الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله
أما بعد ، فهذه بعض مسائل الإمام الجليل حرب بن اسماعيل الكرماني تلميذ الإمام أحمد يلخص فيها رحمه الله عقيدة السلف الصالح بأوجز عبارة و أوضح بيان أحببت أن أذكر بها إخوتي طلبة العلم
والله ولي التوفيق
قال رحمه الله:
هذه مذاهب أهل العلم و أصحاب الأثر و أهل السنة المتمسكين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي إلى يومنا هذا و أدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز و الشام و غيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة زائل عن منهج السنة و سبيل الحق قال و هو مذهب احمد و إسحاق بن إبراهيم و عبد الله بن مخلد و عبد الله بن الزبير الحميدي و سعيد بن منصور و غيرهم كمن جالسنا و أخذنا عنهم العلم
و كان من قولهم أن الإيمان قول و عمل و نية و تمسك بالسنة و الإيمان يزيد و ينقص و يستثنى من الإيمان غير أن لا يكون الاستثناء شكا إنما هي سنة ماضية سد العلماء فإذا سئل الرجل أمؤمن أنت فانه يقول انا مؤمن أن شاء الله أو مؤمن ارجوا و يقول أمنت بالله و ملائكته و كتبه ورسله و من زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجىء و من زعم أن الإيمان هو القول و الأعمال شرائع فهو مرجئ و من زعم أن الإيمان يزيد و لا ينقص فقد قال بقول المرجئة و من لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ و من زعم أن إيمانه كإيمان جبريل و الملائكة فهو مرجئ و من زعم أن المعرفة في القلب و أن لم يتكلم بها فهو مرجئ و القدر خيره و شره و قليله و كثيره و ظاهره و باطنه و حلوه و مره و محبوبه و مكروهه و حسنه و سيئه و أوله و آخره من الله عز و جل قضاء قضاه على عباده و قدر قدره عليهم لا يعدوا واحد منهم مشيئة الله و لا يجاوزه قضاؤه بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له واقعون فيما قدر عليهم و هو عدل منه جل ربنا و عز و الزنا و السرقة و شرب الخمر و قتل النفس و أكل المال الحرام و الشرك و المعاصي كلها بقضاء الله من غير أن يكون لأحد من خلقه على الله حجة بل لله الحجة البالغة على خلقه لا يسئل عما يفعل و هم يسئلون و علم الله عز و جل ماض في خلقه بمشيئة منه سبحانه و تعالى فهو سبحانه قد علم من إبليس و من غيره ممن عصاه من لدن عصى الله تبارك وتعالى إلى قيام الساعة المعصية و خلقهم لها وعلم الطاعة اهل الطاعة وخلقهم لها فكل يعمل لما خلق له له و صائر إلى ما قضى عليه لا يعدو أحد منهم قدر الله و مشيئته و الله الفعال لما يريد و من زعم أن الله سبحانه و تعالى شاء لعباده الذين عصوه و تكبروا الخير و الطاعة و أن العباد شاءوا لانفسهم الشر و المعصية فعملوا على مشيئتهم فقد زعم أن مشيئته العباد اغلب من مشيئة الله تعالى و أي افتراء على الله اكبر من هذا و من زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له أرايت هذه المرأة حملت من الزنا و جاءت بولد هل شاء الله عز و جل أن يخلق هذا الولد و هل مضى في سابق علمه فان قال لا فقد زعم أن مع الله خالقا و هذا الشرك صراحا و من زعم أن السرقة و شرب الخمر و أكل المال الحرام ليس بقضاء و قدر فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره و هذا صراح قول المجوسية بل أكل رزقه الذي قضى الله أن يأكله من الوجه الذي أكله و من زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز و جل فقد زعم ان المقتول مات بغير اجله و أي كفر أوضح من هذا بل ذلك بقضاء الله عز و جل و ذلك عدل منه في خلقه و تدبيره فيهم و ما جرى من سابق علمه فيهم و هو العدل الحق الذي يفعل ما يريد و من اقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر و المشيئة على الصغر و القماءة و لا نشهد على أحد من أهل القبلة انه في النار لذنب عمله و لا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء في حديث ولا بنص الشهادة و لا نشهد لأحد انه في الجنة بصالح عمله و لا لخير أتاه إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي و لا بنص الشهادة و الخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان و ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها و لا نخرج عليهم و