلة القراءات المشهورة التي لا يزال الأداء بها متصلا، وكذلك ألِف الخاصة هذا المصطلح فجذبهم إلى خطإ منهجي صرفهم عن التحقيق.
    ولا يخفى تواتر المصاحف العثمانية وشذوذ ما تخلّف عنها من قراءات الصحابة التي لم تتضمنها العرضتان الأخيرتان كما لا تخفى صحة القسم الثاني وهو الشذوذ اللغوي كتغليط ابن مجاهد وطعن ابن جرير في بعض الأحرف، ولا يخفى جواز القسم الثالث تيسيرا على العامة لعدم تمكّنهم من تحرير الطرق بقيد وشرط معلوم.
    وأحسن الظنّ بأصحاب البيان أنهم قصدوا القسم الرابع ولكن: ليت شعري كيف درى أصحاب البيان شذوذ ما وراء طرق طيبة النشر ؟ وقد برئ ابن الجزري نفسه من تلك الدعوى كما في آخر كتابه منجد المقرئين قال:" لا أقطع بأن ما عدا العشر غير متواتر؛ فإن التواتر قد يكون عند قوم دون قوم، ولم أطلع على بلاد الهند والخَطا وأقصى المشرق وغيره، فيحتمل أنها تكون عندهم متواترة" اهـ محل الغرض منه.
    وكذلك أعلن ابن الجزري في نشره (1/41-43) متوكئا على نص نفيس عن ابن حيان الأندلسي منه: "... وهل هذه المختصرات التي بأيدي الناس اليوم كالتيسير والتبصرة والعنوان والشاطبية بالنسبة لما اشتهر من قراءات الأئمة السبعة إلا نزر من كثر وقطرة من قطر ، وينشأ الفروعي فلا يرى إلا مثل الشاطبية والعنوان فيعتقد أن السبعة [ يعني الأحرف السبعة ]محصورة في هذا فقط ، ومن كان له اطلاع على هذا الفن رأى أن هذين الكتابين ونحوهما من السبعة كثغبة من دأماء وتربة في بهماء ، وهذا أبو عمرو ابن العلاء الإمام الذي يقرأ أهل الشام ومصر بقراءته اشتهر عنه في هذه الكتب المختصرة اليزيدي وعنه رجلان الدوري والسوسي ، وعند أهل النقل اشتهر عنه سبعة عشر راويا : اليزيدي وشجاع وعبد الوارث والعباس بن الفضل وسعيد بن أوس وهارون الأعور والخفاف وعبيد بن عقيل وحسين الجعفي ويونس بن حبيب واللؤلؤي ومحبوب وخارجة والجهضمي وعصمة والأصمعي وأبو جعفر الرؤاسي فكيف تقصر قراءة أبي عمرو على اليزيدي ويلغى من سواه من الرواة على كثرتهم وضبطهم وثقتهم وربما يكون فيهم من هو أوثق وأعلم من اليزيدي ؟
    وننتقل إلى اليزيدي فنقول : اشتهر ممن روى عن اليزيدي الدوري والسوسي وأبو حمدان ومحمد بن أحمد بن جبير وأوقية أبو الفتح وأبو خلاد وجعفر بن حمدان سجادة وابن سعدان وأحمد بن محمد بن اليزيدي ، وأبو الحارث الليث بن خالد ، فهؤلاء عشرة فكيف يقتصر على أبي شعيب والدوري ويلغى بقية هؤلاء الرواة الذين شاركوهما في اليزيدي وربما فيهم من هو أضبط منهما وأوثق ؟
    وننتقل إلى الدوري فنقول : اشتهر ممن روى عنه ابن فرح وابن بشار وأبو الزعراء وابن مسعود السراج والكاغدي وابن برزة وأحمد بن حرب المعدل .
    وننتقل إلى ابن فرح فنقول : روى عنه ممن اشتهر : زيد بن أبي بلال وعمر بن عبد الصمد وأبو العباس بن محيريز وأبو محمد القطان والمطوعي وهكذا نزل هؤلاء القراء طبقة طبقة إلى زماننا هذا فكيف وهذا نافع الإمام الذي يقرأ أهل المغرب بقراءته اشتهر عنه في هذه الكتب المختصرة ورش وقالون وعند أهل النقل اشتهر عنه تسعة رجال : ورش وقالون وإسماعيل بن جعفر وأبو خليد وابن جماز وخارجة والأصمعي وكردم والمسيبي ؟
    وهكذا كل إمام من باقي السبعة قد اشتهر عنه رواة غير ما في هذه المختصرات فكيف يلغى نقلهم ويقتصر على اثنين ؟ وأي مزية وشرف لذينك الإثنين على رفقائهما وكلهم أخذوا عن شيخ واحد وكلهم ضابطون ثقات ؟ وأيضا فقد كان في زمان هؤلاء السبعة من أئمة الإسلام الناقلين القراءات عالم لا يحصون وإنما جاء مقرئ اختار هؤلاء وسماهم ولكسل بعض الناس وقصر الهمم وإرادة الله أن ينقص العلم اقتصروا على السبعة ثم اقتصروا من السبعة على نزر يسير منها انتهى " اهـ من النشر .
    قلت : ولا يخفى أن إسماعيل القاضي والمسيبي كانوا أعلى رتبة وأجل شأنا وأضبط وأوثق من قالون وورش وكذلك أخبرني شيخي صدّاف بن محمد البشير رحمه الله حين قراءتي عليه سنة 1409هـ وكان يعجب كثيرا من قصور الهمم عن القراءة بكتاب التعريف عن نافع لأبي عمرو الداني.
    وبعيدا عن التفصيل والبيان زعم البيان شذوذ بعض الأوجه في كتاب التعريف باستدلالات ثلاث:
    1. عدم تواتر القراءة بها من لدن عصر المؤلف إلى عصرنا هذا
    2. إجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول
    3. مخالفتها للمتلقى بالأسانيد المتواترة عن أهل الأداء الثقات عن الإمام نافع المدني
    قلت: ولا تعدو هذه الفتيا الوصف بالتدليس على الأمة والقول بغير علم.
