غزارة الفوائد والتوضيح لشعيرة النهي عن المنكر والأمر بالمعروف
متجدد في أربع جلسات فوائد من كتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وواقع المسلمين اليوم، لصالح بن عبد الله الدرويش قاضي القطيف سابقا والقاضي بالاستئناف بمكة المكرمة ، ط 1، 1412 هـ، دار الوطن للنشر، الرياض)

الجلسة الثانية:
ـ قليل من يستخدم المنهج العملي في توضيح هذه الشعيرة ..
ـ تحتاج إلى دراسات متتابعة وإيضاح مستمر ..
ـ لا بد من ( الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله) . وهذا واقع في هذه الأزمان..
ـ الأعمال والمؤسسات الحكومية اليوم التي تمارس بعض الأعمال السيادية في البلاد تقع في المنكر وعدم فعل المعروف جهارا كشرب الدخان وترك الصلاة ..
ـ المنهج التطبيقي عند بعض الدعاة إلى الله تعالى والعلماء وطلاب العلم لهذه الشعيرة معدوم أو شبه معدوم ... فقد تركوه بأفعالهم ، ولقلة منهم مساهمات بأقلامهم ..
ـ يعتقد كثير من المسلمين أنه معفيٌّ من وجوب إنكار المنكر على الأقل في الوقت الحاضر ، بل من الدعاة من يربي أتباعه على ترك النهي عن المنكرات ...
ـ ويبرر أصحاب ىهذا الاتجاه فعلهم بحجج :
أن الاشتغال بالانكار مضيعة للوقت والجهد ، وأن القيام بهذه المهمة يسبب فتنا ومحنا كثيرة ، وأن من فقه الانكار تركه لأنه من فروع الدين ، وأن الانكار سبب لنفور الناس من الداعية ، واستصغار النفس وأن الورع ترك الانكار ... وكل ذلك عائد على الفهم الخاطيء لبعض النصوص الشرعية ...
ـ والانكار له مفهومه الشامل ، فيقوم الداعية بما يناسه .. بحيث لا يلحق الضرر على نفسه ... وهل قولك مثلا لجارك التارك للصلاة : (صل) .. له مخاطر أمنية عليك ؟
ـ للأسف تربى الشباب على ترك الانكار بالكلية .. فهو أمر جلل وآثاره وخيمة ...
ـ على المحتسب مراعاة ما يترتب على قيامه بانكار المنكر .
ـ الأمر والنهي واجب على المستطيع حسب مقدرته وقدرته ..
ـ العبارات الصريحة من العوام لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبحت عادات وتقاليد (خليك في نفسك).
ـ يوسوس لهم الشيطان ويزين لهم ترك الخير فيقول لهم : وكيف تأمر وتنهى مع وجود الشيخ فلان وفلان ؟
ـ قلة التوجيه والارشاد في انكار المنكرات من العلماء والدعاة أنتج جهلا مركبا بفقه الانكار لدى بعض شباب الصحوة الإسلامية .
ـ ضرورة القيام بالانكار الآن لدفع الغربة ، والآثار المحمودة المترتبة على القيام به .
ـ من الفطرة الأمر والنهي .. فمن طبيعة البشر الائتلاف والاجتماع والارشاد والنصح فيما بينهم .
ـ هناك فرق بين الصالحين في أنفسهم ، والمصلحين لغيرهم .
ـ الساكتون عن النهي عن المنكر من الظالمين ، لأنهم ارتكبوا ذنبا عظيما ... فهم من جملة الظالمين ..
ـ القيام بتلك الفريضة متعين على العلماء أكثر من غيرهم ، لأنهم ورثة الأنبياء ، إنهم ولاة أمر هذه الأمة مع الأمراء لكي يتميزوا عن علماء أهل الكتاب قال تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّو نَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ). قال ابن جرير: كَانَ الْعُلَمَاء يَقُولُونَ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَشَدّ تَوْبِيخًا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَة وَلَا أَخْوَف عَلَيْهِمْ مِنْهَا .
