بسم الله الرحمن الرحيم
الملاحظ أن الأمة الإسلامية تعيش خارج العصر؛ وهذا منذ فترة من التاريخ ليست بالهينة، فهي تعاني من مرض عضال، بل من أمراض؛ لا بد من فحصها وتشخيصها تشخيصا منهجيا وعلميا؛ حتى يتسنى لنا معالجتها، مع أخذ الاعتبار بأن تحليل المشكلة واقتراح الحلول يخضع للخلفية العقدية والفكرية والسياسية والاجتماعية للمحلل، وحتى لمزاجه ونفسيته، ولكن مع الأسف في الغالب لا يتناول هذا التشخيص الموجود على الساحة الفكرية حقيقة المرض وإنما يتحدث عن أعراضه، وبالتبع عن المسكنات والحلول المؤقتة لتلك الأعراض؛ فلا علاج للداء نفسه ولا استئصال للورم أو العضو المتورم ليسلم الباقي، لذلك لا تزال الأمة تعاني من الجهل والاستبداد والأمية الحضارية والشلل العقلي.
إن بعض النخب من هذه الأمة وجهوا الهوائي نحو الحضارة الغربية يرومون العلاج للأمة من أمراضها؛ دون أن يعينوا المرض ولا الدواء المناسب ولا مدة العلاج، فمن الطبيعي أن لا تكون النتيجة المحصلة مطابقة للمتوقعة أو المرجوة، وآخرون فتحوا نافذة التاريخ ليستخرجوا من بطونه؛ لكنهم كانوا كحاطب ليل، فلم يميزوا بين غثه وسمينه؛ ولا بين حقه وباطله، ولم يفهموا التعديل الذي ينبغي أن يضاف إليها، فأوقفوا أنفسهم –دون أن يعوا- على تأخير الأمة عن التجديد وعن ركب الحضارة عموما.
ورغم المساعي المشكورة والجهود المحمودة من البعض؛ إلا أنها تظل غير كافية، فبالمقارنة مع أمم أخرى فإن الجهل لا يزال هو هو، والاستبداد هو هو، والتخلف هو هو؛ بل المرض يزيد ويستفحل باستمرار، وهذا أمر في غاية الخطورة و في غاية الغرابة، إذ نرى سلبية منقطعة النظير؛ فلا وجود للفاعلية في العالم الإسلامي، ولا للعمل الجماعي بالمفهوم الحقيقي للتعاون على الخير، ولا للتخطيط والتنظيم، أضف استفحال الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ مما يحول دون الشفاء والنهوض؛ بله التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
إن العالم الإسلامي يعمل منذ عقود من الزمن على استيراد وجمع منتجات الحضارة الغربية، أكثر من أن يهدف إلى بناء حضارة تخصه؛ رغم وجود مقوماتها معه، وقد تنتهي هذه العملية ضمنا إلى أن نحصل على نتيجة ما، بمقتضى القانون الكوني، فكم ضخم من المنتجات المتزايدة دائما، يمكن أن يحقق على طول الزمن، وبدون قصد شبه حضارة؛ أو كما يسميها مالك بن نبي (حالة حضارة)، ولكنا نرى فرقا شاسعا بين هذه الحالة الحضارية، وبين تجربة مخططة ومنظمة كتلك التي ارتسمتها دول خرجت من الحرب العالمية ضعيفة ومحطمة وشعوبها منهكة؛ منذ زمن ليس بالبعيد، فهذه التجربة تبرهن على أن الواقع الاجتماعي خاضع لمنهج علمي، تطبق عليه فيه قوانين علمية سواء في تكونه أم في تطوره.
إن التنظيم اللازم والتخطيط المحكم هو شرط لازم في بناء الحضارة لكنه غير كاف، وقد يسرع عمليات تحول وانتقال الشعوب من حالة الفوضى واللاحضارة إلى حالة راقية من التحضر.