    أما التدليس فلأن ابن الجزري نفسه لم يزعم التواتر في طيبته ونشره بل اختار القول بالشهرة والاستفاضة لفرط أمانته العلمية، وإنما الشهرة والاستفاضة لوصف الأداء غير المنصوص، أما الأداء المنصوص في أمهات كتب القرآن فهو أكثر من متواتر.
    قال ابن الجزري في النشر (1/13):"وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم" اهـ
    وقال عمرو ابن الحاجب: "والسبعة متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه" اهـ من النشر (1/13).
    ولا يتأتى لأحد إثبات التواتر في أداء متصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوقف على كل كلمة فيها الهمز بالتسهيل لحمزة ولا تواتر إمالة كل كلمة فيها هاء التأنيث للكسائي ولا تواتر الإدغام الكبير في كل جزئياته لأبي عمرو.
    ولأجل هذه الحقيقة الكبرى أعلن ابن الجزري أن اشتراط التواتر ينتفي معه كثير من حروف الخلاف الثابت عن السبعة وغيرهم وكما فسّره ابن الحاجب وخصصه بما كان من قبيل الأداء كالمد والإمالة ومذاهبهم في الهمز ...
    وفي غير ما كان من قبيل الأداء ككلمات الفرش فإن أعلى درجات صحتها هو اجتماع النص والأداء في كتب المصنفين من طرق الرواة مثل ابن مهران (ت 381 هـ) في غايته وعبد المنعم بن غلبون ( ت 389 هـ ) في إرشاده وطاهر بن غلبون (ت 399 هـ ) في تذكرته ومكي بن أبي طالب ( ت 437 هـ ) في تبصرته وأبي الفضل الخزاعي ( ت 408 هـ ) في المنتهى والطرسوسي ( ت 420 هـ ) في المجتبى والمهدوي ( ت 430 هـ ) في هدايته أبي عليّ المالكي ( ت 438 هـ ) في روضته وأبي عمرو الداني ( ت 444 هـ ) في جامعه وتيسيره وتعريفه وغيرها وابن فارس الخياط ( ت 452 هـ ) في جامعه وأبي الحسين الفارسي ( ت 461 هـ ) في جامعه وغيرهم في أمهات أودعها من حملوا إلينا القرآن عذبا وسلسلا تفاصيل أداء دوّنوه في حياتهم كما تلقوه من المقرئين أثناء قراءتهم القرآن من أوله إلى آخره ودوّنوا مع الأداء المنصوص تلقيهم أحرف الخلاف بالتحديث.
    تلكم الأمهات خصوصا في القرنين الرابع والخامس هي أعلى درجات الصحة أي متواترة لا يصح نسخها إلا بنصوص سابقة لا أسانيد متأخرة ظنية العدالة والضبط والدقة.
    أما الأمهات في القرن السادس فما بعده فهي عالة على نصوص المصنفين في القرنين الرابع والخامس وعلى أدائهم غير المنصوص وعلى تحديثهم بأحرف الخلاف.
    وأما الأمهات في القرون الثلاثة الأولى فهي الغاية القصوى والكنز الأعظم والعلم والدليل لقربها من الأداء الأول ولمعاصرتها نشأة تعدد القراءات والروايات.
    ولا قيمة لطعن على أداء منصوص في أمهات كتب القراءات إلا يكن بنص سبقه من مثله أو أضبط منه.
    وإن من المغالطة الإعلان عن هيمنة الأسانيد المعاصرة على أداء مدون منصوص قرأ به القرآن من أوله إلى آخره أئمة القراءات كابن مهران وابني غلبون والداني والقلانسي كل منهم عن شيوخه مسلسلا إلى الرواة والقراء أنفسهم.
    إن الأسانيد المعاصرة قد تطاول عليها العمر وأضْحتْ مَظنَّةَ الوهْمِ والمتاجرةِ ولِيَتَزَيّن بها من لا يفقهون ولا يدرون ما الرواية ولا الدراية، وإن من المتأخرين المعاصرين من قد زعموا رواية الهاء الخالصة مسلسلة في أسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
    إن الأداء بالقرآن كله أو بعضه لا يحتاج إلى اشتراط أو اقتران الإسناد، كما لا قيمة للأسانيد المتأخرة مع غير المتقنين المتخصصين أئمة الإقراء، ولعل الذين ينكرون هذه الكلية أن يجيبوا على التساؤلات التالية:
    1. في أواخر العهد النبوي: أفيدونا عن رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وتضمنت رسالته إلى هرقل عظيم الروم قوله تعالى ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ آل عمران، تلك الرسالة سلّمها الرسول بها على هرقل ودفعها هرقل إلى وزيره لفكّ الخاتم وقراءتها وترجمها، أترون الوزير وهو يقرأ تلك الآية قد قرأ من القرآن أو من كلام البشر؟
    2. أرأيتم عامة الناس عبر التاريخ الإسلامي منذ عصر التابعين إلى يومنا هذا ولا يحملون أسانيد ولا إجازات يقرأون القرآن في صلاتهم ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار هل يتأتى وصف ما يقرأون وما يتلون بأنه من كلام البشر؟
    وإنما أمهات القراءات قد أضافت نصوصا بضبط كلمات القرآن المختلف في أدائها وتلاوتها كما تلقاها المصنفون من طرق الرواة، ضبطا يؤهِّل المتأخرين لتلاوة كلمات القرآن دون الخطإ في أدائها.
    ولو غلب التحقيق لتوقفت الأسانيد عند المصنفين من طرق الرواة. وكل منهم ضمّن كتابه أسانيده بأدائه القرآن قراءة وبتلقيه أحرف الخلاف تحديثا.