لا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة و الجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا لا يبطله جور جائر و لا عدل عادل و الجمعة و العيدان و الحج مع سلطان و أن لم يكونوا بررة عدو لا اتقياء وأتقياء و دفع الصدقات و الخراج و الأعشار و الفيء و الغنائم إليهم عدلوا فيها أو جاروا و الانقياد لمن والاه الله عز و جل أمركم لا تنزع يدا من طاعته و لا تخرج عليه بسيف حتى يجعل الله لك فرجا و مخرجا و لا تخرج على السلطان و تسمع و تطيع و لا تنكث بيعته فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للسنة للجماعة و أن أمرك السلطان بأمر فيه لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة و ليس لك أن تخرج عليه و لا تمنعه حقه و الإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب احترامها فان أبتليت فقدم نفسك دون دينك و لا تعن على الفتنة بيد و لا لسان و لكن اكفف لسانك و يدك و هواك و الله المعين و الكف عن أهل القبلة فلا تكفر أحدا منهم بذنب و لا تخرجه عن الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديثا كما جاء و ما روى فتصدقه و تقبله و تعلم انه كما روى نحو كفر من يستحل نحو ترك الصلاة و شرب الخمر و ما أشبه ذلك أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر و الخروج من الإسلام فاتبع ذلك و لا تجاوزه و الأعور الدجال خارج لا شك في ذلك و لا ارتياب و هو اكذب الكاذبين و عذاب القبر حق يسال العبد عن دينه و عن ربه و عن الجنة و عن النار و منكر و نكير حق و هما فتانا القبر نسال الله الثبات و حوض محمد حق حوض ترده أمته و لهم آنية يشربون بها منه و الصراط حق يوضع على سواء جهنم و يمر الناس عليه و الجنة من وراء ذلك و الميزان حق يوزن به الحسنات و السيئات كما شاء الله أن يوزن و الصور حق ينفخ فيه اسرافيل فتموت الخلق ثم ينفخ فيه الأخرى فيقومون لرب العالمين للحساب و فصل القضاء و الثواب و العقاب و الجنة و النار و اللوح المحفوظ يستنسخ منه أعمال العباد لما سبق فيه من التقادير و القضاء و القلم حق كتب الله به مقادير كل شيء و أحصاه في الذكر و الشفاعة يوم القيامة حق يشفع قوم في قوم فلا يصيرون إلى النار و يخرج قوم من النار بعدما دخلوها و لبثوا فيها ما شاء الله ثم يخرجهم من النار و قوم يخلدون فيها أبدا و هم أهل الشرك و التكذيب و الجحود و الكفر بالله عز و جل و يذبح الموت يوم القيامة بين الجنة و النار و قد خلقت الجنة و ما فيها و خلقت النار و ما فيها خلقهما الله عز و جل و خلق الخلق لهما و لا يفنيان و لا يفنى فيهما ما فيهما أبدا فإذا احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز و جل كل شيء هالك إلا وجهه و بنحو هذا من متشابه القرآن قيل له كل شيء مما كتب الله عليه الفناء و الهلاك هالك و الجنة و النار خلقهما الله للبقاء لا للفناء و لا للهلاك و هما من الآخرة لا من الدنيا و الحور العين لا يمتن عند قيام الساعة و لا عند النفخة و لا أبدا لان الله عز و جل خلقهن للبقاء لا للفناء و لم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع ضل عن سواء السبيل و خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض و سبع أرضين بعضها اسفل من بعض و بين الأرض العليا و السماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام و بين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام و الماء فوق السماء العليا السابعة و عرش الرحمن عز و جل فوق الماء و الله عز و جل على العرش و الكرسي موضع قدميه و هو يعلم ما في السماوات و الأرضين و ما بينهما و ما تحت الثرى و ما في قعر البحر و منبت كل شعرة و شجرة و كل زرع وكل نبات و مسقط كل ورقة عدد كل كلمة و عدد الرمل و الحصى و التراب و مثاقيل الجبال و أعمال العباد و أثارهم و كلامهم و أنفاسهم و يعلم كل شيء و لا يخفى عليه من ذلك شيء و هو على العرش فوق السماء السابعة و دونه حجب من نار و نور و ظلمة و ما هو اعلم به فإذا احتج مبتدع أو مخالف بقول الله عز و جل و نحن اقرب إليه من حبل الوريد و قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا خمسة إلا هو سادسهم و لا أدنى من ذلك ولا اكثر إلا هو معهم أينما كانوا و نحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني بذلك العلم أن الله عز و جل على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله و هو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان و لله عز و جل عرش و للعرش حملة يحملونه و الله عز و جل مستو على عرشه و ليس له حد و الله عز و جل سميع لا يشك بصير لا يرتاب عليم لا يجهل جواد لا يبخل حليم لا يعجل حفيظ لا ينسى و لا يسهو قريب لا يغفل و يتكلم و ينظر و يبسط و يضحك و يفرح و يحب و يكره و يبغض و يرضى و يغضب و يسخط و يرحم و يعفو و يغفر و يعطي و يمنع و ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء ليس كمثله شيء و هو السميع البصير و قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء و يوعيها ما أراد و خلق آدم بيده على صورته و السموات و الأرض يوم القيامة في كفه و يضع قدمه في النار فتنزوي و يخرج قوما من النار بيده و ينظر إلى وجهه أهل الجنة يرونه فيكرمهم و يتجلى لهم و تعرض عليه العباد يوم القيامة و يتولى حسابهم بنفسه و لا يلى ذلك غير الله عز و وجل والقرآن كلام الله الذي تكلم به وليس بمخلوق فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر و من زعم أن القرآن كلام الله و وقف و لم يقل ليس بمخلوق فهو اخبث من القول الأول و من زعم أن ألفاظنا و تلاوتنا مخلوقة و القرآن كلام الله فهو جهمي و كلم الله موسى تكليما منه إليه و ناوله التوراة من يده إلى يده و لم يزل الله عز و جل متكلما و الرؤيا من الله و هي حق إذا رأى صاحبها في منامه ما ليس ضغثا فقصها على عالم وصدق فيها فأولها العالم على اصل تأويلها الصحيح و لم يحرف فالرؤيا تأويلها حينئذ حق و قد كانت الرؤيا من الأنبياء وحيا فأي جاهل اجهل ممن يطعن في الرؤيا و يزعم أنها ليست بشيء و بلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام و قد روى عن النبي أن رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده و قال أن الرؤيا من الله و ذكر محاسن أصحاب رسول الله كلهم و الكف عن ذكر مساويهم التي شجرت بينهم فمن سب أصحاب رسول الله أو واحدا منهم أو نقصه أو طعن عليه أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا بل حبهم سنة و الدعاء لهم قربة و الاقتداء بهم وسيلة و الأخذ باثارهم بها فضيلة و خير الأمة بعد النبي أبو بكر وعمر بعد ابي بكر و عثمان بعد عمر و علي بعد عثمان و وقف قوم على عثمان و هم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم و لا أن يطعن في واحد منهم بعيب و لا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه و عقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه و يستتيبه فان تاب قبل منه و أن لم يتب أعاد عليه العقوبة و خلده في الحبس حتى يموت أو يرجع و نعرف للعرب حقها و فضلها و سابقتها و نحبهم لحديث الرسول الله فان احبهم إيمان و بغضهم نفاق و لا نقول بقول الشعوبية و أراذل الموالي الذين لا يحبون العرب و لا يقرون لهم بفضل فان قولهم بدعة و من حرم المكاسب و التجارات و طلب المال من وجهه فقد جهل و أخطأ و خالف بل المكاسب من وجوهها خلال قد احلها الله عز و جل و رسوله فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه و عياله من فضل ربه فان ترك ذلك على انه لا ير الكسب فهو مخالف و الدين إنما هو كتاب الله عز و جل و اثار و سنن و روايات صحاح عن الثقات بالإخبار الصحيحة القوية المعروفة يصدق بعضها بعضا حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله و أصحابه رضي الله عنهم و التابعين و تابعي التابعين و من بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم المتمسكين بالسنة و المتعلقين بالآثار و لا يعرفون ببدعة و لا يطعن فيهم بكذب و لا يرمون بخلاف إلى أن قال فهذه الأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة و الجماعة و الأثر و أصحاب الروايات و حملة العلم الذين أدركناهم و أخذنا عنهم الحديث و تعلمنا منهم السنن و كانوا أئمة معروفين ثقات أهل صدق و أمانة يقتدى بهم و يؤخذ عنهم و لم يكونوا أهل بدعة و لا خلاف و لا تخليط و هو قول أئمتهم و علمائهم الذين كانوا قبلهم فتمسكوا بذلك و تعلموه و علموه
نقلها من كتاب حادي الأرواح : طويلب العلم بحليل محمد