ـ أين علماء اليوم من فقه هذه الآية وأمثالها ؟
ـ من سرّه أن يكون من تلك الأمة ـ أمة محمد صلى الله عليه وسلم ـ فليؤد شرط الله فيها. رواه ابن جرير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ـ صفة من صفات المؤمنين قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُو َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
ـ المؤمن مشتاق إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
عن عُمَر بْن صَالِحٍ , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ـ أي الإمام أحمد بن حنبل ـ " يَا أَبَا حَفْصٍ ، يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ فِيهِ بَيْنَهُمْ مِثْلَ الْجِيفَةِ ، وَيَكُونُ الْمُنَافِقُ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ " . فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يُشَارُ إِلَى الْمُنَافِقِ بِالأَصَابِعِ ؟ فَقَالَ : " يَا أَبَا حَفْصٍ ، صَيَّرُوا أَمْرَ اللَّهِ فُضُولا " . وَقَالَ : " الْمُؤْمِنُ إِذَا رَأَى أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ نَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يَصْبِرْ حَتَّى يَأْمُرَ وَيَنْهِيَ " ، يَعْنِي قَالُوا : هَذَا فُضُولٌ ، قَالَ : وَالْمُنَافِقُ كُلُّ شَيْءٍ يَرَاهُ ، قَالَ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ ، فَقَالُوا : " نِعْمَ الرَّجُلُ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُضُولِ عَمَلٌ " .
ـ والواقع الآن يشهد بأن كثيرا من الدعاة لا يقيم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزنا ، وهو عندهم على هامش الدعوة ، بدليل خلو مناهجهم وخططهم منه ، وعدم وجود الحسبة في تنظيماتهم الخاصة بهم ، وبُعد أتباعهم عن الاهتمام به ، فإن لم يقوموا به فيما بينهم .. فكيف مع غيرهم؟!
لذا على الدعاة إعادة النظر في حالهم ، والتأمل في قوله تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).. ودراسة هذه الآية ، ودراسة من هم الموعودون بنصر الله .
ـ والمجتمع الذي يسوده البر وتكون الغلبة في لأهل الاستقامة هو المجتمع الصالح .
ـ من أعظم أسباب غلبة الخير وزوال غربته (أداء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
ـ السائد اليوم وإلى الله المشتكى أن المتمسك بدينه كالقابض على الجمر ... لأن المستقيم في هذه الحالة يسبح ضد التيار ، ويصبح الفرد العادي الساذج أميل إلى الشر والانحراف لطغيان البيئة وقوة تأثيرها في أفرادها .. فتيار البيئة تيار جارف لا يكاد يسير في اتجاهه المعاكس إلا القلة الموفقة من عباد الله ..
قال صلى الله عليه وسلم : (" مَا كَانَ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْدُونَ بِهَدْيِهِ ، وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ، وَيَعْمَلُونَ مَا تُنْكِرُونَ ، مَنْ جَاهَدَهْمُ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ "). تأمل معي العموم في قوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ جَاهَدَهْمُ ) فهو خطاب شامل لأفراد الأمة .
ـ وعليك أن تتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم وتفريط بعض علمائها وحكامها ودعاتها وسقوطها في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ... وإن كان الأخير ـ وهو الأمر بالمعروف ـ أحسن حالا من الأول ـ وهو النهي عن المنكر ـ لدى العلماء والدعاة خاصة ، ولا سيما المعروف الذي لا يتضمن نهيا عن منكر ...
ـ قال الغزالي في الإحياء: أما بعد: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد، وقد كان الذي خفنا أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه فاستولت على القلوب مداهنة الخلق ... انتهى.
ـ عمومية المخاطبين بهذه الفريضة : (من رأى منكم منكرا...) .
ـ قال ابن تيمية : والخلاصة التي ينبغي إدراكها أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل يدخل فيه الدعوة إلى الله عز وجل والجهاد ...).
ـ ليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحاجة إلى أنظمة وتعاليم زمؤسسات يمارسه المسلم من خلالها ، وهذه من واجبات ولي الأمر ولها أهميتها ، لكن إذا لم توجد فعلى المسلم بأمر رب العزة والجلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وكيف نطلب من صاحب المنكرات أن يأذن لنا في الانكار عليه ؟
ـ الوارد في النصوص ما يدل على عدم اعتبار إذن الإمام في تطبيق هذه الشعيرة .
ـ قال النووي: ولا يختص النهي والأمر بأصحاب الولايات والمراتب ، بل ثابت ذلك لآحاد المسلمين .
هذه الفريضة مهمة جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ..
ـ الأمر والنهي هو الميدان العملي لتحيق مبدأ الترابط الأخلاقي والأدبي بل والفكري .
ـ بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيق لمبدأ المساواة .. فإن العامي الذي يعلم بحرمة منكر ما ينهي العالم المرتكب لذلك المنكر .. مهما كانت منزلة العالم ومنصبه .
ـ مسألة مهمة جدا نشرها وهي : أن الله أعطانا الحق في مراقبة تصرفات ولي الأمر والانكار عليه ...
د/ أبو مسلم خالد مصطفى الوكيل.