    وكان من تدليس البيان التعريضُ بشذوذ طريق ابن نفيس لكل من قالون والأزرق التي عليها مدار تلاوة وأداء المغاربة جميعا في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وشنقيط وما وراءها من بلاد السودان منذ ألف سنة إلى يومنا هذا ، ولا يخفى أنها تميزت عن الحرز والتيسير والدرر اللوامع وإنما حوت الطيبة والنشر بعضا منها، وتفصيلها في كافي ابن شريح وتجريد ابن الفحام وتلخيص العبارات لابن بليمة وإقناع ابن الباذش .
    وأكبر من هذا التدليس زعم البيان تقوُّلا بغير علم إجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول، بل لا يسلم لهم زعمُ إجماع المتخصصين في المشرق فما بال البيان بأهل المغرب؟
    وإن طالب العلم من قطر شنقيط قد اتصل مباشرة بأئمة الإقراء في المغرب فأنكروا وأنكر معهم الإخوة المتخصصون في الجزائر، فمن أين علم البيان إجماع علماء المغرب إلا يكن من وحي الخيال والمزاج والتمني؟
    ولقد كنت ولا أزال بصدد دعوة الخواص أئمة القراءات المعاصرين إلى اجتماع عاجل يتدارسون الأمر ولعلهم يجددون علم القراءات بإحياء الأداء الأول الأداء بالمصاحف العثمانية الخمسة مستعينين بأمهات كتب القراءات في القرنين الرابع والخامس في العصر الذهبي لتدوين القراءات وبما سبقه من نصوص في القرون الثلاثة الأولى.
    ثالثا: علم القراءات : التأصيل والأركان والأسانيد
    ولا أجد فرقا بين تصورات العامة وبين بيان لجنة المصحف في المدينة المنورة القاضي بشذوذ كتاب التعريف للداني فاضطررت لإعلان الكليات التالية:
    1. أن للقراءات تأصيلا لا يزال غامضا.
    2. أن الأركان الثلاثة التي هي التواتر أو صحة السند وموافقة الرسم والنحو ليست ميزانا للمتأخرين إذ تعطل العمل بها منذ نشأة القراءات في صورتها الأخيرة.
    3. أن الأسانيد التي يتهافت عليها طلبة القرآن وبعض المقرئين ليست بديلا عن الأركان الثلاثة المبثوثة في النشر لابن الجزري وفي غيره من أمهاته.
    إن القراءات التي بأيدينا قد نشأت ابتداء من اختيارات الجيل الثالث بدْءًا بابن عامر الشامي (ت 118هـ) وابن كثير المكي (ت 120هـ) وعاصم ( ت 127هـ) وأبي جعفر المدني ( ت 130هـ) وكلهم من التابعين الكرام.
    ثم الجيل الرابع ومنه أبو عمرو (ت154هـ) وحمزة (ت 156هـ) وابن وردان (ت 160هــ) ونافع (ت 169هـ) وحفص (ت 180هــ) والكسائي (ت 189هـ) وشعبة ( ت 193هــ).
    ثم الجيل الخامس ومنه ورش (ت197هــ) وابن ذكوان (ت 202هــ) ويعقوب (ت 205هـ ) وخلاد (ت 220هــ) وقالون (ت 220هــ) وخلف (ت 229 هـ) ورَوْح (ت 235هــ) ورويس (ت 238هــ) وأبو الحارث (ت 240هــ) وهشام (ت245هــ) والدوري (ت 246هــ)
    ثم الجيل السادس الذي اختص بالرواة وهم البزي (ت 250هــ) والسوسي (ت 261هــ) وإسحاق الوراق (ت 286هــ) وقنبل (ت 291هــ) وإدريس الحداد (ت 296هــ) والأصبهاني (ت 296هــ).
    وتلاحظ الوسائطُ بين ابن كثير وبين راوييه البزي وقنبل وكذا بين ورش وبين الأصبهاني والواسطة بين الشامي وبين راوييه ابن ذكوان وهشام.
    ولكم أن تتصوروا القيمة العلمية لاختيار أبي جعفر ( ت 130هـ) لقربه من الأداء بالمصحف المدني وتقارنوا بينه وبين الأداء الذي قرأ به الأصبهاني (ت 296هــ) عن شيوخه وشيوخ شيوخه عن ورش عن نافع وما نزل به سنده وأداؤه قبل أن يصبح الأداء منصوصا في مصنفات طرق الرواة.
    أما الجيل الأول فهم الصحابة الكرام الذين رافقوا المصاحف العثمانية وأقرأوا الناس بأدائها.
    وأما الجيل الثاني فهم رعيل التابعين الذين تلقّوا القرآن من حملة المصاحف العثمانية وممن أخذ منهم مباشرة:
    ففي المدينة النبوية: مثل ابن المسيب وعروة وسالم وعمر بن عبد العزيز وابن هرمز وابن جندب .
    وفي مكة: مثل طاووس ومجاهد وعكرمة بمكة.
    وفي دمشق: مثل المغيرة بن أبي شهاب المخزومي وخليد بن سعد.
    وفي البصرة: مثل أبي العالية ويحيى بن يعمر وأبو رجاء وابن سيرين.
    وفي الكوفة: مثل أبي عبد الرحمان السلمي وزر بن حبيش وسعيد بن جبير.
    وأخذ عن هؤلاء ونظرائهم متأخروا التابعين القراء الأربعة وغيرهم من قراء الجيل الثالث.
    ولقد استغربت قبل ربع قرن ولا أزال نقاشا في النشر والمتون قبله ولدى المتأخرين حول الأركان الثلاثة.
    والحق يقال أن هذه الأركان كانت ميزانا وضعه المصنفون الأوائل الذين كانوا يجمعون ما وصل إليهم من الأداء لحفظ القراءات والروايات وضابطا لقبول انشطارها وتعدّدها إذ كانوا يكتفون بصحة السند إلى أحد المصنفين أو أئمة القراءات.
    وأجدني مَدِينًا للمصنفين من طرق الرواة في القرن الثالث والرابع والخامس للهجرة معلنا تزكيتهم بمباركتي أمانتهم العلمية إذ لم يخلطوا ولم يدلّسوا على العامة ولا الخاصة بل أعلنوا الأداء بالقرآن منصوصا في كتب من تقدمهم وقرأوا به القرآن من أوله إلى آخره وغير منصوص كما قرأوا به على شيوخهم قراءة مسلسلة متصلة وأعلنوا تلقيهم أحرف الخلاف غير مقترنة بقراءة القرآن وأعلنوا القياس في الأصول خاصة كالغنة والمد والإدغام والتسهيل والنقل ... غير مدلّسين فجزاهم الله خيرا بما نقلوا إلينا القرآن عذبا فراتا وسلسلا.
    قال ابن الجزري في النشر (1/9 ) " ثم إن القراء بعد هؤلاء المذكورين كثروا وتفرقوا في البلاد وانتشروا وخلفهم أمم بعد أمم وعرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية ومنهم المقصّر على وصف من هذه الأوصاف وكثر بينهم لذلك الاختلاف وقلّ الضبط واتسع الخرق وكاد الباطل يلتبس بالحق فقام جهابذة علماء الأمة وصناديد الأئمة فبالغوا في الاجتهاد وبينوا الحق المراد وجمعوا الحروف والقراءات وعزوا الوجوه والروايات وميزوا بين المشهور والشاذ والصحيح والفاذ بأصول أصّلوها وأركان فصّلوها وها نحن نشير إليها ونعوّل كما عوّلوا عليها فنقول : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها "اهـ بلفظه .
    إن القول بثبوت القرآن بصحة السند واستفاضته دون اشتراط التواتر ليعني تشريع إنشاء القراءات وقبول انشطارها وتعدّدها كالذي عرفته الأمة في القرن الثالث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزال المتخصصون في القراءات والباحثون المتأخرون متمسكين به تقليدا منهم، كما لا تزال عامة الناس تقرأ القرآن متواترا لديها خلَفا عن سلف تواتر صلاتهم الفجر ركعتين والظهر أربعا والعصر أربعا والمغرب ثلاثا والعشاء أربعا بالكيفية المعلومة إسرارا وجهرا وقياما وركوعا وسجودا وتواتر صيامهم وقيامهم رمضان وتواتر كيفية الحج تواترا لا يحتاج معه اللاحِقُ إلى إجازة وإسناد من السابقِ ولا الخلَفُ من سلفِه.
    ولكأني باللجنة العلمية لمصحف المدينة المنورة قد التُبس عليهم فلم يتبيّنوا ضعف القيمة العلمية لإسناد معاصر مسلسل بحديث نبوي خلت منه كتب الحديث النبوي المعلومة، وكذلك لا قيمة اليوم لأسانيد الدنيا مجتمعة بأداء خلت منه أمهات كتب القراءات المعلومة، بل تكتسب الأسانيد المعاصرة قيمتها من موافقة كتاب من كتب أمهات القراءات.
    إن الأداء المنصوص في أمهات كتب القراءات الذي قرأ به المصنفون الأولون ليعني أن كل مصنف من طرق الرواة يومئذ قد أذن لمن يأتي بعده بقراءة القرآن بمضمن كتابه، وفقه المحقق ابن الجزري ذلك فأذن في طيبته بقراءة القرآن بمضمن الطيبة كما هي دلالة قوله في آخرها:
    وَقَدْ أَجَزْتُهَا لِكُلِّ مُقْرِي / كَذَا أَجَزْتُ كُلَّ مَنْ فِي عَصْرِي
    رِوَايَةً بِشَرْطِهَا الْمُعْتَبَرِ / وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْجَزَرِي
    ولا يتأتى قصره على تلامذته الذين قرأوا عليه بمضمنها لإعلانه أنه أجاز كل من في عصره بمضمنها ومنهم من لم يقرأ عليه ولم يجتمع به ولم يلتقه ولإعلانه إجازته بمضمنها كل مقرئ متأخر عنه بقرينة تخصيص معاصريه بعد ذلك وليقتصر الأداء والإسناد على الشرط المعتبر وهو التقيد بما في الكتاب الأم.
    ومما لا يخفى على غير الأعشى أن القيمة العلمية لحرز الأماني أقل من أصله التيسير، وكذلك مصنفات الداني بالنسبة لمن سبقه من مصنفي طرق الرواة كابن مهران وابن مجاهد وابني غلبون فكيف تأتّى للجنة العلمية نسخ أمهات كتب القراءات ومنها كتاب التعريف للداني بشروح فرعية متأخرة عنه.
    إن تلك المتون من مصنفات طرق الرواة في القرنين الرابع والخامس لمن حفظ القرآن وأدائه لئلا يختلط أو يلتبس الأداء على شيخ يقرئ القرآن من حفظه إذ قد تصيبه آفات النسيان والهرم والخرف وليرجع طلابه إلى الكتاب الأم.
    وتتيح تلك النصوص في مصنفات طرق الرواة عودة آمنة إلى الأداء الأول الذي أقرأ به الصحابة الذين رافقوا المصاحف العثمانية بل لا فرق بين الطعن فيها وبين طعن الشيعة الروافض في الصحابة الكرام وما نقموا منهم إلا أن نصروا نبي الله ورسوله بالقرآن العظيم.
    ذلكم من تأصيل استغرابي وإنكاري فتوى لجنة المصحف في المدينة بإبطال القراءة بمفردة نافع لأبي عمرو الداني واعتمادها الدرر اللوامع وشروحه المتأخرة المصنفة في عصور الانحطاط.
    يتواصل
    الحسن محمد ماديك

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    الدولة
    انواكشوط ـ موريتانيا
    المشاركات
    18

    افتراضي رد: رد بيان لجنة المصحف بالمدينة المنورة

    ثانيا: تعريف مدلول الشذوذ
    إن مدلول الشذوذ في القراءات يشمل :
    1. الشذوذ عن المصاحف العثمانية وهو ما تخلف عنها من قراءات بعض الصحابة.
    2. والشذوذ عن القياس في لسان العرب نحو كسر سين يحسب بصيغة المستقبل لنافع والمكي والبصريين والكسائي وخلف وإنما قياس مستقبل حسب فتح العين للأربعة المسكوت عنهم.
    3. والشذوذ عن الأداء والطريق الواحدة أو ما يسمى بتركيب الطرق كالقراءة بوصل ﴿اصطفى البنات﴾ لمن كان يقرأ للأزرق إذ لا يخفى تخلفها عن أداء الأزرق رغم صحتها عن الأصبهاني عن أصحابه عن ورش.
    4. والشذوذ كمصطلح عند العامة في مقابلة القراءات المشهورة التي لا يزال الأداء بها متصلا، وكذلك ألِف الخاصة هذا المصطلح فجذبهم إلى خطإ منهجي صرفهم عن التحقيق.
    ولا يخفى تواتر المصاحف العثمانية وشذوذ ما تخلّف عنها من قراءات الصحابة التي لم تتضمنها العرضتان الأخيرتان كما لا تخفى صحة القسم الثاني وهو الشذوذ اللغوي كتغليط ابن مجاهد وطعن ابن جرير في بعض الأحرف، ولا يخفى جواز القسم الثالث تيسيرا على العامة لعدم تمكّنهم من تحرير الطرق بقيد وشرط معلوم.
    وأحسن الظنّ بأصحاب البيان أنهم قصدوا القسم الرابع ولكن: ليت شعري كيف درى أصحاب البيان شذوذ ما وراء طرق طيبة النشر ؟ وقد برئ ابن الجزري نفسه من تلك الدعوى كما في آخر كتابه منجد المقرئين قال:" لا أقطع بأن ما عدا العشر غير متواتر؛ فإن التواتر قد يكون عند قوم دون قوم، ولم أطلع على بلاد الهند والخَطا وأقصى المشرق وغيره، فيحتمل أنها تكون عندهم متواترة" اهـ محل الغرض منه.
    وكذلك أعلن ابن الجزري في نشره (1/41-43) متوكئا على نص نفيس عن ابن حيان الأندلسي منه: "... وهل هذه المختصرات التي بأيدي الناس اليوم كالتيسير والتبصرة والعنوان والشاطبية بالنسبة لما اشتهر من قراءات الأئمة السبعة إلا نزر من كثر وقطرة من قطر ، وينشأ الفروعي فلا يرى إلا مثل الشاطبية والعنوان فيعتقد أن السبعة [ يعني الأحرف السبعة ]محصورة في هذا فقط ، ومن كان له اطلاع على هذا الفن رأى أن هذين الكتابين ونحوهما من السبعة كثغبة من دأماء وتربة في بهماء ، وهذا أبو عمرو ابن العلاء الإمام الذي يقرأ أهل الشام ومصر بقراءته اشتهر عنه في هذه الكتب المختصرة اليزيدي وعنه رجلان الدوري والسوسي ، وعند أهل النقل اشتهر عنه سبعة عشر راويا : اليزيدي وشجاع وعبد الوارث والعباس بن الفضل وسعيد بن أوس وهارون الأعور والخفاف وعبيد بن عقيل وحسين الجعفي ويونس بن حبيب واللؤلؤي ومحبوب وخارجة والجهضمي وعصمة والأصمعي وأبو جعفر الرؤاسي فكيف تقصر قراءة أبي عمرو على اليزيدي ويلغى من سواه من الرواة على كثرتهم وضبطهم وثقتهم وربما يكون فيهم من هو أوثق وأعلم من اليزيدي ؟
    وننتقل إلى اليزيدي فنقول : اشتهر ممن روى عن اليزيدي الدوري والسوسي وأبو حمدان ومحمد بن أحمد بن جبير وأوقية أبو الفتح وأبو خلاد وجعفر بن حمدان سجادة وابن سعدان وأحمد بن محمد بن اليزيدي ، وأبو الحارث الليث بن خالد ، فهؤلاء عشرة فكيف يقتصر على أبي شعيب والدوري ويلغى بقية هؤلاء الرواة الذين شاركوهما في اليزيدي وربما فيهم من هو أضبط منهما وأوثق ؟
    وننتقل إلى الدوري فنقول : اشتهر ممن روى عنه ابن فرح وابن بشار وأبو الزعراء وابن مسعود السراج والكاغدي وابن برزة وأحمد بن حرب المعدل .
    وننتقل إلى ابن فرح فنقول : روى عنه ممن اشتهر : زيد بن أبي بلال وعمر بن عبد الصمد وأبو العباس بن محيريز وأبو محمد القطان والمطوعي وهكذا نزل هؤلاء القراء طبقة طبقة إلى زماننا هذا فكيف وهذا نافع الإمام الذي يقرأ أهل المغرب بقراءته اشتهر عنه في هذه الكتب المختصرة ورش وقالون وعند أهل النقل اشتهر عنه تسعة رجال : ورش وقالون وإسماعيل بن جعفر وأبو خليد وابن جماز وخارجة والأصمعي وكردم والمسيبي ؟
    وهكذا كل إمام من باقي السبعة قد اشتهر عنه رواة غير ما في هذه المختصرات فكيف يلغى نقلهم ويقتصر على اثنين ؟ وأي مزية وشرف لذينك الإثنين على رفقائهما وكلهم أخذوا عن شيخ واحد وكلهم ضابطون ثقات ؟ وأيضا فقد كان في زمان هؤلاء السبعة من أئمة الإسلام الناقلين القراءات عالم لا يحصون وإنما جاء مقرئ اختار هؤلاء وسماهم ولكسل بعض الناس وقصر الهمم وإرادة الله أن ينقص العلم اقتصروا على السبعة ثم اقتصروا من السبعة على نزر يسير منها انتهى " اهـ من النشر .
    قلت : ولا يخفى أن إسماعيل القاضي والمسيبي كانوا أعلى رتبة وأجل شأنا وأضبط وأوثق من قالون وورش وكذلك أخبرني شيخي صدّاف بن محمد البشير رحمه الله حين قراءتي عليه سنة 1409هـ وكان يعجب كثيرا من قصور الهمم عن القراءة بكتاب التعريف عن نافع لأبي عمرو الداني.
    وبعيدا عن التفصيل والبيان زعم البيان شذوذ بعض الأوجه في كتاب التعريف باستدلالات ثلاث:
    1. عدم تواتر القراءة بها من لدن عصر المؤلف إلى عصرنا هذا
    2. إجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول
    3. مخالفتها للمتلقى بالأسانيد المتواترة عن أهل الأداء الثقات عن الإمام نافع المدني
    قلت: ولا تعدو هذه الفتيا الوصف بالتدليس على الأمة والقول بغير علم.
    أما التدليس فلأن ابن الجزري نفسه لم يزعم التواتر في طيبته ونشره بل اختار القول بالشهرة والاستفاضة لفرط أمانته العلمية، وإنما الشهرة والاستفاضة لوصف الأداء غير المنصوص، أما الأداء المنصوص في أمهات كتب القرآن فهو أكثر من متواتر.
    قال ابن الجزري في النشر (1/13):"وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم" اهـ
    وقال عمرو ابن الحاجب: "والسبعة متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه" اهـ من النشر (1/13).
    ولا يتأتى لأحد إثبات التواتر في أداء متصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوقف على كل كلمة فيها الهمز بالتسهيل لحمزة ولا تواتر إمالة كل كلمة فيها هاء التأنيث للكسائي ولا تواتر الإدغام الكبير في كل جزئياته لأبي عمرو.
    ولأجل هذه الحقيقة الكبرى أعلن ابن الجزري أن اشتراط التواتر ينتفي معه كثير من حروف الخلاف الثابت عن السبعة وغيرهم وكما فسّره ابن الحاجب وخصصه بما كان من قبيل الأداء كالمد والإمالة ومذاهبهم في الهمز ...
    وفي غير ما كان من قبيل الأداء ككلمات الفرش فإن أعلى درجات صحتها هو اجتماع النص والأداء في كتب المصنفين من طرق الرواة مثل ابن مهران (ت 381 هـ) في غايته وعبد المنعم بن غلبون ( ت 389 هـ ) في إرشاده وطاهر بن غلبون (ت 399 هـ ) في تذكرته ومكي بن أبي طالب ( ت 437 هـ ) في تبصرته وأبي الفضل الخزاعي ( ت 408 هـ ) في المنتهى والطرسوسي ( ت 420 هـ ) في المجتبى والمهدوي ( ت 430 هـ ) في هدايته أبي عليّ المالكي ( ت 438 هـ ) في روضته وأبي عمرو الداني ( ت 444 هـ ) في جامعه وتيسيره وتعريفه وغيرها وابن فارس الخياط ( ت 452 هـ ) في جامعه وأبي الحسين الفارسي ( ت 461 هـ ) في جامعه وغيرهم في أمهات أودعها من حملوا إلينا القرآن عذبا وسلسلا تفاصيل أداء دوّنوه في حياتهم كما تلقوه من المقرئين أثناء قراءتهم القرآن من أوله إلى آخره ودوّنوا مع الأداء المنصوص تلقيهم أحرف الخلاف بالتحديث.
    تلكم الأمهات خصوصا في القرنين الرابع والخامس هي أعلى درجات الصحة أي متواترة لا يصح نسخها إلا بنصوص سابقة لا أسانيد متأخرة ظنية العدالة والضبط والدقة.
    أما الأمهات في القرن السادس فما بعده فهي عالة على نصوص المصنفين في القرنين الرابع والخامس وعلى أدائهم غير المنصوص وعلى تحديثهم بأحرف الخلاف.
    وأما الأمهات في القرون الثلاثة الأولى فهي الغاية القصوى والكنز الأعظم والعلم والدليل لقربها من الأداء الأول ولمعاصرتها نشأة تعدد القراءات والروايات.
    ولا قيمة لطعن على أداء منصوص في أمهات كتب القراءات إلا يكن بنص سبقه من مثله أو أضبط منه.
    وإن من المغالطة الإعلان عن هيمنة الأسانيد المعاصرة على أداء مدون منصوص قرأ به القرآن من أوله إلى آخره أئمة القراءات كابن مهران وابني غلبون والداني والقلانسي كل منهم عن شيوخه مسلسلا إلى الرواة والقراء أنفسهم.
    إن الأسانيد المعاصرة قد تطاول عليها العمر وأضْحتْ مَظنَّةَ الوهْمِ والمتاجرةِ ولِيَتَزَيّن بها من لا يفقهون ولا يدرون ما الرواية ولا الدراية، وإن من المتأخرين المعاصرين من قد زعموا رواية الهاء الخالصة مسلسلة في أسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
    إن الأداء بالقرآن كله أو بعضه لا يحتاج إلى اشتراط أو اقتران الإسناد، كما لا قيمة للأسانيد المتأخرة مع غير المتقنين المتخصصين أئمة الإقراء، ولعل الذين ينكرون هذه الكلية أن يجيبوا على التساؤلات التالية:
    1. في أواخر العهد النبوي: أفيدونا عن رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وتضمنت رسالته إلى هرقل عظيم الروم قوله تعالى ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ آل عمران، تلك الرسالة سلّمها الرسول بها على هرقل ودفعها هرقل إلى وزيره لفكّ الخاتم وقراءتها وترجمها، أترون الوزير وهو يقرأ تلك الآية قد قرأ من القرآن أو من كلام البشر؟
    2. أرأيتم عامة الناس عبر التاريخ الإسلامي منذ عصر التابعين إلى يومنا هذا ولا يحملون أسانيد ولا إجازات يقرأون القرآن في صلاتهم ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار هل يتأتى وصف ما يقرأون وما يتلون بأنه من كلام البشر؟
    وإنما أمهات القراءات قد أضافت نصوصا بضبط كلمات القرآن المختلف في أدائها وتلاوتها كما تلقاها المصنفون من طرق الرواة، ضبطا يؤهِّل المتأخرين لتلاوة كلمات القرآن دون الخطإ في أدائها.
    ولو غلب التحقيق لتوقفت الأسانيد عند المصنفين من طرق الرواة. وكل منهم ضمّن كتابه أسانيده بأدائه القرآن قراءة وبتلقيه أحرف الخلاف تحديثا.
    وكان من تدليس البيان التعريضُ بشذوذ طريق ابن نفيس لكل من قالون والأزرق التي عليها مدار تلاوة وأداء المغاربة جميعا في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وشنقيط وما وراءها من بلاد السودان منذ ألف سنة إلى يومنا هذا ، ولا يخفى أنها تميزت عن الحرز والتيسير والدرر اللوامع وإنما حوت الطيبة والنشر بعضا منها، وتفصيلها في كافي ابن شريح وتجريد ابن الفحام وتلخيص العبارات لابن بليمة وإقناع ابن الباذش .
    وأكبر من هذا التدليس زعم البيان تقوُّلا بغير علم إجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول، بل لا يسلم لهم زعمُ إجماع المتخصصين في المشرق فما بال البيان بأهل المغرب؟
    وإن طالب العلم من قطر شنقيط قد اتصل مباشرة بأئمة الإقراء في المغرب فأنكروا وأنكر معهم الإخوة المتخصصون في الجزائر، فمن أين علم البيان إجماع علماء المغرب إلا يكن من وحي الخيال والمزاج والتمني؟
    ولقد كنت ولا أزال بصدد دعوة الخواص أئمة القراءات المعاصرين إلى اجتماع عاجل يتدارسون الأمر ولعلهم يجددون علم القراءات بإحياء الأداء الأول الأداء بالمصاحف العثمانية الخمسة مستعينين بأمهات كتب القراءات في القرنين الرابع والخامس في العصر الذهبي لتدوين القراءات وبما سبقه من نصوص في القرون الثلاثة الأولى.
    ثالثا: علم القراءات : التأصيل والأركان والأسانيد
    ولا أجد فرقا بين تصورات العامة وبين بيان لجنة المصحف في المدينة المنورة القاضي بشذوذ كتاب التعريف للداني فاضطررت لإعلان الكليات التالية:
    1. أن للقراءات تأصيلا لا يزال غامضا.
    2. أن الأركان الثلاثة التي هي التواتر أو صحة السند وموافقة الرسم والنحو ليست ميزانا للمتأخرين إذ تعطل العمل بها منذ نشأة القراءات في صورتها الأخيرة.
    3. أن الأسانيد التي يتهافت عليها طلبة القرآن وبعض المقرئين ليست بديلا عن الأركان الثلاثة المبثوثة في النشر لابن الجزري وفي غيره من أمهاته.
    إن القراءات التي بأيدينا قد نشأت ابتداء من اختيارات الجيل الثالث بدْءًا بابن عامر الشامي (ت 118هـ) وابن كثير المكي (ت 120هـ) وعاصم ( ت 127هـ) وأبي جعفر المدني ( ت 130هـ) وكلهم من التابعين الكرام.
    ثم الجيل الرابع ومنه أبو عمرو (ت154هـ) وحمزة (ت 156هـ) وابن وردان (ت 160هــ) ونافع (ت 169هـ) وحفص (ت 180هــ) والكسائي (ت 189هـ) وشعبة ( ت 193هــ).
    ثم الجيل الخامس ومنه ورش (ت197هــ) وابن ذكوان (ت 202هــ) ويعقوب (ت 205هـ ) وخلاد (ت 220هــ) وقالون (ت 220هــ) وخلف (ت 229 هـ) ورَوْح (ت 235هــ) ورويس (ت 238هــ) وأبو الحارث (ت 240هــ) وهشام (ت245هــ) والدوري (ت 246هــ)
    ثم الجيل السادس الذي اختص بالرواة وهم البزي (ت 250هــ) والسوسي (ت 261هــ) وإسحاق الوراق (ت 286هــ) وقنبل (ت 291هــ) وإدريس الحداد (ت 296هــ) والأصبهاني (ت 296هــ).
    وتلاحظ الوسائطُ بين ابن كثير وبين راوييه البزي وقنبل وكذا بين ورش وبين الأصبهاني والواسطة بين الشامي وبين راوييه ابن ذكوان وهشام.
    ولكم أن تتصوروا القيمة العلمية لاختيار أبي جعفر ( ت 130هـ) لقربه من الأداء بالمصحف المدني وتقارنوا بينه وبين الأداء الذي قرأ به الأصبهاني (ت 296هــ) عن شيوخه وشيوخ شيوخه عن ورش عن نافع وما نزل به سنده وأداؤه قبل أن يصبح الأداء منصوصا في مصنفات طرق الرواة.
    أما الجيل الأول فهم الصحابة الكرام الذين رافقوا المصاحف العثمانية وأقرأوا الناس بأدائها.
    وأما الجيل الثاني فهم رعيل التابعين الذين تلقّوا القرآن من حملة المصاحف العثمانية وممن أخذ منهم مباشرة:
    ففي المدينة النبوية: مثل ابن المسيب وعروة وسالم وعمر بن عبد العزيز وابن هرمز وابن جندب .
    وفي مكة: مثل طاووس ومجاهد وعكرمة بمكة.
    وفي دمشق: مثل المغيرة بن أبي شهاب المخزومي وخليد بن سعد.
    وفي البصرة: مثل أبي العالية ويحيى بن يعمر وأبو رجاء وابن سيرين.
    وفي الكوفة: مثل أبي عبد الرحمان السلمي وزر بن حبيش وسعيد بن جبير.
    وأخذ عن هؤلاء ونظرائهم متأخروا التابعين القراء الأربعة وغيرهم من قراء الجيل الثالث.
    ولقد استغربت قبل ربع قرن ولا أزال نقاشا في النشر والمتون قبله ولدى المتأخرين حول الأركان الثلاثة.
    والحق يقال أن هذه الأركان كانت ميزانا وضعه المصنفون الأوائل الذين كانوا يجمعون ما وصل إليهم من الأداء لحفظ القراءات والروايات وضابطا لقبول انشطارها وتعدّدها إذ كانوا يكتفون بصحة السند إلى أحد المصنفين أو أئمة القراءات.
    وأجدني مَدِينًا للمصنفين من طرق الرواة في القرن الثالث والرابع والخامس للهجرة معلنا تزكيتهم بمباركتي أمانتهم العلمية إذ لم يخلطوا ولم يدلّسوا على العامة ولا الخاصة بل أعلنوا الأداء بالقرآن منصوصا في كتب من تقدمهم وقرأوا به القرآن من أوله إلى آخره وغير منصوص كما قرأوا به على شيوخهم قراءة مسلسلة متصلة وأعلنوا تلقيهم أحرف الخلاف غير مقترنة بقراءة القرآن وأعلنوا القياس في الأصول خاصة كالغنة والمد والإدغام والتسهيل والنقل ... غير مدلّسين فجزاهم الله خيرا بما نقلوا إلينا القرآن عذبا فراتا وسلسلا.
    قال ابن الجزري في النشر (1/9 ) " ثم إن القراء بعد هؤلاء المذكورين كثروا وتفرقوا في البلاد وانتشروا وخلفهم أمم بعد أمم وعرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية ومنهم المقصّر على وصف من هذه الأوصاف وكثر بينهم لذلك الاختلاف وقلّ الضبط واتسع الخرق وكاد الباطل يلتبس بالحق فقام جهابذة علماء الأمة وصناديد الأئمة فبالغوا في الاجتهاد وبينوا الحق المراد وجمعوا الحروف والقراءات وعزوا الوجوه والروايات وميزوا بين المشهور والشاذ والصحيح والفاذ بأصول أصّلوها وأركان فصّلوها وها نحن نشير إليها ونعوّل كما عوّلوا عليها فنقول : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها "اهـ بلفظه .
    إن القول بثبوت القرآن بصحة السند واستفاضته دون اشتراط التواتر ليعني تشريع إنشاء القراءات وقبول انشطارها وتعدّدها كالذي عرفته الأمة في القرن الثالث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزال المتخصصون في القراءات والباحثون المتأخرون متمسكين به تقليدا منهم، كما لا تزال عامة الناس تقرأ القرآن متواترا لديها خلَفا عن سلف تواتر صلاتهم الفجر ركعتين والظهر أربعا والعصر أربعا والمغرب ثلاثا والعشاء أربعا بالكيفية المعلومة إسرارا وجهرا وقياما وركوعا وسجودا وتواتر صيامهم وقيامهم رمضان وتواتر كيفية الحج تواترا لا يحتاج معه اللاحِقُ إلى إجازة وإسناد من السابقِ ولا الخلَفُ من سلفِه.
    ولكأني باللجنة العلمية لمصحف المدينة المنورة قد التُبس عليهم فلم يتبيّنوا ضعف القيمة العلمية لإسناد معاصر مسلسل بحديث نبوي خلت منه كتب الحديث النبوي المعلومة، وكذلك لا قيمة اليوم لأسانيد الدنيا مجتمعة بأداء خلت منه أمهات كتب القراءات المعلومة، بل تكتسب الأسانيد المعاصرة قيمتها من موافقة كتاب من كتب أمهات القراءات.
    إن الأداء المنصوص في أمهات كتب القراءات الذي قرأ به المصنفون الأولون ليعني أن كل مصنف من طرق الرواة يومئذ قد أذن لمن يأتي بعده بقراءة القرآن بمضمن كتابه، وفقه المحقق ابن الجزري ذلك فأذن في طيبته بقراءة القرآن بمضمن الطيبة كما هي دلالة قوله في آخرها:
    وَقَدْ أَجَزْتُهَا لِكُلِّ مُقْرِي / كَذَا أَجَزْتُ كُلَّ مَنْ فِي عَصْرِي
    رِوَايَةً بِشَرْطِهَا الْمُعْتَبَرِ / وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْجَزَرِي
    ولا يتأتى قصره على تلامذته الذين قرأوا عليه بمضمنها لإعلانه أنه أجاز كل من في عصره بمضمنها ومنهم من لم يقرأ عليه ولم يجتمع به ولم يلتقه ولإعلانه إجازته بمضمنها كل مقرئ متأخر عنه بقرينة تخصيص معاصريه بعد ذلك وليقتصر الأداء والإسناد على الشرط المعتبر وهو التقيد بما في الكتاب الأم.
    ومما لا يخفى على غير الأعشى أن القيمة العلمية لحرز الأماني أقل من أصله التيسير، وكذلك مصنفات الداني بالنسبة لمن سبقه من مصنفي طرق الرواة كابن مهران وابن مجاهد وابني غلبون فكيف تأتّى للجنة العلمية نسخ أمهات كتب القراءات ومنها كتاب التعريف للداني بشروح فرعية متأخرة عنه.
    إن تلك المتون من مصنفات طرق الرواة في القرنين الرابع والخامس لمن حفظ القرآن وأدائه لئلا يختلط أو يلتبس الأداء على شيخ يقرئ القرآن من حفظه إذ قد تصيبه آفات النسيان والهرم والخرف وليرجع طلابه إلى الكتاب الأم.
    وتتيح تلك النصوص في مصنفات طرق الرواة عودة آمنة إلى الأداء الأول الذي أقرأ به الصحابة الذين رافقوا المصاحف العثمانية بل لا فرق بين الطعن فيها وبين طعن الشيعة الروافض في الصحابة الكرام وما نقموا منهم إلا أن نصروا نبي الله ورسوله بالقرآن العظيم.
    ذلكم من تأصيل استغرابي وإنكاري فتوى لجنة المصحف في المدينة بإبطال القراءة بمفردة نافع لأبي عمرو الداني واعتمادها الدرر اللوامع وشروحه المتأخرة المصنفة في عصور الانحطاط.
    يتواصل
    الحسن محمد ماديك

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •